عادت مدينة سكيكدة لتحيي العيد السنوي للفراولة من جديد، بعد تعليقه لمدة عامين بسبب جائحة كورونا، وسط مشاركة محتشمة من المنتجين الذين تقلص عددهم بشكل محسوس لعدة عوامل لها ارتباط وثيق، مثلما قالوا، بنقص الدعم وانعدام المسالك وصعوبة التضاريس، مرجعين تراجع الإنتاج هذا الموسم إلى قلة التساقط الأمر الذي انعكس سلبا على نوعية وأسعار هذه الفاكهة التي وصلت إلى مستويات قياسية تراوح الكلغ منها بين 400 و600 دج. بالموازاة مع ذلك سجلنا وعلى غير العادة اقبالا ضعيفا للمواطنين والعائلات على التظاهرة بفعل نقص الإعلام والإشهار من طرف القائمين على التنظيم بدليل أن الإعلان عن تاريخها كان ثلاثة أيام قبل الموعد.

مواطنون يشتكون من غلاء المنتوج وفلاحون يبررون
ويجمع كثير من المتتبعين الذين تحدثت النصر إليهم، أن عيد الفراولة بمدينة روسيكادا فقد نكهته ولم يعد يستهوي المواطنين ولا حتى المنتجين مقارنة بالمواسم السابقة نتيجة للعوامل سالفة الذكر وهذا ما ترجمته طبعة هذه السنة، لدرجة أن ساحة أول نوفمبر التي احتضنت المعرض بدت شبه خالية وعلى غير العادة من المواطنين وحتى المنتجين المشاركين في التظاهرة الذين يعدون على أصابع اليد ولولا الحركة التي أحدثتها فرق الطبل والمزمار وكذا زيارة رئيس المجلس الشعبي الولائي ومدير المصالح الفلاحية لافتتاح المعرض ومعاينة المنتوج والوقوف على انشغالات المشاركين لما لاحظ الزائر أن هذه المدينة الساحلية تعيش عيدا للفراولة، عدا تلك الخيم التي تم نصبها على حواف الساحة.
 ويفسر منتجون تحدثوا للنصر هذا العزوف إلى تراجع الاهتمام بمنتجي زراعة نوعية الفراولة «المكركبة» التي تشتهر بها ولاية سكيكدة الأمر الذي أدى بالعديد من الفلاحين إلى التوقف عن هذا النشاط وجعل البعض منهم يدقون ناقوس الخطر ويؤكدون أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى انقراض هذا النوع من الفراولة، مستغربين في السياق نفسه الاهتمام الكبير بمنتجي الفراولة في البيوت البلاستيكية.
واشتكى مواطنون من ارتفاع الأسعار في طبعة هذه السنة وكذا الفوضى التي ميزت عملية البيع بعد افتتاح المعرض حيث تعذر عليهم اقتناء ما يحتاجونه من هذه الفاكهة وخلال حديثنا مع عدد من العائلات أكدت لنا بأنها متعودة على شراء الفراولة من المعرض الذي يقام في هذا العيد لكن هذه المرة تفاجأت تضيف بنقص العارضين وغلاء الأسعار التي تجاوزت 500 دج  للكلغ وقالت بأنها ستتوجه للسوق لشراء فراولة البيوت البلاستيكية.
كما أعاب بعض المواطنين على المنتجين تفضيلهم بيع المنتوج بطريقة جزافية بدون وزنه، في وقت كان من المفروض يضيف هؤلاء على المنتجين أن يطبقوا أسعارا رمزية تكون في متناول جميع شرائح المجتمع، كما يحدث في معارض المنتوجات الفلاحية ببعض ولايات الوطن وفي خارجه ولا يجب أن يبقى الشراء حكرا على فئة معينة من المجتمع.
انعدام الدعم و وعورة التضاريس ونقص العقار أبرز مشاكل المنتجين
و رفع المنتجون خلال حديثهم إلينا العديد من المشاكل منها على وجه التحديد غياب الدعم، نقص العقار، انعدام المسالك ووعورة التضاريس، غلاء الأسمدة، والسقي خاصة هذا الموسم الذي شهد حسبهم نقصا في التساقط، وهناك من اشتكى من عدم استفادته من بطاقة فلاح هذه العوامل يضيفون أدت إلى تقلص نسبة الانتاج إلى 60 في المئة بعدما كانت الموسم الفارط في حدود 90 في المئة، و قالوا بأن الوضعية أدت بالكثير من الفلاحين إلى التوقف عن هذا النشاط الذي يتجه حسبهم نحو الانقراض في حالة بقاء الوضع عما هو عليه.
 وقد طاف مفتش الولاية ورئيس المجلس الشعبي الولائي بمعية مدير المصالح الفلاحية والغرفة الفلاحية عبر أجنحة المعرض واستمعوا إلى انشغالات المنتجين ووعدوهم بدراستها والعمل على معالجتها بالتنسيق مع الجهات المعنية خاصة في مجال العقار بحكم أن معظم الأراضي المنتجة تابعة لقطاع الغابات.
ويمتد تاريخ زراعة الفراولة بسكيكدة إلى عمق التاريخ وبالتحديد إلى الحقبة الاستعمارية سنة 1920 حيت تم ادخالها إلى سكيكدة على يد أحد المعمرين الايطاليين وقد أمر حينها السكان المحليين بغرسها وبعد نمو النبتة وإثمارها ونضجها انبهر الفلاحون بهذه الفاكهة وشكلها ومذاقها ففكروا في طريقة لأخذ النبتة دون أن ينكشف أمرهم لأنهم كان يمنع عنهم أخذ أي شيء ويخضعون للتفتيش قبل مغادرتهم الحقول واهتدوا لطريقة اخفائها في أحذيتهم، ثم قاموا بزرعها في أماكن بعيدة عن أعين المستعمر وبمرور الوقت تطورت زراعتها وتحصلوا على سلالة نقية أطلقوا عليها اسم روسيكادا الأصلية المتميزة بعطرها الفواح ومذاقها الحلو ولونها الأحمر وحجمها المتوسط إلا أن أصبح لها عيد يقام لها سنويا.
وتنتج الولاية أنواعا مختلفة من الفراولة منها صنف روسيكادا أو ( المكركبة) نسبة إلى شكلها الدائري، ورائحتها العطرة، و»تيوغا»، و»دوغلاس» وإن اختلفت الأسماء فإن مذاقها اللذيذ والحلو ورائحتها العطرة عند تناولها وكذا لونها تبقى تميزها عن باقي الأنواع التي تنتج عبر ولايات الوطن.
وتتمركز زراعة هذا النوع في إقليم بلدية تمالوس على غرار سيدي منصور والشرايع ما أهلها لتحتل الريادة بالولاية في هذا النوع من الفاكهة، بالاضافة إلى عين زويت وسطورة وبوشطاطة، كما توجد أنواع أخرى تنتج في البيوت البلاستيكية التي أخذت تتوسع بكل من بلديتي رمضان جمال والقل، وما يميز هذه الأنواع أن  قدرتها على تحمل العوامل الطبيعية سواء النقل أو تخزينها وتحمل نسبة معينة من الحموضة بخلاف نوع المكركبة التي تبقى طبيعية وذوقها لذيذ وحلو وخالية من المواد والأسمدة الكيمائية ولا تتحمل ظروف التخزين والنقل، بينما يزيد عدد الفلاحين المنتجين للفراولة عن أزيد من 100 فلاح أغلبهم من فئة النساء ويمكن القول أن ممارسة نشاط هذه الشعبة الفلاحية أصبح يتميز بالطابع العائلي.  
كمال واسطة

فازت بجائزة أحسن إنتاج للفراولة بسكيكدة: سيـّــدة في السبعين تتفــوق علــى الرجـــــال..


صنعت امرأة في السبعين من العمر، تدعى خديجة العايب، من مدينة تمالوس، الحدث في طبعة هذا الموسم من عيد الفراولة بسكيكدة، بافتكاكها جائزة أحسن منتوج لهذه الفاكهة، متفوقة بذلك على العديد من المنتجين الرجال، فغيرت بذلك قاعدة تفوق الرجال على النساء في المجال الفلاحي.
السيدة العايب فاجأت الحضور، عندما ذكر اسمها في حفل توزيع الجوائز بالنزل البلدي، و ظل الكثيرون يستفسروت عن هذه المرأة الريفية التي استطاعت رفع التحدي و مجابهة العوائق و الصعاب.
النصر اقتربت من هذه السيدة التي تناهز السبعين من عمرها، فحدثتنا عن قصتها مع الفراولة التي تعتبر حباتها جزء لا يتجزأ منها، و تحرص على العناية بها، كما تعتني ببناتها، قائلة إن هذا النشاط متجذر  في عائلتها، و ورثته عن أجدادها و والديها، و بدأت ممارسته منذ أزيد من خمسين سنة.
و أضافت أنها تعلمت علي أيدي والديها خفايا وأسرار زراعة هذا النوع من الفاكهة، دون أن تشعر قط بعقدة النقص، لأنها امرأة، بل كانت تنافس الرجال، و تشرف على كافة مراحل زرع الفراولة،  من الغرس إلى الجني، مستعينة ببناتها وابنها حمودي.
و أكدت المتحدثة أن المرأة الريفية بمنطقة سيدي منصور، تمارس منذ القدم النشاط الفلاحي، مثلها مثل الرجل، وأحيانا تتفوق عليه، و السر في ذلك أن المرأة تتحمل الجلوس و الانحناء لساعات طويلة في الحقول، دون كلل أو ملل، عكس الرجل الذي لا يمكنه مواصلة العمل في مثل هذه الوضعية، لا سيما وأن حقول الفراولة تكون دائما في المرتفعات.
كما أن الرجل معروف بكونه يسيطر عليه القلق و ينشغل تفكيره بأمور كثيرة،  وبالتالي، فإن زراعة الفراولة عمل متعب جدا بالنسبة إليه، و يحتاج دائما لليد العاملة.
وعن مراحل غرس الفراولة أوضحت عمتي خديجة، كما يفضل البعض مناداتها، أن العملية تبدأ بتهيئة الأرض لتكون جاهزة، ثم غرس البذرة و تكون عادة ورقتين أو ثلاث وريقات، قبل أن تنمو النبتة و تزهر بعدة أوراق، ثم تأتي عملية تهوية التربة ووضع الأسمدة .
و أضافت المتحدثة أن الفراولة شديدة الحساسية ولا بد من مواصلة الاعتناء بها في كل المراحل، إلى غاية مرحلة النضج، لتصبح جاهزة للجني . وفي كل هذه المراحل يرافق العمة بناتها، مؤكدة أن وفرة المنتوج ترتبط دائما بكثرة التساقط.
وتطرقت المتحدثة إلى الصعوبات التي تواجهها هي ، و النساء بصفة عامة،  حيث يبدأ العمل عادة في حدود الخامسة صباحا، إلى غاية العاشرة أو الحادية عشرة في ظروف صعبة جدا، لا سيما في فصل الشتاء أين يجدن صعوبة كبيرة في الوصول إلى المزارع والحقول، بسبب انعدام المسالك و التضاريس الصعبة بين الجبال و يضطررن إلى سلك مسافة تزيد عن أربعة كيلومترات، مشيا على الأقدام.
المتحدثة أوضحت أن نشاطها في المجال الفلاحي، لم يكن مقتصرا فقط على الفراولة، بل شمل القمح، الزيتون، البطاطا، البصل، ومختلف الخضروات ،لكن في السنوات الأخيرة ، نال منها التعب ولم يعد جسمها يتحمل فوق طاقتها، فقررت أن تسلم المشعل لابنها البكر، ليواصل المهمة التي تركها له الأجداد، لأنها مصدر الرزق الوحيد للعائلة.
من شدة تعلقها بالفراولة، قالت عمتي خديجة، أنها في بعض الأحيان تشعر بالإرهاق الشديد ولا تستطيع الخروج مع بناتها وابنها إلى الحقول، لكنها لا تستسلم و ترغم نفسها على الالتحاق بهم،  من أجل مساعدتهم، مؤكدة «لا يمكنني تحمل البقاء في المنزل، دون ممارسة هذا النشاط». بخصوص سؤالنا عن مدى قدرة بنات هذا الجيل على ممارسة الزراعة، ابتسمت السيدة العايب، و ردت بأنه صعب جدا على بنات هذا العصر، أن يقتحمن هذا النشاط، لأنه شاق، وأيضا لاختلاف المفاهيم والقناعات بين جيل الأمس والجيل الحالي.
كمال واسطة

الرجوع إلى الأعلى