أكّد باحثون بأن الوسائط الجديدة التي برزت مع الثورة التكنولوجية في قطاع الإعلام و الاتصال، و ظهور مؤثرين و فاعلين جدد في قطاع الإعلام الجديد، أو ما يعرف بصحافة المواطن، من بين العوامل التي شجعت الشباب على الهجرة غير الشرعية، فالعالم الافتراضي قدّم صورا و تصورات لأفراد المجتمع، خاصة الشباب، مفادها أن الضفة الأخرى من البحر المتوسط، توفر نمط عيش مزدهر، يختلف عن الواقع الذي يعيشه المواطن في وطنه و مجتمعه الحالي.
 النصر التقت بمجموعة من الأساتذة و الباحثين، على هامش ملتقى دولي افتراضي نظم مؤخرا حول « الحراقة، المهاجرون، اللاجئون، و تمثيلات الإعلام الاجتماعي الرقمي»، نظمه مخبر البحث متعدد التخصصات في اللغات و الثقافات في الجزائر، بجامعة البليدة 2، و رصدت آراءهم حول دور الوسائط الاجتماعية، في تحفيز و تشجيع الشباب على الهجرة غير الشرعية إلى الضفة الأخرى من المتوسط، على متن قوارب الموت، في حين يصطدم «الحراق» بواقع مخالف تماما لما رسمه له الفاعلون الجدد عبر الوسائط  الجديدة المختلفة، و مصير مجهول ينتهي في الغالب بمآس و دموع.

نور الدين عراب

الباحثة الدكتورة إيمــان وهيب: غرس مقومات الهوية و المواطنة انطلاقا من المدرسة


قالت الدكتورة إيمان وهيب، باحثة في مخبر البحث المتعدد التخصصات في اللغات و الثقافات، و رئيسة الجمعية الوطنية للأساتذة الباحثين في اللغات الأجنبية بالجزائر، للنصر، بأن فرقة بحث جامعي قادتها البروفيسور كريمة آيت دحمان، قامت بين سنتي 2018 و 2021، ببحث حول تأثير الوسائط الجديدة، أو صحافة السوسيوـ ميديا، على الهجرة غير الشرعية، و تسليط الضوء على الخطاب و الخطاب المعاكس حول الظاهرة بالضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.
و أوضحت الدكتورة وهيب بأن أعضاء فرقة البحث، قاموا بتحليل خطابات حول الحرقة، و اللاجئين و المهاجرين في أربعة مجالات هي الخطاب السياسي، الخطاب الأكاديمي، الخطاب الصحفي، و الخطاب الثقافي، و توصلوا من خلال هذه الدراسة، إلى أن العالم المشترك في التحاليل الأربعة، هو صورة أو تمثيل  للآخر، و هذه التمثيلات لها  تأثيرات كبيرة على الخطاب في حد  ذاته،  و على اتخاذ القرار.
و أكدت المتحدثة بأن نتائج البحث بينت أن صحافة السوسيو ـ ميديا، لها تأثيرات على تمثيلات و تصورات الآخر في ذهنيات الشباب بصفة عامة، و المواطن بصفة خاصة، مشيرة إلى أن ميدان الإعلام و الاتصال، لم يعد يخضع لسيطرة و هيمنة الإعلام الكلاسيكي، بعد بروز مؤثرين جدد، و أصبحت الوسائط الجديدة متاحة للمواطنين الذين يقدمون في أحيان عديدة، صورة مغلوطة حول الحياة في الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط.
و أضافت الباحثة بأن وسائل السوسيو ـ ميديا، أدت إلى ظهور تصورات لدى الشباب، مفادها أن الحياة في الضفة الأخرى، أفضل من الحياة في بلادهم، وهذه التصورات تدفعهم نحو الحرقة، و يتغاضون عن الأخطار التي قد تسببها.
كما أشارت إلى أن من بين توصيات الملتقى الدولي حول «الحراقة، المهاجرون، اللاجئون و تمثيلات الإعلام الاجتماعي الرقمي» الذي  نظم مؤخرا بمشاركة أساتذة و باحثين من فرنسا و إيطاليا وإسبانيا و الجزائر، دعوة الحكومات إلى مراقبة ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي و الوسائط الجديدة بصفة عامة، من مضامين حول الحرقة، و دعوة الإعلام إلى نقل الصورة الحقيقية حول ظروف معيشة «الحراقة» في الضفة الثانية من البحر الأبيض المتوسط، من خلال ربورتاجات و تحقيقات، خصوصا في ظل تداعيات أزمة كوفيد19 و الأحداث الأخيرة التي تعرفها أوروبا و التي أثرت على المهاجرين غير الشرعيين.
وفي السياق ذاته قالت الدكتورة وهيب بأن الهجرة غير الشرعية تعني لدى شعوب أخرى،  الهروب من الواقع الاجتماعي و الخوف من الخطر كالحروب مثلا، التي تهدد حياة البشر، في حين بالنسبة للشباب الجزائري، تعني الحرقة البحث عن الرفاهية و العيش المزدهر، و تساءلت الباحثة عن الأسباب التي تجعل الشاب الجزائري  لا يسعى لتحسين ظروف معيشته في بلده، التي تتوفر على كل القدرات و الإمكانيات، كما أن بلده لا يعيش حروبا أو أزمات اقتصادية، أو ظروفا معيشية صعبة، على حد تعبيرها، في حين يسعى للبحث عن  الرفاهية في الضفة الأخرى، و يخاطر بحياته، بينما الرفاهية غير متوفرة في أوروبا، كما يتصورها الشاب، أو كما تقدمها له وسائط التواصل الجديدة.
هذه المعطيات جعلت المتحدثة تدعو إلى مراجعة المنظومة التربوية وغرس مقومات الهوية والمواطنة عند الأطفال و الشباب، فالتمسك بهذه المقومات و تشجيع الشاب على تطوير ذاته، تقلص من الإقبال على الهجرة غير الشرعية و مغامرة الشباب بحياته في قوارب الموت، بحثا عن حياة أفضل يتصورها، والتي هي في الواقع مختلفة عما يتصوره و ما رسمت له عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وشددت على ضرورة التحسيس و العناية بملف الهجرة غير الشرعية، انطلاقا من المدرسة بغرس مقومات الهوية والمواطنة لدى التلاميذ، للمساهمة في الحد من هذه الظاهرة.

الأخصائي في علم الاجتماع الدكتور فريد حمدادو: بعض وسائل الإعلام تزرع اليأس و تشجع على الهجرة


قال الأخصائي في علم الاجتماع الدكتور فريد حمدادو، بأن بعض وسائل الإعلام التي تتبع إيديولوجية معينة، و خطا افتتاحيا خاصا، تزرع اليأس في المضامين التي تقدمها، فتشجع  على الهجرة غير الشرعية، و ذلك من خلال نقل نماذج فاشلة في البلاد، و إبراز كل شيء على أنه سلبي.
 و تحدث الدكتور حمدادو عن  تيارات إعلامية و إيديولوجية تستغل ظروف الشباب لتزرع في نفوسهم اليأس أكثر من الأمل،     و في المقابل هناك وسائل إعلام عمومية وخاصة، تزرع الأمل و الوعي لدى الشباب و ترسم صورة عن الهجرة على أنها إحدى الخيارات للنجاح أو الفشل.
وفي السياق ذاته قال الأخصائي بأن المضامين المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي هي غذاء للجميع، و تتنوع ما بين المضامين التي تزرع الأمل والتي تزرع اليأس أو ما يتوسطهما، و معظم الخطابات الموجودة في مواقع التواصل، حسبه، هي خطابات تنم عن عدم الرضا و تسيطر عليها تيارات إيديولوجية وإعلامية تستغل يأس الشباب، مضيفا بأن هذه المواقع هي فضاء للنشر، دون الشعور بالمسؤولية، تحرك عواطف الشباب عادة.
و يرى بأن الهجرة غير الشرعية تعني البحث عن النجاح، و الشاب الذي ينجح في الضفة الأخرى، يمكن أن ينجح داخل بلاده، مضيفا بأن «الحراقة» ينتقلون إلى الدول الأوربية، ويشتغلون في أعمال الزراعة والفلاحة، مقابل دخل ضعيف، في ظروف قاسية ، لكنهم يفضلون عدم العودة إلى بلادهم، لكي لا ينظر إليهم على أنهم فاشلون، مؤكدا بأن الشخص الذي بمقدوره النجاح في بلد آخر، بإمكانه أيضا تحقيق النجاح في بلده.
أضاف المتحدث أن أغلب الناقمين على الوضع الاجتماعي، هم أشخاص وضعهم المادي مريح ، لكنهم ساخطون على الواقع و ينشرون اليأس و النماذج الناجحة في الغرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيروجون لانتشار النظافة و العناية بالصحة وغيرها في الضفة الأخرى من المتوسط، و اعتبر نشر هذه النماذج الغربية، تشجيعا ضمنيا للحرقة دون قصد، فالشاب في سن 18 مثلا، لا يفهم هذه المضامين، وفق مقصود ناشريها.
و تابع الدكتور فريد حمدادو ، بأن الهجرة غير الشرعية تعني بالنسبة لبعض الشباب الهروب من الواقع الاجتماعي و التهميش الذي يعيشونه، مشيرا إلى أن اليأس يحمل صورة مظلمة و أخرى مشرقة لدى الشباب، والصورة المشرقة هي الهجرة للضفة الأخرى، فما ينشر من فيديوهات عبر مواقع التواصل، لا تقدم صورة حقيقية عن الواقع في الضفة الأخرى، مضيفا بأن حجم التأثير الذي تحدثه مواقع التواصل، يرجع إلى انسحاب المواطن من الواقع الاجتماعي، وحدوث استقالة جماعية من المجتمع.

الـدكتورة كريمة آيت دحمان أستــاذة بجــامعة البليدة 2 : خطاب الحرقة يُقدم أوروبا كجنة


تدعو الدكتورة كريمة آيت دحمان، أستاذة بجامعة البليدة 2 ، إلى القضاء على خطاب الحرقة الذي تروج له مواقع التواصل الاجتماعي خاصة، والوسائط الجديدة عامة، و يقدم أوروبا على أنها الجنة المفقودة.
و أكدت الباحثة بأن الحياة هناك صعبة، وليست مثلما يروج له عبر هذه الوسائط، مشيرة إلى أن الترويج للحرقة، لم يعد يتم عبر مواقع التواصل فقط، بل حتى عن طريق الأفلام، و هذا الأمر سلبي.
و لا بد من نقل الصورة الأخرى للحرقة،  و تضرر عائلات المهاجرين غير الشرعيين، ووجود مفقودين و موتى، كما أكدت المتحدثة، و أبرزت بأنه يتم الترويج فقط للحراق الذي انتقل إلى الضفة الأخرى و تمكن من الصلاة فيها، حسبها.و شددت على ضرورة التركيز على الأشخاص الذين فشلوا، أكثر من الأشخاص الذين نجحوا، للتمكن من  محاربة هذه الظاهرة، و ترى بأن وسائل الإعلام الثقيلة تتناول القضية بشكل سطحي، رغم أن الحرقة لم تعد تقتصر على العاطلين عن العمل فقط، بل تشمل كل الفئات الاجتماعية، مؤكدة بدورها بأن الوسائط الجديدة لها تأثير كبير في تشجيع هذه الظاهرة، بالرغم من أن الجزائر تتوفر على فرص كثيرة للعيش المريح، بالرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها، كما أنها دولة تستقبل مهاجرين ولاجئين، ويجب التركيز على هذا الجانب أيضا.

الرجوع إلى الأعلى