استطاع مركز البحث في العلوم الصيدلانية بقسنطينة بعد أقل من نصف سنة من دخوله الخدمة، إجراء العديد من الأبحاث لإيجاد علاجات لأمراض سرطانية و مزمنة مع التوصل إلى تركيبات تحارب فيروس «كوفيد 19»، كما تمكنت إحدى باحثاته من تحقيق براءة اختراع في مجال معالجة مشاكل الإخصاب، وهي إنجازات يطمح المركز إلى توسيعها مع استكمال تجهيزه بعتاد ذي تكنولوجيا عالية، وتكثيف مشاريع البحث المبتكرة بالشراكة مع الأكاديميين والهيئات و الصناعيين بولاية تعتبر قطبا صيدلانيا و علميا على المستوى الوطني.

روبورتاج: ياسمين بوالجدري

أنشئ مركز البحث في العلوم الصيدلانية بموجب مرسوم تنفيذي صدر في 9 أكتوبر 2018، ليكون مؤسسة عمومية ذات طابع علمي و تكنولوجي الهدف منها ترقية مجال البحث العلمي في ما يتعلق بالمكونات الفعالة للأدوية، وتصميم الأدوية وكذلك ترقية الطب الحيوي و الصناعة الصيدلانية خاصة في الأمراض المزمنة، إلى جانب المساهمة في الأمن الصحي، حيث يعمل بالشراكة مع الجامعة، مخابر البحث، المخابر الصيدلانية والمؤسسات الصحية، ويضمن استفادة طلبة مرحلتي التدرج وما بعد التدرج من التكوين، زيادة على أن المجمع العمومي صيدال ومجمع “بيوفارم» حاضران في مجلس إدارة المركز.
ويضم المركز أربعة أقسام بحثية هي «الدواء، المكون الفعال وتخليق الجزيئات”، وقسم «التصميم، الطب الحيوي، التكافؤ الحيوي وعلم الصيدلة الجينية»، وكذلك «الصحة، الأمراض المزمنة، والتجارب السريرية»، و قسم محاربة المنشطات، الأمن الصحي وعلم السموم، كما يشمل ورشات يتم على مستواها تنفيذ الجانب التطبيقي لمختلف الأبحاث والتجارب.
النصر دخلت المنشأة الواقعة غير بعيد عن المدينة الجامعية بالمقاطعة الإدارية علي منجلي، حيث لاحظنا أن أشغال تركيب المخابر التي يقدر عددها بـ 12، ما تزال متواصلة  ببعضها، فيما تم تزويدها بالمياه و الكهرباء مؤخرا و لم يبدأ العمل الفعلي بها إلا منذ قرابة 4 أشهر، بينما تنتظر الإدارة وصول العديد من التجهيزات.
مشروع حاضنة لإجراء التجارب ما قبل السريرية
ويتكون المركز من 30 باحثا بينهم طلبة دكتوراه وأساتذة مساعدون وآخرون بدرجة بروفيسور، فيما تسعى الإدارة إلى أن يصل عددهم من 100 إلى 150 باحثا مستقبلا، زيادة على الوحدات الأخرى التي يتم التعامل معها وتوظيف باحثين مشاركين وحتى باحثين من خارج الوطن، مثلما أكده للنصر رئيس المركز البروفيسور عبد الحميد جكون.
 و في انتظار إتمام مشروع حاضنة حيوانات التجارب الذي سوف ينجز قرب المنشأة على مساحة 500 متر معكب، شرع الباحثون في العمل على فئران التجارب داخل حاضنة صغيرة اختيرت لها إحدى القاعات. وسيتم على مستوى المشروع الجديد -الذي ستراعى فيه المعايير العالمية وتتوقع الإدارة أن يكون جاهزا خلال 7 أشهر- إجراء التجارب ما قبل السريرية الضرورية قبل مرحلة التجارب السريرية ضمن بروتوكولات البحث و التطوير لصناعة الأدوية.
و يتم على مستوى هذه الحاضنة تجريب مختلف التركيبات على الفئران ومعرفة تأثيرها، سواء تعلق الأمر بأدوية تعالج أمراض فيروسية أو بكتيرية أو غيرها، حيث تُقدم للحيوانات عن طريق الفم أو تحت الجلد أو بالحقن، ليتم تتبع الحالة بعد ذلك عن طريق التشريح أوبملاحظة البنية المورفولوجية للحيوان.
أبحاث لإنتاج الأجسام المضادة
كما أخبرتنا الدكتورة الواعر ابتسام، وهي باحثة في علم المناعة بالمركز، أن الأخير يعمل على إنتاج أجسام مضادة لعلاج عدد من الأمراض، وهي تقنية قالت الباحثة إنها صعبة ولا توجد في الجزائر، مردفة «هدفنا هو تطوير تقنيات إنتاج الأجسام المضادة لعلاج أمراض كالسرطانات وتشخيصها».
وتحدثت الدكتورة الواعر عن مشاريع لإنتاج الأدوية الموجهة أساسا للأمراض المزمنة كأمراض القلب والضغط الدموي و داء السكري، ويتم العمل على عدد من هذه المشاريع مع شركات لصناعة الأدوية بقسنطينة، حيث انطلق المركز في التنسيق مع مخابر مثل “فيزيوفارم»، “إي. بي.سي» و «آل.دي.أم».
وتضيف الباحثة أن المركز يعمل على تطوير أدوية جديدة لكن وضعها في السوق يتطلب وقتا مراعاة للبروتوكولات العالمية المعمول بها في هذا المجال، لتتابع بالقول إنه يمكن الانطلاق في تصنيع أولى النماذج خلال 3 سنوات، ليكون “المركز فاعلا في الصناعة الصيدلانية” وذلك في حال سارت عملية التجهيز مثلما هو منتظر، خصوصا أن التجهيزات سوف تستورد من خارج الوطن.
كما يتوفر المركز على مخبر لعلم النباتات يدرس طبيعة أنواع نباتية و يحاول إيجاد فوائدها الطبية، ويشمل عمله أيضا إجراء تحقيقات اجتماعية في الميدان من أجل فهم أعمق لاستعمالات السكان المحليين لبعض الأصناف، مثلما أكده موساوي محمد وهو باحث شاب بهذا المخبر.
نحو وصول تجهيزات متطورة من أوروبا والصين
وقال البروفيسور جكون، إن اختيار قسنطينة لتحتضن المركز لم يأت اعتباطا، فهذه الولاية تضم أكثر من 20 مخبرا في الصناعات الصيدلانية، ما يجعل من المركز شريكا أساسيا يدعم هذا المجال و مكملا للنشاط الصيدلاني، خصوصا بعد الانتهاء من تزويده بالتجهيزات اللازمة خلال الأشهر المقبلة، حيث يتوقع المدير أن تصل جميعها خلال سنة، مؤكدا أنها حساسة و تعمل بتكنولوجيا عالية مستوردة من الصين و أوروبا.
ويعمل المركز على تطوير أدوية جديدة و العمل على أدوية قديمة لاستعمالها في علاجات مختلفة لأمراض أخرى ضمن ما يسمى علميا “إعادة استخدام الأدوية”، وهو ما تم العمل به على سبيل المثال، مع عقار “غلوكوفاج» المستخدم مع مرضى السكري من النوع الثاني، والذي يمكن أن يكون مفيدا في علاج السرطان، يؤكد جكون المختص في البيولوجيا والبيوتكنولوجيا.
برمجيات حديثة لمحاكاة تصميم تركيبات الأدوية
ويضيف البروفيسور أن الجانب الذي ركز عليه المخبر منذ بدئه العمل فعليا منذ حوالي 5 أشهر، هو الدراسات المعلوماتية في ميدان تصميم الأدوية لاكتشاف وتطوير عقاقير جديدة، حيث تسمح برمجيات خاصة بمحاكاة تركيب وتصميم جزيئات، بل وحتى معرفة تأثيرها المحتمل ودرجة سميّتها، ضمن ما يعرف بتقنية «إين سيليكو» التي تستخدم في مختبرات علوم الأحياء، حيث يقوم باحثون من المركز بتكوين زملائهم من مختلف الولايات في هذه التقنية.
و رغم أن عملية تجهيز المركز الفتي لم تنته بعد، إلا أن باحثيه انطلقوا مبكرا في مشاريعهم، حيث تعمل باحثة في الوقت الحالي على تحديد الاستجابة المناعية بعد تلقي اللقاحات المضادة لكوفيد 19، و الإصابة بالفيروس، إضافة إلى مشروع بحث يتضمن استبيانا عن استعمالات الأعشاب التي قد تكون لها فائدة طبية في علاج هذا المرض، و من بينها حبات “السينوج» مثلما هو معروف محليا، زيادة على مادة "لاكتوفيرين" المستخرجة من حليب الناقة، والتي تتم دراسة فعاليتها في محاربة الفيروسات و منها كورونا المستجد.
إضافة إلى ذلك، أصدر مركز البحث في العلوم الصيدلانية بقسنطينة، مجلة جمعت العديد من الأبحاث و البيانات حول مرض كوفيد 19 من حيث التشخيص باستعمال التقنيات المعلوماتية، حيث تضمّنت دراسة بيبليوغرافية حوله، إضافة إلى مقارنة بحثية بين مختلف المتحورات وأنواع اللقاحات، وهي معلومات يتم استعمالها مستقبلا من طرف الباحثين.
و من المشاريع التي أطلقها المركز مع المخابر الموجودة في قسنطينة، مشروع مع مخبر “فيزيوفارم» بخصوص المكملات الغذائية وصناعة الأدوية خاصة التي تعالج داء السرطان، أما بالنسبة للشراكات مع الدول الأخرى، فقال جكون إن هناك شراكة مع الصين في مجال علاقة تلوث الجو بالجزيئات والجانب الصحي، مؤكدا أن ثمارها ستظهر في الأشهر المقبلة بعد «مناقشة ورقة الطريق».
“تواصلنا مع علماء جزائريين في الخارج وكل أبحاثنا بالإنجليزية»
ويتابع محدثنا بأنه شُرع في التواصل مع 5 علماء جزائريين في الخارج من أجل المشاركة في الأنشطة العلمية المقامة بالمركز، مؤكدا بأنه من الممكن أن يكونوا أعضاء في المجلس العلمي للهيئة، ليردف جكون أن كل الأبحاث تُحرّر باللغة الانجليزية، و في هذا الخصوص علّق قائلا «اللغة الانجليزية ضرورية واليوم لا يوجد باحث يجيد لغة أجنبية أكثر مما يجيد الانجليزية”.
و رغم حداثة عهده وعدم استكمال تجهيزه، استطاع المركز خلال شهر جوان الفارط إيداع براءة اختراع على مستوى المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، وقد التقت النصر بصاحبة الاختراع و هي الباحثة في الكيمياء العضوية و الصيدلة، الدكتورة منصور أميرة.
وأخبرتنا الباحثة الشابة أن الاختراع الذي عملت عليه بالتنسيق مع أخصائي في أمراض النساء والعقم، توصل إلى استخدام محلول دوائي أساسه النباتات الطبية، في تعزيز فرص الإنجاب وتقليل عسر الطمث وكذلك آثار الانتباذ البطاني الرحمي.
وتوصلت الباحثة، إلى أن حالة مخاط عنق الرحم قد تصبح عقبة أمام الإخصاب، في حين يعتقد العديد من الأزواج و خاصة المتزوجون حديثا أنهم مصابون بالعقم، حيث يمكن لهذا الدواء المساعدة على تلاشي السدادة المخاطية التي تتشكل في نهاية الدورة الشهرية لدى المرأة.
وأكدت الباحثة أنه يمكن التحقق من فعالية التركيبة الصيدلانية تقنيا، باستخدام مقياس «إينسلر»، والذي يتمثل في أخذ عينة من مخاط عنق الرحم لدراستها. ويشمل الاختراع استخدام جرعة من تركيبة صيدلانية تتكون من مواد فعالة معروفة بـ “كاربوسيستين” مضافة أو لا، و “ناهض بيتا 2 أدريناليني” أو مثبط قنوات الكالسيوم، وهي ذات فعالية مثبَتة في انحلال المخاط و إرخاء العضلات.
و من الأبحاث الأخرى التي تم إطلاعنا عليها، بحث توصل إلى استخراج مادة “جيلاتين» من أرجل الدجاج، وقد أبدت مؤسسة خاصة للتصدير اهتمامها به، كما يعمل المركز مع مخبر “فيزيوفارم» على تقنية لمعالجة المياه المستعملة في صناعة الأدوية والتي قد تحمل مواد سامة مضرّة بالبيئة.
ويسعى مركز البحث في العلوم الصيدلانية إلى الوصول لمرحلة تحقيق عائد الاستثمار من استحداث فرع يعمل على تثمين نتائج البحث وتحقيق مداخيل مالية، فيما قام البروفيسور عبد الحفيظ أوراغ المدير العام للبحث العلمي و التطوير التكنولوجي بوزارة التعليم العالي بزيارة للمركز منذ أيام، وقف خلالها على ما تم القيام به و أكد دعم المنشأة مع تحديد الاستراتيجية التي تنتهجها في ما يتعلق بالتعاون مع الشركاء الاجتماعيين و الاقتصاديين، بحسب البروفيسور جكون.
ي. ب

الرجوع إلى الأعلى