وهران - المتوسطية - تبهر زوارها وسكانها يكتشفونها من جديد

لم يكن حفل افتتاح الطبعة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط، وحده الحدث على كل ما حمله  من إبهار وتميّز في هذه التظاهرة المتواصلة، بل سبقته وواكبته أحداث أخرى، قدمت صورة جديدة  عن الجزائر، غير مألوفة في الضفة الجنوبية للمتوسط.

روبورتاج: بن ودان خيرة

قبل انطلاق الحدث الرياضي، تداول الأجانب الذين توافدوا على وهران، فيديوهات ومنشورات عن معالم الباهية وعمرانها وسكانها، وأيضا عن منشآتها التي أبهرت الكثيرين من مسؤولي الوفود وخاصة القرية المتوسطية، حيث ركزوا في منشوراتهم على نوعية مبنى الإقامة وتجهيزاته والمنشآت الرياضية، معترفين أنهم وجدوا أفضل مما تصوروا، نظرا لمواكبة الإنجازات للمعايير العالمية مع جزئية تقديم خدمات ببصمة جزائرية راقية.
 كما لم يختلف شعورهم عند تجوالهم في أرجاء المدينة وأخذهم صورا للمعالم التاريخية والأزقة وكل ما استهواهم، وكانت صور وفيديوهات «ساحة أول نوفمبر» وسط المدينة، أكثر الأماكن حضورا في شبكات التواصل الاجتماعي، وتعرف عليها كثير من الإعلاميين الأجانب الذين تواصلت معهم النصر، فكان دائما ردهم أنهم أعجبوا بوسط المدينة الذي يجتمع فيه مقر البلدية السابق والمسرح الجهوي وقصر الباي.
أما سكان وهران فكأنهم يكتشفون مدينتهم لأول مرة، حيث أضحوا يلتقطون صورا أمام المنشآت الجديدة، والتي تجتمع في المركب الرياضي  ببلقايد والذي يضم الملعب الجديد هدفي ميلود والقاعة متعددة الرياضات والمسبح الأولمبي، وهي مرافق بمعايير عالمية.
 وبالإضافة لحضور الجمهور للمنافسات داخل هذه المنشآت، فقد أصبح المواطن الوهراني يتخذ من محيطها الذي تمت تهيئته ليكون فضاء مفتوحا للجميع موقعا للراحة، خاصة بعد غروب الشمس لغاية الساعات الأولى من الفجر، حيث تحول المكان إلى موقع للسمر والتقاط صور مع الأهل والأصدقاء ثم تداولها عبر شبكات التواصل، وكأنهم بطريقة غير مباشرة يروجون للألعاب وللولاية وللجزائر، ويتمنى من صادفناهم هناك أن يتحول هذا الفضاء لاحقا لمزار سياحي ورياضي كبير، خاصة وأن محيط المركب عبارة عن فضاءات مفتوحة تريح نفسية الزوار.
«ديسكو مغرب» يبعث من جديد
وبالعودة لوسط المدينة، أضحت لافتة «ديسكو مغرب» أشهر من أي موقع آخر، بالنظر لعدد الأشخاص الذين أصبحوا يلتقطون صورا يوميا هناك، فأعادوا الروح لهذا الموقع وللمحل، الذي كان مهملا وأصبح مهترئا ولكن تلك «التجاعيد العمرانية»، أضفت عليه جمالا مثل أيام الفن الجميل، حين كان «ديسكو مغرب» في أوج عطائه، وكان محجا للمطربين ومغنيي الراي خاصة، ولكن حالت الظروف الأمنية سنوات التسعينات، وهاهي الألعاب المتوسطية، تعيد بعث الحياة في هذا المكان بشارع بن سنوسي حميدة بوسط وهران.
وخلال جولتنا عبر أرجاء ساحة سيدي أمحمد الواقعة بوسط المدينة والمطلة مباشرة على البحر الأبيض المتوسط، والتي تعد مزارا ذو ميزة خاصة بالنسبة للوهرانيين، التقينا بمواطنين من مختلف الولايات، وكانت لنا معهم هذه الدردشة.
التغيير الإيجابي في وهران يسمح بتنويع مسارات سباق الدراجات
خلال جولتنا عبر أرجاء ساحة “سيدي امحمد” الواقعة بوسط المدينة والمطلة مباشرة على البحر الأبيض المتوسط، والتي تعد مزارا ذو ميزة خاصة بالنسبة للوهرانيين، التقينا بمواطنين من مختلف الولايات، حيث صادفنا في حديقة “سيدي امحمد” أعضاء من الاتحادية الجزائرية  للدراجات، يتجولون في هذا الفضاء الجميل، ليتنفسوا هواء المتوسط ويسترجعوا بعض الذكريات، حيث قال جمال بوحجار (رئيس اتحادية الدراجات) إن جمال مدينة وهران يأسر، فهو متعود على زيارتها خاصة في منافسات سباق الدراجات، ولكن مع الألعاب المتوسطية عرفت الباهية نقلة نوعية مبهرة في جميع النواحي خاصة فيما يخص الهياكل الرياضية، أما محمد أقتجال فأوضح أنه كان في المدينة قبل شهرين خلال مرحلة مسار وهران لدورة الجزائر لسباق الدراجات، وأعجب كثيرا بالتحول الكبير الذي تعرفه الولاية وسكانها أيضا الذين كانوا في المستوى مثلما عهدهم كما قال، فمن خصالهم الترحيب بالضيوف وحسن استقباله، وهذه ميزة ارتفع “منسوبها” مع التظاهرة المتوسطية وأعطاهم علامة 10/10.
بينما كان السيد حمديكان صديق وهو بطل سابق في سباق الدراجات، يسترجع ذكريات نهاية الثمانينات، عندما كان مسار سباق الدراجات يجرى في هضبة واجهة البحر المحاذية لحديقة “سيدي امحمد”، وقال :”كان المسار يختبر بدقة إمكانيات المتنافسين في تخصص التسلق لأنه يتوفر على ظروف طبيعية مناسبة، ولكن الأجمل أن الجمهور يتابع السباق من البداية لغاية نقطة الوصول، لأن المكان يسمح له بذلك خلافا لما يتم اليوم، أي أن الجمهور قد يشاهد الانطلاقة ثم خط النهاية فقط”، وهنا دعا محدثنا لضرورة التفكير في خلق المسارات التي تخلق تفاعلية مباشرة بين المتسابقين والجمهور، خاصة وأن وهران تتوفر على فضاءات لتجسيدها، مطالبا بضرورة الحرص على التكفل وصيانة المنشآت والمحيط، لأنها مكاسب للجزائريين جميعا، الذين يزورون وهران على مدار السنة، فهي مدينة ساحرة في كل أحوالها.
طلبة من الجنوب “يصححون” نظرة مسبقة عن وهران

لم نبتعد عن أعضاء اتحادية الدراجات، لنجد مجموعة طلبة من أدرار يستمتعون بالأنشطة المتنوعة في فضاء “سيدي امحمد”، وبطيبة أهل الجنوب وفصاحتهم كان ردهم على أسئلتنا، حيث ركزوا على أنهم أكثر حظا من نظرائهم بالمناطق الجنوبية، كونهم يعيشون الحدث المتوسطي والذي من أجله يجتمعون في شقة أحد أصدقائهم لغاية نهاية التظاهرة، وقال محمد الأمين، وهو طالب جامعي بوهران إنه عندما جاء للدراسة في جامعة بلقايد، كانت لديه نظرة مختلفة عن الولاية وسكانها، ولكن معاشرتهم مسحت تلك الأفكار المسبقة، فهم أناس طيبون وخلال الألعاب المتوسطية برز معدنهم الحقيقي في الاستقبال الجيد لزوار الباهية، أما من ناحية المحيط فنظافة المدينة مؤخرا أظهر البهاء الأصلي لعمرانها وشوارعها، مضيفا:”الأشغال التي جرت بوهران غيرت وجهها تماما، وأيقنت أن الولاية كانت مهمشة نوعا ما وأن الألعاب فرصة كبيرة أخرجتها من وضع إلى آخر يليق بها”، مستطردا بالقول إنه رغم عدم دخوله لحفل الافتتاح إلا أنه ظل خارج الملعب يعيش الأجواء، وأنه فرح كثيرا بنجاح البداية التي لم تخيب أمل الجزائريين، ورفعت شأن بلادنا عاليا بين الأمم.
أما عبد الناصر، وهو طالب جامعي بجامعة ورقلة، فوجد في وهران الجمال – كما قال - ولمس حسن التنظيم وسماحة السكان، مؤكدا أن سعادته لا توصف كونه محظوظ لمعايشة الحدث مباشرة في عين المكان، خلافا لنظرائه بأدرار وورقلة، وأنه ينقل لهم الواقع مباشرة عبر فيديوهات وخاصة المباشر بالهاتف النقال.
الألعاب المتوسطية أعطت حركية ونشاطا للفضاء العمومي
بعد ذلك، كانت وجهتنا نحو السيدة هوارية التي كانت تجلس رفقة ابنتها “لينا” وتراقب أطفالها الذين كانوا يستمتعون بمشاهدة استعراضات رياضية في كرة السلة داخل خيمة، وأكدت أنها معتادة على زيارة ساحة “سيدي امحمد” لتمكين أبنائها من اللعب واللهو في هذا الفضاء هروبا من ضيق السكن، ولكن مع الألعاب المتوسطية أصبحت تتردد عليها يوميا لأن الوضع اختلف، حيث أصبح أبناؤها يجدون تنشيطا مميزا عبر الخيم المنصوبة هناك، فمن البهلوان إلى ألعاب إلكترونية وأخرى رياضية، ومع التواجد الكبير لرجال الأمن فهي تجلس مرتاحة وتراقبهم من بعيد، أما ابنتها فأكدت أنها يوميا تتقاسم مع أصدقائها صورا من مختلف جهات وهران وحول الألعاب لمضاعفة الترويج للولاية وسكانها، وأنها مبهرة بالحركية الكبيرة التي تعيشها شوارع وفضاءات وهران، وهو المطلوب في مدينة كبيرة مثلما أردفت وطبعها حفل الافتتاح الرائع والمشرف.
شباب وهران يتناصحون للحفاظ على المكاسب

اقترب منا عبد الكريم وهو  في سن 19 من وهران، ليؤكد أنه رفقة جيرانه في حي مارافال، يتداولون هذه الأيام خطط عن كيفية المحافظة على المحيط ونظافته، وهذا السلوك مثلما أفاد كان موجودا من قبل عن الأسلاف ويجب أن يغتنم الوهرانيون فرصة التظاهرة المتوسطية، ويسترجعون نظافة وبهاء المدينة “ يبدو أن الوهرانيين متفقون على ترسيخ ثقافة المحافظة على المحيط، ولكن عمل الشباب بعد الألعاب سيرتكز على منع بعض الغرباء الذين يتعمدون نشر القمامة في الشارع”، مضيفا أنه يفتخر بالتغيير السلوكي الذي ينتشر هذه الأيام، خاصة مع الحركية التنشيطية التي تعرفها عدة مرافق ووجود الأمن، ولم يغفل عبد الكريم الحديث عن حفل الافتتاح الذي حضره داخل الملعب الجديد بعد اقتناء تذكرته إلكترونيا، حيث قال إن الافتتاح كان عالميا ويفتخر بأن الجزائر الجديدة بدأت بوادرها.
وتدخل جواد الأصغر منه سنا، ليضيف أن أغلب القادمين لوهران من الولايات الجزائرية الأخرى، تغيرت نظرتهم عن الولاية وسكانها وتبددت الأفكار المسبقة، التي كانوا يتداولونها فقد وجدوا نسمات الحضارة الراقية.
سيارات الأجرة تلعب دور الدليل
أما خارج ساحة “سيدي امحمد”، فوجدنا سائق سيارة أجرة يتحدث عن التغيير الذي لمسه من خلال الزبائن الذين ينقلهم يوميا في هذه الفترة والقادمين من مختلف ولايات الوطن، حيث أفاد أنه هو وزملاءه في المهنة، يتفقون على الحرص لتوجيه ضيوف وهران نحو الأمكنة الصحيحة والمناسبة لهم، فأغلبهم يزورون الباهية لأول مرة ليعيشوا نفحات الألعاب المتوسطية، مبرزا أن سائق الطاكسي هو واجهة أيضا لحسن الاستقبال ويعكس كرم وأخلاق السكان، ولم نطل الحديث حتى ركب معنا سائح من تركيا لا يفقه أية لغة، سوى لغة بلده وبعض الكلمات بالعربية، وجدنا صعوبة في فهم أين يريد الذهاب، ولم نفهم إلا عندما نطق كلمة “عدل” أي أحد الأحياء التي بها عمارات “عدل”، وحاولنا معرفة انطباعه وهو يزور وهران، فلم يقل سوى “شابة” وكانت ملامحه توحي بأنه لم يكن يتوقع أن يجد المدينة بهذا البهاء، أما السائق فركز في ختام حديثه معنا بـ “مثلما نحرص على صيانة والمحافظة على المنشآت، يجب أن نحافظ على السلوكات الجميلة التي أظهرها الوهرانيون هذه الأيام”.
سيدات يبرمجن خرجات جماعية لمراكز المنافسات
أما في الفضاء الأزرق، فتجري أيضا حركية أخرى افتراضية، تجسد في الواقع من خلال المجموعات “الفايسبوكية”، التي أصبحت تؤدي دورا بارزا في التعريف ونقل الخبر المتعلق بالتظاهرة المتوسطية، ولكن اللافت هو وجود مجموعة لبنات وسيدات، أصبحن يتابعن البرامج ويخترن المنافسات التي تشارك فيها الفتيات ويذهبن لتشجيعهن ومساندتهن، بينما هناك مجموعات التي تساعد العائلات على التواجد في مراكز المنافسات والاحتفال الجماعي، عند فوز الرياضيين الجزائريين.
للتجوال في شوارع وهران طعم مميز
قالت لبنى إنه مع الأشغال التي شهدتها وهران مؤخرا بمناسبة الألعاب المتوسطية، أصبح المشي في الشوارع بطعم مميز، خلافا لما كان عليه سابقا وازدادت وهران سحرا وجمالا وكأننا لم نكن من قبل من سكانها أصبحنا اليوم نكتشف البهاء في أرجائها، مضيفة أنها أينما تجول وتصول، تلمس تباشير الفرحة والبهجة في عيون المواطنين، سواء من سكان الولاية أو الوافدين من الولايات الأخرى، منوهة بالدور الكبير لرجال الأمن الذين زرعوا الطمأنينة والارتياح في نفوس المواطنين.            ب. خ

الرجوع إلى الأعلى