شهد قطاع التعليم العالي والبحث العلمي قفزة نوعية باعتماد التكوين النخبوي لفائدة الطلبة النوابغ والمتفوقين، من خلال استحداث مدرستي الذكاء الاصطناعي والرياضيات كحاضنة للكفاءات والباحثين الذين سيقودون قاطرة الثورة العددية والتكنولوجية بالجزائر، التي يعول عليها لرفع الناتج الداخلي الخام بنسبة لا تقل عن 10 بالمائة سنويا.

روبورتاج / لطيفة بلحاج

وتعد مدرستا الذكاء الاصطناعي والرياضيات المجال الطبيعي للمتفوقين من الحاصلين على شهادة البكالوريا، من خلال ما توفره من تكوين نخبوي ونوعي، بتأطير من أفضل الأساتذة من الداخل ومن الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج، إلى جانب أساتذة من جامعات أجنبية معروفين بكفاءتهم.
وتم اختيار القطب التكنولوجي بالمدينة الجديدة لسيدي عبد الله غرب العاصمة، موقعا ملائما للمدرستين اللتين تتربعان على مساحة شاسعة، بهدف إحاطة الطلبة المنتسبين إليهما بأجواء البحث العلمي والتكنولوجي، بعيدا عن زحمة شوارع وطرقات العاصمة، من خلال توفير كل متطلبات الحياة من إقامة جامعية بمواصفات عالية، وإطعام، ومرافقة اجتماعية وبيداغوجية من أساتذة ذوي تجربة وخبرة عالية المستوى.
وما يزال القطب التكنولوجي لمدينة سيدي عبد الله ورشة مفتوحة لإتمام إنجاز المعاهد والمدارس التي يضمها، فرغم انطلاق الدراسة خلال الأيام الأخيرة بمدرستي الرياضيات والذكاء الاصطناعي، فإن حركة عمال البناء والمهندسين وكذا الآلات وعتاد البناء لا تتوقف بالموقع على مدار اليوم، كما وقفت عليه النصر، بهدف تسليم هذا المشروع العلمي والتكنولوجي الضخم خلال الموسم الجامعي القادم.
وتم تصميم المدرستين وفق هندسة معمارية خاصة، لتسهيل حركة الطلبة والأساتذة بداخلهما، وتم تدعيمهما بالعديد من أقسام الدراسة تحسبا لاستقبال دفعات جديدة خلال المواسم المقبلة، ما تزال عملية تجهيزها مستمرة إلى اليوم، وتم إضفاء لمسات جميلة علي على المبنى الذي تتوسطه مساحة خضراء، توفر للطلبة أجواء من الراحة والهدوء النفسي، وغير بعيد عنها تمتد أروقة على مسافة تبدو غير متناهية للزائر، تتخللها عديد الحجرات، والمدرجات.
الانطلاقة بـ 200 طالب في كل مدرسة
استقبلت المدرستين اللتين تم تدشينهما مؤخرا من قبل وزير القطاع، 400 طالب جديد، أي 200 طالب على مستوى كل مدرسة، في انتظار استقبال نفس العدد سنويا من الطلبة الذين يحققون معدلات متفوقة في شهادة البكالوريا.
ويهدف مسار التكوين النخبوي الذي أعده خبراء وأساتذة من الطراز العالي، إعداد باحثين ومبتكرين ومنشئي مؤسسات تكنولوجية، من خلال برنامج يجمع ما بين الجانبين النظري والتطبيقي، على أن يتم إدماج الخريجين في سوق العمل لإحداث الثورة التكنولوجية المنشودة، عبر إقحامهم في المؤسسات والمجمعات الصناعية الكبرى، على غرار مجمع سوناطراك.
الرياضيات.. من مادة صماء إلى حاضنة للمبدعين والمبتكرين
وتعتبر المدرسة العليا للرياضيات في تقدير البروفيسور محمد سعيد مولاي واضع مشروع المدرسة، امتدادا لثانوية الرياضيات بالقبة بالعاصمة، تعمل على استقطاب طلبتها الذين كانوا يتوجهون في السابق إلى تخصص الإعلام الآلي والرياضيات، ليتم أغلبهم الدراسة الجامعية في مجال الإعلام الآلي، في حين يضطر المتخصصين في الرياضيات للتوجه إلى ميدان التكوين، مما جعل هذه المادة تدور في حلقة مفرغة.
ويؤكد البروفيسور مولاي للنصرعلى أهمية مادة الرياضيات، فهي تعد أساس العلوم، لذلك تم التفكير في إيجاد روابط ما بين المدرسة العليا للرياضيات ومختلف مجالات التنمية الاقتصادية، من خلال استحداث فروع ذات صلة بالرياضيات التطبيقية، استعدادا للدخول في الثورة العددية.

وتريد الجزائر من خلال المدرستين التحكم في العلبة السوداء للتكنولوجيا وتحقيق الاستقلالية في هذا المجال، والتخلص بصفة تدريجية من التبعية للخبرة الأجنبية في إصلاح العتاد الصناعي والآلات ومختلف الأجهزة التابعة للمؤسسات الاستراتيجية والسيادية للدولة، على غرار وزارة الدفاع وشركة الخطوط الجوية وسوناطراك وغيرها.
وتعمل المدرسة العليا للرياضيات وفق البروفيسور مولاي على تكوين طلائع المجتمع لتحقيق الاستقلالية التكنولوجية، عن طريق تكوين مبدعين وخلاقين للثروة، لأن التبعية في هذا المجال تؤدي إلى انتاج مجتمعات استهلاكية ومستعمرة بشكل شبه نهائي، كما تطمح المدرسة إلى دفع المتخرجين منها لاستحداث مؤسسات ناشئة تكون في خدمة الاقتصاد، تعمل إلى جنب المجمعات الصناعية والاقتصادية الهامة.
دورات تكوينية لرفع المستوى في اللغة الإنجليزية
وتعتمد مدرستا الذكاء الاصطناعي والرياضيات بالدرجة الأولى على الإنجليزية كلغة تدريس أساسية، غير أن اعتمادها بشكل كامل يجري بصفة تدريجية، نظرا للتفاوت في المستوى بين الطلبة وحتى الأساتذة المكونين، لذلك تم تسطير برنامج للتكوين في اللغة الإنجليزية على مدار السنة بمعدل أربع ساعات ونصف أسبوعيا، وفق أحدث الطرق وبالاستعانة بقاعات مجهزة بالوسائل السمعي البصرية.
ويعمل مؤطرو المدرسة على ترقية الإنجليزية إلى لغة تدريس رسمية فور أن يتم التأكد من تحسن مستوى تحكم الطلبة والأساتذة فيها، بهدف الحفاظ على مادة الرياضيات وتطبيقاتها، والغلاف اللغوي يعالج بصفة تدريجية، وأبدى الطلبة من جهتهم استعدادا للتحول إلى الإنجليزية، وبحسب أحد طلبة مدرسة الرياضيات الذي قدم إليها من ولاية داخلية، فإن الإنجليزية هي الأنسب والأقرب، قائلا «للنصر» إنه يواجه صعوبة في تلقي المواد التي تدرس بالفرنسية، وهو الإشكال نفسه الذي عبر عنه طلبة بالمدرسة العليا للذكاء الاصطناعي.ومن شأن توسيع استعمال الإنجليزية كلغة للتدريس، المساهمة في ظاهرة النفور من تخصص الرياضيات، الذي ما يزال ينظر إليه من قبل الطلبة على أنه غير مساعد للولوج إلى سوق العمل، وذلك بعد أن يتم ترقية المادة وجعلها خلاقة لمناصب العمل، وذات مكانة خاصة في شتى المجالات الاقتصادية. ويتطلب هذه الهدف تطوير الرياضيات البحثية والرياضيات التطبيقية، لتمكين الباحثين من تجسيد الخوارزميات على أرض الواقع وربط المادة بالجانب الاقتصادي والصناعي وإخراجها من قوقعة الجامعة، وفق البروفيسور مولاي، على غرار مجال التنقيب عن النفط مثلا، شريطة توفير كل الظروف لتحفيز الطلبة على الإقبال على مدرسة، من بينها إدراج تخصصات جاذبة للطلبة المتفوقين، منها تخصص البنوك والطاقات المتجددة والتصوير الطبي والبيوكيمياء.
10 بالمائة مساهمة الذكاء الاصطناعي في النمو الاقتصادي في آفاق 2030
ويدعم هذه الرؤية مدير التعاون والتبادل الجامعي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ارزقي سعيداني، مؤكدا في حديث معه بأن المدرستين أنشئتا لتقديم تكوين نوعي للطلبة من قبل أحسن الأساتذة على مستوى قطاع التعليم العالي، والجالية الجزائية المقيمة بالخارج وكذا على المستوى الدولي، للحاق بالثورة التكنولوجية التي يعيشها العالم، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي، وحساب الخوارزميات، أو ما يعرف بالثورة الرقمية الثانية التي يتوقع ان يكون لها أثر إيجابي على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات.
وتشير تقديرات إلى تمكن الصين الشعبية في آفاق 2030 من جعل الذكاء الاصطناعي يمثل نسبة 26 بالمائة من الناتج الداخلي الخام،  وتتوقع بريطانيا بدورها أن تشكل تطبيقات الذكاء الاصطناعي نسبة 10 بالمائة من النمو الاقتصادي، وهو ما يعطي صورة شاملة عن البعد الاستراتيجي لمدرستي الرياضيات والذكاء الاصطناعي.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين الشعبية وفرنسا واليابان والمانيا، رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والرياضيات، لذلك شرعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في ربط علاقات تعاون معها، عن طريق استقدام أساتذة من هذه الدول، لا سيما الولايات المتحدة، لهم مستوى عال في المقاولاتية لتقديم دروس للطلبة قصد إعدادهم لتأسيس مؤسسات ناشئة، إلى جانب التعاقد مع أستاذين لهما مستوى عال في مهارات القرن 21.
أساتذة بمستوى عالمي لتأطير نوابغ الجزائر

ويهدف انتقاء أحسن الأساتذة وفق السيد أرزقي سعيداني إلى إعطاء دروس جديدة متخصصة في الرياضيات والذكاء الاصطناعي، وتقديم محاضرات وتربصات لفائدة الطلبة في إطار المزاوجة بين التكوين النظري والتطبيقي، من خلال الشركات الأجنبية الناشطة بالجزائر، فضلا عن إنشاء مراكز بحث وحاضنات للتكوين وتثمين نتائج البحث العلمي وتطوير التكوين المستدام، ومساعدة الطلبة على اختيار مشاريع مهنية شخصية. ويعد تكوين طلبة ذي مؤهلات علمية وتكنولوجية وقدرات عالية في ميدان المناجمنت، من أولويات المدرستين لتسهيل الانخراط في سوق العمل، ولتحقيق هذا الهدف يجري الإعداد لإبرام اتفاقيات توأمة بين المدرستين وأحسن المدارس الأمريكية والفرنسية والصينية واليابانية والبريطانية والألمانية، في إطار اتفاقيات توأمة والتبادل بين الطلبة والأساتذة، وتحضير ملتقيات علمية مشتركة حول المواضيع الكبرى المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والرياضيات.
كما يتم الحرص على تقاسم التجارب والممارسات حول استراتيجية تعليم الرياضيات والذكاء الاصطناعي، ودمجها مع التخصصات الأخرى، وتبادل الممارسات والتجارب حول العلاقة ما بين هذه المدارس والمحيط الاقتصادي، ومع مجالات الحوكمة والرقمنة والبيداغوجيا، إلى جانب اكتساب خبرات في مجال الاستقاظة التكنولوجية، حتى تظل المدرستان على صلة مستمرة بما يجري في ميدان الرياضيات والذكاء الاصطناعي من تقدم.
وكبداية استقبلت المدرستان 200 طالب بالنسبة لكل منهما من بين أحسن الطلبة، وتم إبرام اتفاقيات لاستقدام الأساتذة من الخارج لمدة تتراوح ما بين 3 و5 سنوات، وبحسب ما استقته «النصر»، فإن انتقاء المؤطرين تم بناء على معايير صارمة، وتتعلق بمستوى الإنتاج العلمي والبيداغوجي الذي يساهم به الأساتذة لإثراء مجال البحث، مع التركيز على الأساتذة المعروفين عالميا.
وذكر السيد سعيداني على سبيل المثال، الأستاذ «سيدريك بيلاني» الحاصل على جائزة قريبة من جائزة نوبل في مجال الرياضيات، موضحا بأن استقدام مؤطرين من الخارج يهدف إلى توفير المناخ الملائم للاحتكاك مع أساتذة جزائريين من ذوي الخبرة والكفاءة الذين تزخر بهم الجامعة، من بينهم البروفيسور أحمد قسوم في مجال الذكاء الاصطناعي.
نظام تسيير وفق النماذج المتقدمة
وتخضع مدرستا الرياضيات والذكاء الاصطناعي إلى مقاييس دولية من حيث التسيير، على غرار المدارس الأمريكية المختصة في هذين المجالين وكذا المدارس اليابانية، وغيرها من المؤسسات البيداغوجية التي حققت تطورا كبيرا، لا سيما في الذكاء الاصطناعي، سيتم الاستلهام من تجاربها في إطار علاقات التعاون العلمي والبيداغوجي.
إجراءات احترازية لحماية الكفاءات من ظاهرة هجرة الأدمغة
ويوقع الطالب فور التحاقه بالمدرستين على عقد يلتزم من خلاله بالبقاء في أرض الوطن بعد إنهاء فترة التكوين، وعدم الهجرة إلى الخارج بحثا عن فرص أخرى، مع تكرس جهوده لتحقيق التنمية الاقتصادية، لاسيما في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها سوق العمل، من خلال اندثار مهن وظهور أخرى جديدة. إذ تشير تقارير علمية إلى أنه في أفاق سنة 2030 سوف تظهر مهن جديدة عديدة، مهندس مختص في المعلومات غير المستغلة، ومهندس مختص في الزراعة العمودية، وسيكون الذكاء الاصطناعي المحك لخوض هذه المعركة التكنولوجية.
أكثر من 10 آلاف طلب على مدرسة الذكاء الاصطناعي
وبلغ عدد الراغبين في الالتحاق بمدرسة الذكاء الاصطناعي من الحائزين على شهادة البكالوريا بتقدير حوالي 10 آلاف طالب، غير أن الإدارة اكتفت بقبول 200 طالب من المتفوقين، وهو نفس العدد المعتمد بمدرسة الرياضيات، سيحظون برعاية خاصة ومنحة معتبرة، وغرف منفردة بالإقامة الجامعية التي تقع داخل القطب التكنولوجي، الذي تطمح الوصاية لجعله مركز إشعاع بمستوى عالمي.
ومن منطلق الحاجة الكبيرة للذكاء الاصطناعي في المجال الاقتصادي، باعتباره المحرك الأساسي للمركبات الصناعية، تم إبرام اتفاق مع مجمع سوناطراك لاستقبال طلبة المدرسة في إطار تربصات تطبيقية، كما تم التعاقد مع مؤسسات اقتصادية وشركات عالمية أخرى معروفة في مجال التكنولوجيات الجديدة، فضلا عن الاستعانة بمهندسين ذوي كفاءة لتأطير الدروس التطبيقية.
ويتم العمل على تجسيد أقطاب تكنولوجية مماثلة بولايات أخرى، من خلال الفرق التي تعمل على أرض الميدان، على أن يشرع في افتتاحها في آفاق سنة 2024 بكل من ولايات قسنطينة وسطيف وعنابة وهران وسيدي بلعباس، وكذا بالجامعات التي تضم مراكز بحث ومخابر.  

فرق علمية لتحويل الرياضيات إلى مادة مستقطبة للتلاميذ
وفضلا عن استحداث مدرسة عليا للرياضيات، تجتهد فرق علمية لجعل المادة مستقطبة للتلاميذ والطلبة الجامعيين، وبحسب المختصين فإن النفور من الرياضيات أضحت ظاهرة عالمية استدعت تنظيم مؤتمر طارئ من قبل منظمة اليونيسكو لدق الناقوس، بعد أن أضحت هذه المادة تسير نحو الزوال في كل بلدان العالم، وتشهد تقهقرا غير مسبوق، وقد كانت الجزائر من بين البلدان المشاركة في الندوة، وحذرت بدورها من خطورة الوضع.
و يعترف الباحثون عندنا بأن مادة الرياضيات أصبحت غير جالبة للطلبة، ولهذا السبب تم استحداث ثانوية للرياضيات ذات طابع وطني، في ظل التفكير لتأسيس فريق عمل لبحث الوضع، وللمراجعة الشاملة للمناهج والبرامج، بالتنسيق مع قطاع التربية الوطنية، لا سيما وأن عدد الناجحين في بكالوريا الرياضيات في تراجع مستمر ومقلق، الأمر الذي أضحى يستدعي إيجاد حلول عاجلة.
وللتحفيز على دراسة المادة، تم إبرام عقود مع شركات كبرى لاستقبال خريجي مدرسة الرياضيات بعد خمس سنوات من الدراسة، والسماح لهم بتطبيق برامجهم ومشاريعهم التي بلوروها خلال مدة التكوين، على غرار طلبة مدرسة الذكاء الاصطناعي الذين يعول عليهم في تدعيم قدرات وكفاءات مجمع سوناطراك.وتعد الجزائر من بين الدول الرائدة في استحداث هذا القطب التكنولوجي، لا سيما ما تعلق بمدرسة الذكاء الاصطناعي الذي ما يزال مجالا علميا حديثا، علما أن 5 دول فقط عبر العالم قامت لحد الآن بإنشاء نظام بيئي مبني على الذكاء الاصطناعي، وشرعت في نشر تقارير في هذا المجال بداية من سنة 2016.
وتطمح الجزائر من خلال كفاءاتها للذهاب بعيدا في مجال الرياضيات والذكاء الاصطناعي، لا سيما في ظل توفر القدرات والإمكانات لتحقيق التقدم والتطور التكنولوجي واللحاق بركب البلدان التي كانت سباقة إلى هذا المجال.  
قطب تكنولوجي بـ 20 ألف مقعد بيداغوجي و11 ألف سرير
يعد القطب التكنولوجي لسيدي عبد الله من ضمن الأكبر والأهم على المستوى الوطني، بطاقة استيعاب تقدر ب 20 ألف طالب جامعي، وإقامات جامعية ب 11 ألف سرير، وبقرار من رئيس الجمهورية سيصبح هذا القطب متخصصا في المجال التكنولوجي،  بطاقة استيعاب قدرها 1000 مقعد في كل مدرسة سيضمها.
وتم إضفاء طابع خاص على مدرستي الرياضيات والذكاء الاصطناعي، اللتين أنشئتا بموجب مرسوم رئاسي، ما جعلهما تتميزان عن 35 مدرسة عليا المعروفة على المستوى الوطني، وهذا ما أعطاهما وزنا واهتماما أكبر، لا سيما أنهما تخضعان لقانون خاص يختلف في جوانب عدة عن التنظيم المعمول به في باقي المدارس، من خلال المنحة التي يستفيد منها الطلبة، ومعايير انتقاء المنتسبين إليهما، ونظام الانتقال من مستوى إلى آخر، إلى جانب ظروف الإقامة، التي ستجعل الطالب يعيش في محيط رقمي.

ويؤكد في هذا الصدد مدير التكوين والتعليم بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بوعلام سعيداني «للنصر» بأن نظام التكوين بالمدرستين يخضع لبرامج خاصة، ويعتمد تطبيقه على كفاءات عالية الجودة من النخبة الجزائرية بالداخل والخارج، في ظل الالتزام الصارم بالمعايير البيداغوجية العالمية.
وتم تخصيص مكانة هامة للغة الإنجليزية التي تم منحها حيزا كبيرا ضمن البرامج التكوينية، فضلا عن التربصات التطبيقية بالمؤسسات الاقتصادية الهامة، وإن أمكن خارج الوطن، لضمان التكوين النوعي لفائدة نخبة الوطن، علما أن معدل الالتحاق بمدرسة الرياضيات حدد ب 16 من عشرين، و17 بالنسبة لمدرسة الذكاء الاصطناعي.
وبحسب المصدر فإن الطلب على مدرسة الرياضيات فاق ال 5 آلاف، في حين أن طاقة الاستيعاب لا تزيد عن 200 طالب، وتعد هذه المدرسة ملجأ للمتخصصين في المادة التي لم تكن تجد امتدادا لها في قطاع التعليم العالي، بسبب عدم وجود أي استراتيجية للتكفل بالمنتسبين إلى ثانوية الرياضيات، التي تشترط معدلات مرتفعة للالتحاق بها.  
ولمعالجة إشكالات الانتقال من الطور الثانوي إلى الجامعي، تم الحرص على انتقاء أساتذة ذوي مستوى عال وخبرة كبيرة لتفادي الإخفاق في السنة الأولى على مستوى المدرستين، من خلال تذليل الصعاب ذات العلاقة بالجانب اللغوي والعلمي والبيداغوجي، ووضع نظام مرافقة خاص لفائدة الطلبة الجدد، إذ يشرف كل أستاذ على مجموعة من الطلبة ويرافقهم بصفة يومية ومستمرة من الناحية البيداغوجية والاجتماعية والنفسية، لضمان نسبة نجاح مائة بالمائة.
خبراء جزائريون لوضع البرامج وهيكلة المدرستين
وأشرف على تنظيم مدرستي الذكاء الاصطناعي والرياضيات خبراء جزائريون، بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فضلا عن تزويدها بالوسائل التقنية وتهيئة قاعات الدراسة، مستلهمين من تجارب وخبرات الكفاءات الجزائرية المقيمة بالخارج، وكذا النخبة العالمية. وبرر الأستاذ بوعلام سعيداني انتقاء الرياضيات وإنشاء مدرسة عليا خاص بها لكونها أم العلوم، وهي تحتاج إلى هيئة بيداغوجية لتفيد باقي التخصصات التكنولوجية التي سيضمها هذا القطب، وتم إرفاقها بأختها الطبيعية وهي مدرسة الذكاء الاصطناعي التي ترتكز أساسا على الرياضيات والإعلام الآلي.
وتمنح المدرسة العليا لمادة الرياضيات الصبغة التطبيقية في المجال الصناعي والصيدلاني والبنكي غيرها من الميادين الأخرى، في حين يعول على الذكاء الصناعي في النهوض بنسبة النمو، ودعم الناتج الداخلي الخام، بنسب تتراوح ما بين 10 و35 بالمائة، على غرار البلدان المتقدمة. ولهذا الغرض يحرص وزير قطاع التعليم العالي على تجسيد المشروع كاملا، وتجنب الإخفاق، وعلى رفع معدلات النجاح إلى مستوى الامتياز، بفضل اعتماد نظام تقييم نوعي، ورعاية مستمرة للمشروعين.

عقود تشغيل وفرص عمل مغرية لفائدة النوابغ
 وجرى إعداد البرامج البيداغوجية للمدرستين بمراعاة متطلبات سوق العمل والتطور التقني والتكنولوجي والمعرفي، وللتكفل بالنجباء بعد التخرج، من خلال تمكينهم من فرص عمل في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، لأن هدف السلطات العليا الحفاظ على النخبة وجعلها مساهما فعالا في النمو الاقتصادي.
ولم تنتظر الوصاية تخرج أولى الدفعتين، فقد بادرت إلى عرض مشروع المدرستين على المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية، واستقبلت ممثلين عنها الذين أبدوا اهتماما كبيرا بالمدرستين، وبمستوى الطلبة والأساتذة وكذا التكوين، واقترحوا المساهمة في جانب التأطير والمرافقة، لتسهيل  إدماج الخريجين في سوق العمل، والمؤسسات الوطنية العمومية والخاصة.
الحفاظ على الكفاءات
وتسعى الوصاية للاستثمار في الطاقة البشرية التي عليها رد الجميل للبلاد، وفق المتحدث السيد بوعلام سعيداني، بعد أن يتم توظيفهم في المجمعات الصناعية والاقتصادية الكبرى، أو عقب استحداث مؤسسات ناشئة بفضل تكوينهم في المجال المقاولاتي، وبتأطير من الأساتذة المكونين. وفي سياق تكييف برامج التكوين مع سوق العمل، تعكف وزارة التعليم العالي على مراجعة منظومة التخصصات، وخارطة التكوين الجامعي بعد تشخيص الوضع، وحصر الاختلالات والنقائص، في إطار نظرة جديدة لتحيين البرامج لمواكبة المحيط الاقتصادي والاجتماعي، مع مراعاة المقاييس العالمية ومعايير الجودة، لا سيما وأن المعطيات تشير إلى أن 50 بالمائة من الحرف الحالية في طرقها إلى الزوال في أفاق 2035.

الرجوع إلى الأعلى