تـــراجــــــــــع في حصيلة صيــــــد السمــــــك بسكـــــــيكدة

كشف مهنيو الصيد البحري بولاية سكيكدة، أن خرجات صيد السمك خلال شهر رمضان تقل بصورة كبيرة مقارنة بباقي شهور السنة و يجدون أنفسهم مجبرين على التأقلم مع هذا الشهر الفضيل، من خلال تغيير مواقيت العمل التي تكون عادة بعد الافطار إلى غاية السحور و أحيانا تمتد فترة الصيد إلى الصباح الباكر، في رحلة وصفوها بالشاقة و لو أنهم تعودوا عليها.

روبورتاج: كمال واسطة

و أرجع أصحاب المهنة نقص المنتوج خلال السنوات الأخيرة، إلى عدة عوامل، أبرزها التلوث البحري و هذا ما يفسر حسبهم غلاء المنتوج في الأسواق و ندرته، لاسيما السردين الأزرق الغائب عن موائد رمضان هذه السنة، فيما ناشد آخرون الجهات الوصية، تسهيل الإجراءات الإدارية و القانونية في ما يخص إنشاء مؤسسات مصغرة و الاستفادة من القروض التي وصفوها بالمعقدة.
النصر و من أجل تسليط الضوء على ظروف عمل هؤلاء الصيادين خلال شهر رمضان، قامت بزيارة إلى ميناء الصيد البحري في سطورة بمدينة سكيكدة، أين صادفنا مجموعة من البحارة جالسين على مقربة من مدخل الميناء يتجاذبون أطراف الحديث، من بينهم رئيس جمعية الصيادين السابق الذي اعتذر عن الإدلاء بأي تصريح، متحججا بكونه توقف عن النشاط و لم تعد له أي علاقة بهذه المهنة و حولنا الكلمة إلى أحد البحارة يدعى «محمد»، فقال إن تردي الأحوال الجوية حال دون خروجهم في رحلات الصيد، مشيرا إلى أن عملهم في شهر رمضان يبقى مشابها لبقية شهور السنة و الاختلاف يكمن في التوقيت الذي يكون بعد الفطور مباشرة، و قال آخر و هو ربان سفينة يدعى «حسين»، إن نشاط صيد السمك خلال هذا الشهر، يقل بشكل محسوس بسبب ضيق الوقت بين موعد أذان المغرب و صلاة العشاء و تجد الكثير من مالكي السفن يفضلون التوجه للمسجد لأداء صلاة التراويح و هناك فئة قليلة من الصيادين من يخرجون للصيد في هذا الشهر و يكون في النهار و هذا الأمر ينعكس سلبا على وفرة المنتوج في السوق، فهناك فرق بين خروج أزيد من 15 سفينة صيد و بين خمس سفن.
تــــــنـــــاول الســـحـــور على أمواج البحر
و ذكر صياد أو «بحري» كما يطلق على الصيادين، أن رحلات الصيد في الليل تبدأ مباشرة بعد الفطور، بهدف ربح الوقت و العودة في توقيت السحور، لكن في بعض الأحيان يضطرون للبقاء إلى غاية الصباح، خاصة في الحالات التي تبلغهم معلومات عن تواجد السمك في مواقع بعيدة في نواحي القل و المرسى، حيث يقطعون مسافات طويلة و شاقة و هناك حالات أخرى لما يكون السمك متواجدا على أعماق البحر، ينتظرون صعوده إلى مستوى معين من العمق يسمح باصطياده، ففي هذه الحالات يجدون أنفسهم مجبرين على تناول وجبة السحور في عرض البحر و غالبا ما يعودون في الصباح.
و حسب من تحدثنا إليهم، فإن رحلات الصيد في الليل خلال الشهر الفضيل، لا تخلو من المخاطر، لاسيما ما تعلق بهيجان البحر و صعود مستوى مياهه و هنا تتجلى حسبهم معاناة البحارة و رغم هذا، فإن ما يجنيه البحارة البسطاء من هذه النشاط، قليل جدا مقارنة بالمتاعب التي يلاقونها داخل البحر.
التلـــوث تسبـــب في تدنــــي كميات الصيد
و في حديثنا عن الإنتاج، أجمع بحارة بمن فيهم مالكو السفن، على أن الإنتاج و بحكم خبرتهم في هذا المجال، يأخذ في الانخفاض من عام لآخر و ذلك لعدة عوامل و ظروف تتحكم في وفرة السمك، يأتي في مقدمتها التلوث البحري، لأن ميناء الصيد البحري بسطورة وصفوه بكونه أضعف ميناء في الجهة الشرقية للوطن من حيث وفرة الإنتاج بسبب التلوث و لهذا أصبحت فواكه البحر أو القشريات التي تشتهر بها سكيكدة في السنوات الأخيرة، نادرة جدا و قل ما يتم صيدها بسبب هذه المشكلة، على اعتبار أن سكيكدة تتواجد بها منطقة صناعية تفرز مواد كيميائية و كذا بواخر العبور التجارية التي تقوم بتفريغ مواد ملوثة في عرض البحر و هذا لا يعني استثناء الصيادين في هذه المشكلة، فهم كذلك يتحملون جزءا من مسؤولية انتشار بقع ملوثة بزيوت تشحيم السفن على مستوى ميناء سطورة.
كل هذه العوامل، حسب المهنيين، تجعل السمك يهرب و يغادر المنطقة باتجاه أماكن آمنة و نظيفة، بدليل كما قالوا، أنهم كلما ابتعدوا عن هذا الميناء بمسافات بعيدة يجدون السمك و في بعض الحالات يتفاجأون بوجود سمك «لونشوان» أو السردين على مقربة من الميناء و ذلك يرجع لعدة عوامل، من بينها أن هذا النوع من السمك تجده يهرب في بعض الأحيان من خطر سمك القرش أو الدلفين، لكن ذلك بشكل مؤقت و لا يدوم تواجده لمدة طويلة و سرعان ما يغادر و يهاجر إلى أماكن آمنة و نظيفة، لأن السمك مثل البشر يحس و ينجذب للأماكن الجميلة و النظيفة و البعيدة عن الخطر، على حد قولهم.
و ضمن السياق نفسه، أكد أحدهم أن الحديث عن انقراض السمك الأزرق كما يعتقد البعض، يبقى مستحيل الحدوث، لأن السمكة الواحدة عند عملية التكاثر تضع ملايين البويضات، فما بالك بسرب من الأسماك و هذا من خلق و حكمة الله عز وجل.

أما عن قضية الصيد بالمتفجرات، فقد نفى صيادون بشدة استخدام هذه العملية في الصيد على موانئ ولاية سكيكدة، حيث لم يسبق و أن استعملوا هذه الطريقة و ولم يستبعدوا أن يكون أجدادهم في القديم استعملوا هذه الوسيلة للصيد، كما نفوا صيد السمك الصغير و قالوا أحيانا يصعد في الشباك مع السمك من الحجم المسموح بصيده بالخطأ و ليس عمدا، لأن كاشفة العمق لا يمكن أن تحدد لك نوعية السمك الموجود في أعماق البحر و لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
العـــــرض و الطـــــــلـــــب مقياس الأسعار
و بخصوص الأسعار التي وصلت إلى مستويات قياسية، حيث تجاوز سعر 1 كلغ من السردين 1000 دج، بعد أن كان يتراوح بين 750 و 850 دج قبل شهر رمضان، فقد أجمع الصيادون على أن الأسعار تبقى مرتبطة بوفرة الإنتاج و في ظل قلة رحلات الصيد خلال هذه الفترة التي تزامنت مع شهر رمضان بالموازاة مع رداءة الأحوال الجوية، فإن سوق السمك حسبهم يشهد ندرة حادة لسمك السردين و الأمر يبقى متعلقا بتحسن الطقس و ارتفاع درجة الحرارة، مثلما جاء في تدخل ربان باخرة يدعى «رابح» أنه من المنتظر أن تتحسن الوضعية في قادم الأسابيع و برأي الصيادين، فإن المواطن البسيط بصفة عامة، يبقى الخاسر الأكبر في مثل هذه الحالات.
و خلال تجولنا بالمسمكات الخاصة المتواجدة بجوار الميناء، تفاجأنا بأن معظم المحلات أبوابها مغلقة و الحركة تكاد تكون منعدمة، حيث وجدنا تاجرين فقط يمارسان نشاطهما، كما أن حركة البيع و الشراء و كذا إقبال المواطنين، لاسيما من الولايات المجاورة الذين ألفوا اقتناء السمك، كانت غائبة تماما و لما استفسرنا، أجابنا البعض بأن السبب يعود إلى قلة الانتاج خلال هذا العام مقارنة بالعام الفارط حينما كانت حركة البيع و الشراء نشطة و المكان لا يتسع للسيارات القادمة حتى من خارج الولاية و اعتبر صيادون أن الأسعار تبقى مرتبطة بالوفرة و أعطى مثالا باللحوم الحمراء و البيضاء التي تكون أسعارها عالية عندما يكون منتوج السمك قليلا و تنخفض لما يكون المنتوج وافرا.
نقص المعدات و إجراءات إدارية تعقد المهنة
أكد صيادون أن زيارة الوفد الياباني للميناء، مؤخرا، مفيدة للغاية، لأنها تسمح لهم بتحسين عملية الصيد بالطرق الحديثة و التقنيات المتطورة و كسب الخبرة بما يسمح بالرفع من الإنتاج و النهوض بالقطاع، لكن ذلك يبقى، حسبهم مرتبطا، بتوفر عدة شروط، من أهمها ضرورة توفير المعدات و تحفيز الصيادين و تقديم التسهيلات الإدارية و القضاء على البيروقراطية و قدم أحدهم مثالا عن اشتراط الإدارة تقديم المخطط الخاص بسفينة قديمة تم تصنيعها في 1984 و هنا يجد الصياد نفسه مجبرا على التوجه إلى الخبير، الأمر الذي يكلفهم معاناة كبيرة معقدة، فضلا عن الأعباء المالية لأن العملية، حسبهم، أصبحت تتم على مستوى المديرية الجهوية بعنابة و كذا الوزارة الوصية بالعاصمة، عكس السنوات السابقة حين كانت تتم على مستوى المديرية الولائية.
كما تطرق الصيادون إلى مشكلة تأخر بعض المستثمرين الشباب عن مباشرة نشاطهم و بقاء بواخرهم التي استفادوا منها في إطار المؤسسات المصغرة عالقة على مستوى الميناء لأزيد من ثلاثة أشهر ينتظرون تسوية إجراءات إدارية يصفونها بالمعقدة، بالإضافة إلى صعوبات على مستوى الضمان الاجتماعي و كذا مشكلة تصنيف العمال و الغرامات التي تطالهم رغم أن الكثير منهم يبقى أحيانا بدون نشاط لمدة عام.
صيادون اضطروا للعودة إلى النشاط بعد التقاعد

كما تحدث مهنيون عن الصعوبات التي تقف، مثلما قالوا، عائقا أمام تحسن وضعياتهم المهنية و الاجتماعية، واصفين ظروف معيشتهم بالمعقدة، حيث ذكر أحدهم أن البعض من الصيادين في بعض الأحيان لما تكون التقلبات الجوية لا يضمنون قوت أيام أو أسابيع لأن هذا النشاط مصدر رزقهم الوحيد و استغربوا من اعتقاد بعض الناس أن الصيادين ميسوري الحال، إلا أن الحقيقة غير ذلك، لأن ربان الباخرة لما يكون الإنتاج وفيرا هو المستفيد الأكبر، حيث ذكروا على سبيل المثال، أنه و في حالة اصطياد كمية كبيرة من الأسماك قيمتها في حدود 300 مليون سنتيم، فإن نصيب البحار البسيط لا يتعدى خمسة ملايين و أقل أحيانا و هي ما لا تكفيه لشهر، بينما صاحب السفينة أو الربان، يستفيد من قيمة مالية تكفيه لسنة كاملة و الملفت هو أن الصيادين الذين تحدثنا إليهم، جميعهم خرجوا للتقاعد، لكن بسبب ضعف المنحة التي لا تتجاوز 15 ألف دج، عادوا للنشاط من أجل توفير مدخول إضافي. و يناشدون السلطات العليا، التدخل من أجل سن قوانين جديدة تحسن من الوضعية المهنية و الاجتماعية للصيادين و تضمن حقوقهم و قدموا في هذا الإطار اقتراحا بإنشاء صندوق يخصص لتقديم إعانات مالية للمهنيين عند توقفهم عن النشاط أثناء فترة التقلبات الجوية و اعتبروا أن قطاع الصيد البحري مثله مثل القطاع الفلاحي، يساهم في التنمية الاقتصادية للبلاد.                            ك.و

الرجوع إلى الأعلى