الــــجفاف يهـــدد بســــاتين تفــــــاح بوحمامـــة بخنشلــــة

تعتبر منطقة بوحمامة في ولاية خنشلة، الأولى وطنيا في إنتاج التفاح على مساحة 5500 هكتار وبمردود يفوق مليون و 500 ألف قنطار سنويا، فيما تشهد الأراضي المخصصة لهذه الشعبة توسعا من عام لآخر، ما جعل من خنشلة مصدرا أساسيا لإنتاج التفاح بالجزائر، وهو الذي تم تصنيفه ضمن أجود الأنواع في العالم، لكن الجفاف والمضاربة واستمرار اعتماد العديد من الفلاحين على طرق الزراعة التقليدية، أثر على المردود، فيما يجري العمل على إدخال أصناف جديدة قابلة للتخزين وتوسيع الزراعة المكثفة، بما يسمح باقتحام الأسواق الخارجية مستقبلا.

روبورتاج: كلتوم رابية

النصر تنقلت إلى المزرعة النموذجية لتعاونية إنتاج التفاح ببلدية لمصارة، لصاحبها، كمال مسعى، الذي أكد أن المزرعة اعتمدت الزراعة المكثفة الحديثة نظرا لأهميتها وخصائصها المميزة المربحة للوقت والمنتجة لنوعية جيدة بمردود وفير ومواصفات تقنية عالية، لاسيما ما تعلق بطول الشتلة وغزارة المجموع الجذري وتجانس قطر وموضع التطعيم، ما يسمح بغراسة بستان متجانس والوصول إلى إنتاج متجانس ابتداء من العام الثاني.
و وضعت هذه التقنية حدا للعديد من المشاكل التي كان يعاني منها الفلاحون في الزراعة التقليدية الكلاسيكية التي يتم فيها غرس من 400 إلى 500 شجرة في الهكتار وبنوعية واحدة متوفرة تستهلك كميات كبيرة من الماء، بينما يتم اليوم الاعتماد على نوعيات جديدة مع الدخول في الإنتاج المبكر، وتم إدخال أصناف جديدة بزراعة 2500 إلى 2700 شجرة في الهكتار مع اقتصاد الماء والأسمدة، حيث تترك مسافة 1.20 متر بين الأشجار لأنها قزمية لا يتعدى ارتفاعها 4 أمتار، حيث أن تعاونية الأوراس لإنتاج التفاح بوحمامة لمصارة، استقبلت 13 طلبية من الفلاحين للدخول في مجال الزراعة المكثفة من مختلف بلديات خنشلة وكذا من الولايات المجاورة على غرار بسكرة تبسة وقسنطينة.
وفي هذا الصدد، أوضح محدثنا بأن هناك اتفاقية تعاون ستبرم مع متعامل اقتصادي من دولة صربيا بعد شهر ماي المقبل لجلب شتلات، خاصة وأن هناك محادثات وتواصلا بين الطرفين لتطوير شعبة التفاح، واختيرت صربيا نظرا لتوفرها على نفس مناخ المنطقة ومكانتها الناجحة في إنتاج هذه الفاكهة.
كما تم مؤخرا إبرام اتفاقية شراكة بين التعاونية المذكورة ومراكز التكوين المهني والتمهين لبلدية بوحمامة، لتكوين المزارعين وتأهيلهم في العديد من التخصصات الفلاحية الحديثة، على غرار السقي والتسميد، وتقنيات التحكم في غرف التبريد وآفاق التخزين الحديثة، إلى جانب شبكة الوقاية من البرد وتطعيم وتقليم أشجار الفاكهة.
فلاحون يطالبون بإنجاز حواجز مائية
وقد تنقلنا لعدد آخر من مزارع التفاح الممتدة على عدة هكتارات، أين لاحظنا أشجارا صفراء باهتة عليها آثار حبات البرد وأراض قاحلة بعد أن كانت خصبة، وأكد لنا أصحاب المزارع أن الجفاف أثر كثيرا على محاصيلهم الزراعية بسبب نقص سقوط الأمطار وغياب الحواجز المائية و السدود، خاصة أن المنطقة أجريت بها دراسة سد واد لزرق بسعة 2.4 مليون متر مكعب، للمساهمة في سقي تفاح بوحمامة منذ سنوات، إلا أن المشروع لم ير النور إلى يومنا هذا، حيث أن الجفاف تسبب في متاعب بالجملة للفلاحين.

وأكد هؤلاء حاجة المنطقة لتشييد سد أو مجموعة حواجز مائية للتقليل من أزمة الجفاف وإعطاء رخص حفر الآبار للفلاحين، خاصة أن نشاطهم في زراعة التفاح والمتوارث أبا عن جد بالمنطقة، مهدد بالتوقف بسبب هذه الوضعية التي أدت إلى هجرة بعضهم، في ظل المتاعب والخسائر المادية التي تكبدوها جراء استخدام أساليب تقليدية، من خلال جلب الصهاريج لسقي محاصيلهم الزراعية، إلى جانب الأعباء المالية التي يكلفها إنجاز أحواض لتخزين الماء في فصل الشتاء لاستغلالها صيفا.
وناشد الفلاحون، الجهات الوصية، لاتخاذ قرارات استعجالية لهذه المشكلة، خاصة بإنشاء أحواض مائية جديدة وتفعيل مقررات الدعم، لمقاومة الجفاف، لاسيما أنهم يعملون بإمكانياتهم الخاصة.
شراكة مع بولندا لتطوير الزراعة
وأكد رئيس شعبة التفاح بالمجلس الوطني المهني المشترك للأشجار المثمرة، ياسين ناصري، أنه بادر بإنشاء تعاونية بوحمامة منذ سنة ونصف، مع مجموعة من الفلاحين للعمل من أجل تطوير هذا المنتوج وإدخال أصناف جديدة وكذا مضاعفة المردود.
وللوصول إلى هذه الأهداف، تم ربط اتصال مع المجمع البولندي لإنشاء البساتين الحديثة، حيث تم تبادل الزيارات بين الطرفين وكانت الزيارة الأولى في جانفي 2000، أين تم  الاطلاع على الزراعة الحديثة في هذا البلد و معاينة معامل التحويل خاصة في العصائر ومصانع توضيب التفاح، إضافة إلى زيارة معاهد جامعية متخصصة في المجال.
وكانت هناك زيارة للمتعامل البولندي شهر سبتمبر الماضي، إلى منطقة بوحمامة، حيث تمت المصادقة على بروتوكول شراكة في إطار رابح- رابح مع المجمع البولندي لإنشاء البساتين، وتعتمد على التكوين وتبادل الخبرات حول الاستثمار في التفاح و الدعم بالتقنيات الحديثة، باعتبار بولندا الدولة الأولى في إنتاج التفاح في أوروبا.

وأضاف ناصري أن مصالحه في تواصل دائم مع البولنديين من أجل ربط تعاون حقيقي وفق الاتفاقية التي أمضيت، حيث تم جلب شتلات من أصناف جديدة تم غرسها العام الماضي وأعطت نتائج جد مشجعة، الأمر الذي حفز العديد من الفلاحين على الانخراط في برنامج التعاونية بشكل جيد، وتمت غراسة حوالي 40 هكتارا في إطار الزراعة المكثفة، تحت المتابعة التقنية من البولنديين وتوجيهاتهم الميدانية لاسيما خلال تقليم الأشجار، لأنها عملية محورية للوصول إلى مستويات أكبر في الإنتاج.
و في ما يخص الصناعات التحويلية في شعبة التفاح، فقد تم توجيه دعوة إلى الفلاحين المستثمرين للانخراط في تعاونية تفاح بوحمامة التي تفتح مجال الاستثمار في المزارع ضمن مشروع ناجح، خاصة باستعمال الطرق الحديثة وفق بروتوكول الشراكة رابح رابح مع المتعامل البولندي، حيث تضمن التعاونية، يضيف المصدر، شتلات من الطراز الجيد ونوعيات مطلوبة في السوق مع المتابعة التقنية من طرف المختصين البولنديين، وتسميد ومعالجة البساتين والقيام بعملية زبر الأشجار وفق الطرق الحديثة.
وسطاء يلهبون الأسعار  
وأكد محدثنا، أنه تم مؤخرا، إبرام اتفاقية تعاون بين تعاونية تفاح بوحمامة و جامعة عباس لغرور بخنشلة، من طرف رئيس شعبة التفاح، ياسين ناصري، و مدير الجامعة، عبد الواحد شالة، بهدف استحداث ماستر في هذا المجال والتكفل العلمي بانشغالات البحث وتطوير إنتاج التفاح بمناطق الأوراس. وقال رئيس الشعبة إنه سيقوم بزيارة لبولندا شهر جوان القادم، ليكون وسيطا يربط جسر تواصل مع جامعة وارسو في إطار تعاون علمي و تقني، ما سيجعل هذه الشعبة في تطور.
وفي إجابة عن سؤالنا حول أسباب غلاء سعر تفاح بوحمامة بالأسواق، أكد لنا ذات المتحدث، أن المنتج غير متوفر بكميات كبيرة نظرا للجفاف و حرائق الغابات التي شهدتها المنطقة خلال موسم الصيف الماضي، كما أن الثمار لم تكن بالجودة المعهودة، خاصة أن الغابات كانت تحترق بالقرب من مزارع التفاح.
ناصري قال أيضا إن الفلاحين يبيعون للتجار بثمن يتراوح بين 150 و 200 دينار للكيلوغرام، لكن المتدخلين في مسار التوزيع يرفعون السعر، مضيفا «حاليا نحن خارج الموسم ومن شروط حفظ التفاح أن يخضع للتخزين، لكن النوعيات التي عندنا لا تقاوم التخزين و لأجل ذلك نعمل على إدخال نوعيات جديدة قابلة للتخزين، تتوفر بكميات كبيرة حتى خارج الموسم، ما يؤدي إلى تخفيض السعر عن المستهلك في الأسواق، حيث أن 70 بالمائة من التفاح المزروع بخنشلة، هو من نوع «قولدن ديليسيوزو « و روايال قالا»، و هناك توجه لغراسة أنواع جديدة سواء في التفاح الأصفر أو الأحمر، باستهداف تكثيف منتوج قابل للتخزين و مقاوم للأمراض و هو ما يخفض التكاليف على الفلاح».
منتج ينافس التفاح الأوروبي
رئيس الشعبة، أكد لنا أن هناك طموحات لتصدير تفاح بوحمامة إلى الخارج، خاصة وأنه عند إخضاعه لرقابة المخبر، يأخذ صفات ومميزات أحسن من التفاح الأوروبي، نظرا لعدد ساعات الشمس التي يتعرض لها والتي تعطيه ذوقه المميز، قبل أن يوضح بأن الهدف الرئيسي اليوم هو إشباع حاجيات المستهلك المحلي، خاصة أن مشكلة التسويق غير مطروحة حاليا مع البرنامج الخاص بالحكومة لتدعيم المنطقة بسوق وطني للتفاح في بوحمامة، حيث عقد اجتماعا مع السلطات الولائية مؤخرا، لإعطاء مقترحات في هذا الخصوص.

ويرى المتحدث أن مضاعفة الإنتاج صارت أمرا ضروريا للحد من ارتفاع الأسعار، وذلك من خلال إدخال الزراعة المكثفة الحديثة التي تحقق إنتاجا يبدأ في العام الثاني ويصل إلى 150 قنطارا، ليرتفع إلى 600 و 700 قنطار في العامين الثالث والرابع على التوالي.
وتعمل الشعبة مع المتعامل البولندي، على إدخال أصناف جديدة والتوجه نحو تصدير أصناف قابلة للبيع في أسواق خارجية وبأثمان مقبولة، خاصة إذا تم إنتاجها على مستوى المنطقة التي تتوفر على كامل المقومات من برودة في الشتاء وساعات شمس ملائمة لنضج المنتوج في الصيف.                                     
كـ.ر

الرجوع إلى الأعلى