يقوم منتجون للحمضيات بولاية سكيكدة، بجني كميات كبيرة من هذه الفواكه و طرحها في الأسواق قبل نضجها، همهم الوحيد السيطرة على السوق و تحقيق الربح و لو على حساب صحة المستهلك و قدرته الشرائية، فيما يحذر مختصون من أن استهلاك الحمضيات و جنيها قبل النضج، يفقدها القيمة الغذائية و التجارية و يشكل خطرا على الصحة العمومية، في وقت تتوقع المصالح الفلاحية الوصول إلى إنتاج 594 ألفا و 800 قنطار، بمعدل 223 قنطارا في الهكتار على مساحة 2600 هكتار و تتواجد 700 هكتار لم تدخل الإنتاج، فيما تتراوح الأسعار في الأسواق بين 150 إلى 250 دج للكلغ.

روبورتاج / كمال واسطة

النصر و من أجل الوقوف على مدى انتشار ظاهرة الجني المبكر للحمضيات قبل النضج و كذا توقعات الإنتاج و مشاكل و انشغالات الفلاحين، تنقلت إلى بعض البساتين المشهورة بإنتاج هذا النوع من الفواكه على مستوى بلدية الحدائق، أين التقينا بأحد المنتجين يعمل ضمن مجموعة فلاحية تملك عدة بساتين، استهل حديثه لنا بأن عملية الجني هذا الموسم انطلقت مبكرا على غير العادة و بالتحديد في منتصف أكتوبر بدلا من منتصف نوفمبر كما كان معتادا، مرجعا ذلك إلى نضج المنتوج على مستوى بعض الأشجار في عدد من البساتين، موضحا ضمن هذا السياق بأن بعض المنتجين لما لاحظوا احمرار أو بالأحرى اصفرار بعض حبات البرتقال، راحوا يقومون بجني كل ما وجدوه في الأشجار حتى و لو كانت حبات البرتقال يكسوها الاخضرار و يظهر أنها غير ناضجة و هذا ربما ما يشجع بعض المنتجين على اللجوء لعملية الجني المبكر.
الحمضيات غير الناضجة تفتقد للقيمة الغذائية و تضر بالصحة
و بخصوص مدى تأثير بيع الحمضيات غير الناضجة على صحة و سلامة المستهلك، أكد أصحاب المهنة في حديثهم معنا، أن الأمر موجود فعلا و قد تكون له عواقب وخيمة على الصحة العمومية، لكن تبقى الظاهرة حسبهم قليلة و نسبية و عاد بنا أحدهم إلى سنوات قبيل اندلاع ثورة التحرير، عندما كان مستوطن يملك بستانا على مقربة من بستانه، يعمد لجني البرتقال قبل نضجه، ثم يقوم بإخضاع المنتوج إلى الكربون ليكسب اللون البرتقالي، ثم يقوم ببيعه و تصديره للخارج انطلاقا من مستودع داخل البستان مازال هيكله قائما لحد الآن و هذا ما وقفنا عليه في عين المكان.
و ذكر المتحدث، أن نوعية المنتوج و جودته يختلفان في بعض الأصناف عن الموسم الفارط، فمثلا صنف «طومسون» كانت نوعيته هذا العام جيدة و أفضل من الموسم الفارط، كما هو الحال بالنسبة «لسونقيل»، لكن تم تسجيل نقص في بعض الأصناف مثل «كليمونتين و مندرين» بسبب الأمراض و على العموم، فإن الموسم الفارط يبقى أفضل من الموسم الحالي من حيث النوعية و مردود الإنتاج، فيما تراوحت أسعار التجزئة حسب ما وقفنا عليه، بين 150 إلى 200 دج و أسعار الجملة بين 150 و 170 دج.
من جانب آخر، تطرق المتحدث لقضية نقص الدعم و قال إن الأشجار التي وزعت عليهم الموسم الفارط كانت صغيرة الحجم و تتطلب سنوات لتدخل مرحلة الإنتاج على عكس بعض المنتجين في البساتين الموجودة بجواره و التي تحصل أصحابها على أشجار متوسطة الحجم، يمكن أن تدخل الانتاج في عام أو عامين، كما أن السقي من أكبر المشاكل التي يعاني منها المنتجون، متحدثا عن تحايل بعض المهنيين من خلال تقديم تقارير مغلوطة لمصالح الفلاحة عن وجود الماء في الآبار التي تم حفرها لكن في حقيقة الأمر أنهم يقومون بملئها بواسطة الصهاريج رغم ما تكلفهم من أموال.
تراجع في نوعية و مردود الشعبة
و أشار إلى أن منطقة الحدائق التي كانت مشهورة بإنتاج الحمضيات، تراجع فيها نشاط زراعة هذه الشعبة خلال السنوات الأخيرة، بعد أن زحف الإسمنت و البنايات على مساحاتها الواسعة، محملا المسؤولية للمنتجين و أصحاب البساتين وراء بروز هذه الظاهرة، بالإضافة إلى بارونات العقار و قال بأنه تعرض هذه الأيام لمساومة من طرف أحد «مافيا» العقار، عرض عليه أن يشتري البستان من الملاك مقابل أموال و إغراءات كثيرة، من أجل تحويله إلى بنايات، لكن يضيف، رفضت الفكرة من أساسها لأن الأرض تمثل بالنسبة لهم، مثلما قال، الحياة و لا يمكنه التنازل عنها إطلاقا مهما كان. و غير بعيد عن البستان الأول، قصدنا فلاحين آخرين على مستوى نفس المنطقة، فكانت لهم نفس الانطباعات و الانشغالات، لكن أحدهم أعطانا رأيا مغايرا حول ظاهرة جني الحمضيات قبل موعد نضوجها، من خلال تأكيده أن جني المنتوج قبل نضجه لا يشكل حسبه أي خطر على صحة المستهلك، بل بالعكس يساهم في تعزيز المناعة لدى المستهلكين، لأن حبة البرتقال تكون مليئة بكامل العناصر الغذائية لفيتامين (c) و يكسب المتناول حيوية كبيرة تشعره بالانتعاش.
و ضمن هذا السياق، أكد العارفون بالشعبة، أن كلا من صاحب البستان و المؤجر و كذا التاجر، هم من يتحملون مسؤولية تزايد ظاهرة الجني المبكر للحمضيات قبل النضج و هدفهم واضح، يتمثل في تحقيق ربح أكبر و السيطرة على السوق، مضيفين أن بعض أصناف الحمضيات سجلت نقصا ملحوظا هذا الموسم مقارنة بالسنة الفارطة، لاسيما في صنف «المندرين و الكليمونتين» و لم يستبعد أحدهم أن تراجع زراعة الحمضيات في الحدائق، قد يكون بسبب تأثير مخلفات المنطقة الصناعية و ما تفرزها، بدليل أن أوراق حبات الحمضيات تكون على سطحها مادة سوداء.
أما عن التسويق، فقد ذكر المنتجون أن غالبية المنتوج يتم بيعه أمام البساتين بأسعار في المتناول، عادة ما تكون بين 170 إلى 200 دج و بسبب استحالة تسويق كامل المنتوج في هذا المكان، يتم تسويق جزء منه في سوق الجملة ببلدية صالح بوالشعور و عادة ما يكون في أواخر ديسمبر إلى شهر جانفي و تكون خلالها الأسعار في صالح المنتجين، لكن في الكثير من المرات يتدخل غرباء لإفساد سوق الأسعار و يبقى ذلك مرتبطا بمبدأ العرض و الطلب، بينما تلخصت بقية انشغالات المنتجين في السقي و ضرورة منحهم تراخيص حفر الآبار و كذا غلاء الأسمدة التي تكلفهم أعباء مالية كبيرة.
وحدات التحويل مطلب المنتجين
أعرب منتجون عن أسفهم و استغرابهم لافتقار ولاية سكيكدة لمصانع تحويلية مثلما هو حاصل في ولايات الوسط على وجه التحديد و كان من المفروض، يضيفون، أن ترافق تزايد زراعتها إنجاز مصانع تحويلية  من شأنها خلق حركة تجارية و اقتصادية و توفير مناصب الشغل و هي من النقاط السوداء في هذا المجال الذي يتوفر على مقومات كبيرة تؤهله لأن يكون قطبا زراعيا في هذه الشعبة الفلاحية و يبقى اللوم موجها، مثلما قالوا، للمستثمرين الذين يعزفون عن الاستثمار في هكذا مشاريع على الرغم من تواجد العديد من المناطق الصناعية على تراب الولاية.
و في تعليقه على ظاهرة جني المنتوج قبل نضجه، أكد إطار بمديرية المصالح الفلاحية، رابح مسيخ، أن الحمضيات لا بد أن تنضج حتى يتم جنيها و في حالة جنيها قبل النضج، سيكون لها تأثيرات سلبية متعددة من أبرزها الوزن و كذا فقدانها للقيمة الغذائية و التجارية، كما أن بيعه للمستهلك على تلك الحالة، يؤثر على صحة المستهلك و تؤثر حتى في المردود البيولوجي للأشجار و يبقى هدف المنتجين من وراء هذه العملية، هو تحقيق الربح و السيطرة على السوق، مضيفا أنه لا بد على كل طرف من موقعه، أن يساهم في محاربة هذه الظاهرة.
توقع إنتاج حوالي 595 ألفا و 20 صنفا عبر 38 بلدية
و أضاف المتحدث، أن ولاية سكيكدة حققت قفزة نوعية في مسار زراعة الحمضيات و توسع مساحتها، حيث قفزت المساحة في ظرف سنوات من 1600 هكتار إلى 3300 هكتار بنسبة زيادة تصل إلى 100 في المائة، منها 2600 منتجة و 700 هكتار ستدخل الإنتاج بعد سنوات قليلة و تتوقع المصالح الفلاحية، تحقيق إنتاج يفوق 594 ألفا و 800 قنطار بمعدل 223 قنطارا في الهكتار.
 ولم تعد ترتكز زراعتها على مستوى سهل الصفصاف فحسب و إنما توسعت لتشمل كامل بلديات الولاية 38 و تتوفر هذه الشعبة على 20 صنفا تغطي الدورة السنوية و تستمر عملية الجني في بعض الأصناف إلى غاية فصل الصيف و كل ذلك تحقق بفضل تفعيل برامج الدولة التي وفرت آليات و ميكانيزمات الدعم القانونية المحفزة و التشجيع على غراسة هذا النوع من الأشجار المثمرة التي تساهم في تحسين الدخل الفردي، بالإضافة إلى تحكم الفلاحين في المسار العلمي و التقني لهذه الزراعة و استعمال المبيدات و الأسمدة، فضلا عن دورات الإرشاد و التكوين و المرافقة و الدعم.
و بخصوص رده على انشغالات الفلاحين، أكد المسؤول أن الأسعار مدعمة من طرف الدولة بـ20 في المائة من قيمة الشراء، مضيفا أن مصالحه تسهر على المتابعة المستمرة على مدار العام، لتنظيم و متابعة أيام تحسيسية و إرشادية بالتنسيق مع المحطة الجهوية للمعهد التقني لحماية النباتات و إجراء متابعة مستمرة للبساتين من حيث الأمراض و الطفيليات مع إعطاء التوجيهات اللازمة بالمرافقة الدائمة للمحطة الجهوية للمعهد التقني للأشجار المثمرة و الكروم ببلدية امجاز الدشيش، التي تغطي خمس ولايات.               
ك.و

الرجوع إلى الأعلى