أخطاء بيداغوجية في التعليم التمهيدي تهدّد المستقبل الدراسي للأطفال
تهدّد أخطاء بيداغوجية ترتكبها عديد رياض الأطفال و كذا الأكاديميات و الجمعيات التي توفر التعليم التمهيدي للأطفال، مستقبلهم الدراسي لاعتمادها منهاجا، أكد مختصون في علم النفس التربوي و مستشارون تربويون للنصر، بأنه مكثف و غير مناسب للأطفال البالغين 3 و 4 سنوات، بسبب سنهم المبكر، و قدراتهم المحدودة جدا، و شددوا على ضرورة استعانة هذه المؤسسات بمختصين لتدارك الأخطاء التي تلحق أضرارا نفسية  بهؤلاء الأطفال الصغار، داعين إلى التركيز على تنمية الإدراك الحسي للطفل و ترك هامش واسع لهم من أجل اللعب و الابتعاد عن تعليمهم الكتابة و اللغات الأجنبية كما تحدثوا للنصر، في حين يصر الكثير من الأولياء على توفير التعليم المبكر لأبنائهم، خاصة تعلم اللغات، لأنه ينمي قدراتهم و مهاراتهم مبكرا، كما يعتقدون.    
روبورتاج / أسماء بوقرن

في المقابل تمكنت بعض رياض الأطفال بقسنطينة، من تدارك بعض الأخطاء المسجلة، من خلال الاستعانة بمستشارين تربويين ذوي خبرة، عملوا على تكييف المنهاج، و ركزوا على الأنشطة الترفيهية ذات المضامين التعليمية، كروضة كوكب العباقرة التي قدمت تجربتها للنصر.
في الوقت الذي رفعت بلدان أجنبية على غرار اليابان و كندا سن التمدرس إلى السابعة، و ترافع بلدان أخرى على رفعه إلى ثماني سنوات، بالاستناد إلى نتائج دراسات علمية، أكدت خطورة التعليم المبكر على صحة الطفل و سلامته النفسية، نجد أن التعليم التمهيدي أصبح ضروريا بالنسبة لأولياء يرون بأنه لا يقل أهمية عن التعليم التحضيري، فهو، حسبهم، يهيئ الطفل و يسلحه بالأدوات التعليمية الأساسية.
أولياء يعتبرون التعليم التمهيدي و تدريس اللغات ضروريين
 أسرع أولياء في بداية الموسم الدراسي الجاري إلى حجز مقاعد لأبنائهم برياض الأطفال أو الجمعيات أو الأكاديميات، لضمان تعليم مبكر لأبنائهم، يعبد طريقهم نحو المدرسة و يسهل اندماجهم في الوسط المدرسي، و يساعد على اكتشاف مهاراتهم التعليمية، حيث يصرون على توفير تعليم مكثف في مختلف المواد، بدءا بالحساب الذهني و تعلم الكتابة و الرسم و الالتزام بالجلوس في الطاولة و الخضوع للنظام الداخلي للروضة أو القسم، و يدخل بعض الأولياء في رحلة بحث عن روضة تضمن تعليم اللغتين الفرنسية و الإنجليزية، فقد تحول تعلمهما إلى محور اهتمام عديد الأسر، و هناك أولياء يلحون على مسؤولي الروضة التي سجلوا أبناءهم بها لإدراج تعلم اللغات في برنامجها، و هو ما أكده للنصر، مسيرو عديد روضات الأطفال بالمدينة الجديدة علي منجلي في قسنطينة، مشيرين إلى أنهم اضطروا لإضافة حصص تعليمية، نزولا عند رغبة الأولياء.   
مشاكل المنظومة التربوية تحفّز على التعليم المبكر
استنتجنا خلال حديثنا مع مجموعة من الأولياء سجلوا أبناءهم في رياض للأطفال، أو جمعية، لضمان تعليمهم المبكر، اهتماما مبالغا فيه بدراستهم، فهم يعتقدون بأن التعليم المبكر يضمن المستوى الجيد، و تحقيق نتائج ممتازة و بلوغ أعلى درجات النجاح، و هو ما لمسته أيضا مربيات في رياض الأطفال، حيث  أكدوا للنصر، بأن أمهات يتابعن عن كثب أبناءهن و يحاولن الاطلاع على ما تعلموه و نقاط ضعفهم، و يستفسرون عن مستواهم، حتى خارج أوقات عمل الرياض، حيث يظلون على تواصل مستمر مع المربيات و يراقبن أبناءهن عن بعد.
النصر التقت بأم طفل في الثالثة من عمره ، موظفة بقطاع الصحة، سجلت ابنها في الروضة، فقالت لنا بأنها تؤيد التعليم المبكر، و ترى بأن التعليم التمهيدي ضروري في ظل المشاكل التعليمية المطروحة في الطور الابتدائي، و صعوبة المنهاج الدراسي، ما حتم على الأولياء تسجيل أبنائهم مبكرا في الروضة، لاكتساب معارف قاعدية تسهل اندماجهم في ما بعد في المدرسة، كتعلم كتابة الحروف و الحساب و حفظ الأدعية و الأذكار و السور القرآنية، و كذا تعلم التلوين و القراءة، و اللغتين الفرنسية و الإنجليزية، لتسهيل تكيفه، حسبها، مع برنامج مرحلة التحضيري و يضمن الانتقال السلس إلى المدرسة الابتدائية، مشيرة إلى أنها لا تجد في ذلك تأثيرا سلبيا على ابنها، لأن الروضة تضمن أيضا حصصا ترفيهية و رياضية للصغار.
و أكدت أم أخرى بأنها سجلت ابنها البالغ أربع سنوات، في السنة الماضية بإحدى جمعيات حضانة الأطفال و التعليم التحضيري، و تجبر الجمعية ، كما قالت، كل طفل مسجل بها على متابعة التعليم التمهيدي، مشيرة إلى أن الأولياء مجبرون و ليسوا مخيرين، و الأطفال يخضعون لنظام الجمعية أو الروضة المسجلين بها، و أضافت بأن ابنها تمكن من حفظ الحروف و الأرقام و أصبح يجيد تسمية الأشياء و يحفظ بعض السور القرآنية، غير أنه أصبح يرفض الذهاب إلى الجمعية، بحجة أنه لا يحب المعلمة، و أصبحت تواجه مشكلا عويصا معه في البيت، و هو فرط الحركة و عدم الانصياع لأوامرها.                   
* هاجر بطاز مديرة روضة الفردوس
نطبق برنامجا وزاريا يهدف إلى تطوير الحواس و المطابقة السمعية البصرية
مديرة روضة الفردوس هاجر بطاز، قالت للنصر، بأنها تطبق في الروضة برنامجا تعليميا أقرته وزارة التضامن، و يتضمن تعليم الأرقام و الألوان و الحروف و الأشكال الهندسية، عن طريق أنشطة تعليمية ترفيهية، لتمكين الطفل من المطابقة السمعية البصرية، و تطوير حواسه.

كما يتم تعليمه طريقة الجلوس الصحيحة و كيفية استعمال أدوات الطعام، بطرق مبسطة،  تسهل عليه اكتساب المعلومة و تخزينها، مشيرة إلى أن البرنامج يرتكز على الجانب التربوي السلوكي، أكثر من التعليمي، و يساعد على الاكتشاف المبكر للمشاكل الصحية التي يعاني منها بعض الأطفال كصعوبات الفهم و مشكل التواصل مع الآخرين و اضطرابات التوحد، كما يساعد على تكوين شخصية الطفل و تهيئته للانطلاق في مشوار دراسي.
و أضافت المتحدثة بأن أغلب الأطفال يتفاعلون مع ما يقدم لهم، لأنه يتم تقديم الدروس في قالب ترفيهي تربوي، مؤكدة بأنها تتفادى الحشو البيداغوجي و تخصص وقتا معتبرا للترفيه و تنمية حواس الطفل، الذي يكون في المرحلة العمرية بين 3 و 5 سنوات في مرحلة اضطراب.  
* كهينة زتشي
نعتمد المنهج المونتيسوري لتمكين الطفل من استعمال حواسه الخمس
تعد روضة كوكب العباقرة من المؤسسات التي تسعى لتدارك الأخطاء المسجلة في التعليم التمهيدي، وفق ما قالت مديرتها كهينة زتشي للنصر، حيث أنها  تحرص باستمرار على تقييم ما يقدم داخل الروضة، و تبحث عن الأخطاء التي قد تكون لها عواقب وخيمة على الطفل، باعتباره في سن حساسة ، خاصة في الطور التمهيدي، كما تصر على التأطير الجيد للمربيات، باعتبارهن الحلقة الأساسية في العملية التربوية و التعليمية.
من أجل قيامهن بعملهن بطريقة بيداغوجية تعليمية صحيحة، استعانت بمستشارة تربوية تقاعدت من سلك التعليم، بعد 30 سنة عمل، فساعدتها على تدارك كل الأخطاء المنهجية و البحث عما يناسب الطفل و ينمي قدراته،  كما ضمنت تأطيرا و تكوينا مستمرا للمربيات، حيث تقوم بمراقبة المحتوى التعليمي، قبل تقديمه للطفل، مؤكدة بأنها حققت نتائج إيجابية.     
و أضافت المتحدثة بأن الطفل في مرحلة التعليم التمهيدي، لا يمتلك قدرة على التعبير بشكل جيد عن الأشياء، لهذا قررت اعتماد منهج المونتيسوري، الذي يناسب سنه و يرتكز على استعمال الحواس الخمس و يخصص معظم الوقت للترفيه، مشيرة إلى أنها قدمت تكوينا في هذا المنهج للمربيات، بإشراف مستشارة التربية، ما يمكن، حسبها،  من إبراز مهارات الطفل و اكتشاف الاضطرابات الموجودة لديه، كما يركز على الجانب الترفيهي التربوي، و هو ما أشارت إليه المربية آمال زتشي التي تحدثت عن الأنشطة التي تعتمدها لتنمية قدرات الطفل، مثل تقنية التخطيط بالخشيبات و المعكرونة الملونة، و يهدف إلى تهيئة الطفل للكتابة و زيادة التركيز لديه، فيما يتم تقديم كلمات تربوية بيداغوجية في سن 4 سنوات، مثل أسماء الأدوات المدرسية، بالتركيز على حاستي السمع و النطق، بهدف تدريب الطفل على النطق السليم و استعمال حاسة السمع، كذلك لعبة الألوان التي تنمي القدرات الإدراكية و تساعد على التركيز.
و أوضحت المديرة بأنها تمنع اعتماد تقنيات الحساب الذهني كالسوربان، لأنها لا تناسب هذه الفئة العمرية، فيما تستجيب لرغبة الأولياء الذين يصرون على تقديم حصص في اللغات لأبنائهم.   
* سميرة دغبال مستشارة تربوية
الطور التمهيدي مرحلة تربوية توجيهية و ترفيهية
في المقابل أكدت المستشارة التربوية سميرة دغبال في حديثها للنصر، بأن الطور التمهيدي ، مرحلة تربوية توجيهية و ترفيهية، تهدف إلى معالجة مشاكل النطق لدى الطفل و اكتشاف الصعوبات و المشاكل التي قد يعاني منها، كما ترى بأنها فترة يمكن خلالها أن يكتسب الطفل معارف عن طريق اللعب الذي يعتبر وسيلة أساسية لإبراز مهاراته، و اكتشاف مشاكل النطق لديه، لكونه يستعمل حاستي النطق و السمع، و هو ما يمكن من علاجه مبكرا و يساعد على اكتشاف نسبة ذكائه.
محدثتنا التي تعمل حاليا مستشارة تربوية بروضة كوكب العباقرة، و لديها خبرة في المجال بمؤسسات تربوية كمدرسة المتنبي و  مدرسة مريم سعدان عمرها 30 سنة، تدعو إلى التقيد بالجانب التربوي، الذي يعد اللبنة الأساسية بالنسبة للطفل في هذه المرحلة العمرية.
و تحث دائما على توظيف مربيات مؤهلات يحملن شهادة في التخصص و تتوفر فيهن عدة شروط في مقدمتها الأخلاق العالية و الحنان و تجدن التعامل مع الأطفال، و في المقابل تحرص على تكوينهن و مراقبة المحتوى الذي يقدمنه، خاصة في بداية السنة الدراسية، حيث يكون المحور تربوي محض، لضمان اندماج سلس للطفل، دون مواجهة أي إشكال، فالمربية، يجب أن تكون قدوة للطفل.
و أشارت المختصة بأن الطفل بحاجة إلى اللعب و التأديب، كتعليمه آداب الدخول و الجلوس و كيفية الاستئذان و طريقة تناول الطعام و غيرها،  كما أنه بحاجة إلى تعلم النطق السليم و مخارج الحروف، ليتم بعد ذلك  تعليمه التخطيط في سن الرابعة و ذلك بتعلم كتابة الحروف عن طريق إتباع النقاط، و نطقها بشكل صحيح، بمنهجية ترفيهية، وفق برنامج مبسط ، مع تعليم الصغار الأدعية و الأذكار ، مشيرة إلى أن كل ذلك لا يقدم بشكل ارتجالي، بل يتم تحضيره مسبقا من قبل المربيات، بإشرافها، و تعتمد في ذلك على كراس يومي و كراس مداولة و توزيع شهري.   

* المختصة النفسانية التربوية فطيمة بوصنوبرة
المرحلة التمهيدية أساسها تربوي ترفيهي لا تعليمي
أوضحت من جهتها  الأخصائية النفسانية فاطمة بوصنوبرة في حديثها للنصر، بأن الطفل في سن الثالثة، ليس بحاجة لتعلم الخط ، بقدر ما هو بحاجة لتعلم الآداب العامة، ككيفية الجلوس و طريقة تناول الطعام، معتبرة أساس المرحلة التمهيدية هو التربية السليمة و إعطاء متسع من الوقت للطفل للعب، و ليس فرض نظام تعليمي معين عليه، كتعلم الكتابة و الحساب و غيرهما، لتقييد حريته، في الوقت الذي يحتاج للحركة، فهذا النوع من التعلم المبكر، حسبها، قد ينمي  نوعا من النفور من المدرسة، و هو ما تلاحظه حاليا في عملها، باعتبارها أخصائية نفسانية في الطب المدرسي، حيث تستقبل حالات لأطفال تبدو عليهم آثار العنف النفسي الناجم ، كما قالت، عن عدم ملاءمة أجواء الدراسة لهم، و هذا دليل على التأطير الخاطئ من قبل مربيات يعتمدن أسلوب العنف في التربية في الغالب، و يكن غير مؤهلات و يفتقرن لأبجديات هذا النشاط.
و أكدت المتحدثة أن مشكل التأطير و غياب التأهيل، معضلة المرحلة التمهيدية، حيث لا تشترط بعض الروضات التخصص في توظيف المربيات، كما أن البرنامج الوزاري المسطر، حسبها،  يتسم بالحشو البيداغوي، الذي لا يناسب هذه الشريحة العمرية.
 و أفادت المختصة بأن الطفل بين سن 3 و 5 سنوات ، يمر بالمرحلة الأوديبية، و هي مرحلة لا يمكن خلالها توظيف كم من المعلومات،  فالبنت، حسبها، لديها في هذا السن عقدة إلكترا،  فيما نجد لدى الصبي عقدة أوديب، لهذا ينصح بالانطلاق في التعليم بعد التخلص  من هذه العقدة و ذلك في سن الخامسة.
و أضافت أن الطور التمهيدي عبارة عن مرحلة يبحث فيها الطفل عن بديل لأسرته، و على رياض الأطفال و الجمعيات، أن تركز على انتقاء مربيات مؤهلات، لأن البرعم بحاجة  للعطف و حسن المعاملة، ما يمكنه من استيعاب ما يقدم له، مشيرة إلى أن الطفل في سن الثالثة، يبدأ في اكتشاف شخصيته  و يفضل اللعب،  على الالتزام بالجلوس أمام الطاولة، كما يرفض التعليم، وفق الطرق البيداغوجية الكلاسيكية، و استنتجت ذلك، كما قالت ،  بحكم تجربتها في متابعة رياض الأطفال، و تنصح بالتركيز على الأنشطة الترفيهية،  باعتماد طرق بيداغوجية سليمة تمكن من نقل المعلومة و تساعد على اكتشاف الصعوبات و المشاكل التي يواجهها الصغار.
و بخصوص تعليم اللغات الأجنبية في التمهيدي، قالت بأنها ترفض الفكرة رفضا تاما، و تنصح بتكوين قاعدة تعليمية للطفل في لغته الأم، قبل تعليم اللغات الأجنبية الذي يمكن أن يتم بعد سن 5 سنوات، داعية في ختام حديثها إلى اعتماد منهج بيداغوجي صحيح، يساعد على الإدماج التدريجي للطفل في محيطه ، خاصة و أنه يعيش حالة اضطراب لابتعاده لأول مرة عن عائلته، حيث يجد نفسه في بيئة اجتماعية جديدة ، كما تحث على تحضيره نفسيا، قبل التحاقه بالروضة.  
أ. ب

الرجوع إلى الأعلى