عرف النشاط التجاري بالمدينة الجديدة علي منجلي، في مدينة قسنطينة، انفجارا كبيرا، في ظل الترحيلات المتتالية و انتقال جزء من الأنشطة الإدارية نحو هذا التوسع الحضري الذي تحول إلى منطقة جذب للاستثمارات، على غرار الأسواق الحضرية و المراكز التجارية، و يتوقع تجار و متابعون أن تصبح المدينة الجديدة، في غضون الخمس سنوات القادمة، قطبا تجاريا جهويا نشطا، خصوصا في ظل التوجه نحو استحداث سوق لتجارة الجملة و التجزئة بالتوسعة الغربية.

يأتي هذا في وقت ينتقد فيه البعض، فوضوية التوسع التجاري في المنطقة و ضعف العملية التشاركية في النفقة العمومية، بفعل انعدام التحصيل الضريبي. كما يحذرون من تكرار التجربة الحضرية الفاشلة و ظهور مدينة كاملة للتجارة الموازية و غير المقننة، سيصعب جدا تنظيمها أو التحكم فيها مستقبلا.
المراكز التجارية نقطة التحول

سخر لإنجاز المدينة الجديدة غلافا ماليا يزيد عن 20 مليار دينار، و تمتد على مساحة تتعدى 1500 هكتار، كما تضم حاليا ما يزيد عن نصف مليون نسمة، و رغم كل النقائص التي رافقت استحداث هذا التوسع، إلا أن عملية الانتقال أفرزت تناميا متسارعا للأنشطة التجارية التي تطغى بشكل كبير على الولاية  المنتدبة حديثا، و التي كانت في وقت سابق تابعة لدائرة الخروب، وهو تحديدا ما يحول دون ضبط أرقام محددة تلخص حجم النشاط التجاري بها.تشير المعطيات إلى أن إقليم الخروب يحصي 13 ألف و 273 تاجرا، مسجلين بصفة شخص طبيعي، مقابل 2046 سجلا تجاريا لأشخاص معنويين، و هي إحصائيات تخص شهر أفريل 2021.
 ولعل نقطة التحول الرئيسية، التي ضاعفت اهتمام التجار بالمدينة الجديدة، كانت ظهور مشاريع المراكز التجارية مثل "الرتاج" و "سون فيزا" و "لا كوبول" و "الرفاهية" و "الرتاج مول"، وذلك بداية من سنوات 2014 و 2015 و 2016.
 سمح هذا النموذج الجديد من المؤسسات التجارية، بإعادة هيكلة الممارسات التجارية بالمدينة، بما يستقطب تدفقا كبيرا للزبائن، فاستخدمت المساحات الكبيرة والواجهات الفاخرة كعنصر جلب، كما سخرت وسائل الإعلان بمختلف الأساليب (ومضات إشهارية بالإذاعة المحلية، لوحات إلكترونية، لافتات مكتوبة و مواقع التواصل الاجتماعي)، للترويج لوظائف جديدة لهذه المراكز، تشمل العديد من الخدمات الأخرى، كالإطعام السريع و المصليات و فضاءات اللعب للأطفال، و خدمات متعاملي الهاتف النقال و الحلاقة و التجميل و بيع الأزهار و الحيوانات الأليفة و غيرها.
  هذا فضلا عن جانب التنشيط خلال المناسبات و تنظيم الطومبولا، لتصبح بذلك الممارسة العادية للتسوق، مقترنة بالخروج والتنزه والترفيه، خاصة في غياب البدائل في ولاية بحجم قسنطينة، وهو تحديدا ما خلق ثقافة تسوقية و استهلاكية جديدة، ارتبطت في أذهان المواطنين بالمدينة الجديدة علي منجلي.
 تجدر الإشارة، إلى أنه و بالرغم من تزايد عدد المراكز و تطورها و عصرنة تصاميمها، إلا أنها لا تصنف، حسب مسيري الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار بقسنطينة، كاستثمارات تعنى بالقوانين و التنظيمات و حتى آليات التوجيه التي تخص المشاريع الاستثمارية، و ذلك لكونها عبارة عن بنايات ذات طوابق تعود ملكيتها العقارية لأفراد، يؤجرونها للتجار والباعة و فقط، بمعنى أنهم لا يساهمون في خلق مناصب شغل.
أكبر واجهة لتجارة الملابس و خدمات الإطعام

 تكمن خصوصية النشاط التجاري في المدينة الجديدة، في كونه مرتكزا أكثر على تجارة الملابس النسوية و ملابس الأطفال، إلى جانب مستحضرات التجميل و الأكسسوارات، كما تشكل الخدمات أيضا نسبة كبيرة من الأنشطة، خصوصا ما يتعلق بالمطاعم العصرية و محلات الأكل السريع.
و الملاحظ في السنوات الثلاث الأخيرة، تسجيل اهتمام متزايد بالاستثمار في هذا المجال، و حسب صاحب مطعم بالوحدة الجوارية رقم 5، فإن الإطعام يعتبر نشاطا مكملا للجانب الأول " تجارة الألبسة"، لأن المطاعم تستقطب نسبة كبيرة من زبائن المحلات.
وعن سبب اختيار المدينة الجديدة كمنطقة للاستثمار، أوضح المتحدث، بأن التدفق الكبير و المستمر للزبائن  و للمتعاملين الاقتصاديين على المنطقة، خلق مناخا مناسبا و مشجعا، مقارنة بوسط قسنطينة و حتى ماسينيسا.

 


التوسعة الغربية الامتداد التجاري المستقبلي
تنشط المحلات و فضاءات التسوق العصرية و حتى الأسواق الحضرية بشكل كبير، على محور الوحدات الجوارية 5 و 6 و 7 ، وصولا إلى الوحدة الجوارية رقم 1 ، مشكلة سلسلة تجارية تمتد إلى غاية الوحدة الجوارية رقم 14،  ثم  التوسعتين  20 و 21، وهي نقاط ينمو فيها العمران الموجه للاستغلال التجاري كالفطر، وهو تحديدا ما جعل الفوضى تطغى على واجهة هذا المسار التجاري، الذي لا يختلف كثيرا عن النمط الشعبي، رغم أن عمر المدينة الجديدة لا يزيد عن 21 سنة.
أمام فوضى المدينة القديمة، و ظهور التوسعة الغربية، باتجاه عين سمارة كمدينة جديدة و مستقلة نوعا ما عن القطب الحضري علي منجلي، برز توجه تجاري بنظرة حديثة، يهدف إلى تحويل هذا الامتداد العمراني و الإداري إلى منطقة نشاطات عصرية،، من خلال استحداث مراكز تجارية أخرى، و تحسين واجهات المحلات و تجميع الأنشطة المتشابهة ضمن محيط واحد، و ذلك بهدف خلق قطب تجاري أكثر تنظيما و تطورا ، يستوعب الطلب المتزايد من قبل التجار والزبائن من داخل وخارج الولاية، وهو مشروع يعتمد بالأساس على العقار التجاري  الذي يستثمر فيه المقاولون العقاريون بشكل متزايد، إذ يقدر سعر المتر التجاري الواحد في المنطقة، كما علمنا من بعض التجار، حدود 10 ملايين سنتيم، وقد يزيد عن ذلك قليلا.
تشكل أيضا الوحدتان الجواريتان 20 و 21، جزءا من الواجهة التجارية الحديثة و المستقبلية للمدينة، ويعتبر مشروع " سكوير شوب" بالوحدة 20، نموذجا افتتاحيا للمشروع الواعد، كما يصفه سليم نوي، رئيس جمعية التكتل الذي يضم عموما حوالي 150 تاجرا، جلهم كانوا ناشطين سابقا على مستوى شارع 19 جوان، بوسط مدينة قسنطينة.
بدوره أوضح محمد الطاهر زرزة،  عضو الجمعية و مدير المشروع، بأن هذا التجمع يهدف لتنظيم الممارسة التجارية ضمن إطار حديث، حيث يضم الممر التجاري 30 نشاطا، 90 بالمئة منها  تخص  تجارة الملابس النسائية وملابس الأطفال و تجهيزات المنازل.
التاجر قال بأن ، المشروع عرف برمجة مخطط عمل يحتكم لنظام داخلي يحدد ساعات العمل و آلية التزود بالسلع و ما إلى ذلك، وسيتوسع في غضون أربع إلى خمس سنوات، لتتحول الوحدة الجوارية إلى قطب لتجارة  التجزئة والجملة، بما يسمح بخلق مناصب شغل جديدة و التحكم في الأسعار، بناء على دراسة سوق دقيقة و نزولا عند ردود أفعال الزبائن واقعيا و في العالم الافتراضي.
 حسب المتحدث، فإن التوجه نحو التوسعة الجديدة بالوحدتين الجواريتين 20 و 21، يرجع بالأساس إلى توفر العقار و النقل، خصوصا مع مد خط التراموي، ناهيك عن اختناق وسط مدينة علي منجلي و سيطرة الفوضى و التجارة
إطار تنظيمي غائب  و تحصيل جبائي منعدم

من جانبه، يرى رئيس لجنة المالية بالمجلس الشعبي الولائي لقسنطينة، سمير بن ساعد، بأنه يتعين على السلطات التنبه لتضخم الحركة التجارية في علي منجلي و وضع آليات للتحكم فيها و تنظيمها، لتجنب تكرار السيناريو العمراني و الحضري الفاشل، و استغلال فكرة المدينة التجارية الواعدة و توظيفها بشكل جيد، خصوصا في ظل فوضوية الوضع وانعدام المساهمة الجبائية للتجار.
وأشار المتحدث، إلى أن قسنطينة تحصي أكثر من 12 ألف تاجر غير مصرح لدى مديرية الضرائب، 80 بالمئة منهم، متمركزون على مستوى المدينتين الجديدتين ماسينيسا و علي منجلي، وهو أمر راجع بالأساس إلى غياب الدراسات، فالأعمال التجارية في علي منجلي مثلا، لا تعود بأي فائدة مالية على الولاية، بفعل انعدام أو شح التحصيل الضريبي الذي يعد مصدرا أساسيا لميزانيتها، ولذلك فإن هذا الدخل يتراجع سنويا  بحوالي 15 إلى 20 بالمئة، بمعنى أن التجارة تتوسع، لكن ضمن إطار غير مضبوط، وهو ما ترتب عنه توغل الاقتصاد الموازي، بعيدا عن أطر تنظيمية أو ضريبية محددة.   وأضاف بن ساعد، بأن المجتمع المدني المنظم يخضع لمجموعة من القوانين، أولها الدستور، الذي ينص في بعض مواده على مبدأ المشاركة في النفقات العامة، بما في ذلك حقوق التهيئة الخارجية و النظافة و الإضاءة العمومية وغيرها، و ذلك عن طريق الخضوع للضريبة، لكننا لم نبلغ هذه المرحلة حاليا، كما قال.
علما أن المشكل في علي منجلي، يمتد، حسبه، ليشمل المنطقتين الصناعيتين اللتين تم منح العقار بهما لمستثمرين مع عقود ملكية تسقط حق الدولة في استرجاع الأوعية أو  حتى متابعة نوعية المشاريع.
لذلك فإن أغلب المستفيدين قدموا في البداية  ملفات لإنشاء مصانع و وحدات صناعية، لكنهم أنشأوا في النهاية قاعات حفلات و مطاعم، بحثا عن الربح السريع، وذلك لافتقارهم للفكر الاستثماري الحقيقي، لذا نجد أنفسنا اليوم، كما قال، أمام مدينة لا تخضع للنظريات الاقتصادية، و يطبعها الغياب الكلي للعملية التشاركية في النفقات العمومية.            هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى