عين نحاس.. قطب حضري جديد يبحث عن ملامحه بقسنطينة

بدأت ملامح تكرار التجربة العمرانية للمدينتين الجديدتين علي منجلي وماسينيسا بقسنطينة، تظهر بالقطب العمراني الجديد بعين نحاس الذي ما يزال ورشة مفتوحة للبناء، فسكان هذه المدينة الآخذة في التوسع يصطدمون بمشاكل النقل وانعدام المرافق الخدماتية والترفيهية والأمنية، لكنهم يرون أن هذه المشاكل يمكن تداركها كون التجمع العمراني في بدايات إنجازه، كما يرون أن عامل التناسق الاجتماعي قد يكون محفزا للسلطات على الاهتمام بالجانب التنموي، فيما تؤكد المؤسسة المسيّرة للقطب أنها وضعت تصورا مستقبليا من خلال إعداد دراسة لإنجاز تهيئة حديثة بكل المرافق، في انتظار الاستفادة من الاعتمادات المالية لتجسيدها في أرض الواقع.

   روبورتاج : لقمان قوادري

موقع استراتيجي يجمع بين الحضر والريف
على بعد  18 كيلومترا من وسط قسنطينة و 6 كيلومترات عن مدينة الخروب،  وفي موقع استراتيجي على بعد كيلومتر من الطريق الوطني رقم 10، شرعت السلطات الولائية في بناء القطب العمراني الجديد فوق هضبة عين نحاس التي كانت عبارة عن تجمع ريفي صغير يمارس سكانه القلائل مختلف أنواع المهن الفلاحية كالرعي والزراعة وتربية النحل، قبل أن يغزو الإسمنت المسلح المكان الذي تحول إلى فضاء هجين يجمع بين الحضر والريف.
وتوسع القطب العمراني فوق الهضبة إلى أن وصل الزحف العمراني إلى الأعلى، فقد تم إنجاز 3200 سكن اجتماعي تضاف إليها 2500 أخرى وزع جزء منها في حين تم تخصيص نصف مخطط شغل الأراضي لصيغة الترقوي المدعم، حيث تم توزيع 400 سكن ترقوي مدعم سنة 2020 ثم تلتها عملية مماثلة شملت سكنات وزعت نهاية العام الماضي.
وما تزال عين نحاس ورشة مفتوحة على البناء حيث أن العديد من المشاريع في طور الإنجاز سواء في ما يتعلق بقطاع السكان أو المرافق الأمنية والتربوية فقد وقفنا على وجود ورشات لإنجاز مقر أمن حضري، فضلا عن مؤسسة تربوية والعديد من السكنات بصيغة الترقوي المدعم.
لكن يبدو بأن المهندسين الذين أنجزوا المخططات الأولى لم يفكروا في إنجاز مدخل واسع وحديث يتماشى والتوسع الجديد للمدينة، حيث أن الولوج إليها يتطلب المرور على نفس الطريق الفرعي القديم الضيق، وأكد لنا سكان تسجيل حوادث بين الحين والآخر، بسبب التجاوزات الخطيرة داخل هذا المسلك الضيق ودعوا إلى توسعته كونه أصبح يتميز بحركية كبيرة.
هدوء وقبلة للباحثين عن الراحة
ورغم كثرة المشاريع التنموية التي استفادت منها ولاية قسنطينة، إلا أن القطب العمراني  عين نحاس لم يتحصل وفق سكانه، على نصيب منها، حيث يصفونه بالمرقد الكبير إذ يتوجه جل قاطنيه صباحا إلى  قسنطينة أو الخروب للعمل، ثم يعودون مساء.
وتفتقر عين نحاس إلى الحركية حيث أن غالبية تجمعاتها هادئة جدا، كما تتميز بهواء نقي لوقوعها في مكان ريفي، ما جعلها قبلة للباحثين عن الهدوء والراحة. وتحولت عين نحاس وفق ما تحصلنا عليه من معلومات إلى قبلة للمتزوجين الجدد والمواطنين الباحثين عن الراحة والهدوء والأمن، حيث أن الكثيرين يقصدونها لهذه الأسباب فجل التجمعات السكنية «آمنة ونادرا ما تسجل شجارات أو اعتداءات»، وذكر لنا أحد الشباب أنه كان يقطن بمنطقة «الضريح»، لكنه ولكثرة الشجارات ونقص الأمن فضل أن يستأجر سكنا بالمكان.
وما يميز القطب العمراني عين النحاس، وفق ما أكده سكانه هو توفر الأمن والتناسق الاجتماعي إلى حد كبير خلافا للأقطاب العمرانية الجديدة، حيث أن المرحلين إليه من أصحاب الاستفادات المسبقة من السكن الاجتماعي والذين ينتمون إلى مختلف أحياء مدينة قسنطينة، فضلا عن آخرين من بلدية الخروب.
 وقد سمح هذا التنوع الكبير في الأحياء التي قدم منها سكان عين نحاس، في التعايش ما بينهم حيث أن عدم معرفتهم المسبقة ببعضهم، وفق محدثينا، خلق بينهم علاقات مبينة على احترام الآخر مشيرين إلى عدم تسجيل أي حروب عصابات أو تنافر بين السكان مثلما يحدث عادة في الأحياء الجديدة بل العكس فقد توطدت العلاقات وصاروا يكوّنون مجتمعا صغيرا متماسكا
إلى حد ما.
انعدام للملاعب وفضاءات الراحة
وخلافا لجل أحياء السكنات الاجتماعية سواء بعلي منجلي أو بماسينسيا، فإن العمارات بعين النحاس ما زالت على سيرتها الأولى، حيث أنها سلمت سنة 2017 ورحل إليها السكان في 2019 ، إلا أنها ما تزال محافظة على طابعها الجمالي وألوانها، فيما وقفنا على وجود محاولات للسكان للاعتناء بالأشجار المحيطة بالعمارات، لكن وجب مثلما أكد ممثلون عنهم، تدخل السلطات للاعتناء من حين إلى آخر بما هو موجود.
وكغيرها من المدن الجديدة بولاية قسنطينة، وقفنا على انعدام للمساحات الخضراء،  فأينما تولي وجهك تقابلك الكتل الإسمنتية والخرسانة، كما تم تحطيم فضاءات الألعاب الموجودة على قلتها بعد أشهر قليلة من وضعها.
وتنعدم فضاءات الراحة أو الجلوس داخل عين نحاس، فالشباب جالسون في المقاهي أو مقابل العمارات بينما يلعب الأطفال في المساحات الشاغرة بين البنايات، كما لاحظنا بأن التجمعات السكنية دون تسميات أو إشارات توجيهية.
و وقفنا على اهتراء الطرقات بالعديد من النقاط لاسيما الداخلية منها، كما لاحظنا بأن العديد من الأرصفة قد تدهورت وضعيتها، فضلا عن التسربات المائية التي تسجل من حين لآخر. ويطرح السكان مشكلة انتشار الكلاب الضالة، التي تفرض عليهم حظر تجول ليلا وفي الصباح الباكر، فضلا عن المحلات الشاغرة، التي قد تتحول إلى مكان يهدد الأمن والسكينة العامة في حال لم يستدرك الوضع.

مئات من المحلات المغلقة مقابل أكشاك في الطريق
وتنقلنا إلى موقع المحلات الشاغرة، حيث وجدنا العشرات منها مغلقة فيما حطمت أبواب عدد منها، لكن المفارقة هو وجود العديد من الأكشاك في الطرقات ووسط التجمعات في حين أن جل المحلات مغلقة.
وعند سؤالنا حول أسباب غلقها، ذكر لنا شباب أنها قد منحت للحرفيين في إطار مساعدة الدولة لهذه الفئة مع منع ممارسة أي نشاط دون المدرج في السجل التجاري، حيث أكد لنا عدد منهم أنهم حاولوا تغيير النشاط لكن دون جدوى، في حين ذكر لنا أصحاب أكشاك من سكان الحي أنهم طالبوا في الكثير من المناسبات بالاستفادة منها لكن طلباتهم قوبلت بالرفض.
ويؤكد جل الشباب الذين تحدثنا إليهم بأنهم يعيشون بطالة خانقة في هذا الحي «المعزول» إذ لم يتمكنوا من إنشاء سوق للخضر والفواكه في أرضية شاغرة بسبب رفض السكان، كما لا يوجد سوق جواري للنشاط التجاري في حين أن كل المحلات منحت للحرفيين الذين يرفضون إلى اليوم العمل بها بسبب عزلة المكان وعدم وجود أي حركية بعين نحاس.
وطالب محدثونا من الشباب، الوالي بضرورة التدخل لمعاجلة هذه المشكلة وتمكينهم من الاستفادة من المحلات كونهم متحصلين على العديد من الشهادات في مختلف المجالات، فيما ذكر لنا شاب استفاد من محل أنه حرفي في الخياطة ولم يستطع ممارسة هذا النشاط منذ سنوات في حين أنه يسدد حقوق الإيجار الشهرية التي تقدر بـ 5 آلاف دينار، قبل أن يطالب السلطات بإعادة النظر في هذه القرارات والموافقة على طلبات تحويل النشاط بما يتلاءم مع طبيعة المنطقة.
شقق شاغرة وارتفاع في أسعار العقار والنقل هاجس
وما يلاحظ بعين نحاس، هو وجود العشرات من الشقق الشاغرة التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري، حيث أكد لنا سكان  أن العديد لم يلتحق بها المستفيدون، فمنهم من أجر سكنه، ومنهم من تركه على حاله منذ أزيد من ثلاث سنوات.

ورغم أن عين نحاس معزولة و تفتقر إلى المرافق الضرورية، إلا أن أسعار الإيجار مرتفعة فسعر كراء الشقق يتراوح ما بين 15 إلى 17 ألف دينار، في حين وجدنا الكثير من السكنات الاجتماعية والترقوية معروضة للبيع، إذ تتراوح أسعار الشقق التي تعود ملكيتها للدولة ما بين  300 إلى 350  مليون سنتيم، أما بالنسبة للترقوي المدعم فيصل ثمنها إلى 600 مليون سنتيم بحسب الطابق ووضعية الشقة. ويشتكي سكان المدينة من نقص التكفل بالنظافة، حيث وقفنا بالعديد من التجمعات على تكدسها أو رميها بطريقة عشوائية، وهو ما شوه من المكان إذ أكدوا لنا وجود تذبذب في عملية جمع ورفع النفايات.
ويعد النقل بعين نحاس من المشاكل العويصة التي يعاني منها السكان، حيث تتوفر على حافلتين تعملان على خط محطة باب القنطرة، وهو ما يجعل مدة الانتظار لوصول إحداهما تصل إلى ثلاث ساعات، ليكون البديل هو سيارات «الفرود»، التي تنقل المواطنين إلى الطريق الرئيسي بمبلغ 30 دينارا للمكان ومن ثمة التوجه عبر الحافلات إلى الخروب أو قسنطينة، أما بالنسبة لسيارات الأجرة، فهي تكاد تكون منعدمة إذ نادرا ما تمر مركبة من ذلك المكان.
ولا تتوفر المدينة على أي مرافق صحية، ويؤكد السكان أنهم يتنقلون إلى الخروب أو قسنطينة لأخذ حقنة حيث طالبوا بإنجاز قاعة علاج على الأقل للتكفل بالمتطلبات العلاجية الضرورية، كما ينتظرون بفارغ الصبر  إنجاز مقر الأمن الحضري.
ويلح سكان عين نحاس على ضرورة توفير خدمة الهاتف النقال، حيث أن التغطية تكاد تنعدم ولا تتوفر إلا خارج الشقق أما الأنترنيت فهي ضعيفة جدا، كما طالبوا ببرمجة عملية لربط ما يزيد عن 10 آلاف نسمة بشبكة الاتصالات بالألياف البصرية كونها أصبحت ضرورية جدا سواء في الدراسة أو مختلف التعاملات اليومية للأفراد.
دراسة لتهيئة حديثة للقطب
قال مدير مؤسسة تهيئة مدينتي علي منجلي وعين نحاس بقسنطينة، أمين سردوك إن القطب الحضري عين نحاس ما يزال في بدايات إنجازه وهو ما دفع بالمؤسسة إلى وضع تصور حديث لإنجاز عملية تهيئة وتجهيزها بمختلف المرافق.

وأوضح المتحدث، أن نطاق تدخل المؤسسة حاليا يتمثل في تهيئة الموقع الذي يجرى فيه إنجاز سكنات الترقوي المدعم والعملية تعرف تقدما ملحوظا، كما تم شق الطرقات وإنجاز نظام الصرف الصحي في مخططات شغل الأراضي بالمساحات الشاغرة والتي ستحتضن مشاريع سكنية أو خدماتية مستقبلا، إذ أن الهدف من الإجراء هو تسهيل عملية الإنجاز.
وتابع المتحدث، أنه تم إعداد دراسة من أجل عملية تهيئة شاملة يتم من خلالها خلق فضاءات للجلوس ومساحات خضراء مع إنجاز ملاعب، حيث أن المؤسسة تنتظر الاستفادة من الغلاف المالي من أجل تجسيد المشروع. وتجدر الإشارة إلى أننا حاولنا الاتصال بمصالح بلدية الخروب لكن لم نتمكن من ذلك.
ل.ق

الرجوع إلى الأعلى