وسطــاء يلهبــون ســــوق التمــور ببسكـــــرة
 
أرجع منتجون وتجار في ولاية بسكرة، ارتفاع أسعار التمور هذه السنة إلى نفاد مخزون النوعية الجيّدة واستمرار هيمنة وسطاء على أسواق هذه المادة واسعة الاستهلاك في رمضان، كما تحدثوا عن لجوء أصحاب غرف تبريد لتخزين كميات كبيرة من أجل بيعها بأسعار تحدد مسبقا لضمان هامش ربح وفق مخططاتهم، فيما يواجه فلاحون مشاكل زيادة تكاليف الإنتاج مع عدم تطوّر مؤشرات التصدير، إضافة إلى الأمراض التي تصيب التمور مثل داء "بوفروة" و هو ما كان له انعكاس سلبي على مردود النخيل هذا الموسم.   

روبورتاج: عبد الحفيظ بوسنة


النصر تنقلت إلى أسواق الولاية
و تحدثت مع عدد من تجار التجزئة، حيث أرجعوا ارتفاع الأسعار رغم الوفرة التي حققتها الولاية الخريف الماضي في مختلف الأنواع، إلى نقص النوعية الجيّدة و استمرار تحكم المضاربين و التجار الذين يملكون غرف تبريد ويخزنون المنتوج.
وأضاف محدثونا بأن الوسطاء ألهبوا السوق مع دخول شهر رمضان، من خلال تعمد تخزين النوعية الجيدة التي يكثر عليها الطلب في مثل هذه المناسبات الدينية، ما جعلها في غير متناول العديد من المواطنين حتى داخل بسكرة، حيث أن الإقبال الكبير للمتسوقين خاصة من خارج الولاية، جعل الكمية المعروضة وخاصة دقلة نور طولقة، تنفد بسرعة.
وأدى هذا الوضع إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، ويتوقع التجار أن يتصاعد تدريجيا خلال الأيام القادمة في ظل زيادة الطلب ونقص الكميات المعروضة، وأرجع منتجون في حديثهم للنصر، نقص التمور ذات النوعية الجيدة، إلى التلف الكبير الذي مس المنتوج الخريف الماضي لعدة عوامل، منها الحرارة و سوسة التمر و مرض "بوفروة".
وضاعفت الأسعار المرتفعة من مخاوف المستهلكين بسبب زيادة الطلب ونشاط المضاربين في منطقة تعد مرجعية في مجال إنتاج التمور من شتى الأصناف وفي مقدمتها دقلة نور ذات الجودة العالمية، خصوصا بالجهة الغربية للولاية على غرار مناطق  طولقة، لغروس، فوغالة وغيرها، حيث تم تصديرها إلى عدة دول خاصة أوروبا.
وبحسب بعض المنتجين، فإن مخزون النوعية الممتازة نفد لدى العديد منهم بسبب خروج كميات من التمور المحلية وشحنها إلى وجهات مختلفة من الوطن، ما جعل المخاوف تنتشر من إمكانية نقص الكمية و خاصة صنف دقلة نور في السوق المحلية خلال الأيام القادمة، رغم التطمينات المقدمة في ظل ارتفاع معدل الإنتاج الموسم الماضي والذي قدرته المصالح الفلاحية بأزيد من 3.6 ملايين قنطار من مختلف الأنواع.
وحمّل عشرات المنتجين، المسؤولية للوسطاء الذين عادة ما يكونون وراء التهاب أسعار التمور المطلوبة بكثرة في شهر الصيام، حيث ينشطون خلال موسم الإنتاج من خلال تكديس كميات معتبرة قبل تسويقها تزامنا مع رمضان و بأثمان مضاعفة.
زيادة تتجاوز 50 بالمئة

و للوقوف على الأسعار، كانت لنا جولة استطلاعية في بعض نقاط البيع بالتجزئة بعدد من مناطق الولاية، حيث قاربت النوعية الممتازة 1000 دج للكيلوغرام بارتفاع تجاوز 50 بالمائة مقارنة بالأيام الماضية التي تأرجح فيها الثمن بين 400 و 500 دج، فيما تراوح سعر النوعية الثانية بين 400 و 600 دج.
وبسوقي طولقة و لغروس، سجلنا ارتفاعا كبيرا في أسعار التمور ذات النوعية الرفيعة والتي لم يستطع ذوو الدخل البسيط اقتناءها، كما لاحظنا أن النوعية الأولى في شكل عرجون، قفزت في ظرف قصير من 300 دج إلى 600 دج و في بعض الأحيان تباع بـ 700 دج، أما الصنف الثاني، فقد تجاوز 400 دج و بقية الأنواع الأخرى مسها كذلك الارتفاع الذي تفاجأ به المواطنون.
وتوقع الباعة، أن يستمر الارتفاع ليصل إلى سقف 1000 دج في التجزئة وذلك بالنظر لزيادة الطلب و قلة العرض. و أكد محدثونا على أن سعر الجملة الذي كان يتأرجح حسب النوعية من 200 إلى 300 دينار للكيلوغرام، وصل إلى غاية 500 دج بالنسبة للعرجون، مرجعين ذلك إلى نفاد المخزون داخل غرف التبريد من النوعية الممتازة، بعد أن لجأ أغلب المنتجين لبيعه في وقته و بأسعار في المتناول تراوحت بين 150 و 250 دج، خوفا من تداعيات جائحة كورونا و تكدس التمور مثلما حدث الموسمين الماضيين.
نقص في اليد العاملة
و أكد أحد المنتجين، أن سعر الجملة للتمور المخزنة، يتأرجح بين 300 و 400 دج للكيلوغرام، فيما يتراوح ثمن الكيلوغرام من العرجون ذات نوعية مقبولة بين 400 و 500 دج، لكن تزايد الإقبال وارتفاع معدل الطلب محليا وخارجيا، قلص الكميات المخزنة.
وأضاف محدثنا، أن المنتوج عادة ما يطرح بأسعار في المتناول خلال مرحلة الجني، حيث تتأرجح الأسعار في الغالب بين 150 و 250 دج، إلا أن نشاط الوسطاء واقتناءهم لكميات معتبرة لتخزينها في سبيل فرض الندرة في السوق، أثر على السوق عبر تسويق هذه الكميات بأثمان مرتفعة بفعل تزايد الطلب ونقص العرض زيادة على متطلبات نقل المنتج الفلاحي من المزرعة للمستهلك وما يصاحبها من تكاليف .
وفي السياق، ذكر منتج آخر أن مشاكل اليد العاملة، التخزين و النقل التي يواجهها الكثير من أصحاب المزارع، ما زالت تطرح بحدة وهو ما يزيد من أعبائها وتكاليفها و توزيعها في مختلف مناطق الوطن، مشيرا إلى أن مشكلة الارتفاع في الأسعار لا يتحملها المنتج وإنما تدخل فيها عدة أطراف تجارية إلى غاية وصول التمور للمستهلك.
أصحاب غرف تبريد يكدسون التمور
وأكد منتجون، أن تكدس المنتوج في غرف التبريد، أدى في قلة العرض، حيث يتحين أصحابها الفرصة للبيع بأسعار مضاعفة بعد أن رفض بعضهم البيع في الوقت الراهن، بحجة أن حركة البيع بطيئة جدا وليس بإمكانهم تحقيق الأرباح التي يأملونها. و تساءل مهنيون عن الجهة التي يمكن أن تتحكم في هذا القطاع الذي يحتاج إلى جمعية أو منظومة توكل لها مهمة ضبط عملية التداول بطريقة تمنح الجميع هامش ربح معقول وتضمن للمستهلك الحصول على التمور بسعر معقول و في المتناول.
وقال منتجون آخرون، بأن غالبية المنتجين الكبار تملك غرف تبريد، ما يعني البيع حسب المزاج و حسب نسبة الربح التي يحددونها مسبقا، لكن يبقى الفلاح و المنتج الصغير هو الخاسر، لأنه يجبر على بيع غلته في فترة الجني دون اللجوء للاحتكار، حيث يضطر لتسويقها بالسعر المتداول في تلك الفترة و قد لا يغطي حتى تكاليف الخدمة.
"الحرارة و التخزين عاملان لارتفاع ثمن التمور"

رئيس الغرفة الفلاحية ببسكرة، مسعود غماري، و في حديثه للنصر، أرجع الارتفاع المسجل في الأسعار إلى الحرارة الشديدة التي شهدتها الولاية الصائفة الماضية والتي كان لها تأثير سلبي على نوعية المنتوج وكميته مقارنة بالسنة التي سبقتها، مشيرا إلى أن الأسعار كانت مرتفعة أيضا خلال مرحلة الجني، فيما يتمثل العامل الثاني في تخزين كميات كبيرة داخل غرف التبريد لإعادة بيعها مرة أخرى. و أجمع عدد من المنتجين، على أن التحكم في الأسعار وجعلها في المتناول، يفرض تحييد المضاربين و الوسطاء، و في المقابل، التكفل الأمثل بالانشغالات التي يعاني منها المنتج، خاصة ما تعلق بالكهرباء الفلاحية و شق المسالك و غيرها من المعوقات التي يكابدها بشكل يومي، زيادة على الغلاء الكبير في مادة البلاستيك المستعملة في تغليف العراجين، لحمايتها من مخاطر التقلبات الجوية، حيث قفز سعر الكلغ من 240 دج إلى 380 دج.
كما طرح المتحدثون مشكلة الزيادة المسجلة في الأسمدة العضوية والتي فاقت 80 بالمائة، إلى جانب ندرة اليد العاملة المؤهلة خلال مرحلة الجني، ومشاكل التمليك ضمن مختلف الصيغ التي تسمح بالاستفادة من مختلف إجراءات دعم الدولة لتطوير النشاط الزراعي.
مشاكل تعيق المصدرين و وحدات تكييف تفلس
من جهة أخرى، ذكر عدد من المصدرين أن مؤشرات التصدير لم تتغير منذ سنوات والرقم ما زال في حدود 40 ألف طن فقط، أي بما يعادل أقل من 1 بالمائة من إجمالي الإنتاج، مرجعين ذلك إلى الفوضى التي تعرفها شعبة التمور المتمثلة في الحلقة بين الفلاح المنتج و المصدر، زيادة على المضاربة و الغش في التصنيف، الأمر الذي أعاق، حسبهم، تنظيم عملية التصدير. كما تحدث المصدرون عن عوامل أخرى، منها جائحة كورونا وارتفاع سعر تكلفة الشراء، وإهدار الوقت في عملية الفرز والتصنيف، إلى جانب التخزين الفوضوي وعدم احترام شروط حماية المنتوج داخل غرف التبريد، ما يؤثر على النوعية، زيادة على المنافسة الأجنبية التي يعرفها السوق العالمي، بعد أن اقتحمت دول منها إيران، السعودية و الإمارات السوق وبأسعار زهيدة، مستفيدة من جودة مؤسساتها التي تشتغل بأحدث أنواع التوضيب، في حين أن المصدر الجزائري ما زال يعاني من نفس المشاكل، مع طرح معوقات أخرى كثيرة يعاني منها أصحاب وحدات التكييف، الذين اضطر بعضهم لغلقها بسبب الإفلاس، فيما يواجه البعض الآخر خطر الغلق.
ع/ب

الرجوع إلى الأعلى