أطفال يغامرون بأرواحهم بالسباحة في البرك والنافورات
عادت مشكلة السباحة العشوائية في البرك والنافورات لتطغى على مشهد فصل الصيف بمدينة قسنطينة والبلديات الأخرى، رغم أخطارها الكبيرة، حيث أدت إلى وفاة صبي في حي ساقية سيدي يوسف قبل أيام قليلة، في وقت يجري فيه العمل على إعادة فتح مسبح سيدي مسيد الذي من شأنه أن يغني عددا معتبرا من الأطفال والشباب عن المغامرة بأرواحهم بالبحث عن الترفيه في أماكن غير مهيأة.

روبورتاج: سامي حبّاطي

وانطلق استطلاعنا للنقاط العشوائية للسباحة بمدينة قسنطينة من حي المنية، حيث توجهنا إلى منبع طبيعي يطلق عليه سكان المنطقة تسمية «عين تشاقر»، واعتاد الأطفال والمراهقون على السباحة ببركة تتشكل بالقرب منه، في حين وجدنا بالموقع أن صاحب المنزل القريب منه قد قام بإحاطته بسياج، كما وضع عليه بابا. وأخبرنا سُكّان من الحي أن السباحة العشوائية بالموقع قد توقفت منذ فترة، كما ذكروا لنا أن بعضا من أطفال ومراهقي المنية والأحياء المجاورة لها مثل «الكانطولي» والغراب، كانوا يتجهون إلى مسبح سيدي مسيد للسباحة، لكن منذ أن أغلق صاروا يتجهون إلى بلدية حامة بوزيان من أجل ممارسة السباحة العشوائية في مكان يسمى «السخون».
وقد اتجهنا صوب الموقع الذي حدثنا عنه السكان في بلدية حامة بوزيان، حيث يقع بمحاذاة محطة تابعة لـ»سياكو» غير بعيد عن وسط مركز البلدية، في حين يتم الوصول إليه عبر مسلك ريفي يتوسط مساحات مزروعة. ولاحظنا على طول الطريق أطفالا عائدين وقد نزعوا قمصانهم، في حين كانت سراويلهم القصيرة مبتلة. وقد سألنا بعض الأطفال المذكورين فأكدوا لنا أنهم كانوا يسبحون في «وادي السخون»، الذي لاحظنا أنه يمتد في مجرى مائي طويل، تحفه الحشائش والأتربة وتنمو الطحالب والفطريات على ضفافه وفي مياهه، مع وجود بعض البط فيه.
سباحة مع الضفادع والطحالب ببركة «السخون»
وفوجئنا لدى وصولنا إلى الموقع بأكثر من عشرين طفلا يسبحون في بركتي مياه يفصل بينهما سور مُدَرَّجُ من الخَرسانة أنجز خصّيصا للسماح للمياه بالعبور، وينتهي إلى سور جانبي عالٍ ويحتوي على ثقب يؤدي المرور من خلاله إلى أرض زراعية تطل مباشرة على حواف البركة. وقد لاحظنا أن الأطفال كانوا يتوزعون على البركتين، حيث تبلغ مساحة سطحها أكثر من عشرة أمتار مربعة، في حين بدا أن البركة عميقة بما يكفي ليغوص الأطفال بأجسادهم الصغيرة بداخلها حتى تغمرهم بالكامل.
ولاحظنا أن الفلاحين قد وضعوا عدة أنابيب للمياه موصولة بمضخات من أجل استعمال المياه في السقي، في حين كان الأطفال يرتدون سراويل سباحة قصيرة ويمارسون العوم دون أدنى اكتراث لوجودنا. وسألنا بعض الأطفال عن رأي أوليائهم في سباحتهم في البركة، التي كانت حواف جهة منها تربية، فأكدوا لنا أنهم يسمحون لهم بذلك، حتى أن الكثيرين منهم جلبوا أدوات السباحة من بيوتهم.
وأبدى بعض من تحدثنا إليهم استياءهم من توافد الأطفال على ما وصفوه بـ»المسبح العشوائي»، حيث أوضحوا لنا أن السباحة فيه خطيرة لأن مياهه غير معالجة ويمكن أن تتسبّب للأطفال في التقاط ميكروبات أو الإصابة بأمراض، في حين لاحظنا صغار الضفادع «أبو ذنيبة» تسبح مع الأطفال. واختار أطفال آخرون القفز من أعلى السور المرتفع بحوالي أربعة أمتار، غير مبالين بإمكانية الإصابة بسبب عدم تهيئة المكان، حيث ذكر لنا ساكن بالمنطقة أن الطمي يتراكم بأرضية البركة، ويمكن أن يتسبب ذلك في غرق أحد الأطفال، فضلا عن انتشار الثعابين في محيطها.
وقال الأطفال الذين تحدثنا إليهم إنهم كانوا يتجهون من قبل إلى مسبح «سيدي مسيد»، لكن، حتى خلال فتحه، كانوا يستغلون بركة «السخون» من أجل السباحة أيضا، لكنهم أكدوا لنا أن المسابح العمومية منعدمة على مستوى بلدية حامة بوزيان، ما يدفعهم إلى استغلال هذا الموقع، كما أضافوا أنهم لا يجدون بدائل كثيرة للترفيه خلال فترة العطلة الصيفية. وصادفنا لدى مغادرتنا للموقع، مجموعتي أطفال متجهين نحو البركة بدورهم، وهم يحملون أدوات السباحة، فضلا عن مراهقين اثنين قادمين على متن دراجة نارية.
خطر مزدوج يحدق بالأطفال الذين يسبحون بنافورة الدقسي
غادرنا منطقة السخون، لنعود صوب نقطة الدوران لحي الدقسي بمدينة قسنطينة، حيث لاحظنا لدى وصولنا عون شرطة يتحدث إلى مجموعة أطفال، كانت سراويلهم القصيرة مُبلّلة، ثمّ غادروا وركبوا في الحافلة التي تنشط على الخط الرابط بين جبل الوحش وبوالصوف، ما يؤكد أنهم قدموا من حي بعيد، في حين استغلت مجموعة أخرى من أكثر من خمسة أطفال فرصة انشغال عون الشرطة المرورية بتنظيم حركة المركبات بالقرب من محطة الحافلات، ليدخلوا بدورهم إلى نافورة نقطة الدوران ويشرعوا  في السباحة.
وقد لاحظنا أن الأطفال يواجهون خطرا كبيرا في المكان، حيث يحتوي حوض النّافورة على الأنابيب التي قد تصطدم بها رؤوسهم عند القفز، فضلا عن الحركة الكثيفة للمركبات بمحيط نقطة الدّوران، ما يزيد من خطر دهسهم من طرف السّائقين، خصوصًا وأنهم يفرون راكضين بمجرد رؤية الشرطي قادما أو تقدم شخص لنهيهم عن السباحة فيها، ناهيك عن أن مياه النافورة معرضة لجميع عوامل التلوث مثل الأدخنة المنبعثة من المركبات وبعض المنحرفين الذين يقضون حاجتهم فيها، خصوصا في الفترة الليلية، في وقت وقفنا فيه على أن الأطفال يغوصون بداخل المياه ويبتلعون منها، وتمتلئ أفواههم منها.
وقد لجأت مصالح البلدية من قبل إلى وقف ضخ المياه عنها لوضع حد لمشكلة الأطفال الذين يسبحون فيها، لكنّهم ما يفتئوا يعودون إليها بمجرد إعادة ضخ المياه إليها، خصوصًا في الفترات التي تشهد ارتفاعا لدرجات الحرارة، في حين أوضح لنا بعض السكان أن بعض الأولياء يرافقون أطفالهم للهو فيها، غير مبالين بخطورة ذلك.
السبّاحة العشوائية مستمرة في الحاجز المائي «برغلة»
أما على مستوى الحاجز المائي «برغلة» الواقع بمدخل بلدية عين سمارة، فقد وجدنا عددا قليلا من السيارات المركونة بالقرب من الجسر المعدني الصغير العابر فوق قناة تصريف فائض الحاجز، حيث كان أحدهم دون قميص، في حين كان شخص آخر عائدا وهو يحمل قصبة صيد أسماك. ورغم أنّنا لم نجد أيّا من ممارسي السباحة العشوائية في المكان، إلا أن صياد الأسماك أكد لنا أن ممارسي السباحة العشوائية غير موجودين بسبب الحرارة المرتفعة وقت الظهيرة، موضحا أنهم يترددون على المكان مع الساعات المسائية، في حين أشار إلى انخفاض منسوب مياه الحاجز المائي خلال السنة الجارية مقارنة بالعام الماضي.
وأصبحت السباحة العشوائية ظاهرة منتشرة في قسنطينة بشكل كبير، خصوصا بين الأطفال والمراهقين، حيث وصل الأمر بالكثيرين منهم إلى استغلال أي حوض صغير أو بركة تمتلئ بالمياه، حيث لاحظنا خلال مرورنا بطريق الشالي بمدينة قسنطينة، طفلا يدخل إلى حوض صغير معد لاحتواء مياه صنبور مفتوح للمارة من أجل الشرب بمحاذاة المكان المسمى «كومامو»، بعد أن امتلأ بالمياه، بينما كان صديقاه الآخران يلهوان معه بالماء.
بلدية قسنطينة تتوعّد ممارسي السباحة العشوائية بالعقوبات
وقد شهدت بلدية قسنطينة خلال الأيام الماضية حادثة مأساوية توفي فيها طفل غرقا في حي ساقية سيدي يوسف، المعروف باسم «لابوم»، في بركة مترتبة عن ورشة بناء، حيث أصدرت البلدية على إثرها قرارا يمنع منعا باتا السباحة في البرك المائية والأحواض الإسمنتية والبلاستيكية المستعملة للري والنافورات والأودية والمجمعات المائية، كما أوردت في بيانها أنه ينبغي محاربة هذا السلوك غير الحضري الذي «ينجر عنه انتشار الأمراض المتنقلة عن طريق المياه والتسممات والأمراض الجلدية والطفيلية والحوادث الأمنية المختلفة».  وتضمن القرار أيضا ضرورة وضع تدابير خاصة بمحاربة هذه الظاهرة، والقيام بعمليات تحسيسية عن الأخطار الصحية التي تمس بالصحة العمومية، في حين نص في مادته الخامسة على أن كل مخالف لأحكام هذا القرار» يعاقب وفقا للتنظيم المعمول به ووفقا للمساس بالصحة العمومية، ليدعو في مادته الأخيرة جميع السلطات التنفيذية والأمنية إلى تنفيذ أحكامه.
فتح مسبح «سيدي مسيد» في غضون أيام
من جهة أخرى، تجري الأشغال النهائية بمسبح سيدي مسيد من أجل إعادة فتحه للمواطنين والأطفال، حيث تنقلنا إلى المكان ولاحظنا أن عمالا يقومون بطلاء الحواجز المعدنية لأحد الممرات، فيما اكتملت أعمال الدهن والطلاء في المسبح الكبير المعروف باسم «البريمو»، فضلا عن اكتمال تهيئة الحوض الصغير الذي كان يعرف بين المواطنين باسم «الزلايقة» بسبب أرضيّته اللّزجة عندما تنتشر به الطحالب. وتمت الأشغال في المسبح على مستوى المرشات ومختلف المرافق الأخرى التابعة للمسبح، كما تم تجهيز الطاولات والمقاعد الحجرية المخصصة للعائلات، في حين دخلنا الغرفة المخصصة لتصفية مياه المسبح، حيث تمّت إعادة تجهيزها، في حين لاحظنا وجود أنبوب مياه يقوم بتصريف فائض المياه الجوفية النابعة من  النقب الذي يغذي المسبح.
وأوضح مدير مسبح سيدي مسيد، مراد روابح، أن المرفق يمثل مكانا عريقا بالنسبة لسكان قسنطينة، حيث تكفلت مديرية الشباب والرياضة بالمسبح منذ سنة 2011، وتمت تهيئة جميع المرافق التابعة له، كما زوّد بمصفاة للمياه، في وقت تم فيه حفر بئر ارتوازية من أجل دعم المسبح من الجانب المائي، لكن المسؤول أوضح أن المسبح أغلق في فترة الجائحة، ما أدى إلى تأثره بعوامل طبيعية، على غرار فيضان مياه الأمطار التي غمرته في شهر أوت من عام 2019. وأضاف نفس المصدر أنّ المُشكلة تسببت في أضرار كبيرةٍ للمسبح، حيث تعود إلى انسداد البالوعات الخاصّة بصرف مياه الأمطار بالمواقع المحيطة بالمسبح، الذي يقع في نهاية منحدر، كان يعرف قديما بـ»حفرة صنهاجة» قبل بناء المسبح، وتطلّ عليه عدة أحياء. ونبه محدثنا أن القائمين على المرفق قد وجهوا تقارير مفصلة إلى والي قسنطينة وجميع القطاعات المعنية حول المشكلة، في حين أشار محدثنا إلى أن المشكلة قد أثرت على أنابيب المياه والمصفاة التي تسربت إليها الأتربة، فضلا عن حوض المسبح الذي امتلأ بالأتربة، فضلا عن القمامة والأكياس البلاستيكية التي جرفتها المياه معها. وقال مدير المسبح إن المرفق سيفتح في غضون أسبوع أو عشرة أيام، وسيعود إلى استقبال العائلات والأفراد، في حين أكد أن الفتح سيشمل «البريمو» والحوض الصغير والحوض المتوسط، وسيستمر في النشاط حتى في فصل الشتاء، كما سيشمل فتح كافتيريا في ساحة المسبح، حيث تصل طاقة استيعاب المرفق إلى ما بين 600 و700 فرد في الحصة الواحدة، التي أوضح أنها ليست محددة بمدة زمنية، كما شرح نفس المصدر أن سعر الدخول إلى المكان رمزي فقط، حيث يقدر بمئتي دينار للبالغين ومئة دينار للأطفال. وستنطلق عمليّة ملء أحواض السّباحة في مسبح سيدي مسيد، حيث يمكن أن تستغرق ستة أيام بحسب ما أكده مدير المرفق مع انخفاض منسوب البئر الارتوازية التي تتغذى منها خلال هذه السنة، بينما أوضح محدّثنا أنّ المسبح يعتمد في جزء آخر على مياه الشرب، لكنّه شرح لنا أن الأحواض تُملأ مرّة واحدةً لتتم عملية تصفيتها بشكل متواصل طيلة اليوم من خلال غرفة التصفية، ويتم رشّها بالكلور وتنقيتها. ويسجل مسبح سيدي مسيد مشكلة تراكم الكلس في قنوات تزويد المياه، حيث لاحظنا كومة من الكلس الأبيض بالقرب من المسبح الصغير، حيث يتسبب في إضعاف تدفق المياه التي تدخل المسبح، في حين شملت عملية التجديد إصلاح القنوات وتنقيتها.
وذكر نفس المصدر أن البرنامج الصيفي لمسبح سيدي مسيد يتضمّن تخصيص الفترة الصباحية من الساعة التاسعة إلى منتصف النهار للأطفال القاطنين بالمناطق النائية، عبر الحافلات التي يخصّصها ديوان مؤسسات الشباب بشكل مجاني، كما يتم تنظيم العملية من خلال دور الشباب ومؤسسات الشباب، فضلا عن الجمعيات والكشافة وغيرها. من جهة أخرى، قال المسؤول إنّ أيام الأحد والثلاثاء والخميس مخصّصة للعائلات، بينما يفتح المسبح أيام الاثنين والأربعاء والجمعة والسبت لجميع الفئات، كما أشار إلى أن توقيت الحصص مفتوح من الواحدة زوالا إلى الرابعة، ثم من السادسة مساء إلى الحادية عشر ليلا.
س.ح

الرجوع إلى الأعلى