أصبح نشاط المزرعة النموذجية البعراوية بولاية قسنطينة، مهددا بالتوقف بسبب مشكلة المياه، بعد قطع التزود من طرف شركة المياه والتطهير «سياكو» هذه المادة الحيوية، لعدم تسديد ديون تقارب 400 مليون سنتيم تراكمت منذ سنة 2010.

روبورتاج: حاتم بن كحول

وتنقلت «النصر»، إلى المزرعة النموذجية الواقعة بمنطقة البعراوية ببلدية الخروب، من أجل الوقوف على تحضيرات المزرعة بمناسبة اقتراب مناسبة عيد الأضحى، وعدد رؤوس الأغنام التي سيتم توفيرها للمواطنين، والأسعار المعتمدة، والمعول عليها من أجل تكسير الأثمان المرتفعة حاليا عند مختلف الموالين.
وصلنا في منتصف النهار إلى المزرعة النموذجية، أين كان الطريق المؤدي من الطريق الولائي إلى مزرعة البعراوية شاغرا تماما من المركبات أو الراجلين، عكس ما كان عليه خلال السنوات الماضية وتحديدا قبل أيام من حلول عيد الأضحى، حيث كانت المزرعة تعتبر مقصدا للعائلات محدودة الدخل لاقتناء أضحية نظرا لتنافسية الأسعار التي تعتمدها.
مزرعة شاغرة و لا أثر لأضاحي العيد

وظل الطريق شاغرا إلى مدخل المزرعة، وكأننا دخلنا منطقة مهجورة، توجهنا نحو الإسطبلات الصغيرة المفتوحة التي تعودت على احتضان قطعان الخرفان، إلا أنها كانت شاغرة، فيما كانت كل الأروقة والمساحات خالية من الزبائن فيما كان يظهر بين الحين والآخر عمال بالمزرعة، لنستغل الفرصة للاستفسار، حيث تمت إجابتنا بأن المياه غير متوفرة وبالتالي لم يتم جلب الحصة المعهودة من المصدر.
توجهنا نحو إدارة المزرعة، لمقابلة المدير والذي أعلمنا أن نشاط المزرعة أصبح مهددا، بعد قطع مصالح شركة المياه والتطهير «سياكو» للمياه عن المزرعة بسبب ديون مترتبة لعدة سنوات، موضحا أن المزرعة تعمل يوميا دون مياه منذ أزيد من 45 يوما، ما أثر سلبا على نشاطها.
وقررنا القيام بجولة داخل المزرعة من أجل الاطلاع على الوضعية التي وصفها المدير «بالكارثية» ورافقنا عامل بالمزرعة، والذي أكد لنا أن المزرعة النموذجية تتكون من 18 مزرعة صغيرة متعددة النشاطات منها تربية النحل والمواشي والدجاج اللاحم والصيصان والأغنام والأبقار، إضافة إلى نشاطات فلاحية أخرى مثل إنتاج القمح، وحين بلغنا مكان تربية الأغنام لم نجد سوى قطيع خرفان صغيرة متجمعة داخل الإسطبلات، وعلمنا أنها غير معنية بالبيع هذه السنة بل سيتم تحضيرها للعام المقبل.
انعدام المياه يحول دون تربية 20 ألف صوص

ورغم توفر المياه داخل حوض حديدي دائري، إلا أن الأغنام كانت تعزف عنه  رغم الحرارة الشديدة، حسب عامل بالمزرعة قال إنها تحبذ المياه الباردة القادمة من القنوات، وهو ما تعودت عليه منذ ولادتها، ولم تتعود على المياه الساخنة التي يتم جلبها في الصهاريج، بعد أن قامت شركة «سياكو» بقطع التزويد عن المزرعة، موضحا أن تلك الخرفان الصغيرة تكتفي بكميات قليلة فقط من تلك المياه منذ قطع التزود قبل أزيد من 45 يوما.
وصلنا بعدها إلى منطقة تربى فيها الصيصان، ولكن وجدنا البيوت المخصصة لهذا الغرض مغلقة بالسلاسل، لنعلم من مرافقنا أن تلك البيوت استغلت قبل حلول شهر رمضان الماضي في إنتاج 20 ألف صوص، وكانت المزرعة تعمل على إنتاج نفس الكمية إلا أن انعدام المياه حال دون ذلك، خاصة وأن تربية الصيصان تتطلب كميات كبيرة من هذه المادة الحيوية.
ويقع إسطبل تربية الأبقار على بعد أمتار من إدارة المزرعة، لنتوجه مباشرة إلى تلك المنطقة، لنقف على تواجد عدد معتبر منها، متجمعة في مساحة ضيقة بحثا عن الظل، وعند سؤالنا عن إنتاج الحليب بالمزرعة، رد علينا العامل أن الإنتاج انخفض خلال الشهر الأخير بسبب عدم سقي الأبقار بكميات المياه اللازمة، كما وجدنا وحدة إنتاج الحليب بالمزرعة مغلقة لأنها تزاول نشاطها في الصباح الباكر.
قرابة 1500 رأس دون مياه منذ 45 يوما
توجهنا بعد في جولة خفيفة وسط المزرعة، إلى مديرها سمير شنغل، الذي أكد أن مدير شركة المياه والتطهير قرر قبل أزيد من 45 يوما قطع التزود عن المزرعة، مذكرا أنه يتم تربية 200 بقرة و1200 رأس من الأغنام و 20 ألف من الدجاج اللاحم، و7 آلاف دجاجة لإنتاج البيض، وكل هذه المواشي يتم التكفل بها منذ شهر ونصف دون مياه.
وأضاف المتحدث، أن تواصل قطع المياه يهدد نشاط المزرعة النموذجية، وأثر كثيرا على نشاطها الاقتصادي، حيث يتم الاستنجاد بقرابة 15 شاحنة مزودة بصهاريج المياه يوميا، كما لم تتم تربية 20 ألف صوص كانت مبرمجة قبل أيام، والتي تساهم في إغراق السوق بقرابة 60 طنا من الدجاج، إضافة إلى انخفاض كبير في إنتاج حليب البقر وعوض إنتاج 3 آلاف لتر يوميا يتم بيع 1500 لتر لملبنة نوميديا والتي بدورها توزعها على المحلات التجارية في شكل أكياس وعوض توفير 1000 كيس توزع 500 كيس، ما يجعل طريقة التأثير عبارة عن سلسلة يكون المواطن ضحيتها في الأخير.كما أوضح أنه لم يتم جلب حصة المزرعة من الخرفان الموجهة للبيع بمناسبة عيد الأضحى، والمقدرة ما بين 1000 إلى 2000 خروف والتي كانت تمكن من كسر الأسعار، وفضل تأجيل جلب حصة قسنطينة إلى حين إيجاد حل لمشكلة المياه، وأضاف أن المزرعة تشرف على سقي محاصيل زراعية وأشجار مثمرة وتتطلب العمليات كميات كبيرة من المياه.
وأوضح المتحدث، أن مؤسسة سياكو لم تستقبله من أجل محاولة إيجاد أرضية اتفاق، كما لم ترد على المراسلات، التي طلب خلالها إعادة تزويد المزرعة بالمياه على أن يتم التفاوض لتحديد طريقة تسديد الديون، موضحا أنه راسل كل الجهات المعنية من السلطات الولائية ومديرية الفلاحة وغيرهما ولكن دون نتيجة تذكر.
المزرعة ملزمة بتسديد مستحقات استهلاك سكنات ومعهد تقني
وطالب المدير من شركة «سياكو» وضع عدادات تحدد كميات استهلاك كل جهة على انفراد، عوض تحديد قيم مالية لعدة مستهلكين على عاتق المزرعة النموذجية، موضحا أن المزرعة كانت تتزود من منبع مائي يقع بمفترق الطرق الأربعة، ولكن تم قطع التزويد سنة 2012، وتم ربط القناة من سياكو، موضحا أن الشبكة ملك للمزرعة وكل القنوات تكفل المسؤولين بالمزرعة بوضعها.
وأوضح أنه بعد تحول تسيير الشبكة إلى شركة «سياكو»، تواصل استهلاك المياه من طرف المعهد التقني للمحاصيل الحقلية و40 عائلة تقطن في عين برج، وسكنات فردية بعضها مزودة بمسابح، إضافة إلى تسربات كبيرة على مستوى الوكالة التجارية الخروب، إلا أن الفاتورة الجزافية كانت فقط على عاتق المزرعة، وطالب بوضع عدادات تحدد استهلاك كل جهة، وستقوم المزرعة بتسديد المبلغ مهما كانت قيمته، أو بإعادة التزود من القناة الأصلية وهي المنبع المائي بمفترق الطرق الأربعة والتي هي ملك للمزرعة حسب المتحدث.
وأضاف أنه نظرا لحساسية الوضعية المتعلقة بإمكانية نفوق المواشي، يطالب المتحدث بإتخاذ قرار بإعادة تزويد المزرعة بالمياه إلى حين عقد جلسة عمل لمناقشة المنازعات بين الطرفين، مؤكدا استعداد المزرعة لتسديد الديون السابقة في أجل أقصاه 31 ديسمبر من السنة الجارية، وذلك بعد مرور لجنة تقنية تحدد كميات الاستهلاك الحقيقية، وهي إرسالية قام بإرسالها إلى مصالح «سياكو» وأظهر لنا نسخة منها.
كما قال سمير شنغل، إنه يستحيل تسديد تلك الديون والخاصة بأزيد من 10 سنوات دون فواتير تثبت قيمة الاستهلاك وتحدد الكميات، لأنه يعد تقريرا ماليا وأدبيا يقدم إلى الوزارة بخصوص النفقات ولا يمكن تعليل تلك المصاريف خاصة وأنها تشمل استهلاك المياه من جهات أخرى لا علاقة لها بالمزرعة.
انخفاض في إنتاج الحليب بسبب نقص المياه
كما أن الأبقار لا تشرب الكميات اللازمة ما أثر على إنتاج الحليب، ونقص كميات الحليب، ونحن متعاقدون مع ملبنة نوميديا نمنحها يوميا كميات تتراوح ما بين 2000 إلى 3000 لتر من حليب البقر ولكن نضطر لخفض الكميات إلى النصف وبالتالي تصبح 1500 لتر، وعوض إنتاجها لأزيد من 1000 كيس من الحليب تنتج 500 كيس وهي سلسلة وتتحول إلى أزمة حليب.وأثرت عملية قطع المياه عن المزرعة على رقم أعمال المؤسسة بشكل «رهيب» حسب المتحدث، والذي أضاف أن نشاط المؤسسة التي يعمل بها 50 عاملا يعيلون عائلاتهم أصبحا مهددا، مضيفا أن فترة القطع لم تكن مناسبة تماما خاصة وأنها تزامنت مع فصل الصيف ومع اقتراب عيد الأضحى. وتحدث مدير المزرعة عن إشكال آخر وهو حدوث تسرب للمياه من قناة على بعد أمتار من المزرعة، أثر على عملية الحصاد التي تقوم بها المزرعة، خاصة وأنها جاءت على مساحة 4 إلى 5 هكتارات، وكان يمكن أن تدر على المزرعة عائدات تقارب 50 مليون سنتيم، وهو ما جعله يراسل الجهات المسؤولة المتمثلة في شركة «سياكو» من أجل إصلاح العطب وهو ما لم يتم حسبه لحد الآن.
* المدير العام لشركة «سياكو»
المزرعة تستغل المياه مجانا منذ سنة 2010
رد المدير العام «لسياكو» بقسنطينة، رضا مليك دعاس، أن سبب قطع المياه عن المزرعة هو عزوف مسؤوليها عن دفع مستحقات استغلال منذ سنة 2010، ما جعل الديون ترتفع إلى مبلغ 398 مليون سنتيم، موضحا أن «سياكو» تعيش ضائقة مالية جعلتها مدانة تجاه عدة مؤسسات ، إضافة إلى أنها تجد صعوبة في صب أجور العمال، في المقابل لها ديون غير محصلة لدى مؤسسات وزبائن وفي هذا الإطار تم الشروع في عملية استرجاع الديون لدى المدانين ومنهم المزرعة النموذجية.
وأوضح المتحدث، أن مسؤولي المزرعة تعودوا على الاستهلاك المجاني للمياه منذ سنة 2010، وقام خلال هذه السنوات مديرون بسياكو بقطع المياه ولكنهم أعادوا توزيعها بعد تلقي وعود بتسديد الديون إلا أنها لم تتجسد، ما جعلها ترتفع أكثر، وبالتالي يرفض العمل بهذه الطريقة ويفضل تحصيلها حتى وإن قدم تسهيلات للمعنيين. وأضاف المدير العام، أن مدير المزرعة النموذجية لم يكلف نفسه عناء الاتصال بسياكو وتقديم طلب رسمي لإيجاد حلول ترضي الطرفين، وعوض تقديم طلب يقضي بتسديد جزء من المستحقات وجدولة الديون المتبقية منذ يوم 19 أفريل تاريخ قطع التموين، قام برفع القضية للعدالة، ولم يتم قبولها لأن القانون أنصف سياكو حسبه.
يمنع استغلال المياه المعالجة في سقي المحاصيل الزراعية
كما رفض المدير أن تتحجج الجهة الأخرى أن قطع المياه يهدد نشاط المزرعة، لأن المواشي تربى طيلة السنة وليس في آخر 45 يوما، موضحا أن المياه ليست موجهة لسقي المحاصيل لأنها معالجة ومزودة بمادة الكلور ويمنع استغلالها في السقي، مضيفا أن «سياكو»رفعت القضية للعدالة مطالبة بتسديد ديونها. أما عن استغلال المياه من عدة جهات فيما تسجل الفاتورة الجزافية بإسم المزرعة، رد المتحدث أنه يوجد زبون واحد هو المزرعة موضحا أن السكنات الوظيفية خاصة بعمال المزرعة، وبأن المركز التقني والمزرعة ينتميان لنفس المؤسسة، كما أن الإدارة لم تطلب وضع عداد بالسكنات الوظيفية وتحديد كمية استهلاك كل عائلة، كما أنه غالبا مدة الاحتجاج تكون في مدة 15 يوما وليس 12 سنة حسب المتحدث، والذي أضاف أنه مستعد لإعادة تزويد المزرعة في حالة تقدم مديرها بطلب رسمي يشمل تسديد جزء من المستحقات كدفعة أولى ثم جدولة بقية المبلغ، ولكن لن يتم مستقبلا قبول استغلال المياه في سقي المحاصيل الزراعية.
وأكدت موظفة بخلية التدقيق في «سياكو»، أنها اجتمعت مرتين بمدير مزرعة البعراوية بحضور مدير التوزيع وفي غياب المدير العام، وطلبوا من المعني تقديم طلب رسمي، لتتفاجأ برفع دعوى قضائية ضد «سياكو»، موضحة أن الضريبة الجزافية في صالح الزبون لأنها لا تمثل المبلغ الحقيقي للاستهلاك والذي يكون غالبا أكبر بكثير من القيمة الحالية.                               
ح/ب

الرجوع إلى الأعلى