ســـوق موازية في فايسبــوك تسبـــب ركــــودا في محلات الصناعات التقليـدية 

عرف نشاط محلات الصناعات التقليدية بوسط مدينة قسنطينة، تراجعا كبيرا أرجعه أصحاب هذه المحلات، إلى بروز سوق موازية على مواقع  التواصل الاجتماعي، يستغلها عديد الحرفيين لتسويق منتجاتهم، إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بتراجع  السياحة و توقف نشاط الوكالات السياحية، خلال الأزمة الوبائية، و ارتفاع أسعار المنتجات إلى مستويات قياسية، مقابل تدني   القدرة   الشرائية للمواطن، الذي كانت هذه المحلات، مقصده الأول لاقتناء الهدايا  التذكارية  في الأفراح و المناسبات، و حتى لاستعمالها في الديكور المنزلي، ما دفع  التجار، حسب ما وقفت عليه النصر، خلال هذا الروبورتاج بوسط  مدينة قسنطينة، إلى تنويع معروضاتهم، لتشمل مختلف الهدايا العصرية، مع تخصيص 20 بالمئة  فقط، من فضاءات محلاتهم، لعرض منتجات الحرفيين.

 ربورتاج / أسماء بوقرن

حرفيون تخلوا عن محلات  الهدايا و لجأوا إلى الفضاء الافتـراضي
لاحظت النصر خلال جولتها عبر محلات بيع المنتجات التقليدية الحرفية، موزعة وسط  مدينة قسنطينة، و التي لا يتجاوز عددها ثلاثة محلات، ركودا في نشاطها التجاري، فهناك محلات لا تزال تعرض منتجات تقليدية اقتنيت منذ أكثر من سنة، دون أن تباع، ما أجبر التجار على تنويع نشاطهم التجاري، و توسيعه ليشمل بيع الهدايا و قطع الديكور الحديثة، المحلية و المستوردة من تونس، مصر، الصين و الهند، و تتمثل عموما في ساعات اليد و علب خشبية مخصصة لحفظ الحلي، و أساور مختلفة و أطقم الأكواب الزجاجية، و غيرها من القطع، التي تقدم كهدايا في مختلف المناسبات، على غرار اليوم العالمي للمرأة و عيد الأم و احتفالات رأس السنة، و حفلات عيد الميلاد و النجاح و غيرها، على مدار السنة، و ليس فصل الصيف فقط.  كما أصبحت المحلات توفر العلب الكرتونية المصممة بأشكال مختلفة و بلمسة عصرية، بدل الأكياس البلاستيكية، لتستعمل لحمل الهدايا  و الورود،  و تقدم كعروض جاهزة للزبون، لمواكبة ما تروج له المؤثرات «يوتيبورز»، على مواقع التواصل الاجتماعي.. كل ذلك، لأجل ضخ دماء  جديدة  في فضاءات  تجارية هجرها عديد الزبائن، على حد تعبير أحد التجار، و لكي لا يصبح نشاط المحلات مناسباتيا، و يتماشى مع العصر، و احتياجات و رغبات مختلف شرائح المجتمع .
محلات تخصص مساحة أكبر للهدايا العصرية
 ما وقفنا عليه أيضا خلال جولتنا بمحلات وسط المدينة، و حديثنا مع التجار، أن معظم الزبائن يتوجهون مباشرة،  إلى رفوف المحلات التي تعرض قطع  ديكور عصرية مستوردة، لا علاقة لها بالحرف التقليدية المحلية التي يتفنن حرفيون في صنعها، و وضع لمساتهم الفنية عليها.
و لاحظنا أن معظم الزبائن لا يولون أدنى اهتمام، لما  يعرض  في  الزاوية المخصصة لكل المنتجات و التحف التقليدية، و التي أصبحت تحتل جزءا صغيرا فقط من المحل لا يتعدى 20 بالمئة من المعروضات.
وجدنا بأحد المحلات أختين بصدد شراء كرة ثلج و علبة خشبية، لحفظ الحلي، و قالتا للنصر بأنهما ستقدمانهما كهدية لوالدتهما، و بررتا تفضيلهما لهدايا من هذا النوع، بدل اقتناء أخرى تقليدية ترمز للإرث الثقافي لبلادنا، بسعرها الباهظ.
 و قالت لنا إحدى الأختين، بأنها أرادت في البداية شراء تشكيلة من الأواني النحاسية المصغرة الخاصة بالديكور، غير أنها اصطدمت بغلاء ثمنها الذي يتجاوز 10 آلاف دينار،  فاكتفت باقتناء هدية تتماشى مع إمكانياتها المادية، و قامت شقيقتها بنفس الشيء. و بمحل «التارقي» بشارع العربي بن مهيدي، وجدنا سيدة في العقد السادس من العمر، كانت بصدد اختيار حلي تقليدية قبائلية، قالت لنا بأنها ستقدمها لقريبتها المغتربة كهدية.
و أضافت الزبونة بأنها تفضل دائما تقديم هدايا ترمز لتراث بلادنا، إلى قريباتها المغتربات، كمساهمة منها في الترويج للموروث الثقافي المحلي.
و أكدت من جهتها السيدة نصيرة التي وجدناها بمحل آخر على  مستوى  شارع العربي بن مهيدي، حيث تقيم ، بأنها من عشاق الصناعات التقليدية، و لا يخلو منزلها من الأواني و قطع الديكور المصنوعة من النحاس و كذا الأطر المصنوعة بأنامل   حرفيين    جزائريين، حتى الحقائب الجلدية، لا تزال تحتفظ بها، و توليها اهتماما كبيرا، لتظل محافظة على بريقها، منها ما تلقته كهدايا و منها ما اشترته بنفسها، غير أنه و في ظل ما يشهد سوق الحرف من ارتفاع فاحش في الأسعار، فضلت شراء لوحتين صغيرتين نقشت بهما آيات قرآنية بسعر لا يتعدى 1500 دينار، لتقديمهما كهدية لابنها، بمناسبة انتقاله إلى بيته الجديد، مشيرة إلى أن إمكانياتها لا تسمح باقتناء قطعة ديكور نحاسية له، كهدية بذات المناسبة.  
ازدهار تجارة الحرف مرهون بانتعاش القطاع السياحي
أكد للنصر، التاجر الصديق بوخالفة، صاحب محل بوشداخ «دار الهدايا»، الكائن بشارع عبان رمضان، بأن ركود تجارة الصناعات التقليدية و عزوف الزبائن عن شراء مختلف القطع التقليدية، خاصة النحاسية المصغرة التي تستعمل كقطع ديكور، على غرار «المحبس» ، «الطاسة»، و «القطار» و «السينية» و الشمعدان و غيرها، إلى جانب أطر مصنوعة يدويا.
كما أن محله كان يروج للإرث التقليدي الذي تزخر به مختلف الولايات، كالحلي التقليدية لمنطقة القبائل، و   قطع  ديكور و أكسسوارات  تبرز عادات و  تقاليد الجنوب الجزائري، و أخرى تسلط الضوء على تقاليد مناطق  بوسط  و غرب البلاد، لكن زيادة أسعار المنتجات بأكثر من ضعفين، دفعه إلى تجديد نشاطه و تنويعه، من خلال تخصيص  مساحة أكبر، لعرض الهدايا العصرية، مثل ساعات اليد و قطع ديكور محلية و أجنبية  حديثة  بأسعار  مختلفة،  تناسب   كل  الفئات، ما مكنه من تحقيق عائدات،  لدفع تكاليف أخرى تتعلق بنقل السلع و تسديد الفواتير و غيرها.    
و أوضح المتحدث بأن ازدهار هذا النوع من التجارة، مرهون بانتعاش القطاع السياحي، خاصة في ظل تغيير حرفيين لإستراتيجيتهم في الترويج لمنتجاتهم، حيث وجدوا في الفضاء الافتراضي، المساحة الأمثل للترويج لها و بيعها، دون وسائط للزبائن مباشرة، خاصة بالنسبة للحرفيين الشباب، الذين أضافوا لمسات خاصة على منتجاتهم، لجذب الزبائن، و توصيلها إليهم مباشرة، دون الحاجة لعرضها في محل تجاري، مع اعتماد سعر الجملة.
في المقابل، كما أضاف المتحدث،  يتحتم على التاجر فرض هامش ربح و زيادات لتسديد الضريبة و تكاليف نقل البضاعة من مختلف ولايات الوطن و غيرها، مشيرا إلى أن القطع النحاسية التي يعرضها بمحله، لا يستطيع المواطن محدود أو متوسط الدخل، أن يقتنيها، نظرا لأسعارها الباهظة، الناجمة عن ارتفاع سعر المادة الأولية بنحو خمسة أضعاف عن ثمنها سابقا، و تخلي بعض الحرفيين على النشاط،  كما  أن  منطق  اختيار الهدايا، تغير، و أصبح يخضع  لمستجدات العصر، و يقتصر اقتناء القطع التقليدية، على زبائن أوفياء لها منذ عقود.
يخصص 20 بالمئة من المحل لعرض القطع التقليدية
أكد حمزة حشوف، تاجر بمحل بشارع العربي بن مهيدي، بأنه يخصص 20 بالمئة من فضاء المحل، لعرض  المنتجات التقليدية، و ذلك لعدة أسباب، من بينها أن تجارة الصناعات التقليدية تزدهر، حسبه، في فصل الصيف فقط، تزامنا مع تنظيم الأعراس و المناسبات العائلية المختلفة و حفلات النجاح و التخرج.
كما أن الاهتمام بالحرف التقليدية، تراجع ، كما قال، في ظل هيمنة الديكور الداخلي التركي و الأجنبي على المنازل، الذي تروج له المؤثرات، فأصبح الجزائري يحلم ببيت ذي ديكور تركي أو شرقي، ما أدخل هذا النشاط في خانة الأنشطة التي في طريقها إلى الاندثار، حسبه.      كما يعتبر المتحدث الترحيلات التي شملت أحياء بوسط المدينة، من بين أسباب ركود تجارة الصناعات التقليدية، لأن أبناء المدينة القديمة أوفياء لهذه الصناعات، و كانت تعد الخيار الأفضل لهم عند اقتناء هدايا لأقاربهم، و بالأخص المغتربين.  و أشار التاجر إلى أن الحركية التجارية تنتعش قليلا بين الساعة  11 صباحا، و الثالثة بعد الزوال، ثم يطالها الركود ، كما أن التكاليف المرتفعة لاقتناء السلع، فرضت زيادات في أسعارها، ليحقق التجار هامشا من الربح، موضحا بأنه كان في وقت مضى، يعتمد على موزعين لتوصيل طلبياته من الجنوب و الغرب الجزائري، غير أن وقوع تجاوزات، حال دون الاعتماد على موزعين، لجلبها من ولايات مجاورة، كالحلي التقليدية القبائلية و الحلي المرجانية   و الحقائب الجلدية و غيرها.
الجيل الحالي لا يعي قيمة الصناعات التقليدية
من جهته قال صاحب محل «التارقي» بشارع العربي بن مهيدي، بأن  الجيل الجديد لا يعي قيمة الصناعات التقليدية و رمزيتها، في حين ستصبح في المستقبل ذات قيمة لا تقدر بثمن، مشيرا إلى أن المغتربين وحدهم ظلوا أوفياء لهذه التجارة، لأنهم يحبون كل ما يربطهم ببلادهم،  و كذلك عائلاتهم التي تفضل تقديمها لهم كهدايا، فيما لم تعد تقدم كهدايا في الأعراس، كما كانت في السابق، بعد أن أصبح الكثيرون يفضلون تقديم مبالغ مالية كهدايا للعرسان و العرائس لشراء ما يحتاجون إليه، على اقتناء هدية صغيرة بثمن باهظ، خاص في ظل زيادة ثمن الأواني و قطع الديكور النحاسية، و كذا الحلي و المنتجات الجلدية و غيرها.
أ. ب

الرجوع إلى الأعلى