يعتبر شاطئ المحجرة بمدينة سكيكدة أو «لاكاريار» كما يُعرف محليا، من أجمل الشواطئ على المستوى الوطني والذي يُقبل عليه المصطافون من عدة ولايات، وذلك لمناظره الطبيعية الخلابة التي تجمع بين الجبال الخضراء والصخور العتيقة والمياه الصافية، مشكلة لوحة فنية تسحر كل ناظر لها، وهو ما تنقله النصر في هذا الروبورتاج.

  روبورتاج: حاتم بن كحول

تتوفر ولاية سكيكدة الساحلية على عشرات الشواطئ الجميلة، ومنها شاطئ المحجرة الذي يعد أكثرها سحرا وأجملها، ويقع هذا المكان الخلاب على بعد 8 كيلومتر من وسط مدينة سكيكدة، وسط سلسلة من الجبال الشاهقة.
توجهت النصر إلى هذه الجوهرة، مرورا على شاطئ سطورة والميناء، وبداية الرحلة كان عبر مرتفعات يصعب صعودها قبل الوصول إلى مستوى مستقيم ومنه التحول إلى منحدر حاد يقودك مباشرة إلى هذا الشاطئ.
وبعد مرور 40 دقيقة من السير على متن مركبة، وصلنا إلى الشاطئ، بعد رحلة استمتعنا فيها بالمناظر الطبيعية الساحرة، وسط جبال خضراء تتخللها آلاف الأشجار الشامخة، زادت من روعة المكان بنسيمها وطقسها المنتعش، فآنستنا في ذلك الطريق الوعر.
ويعرف هذا المسلك إقبالا كبيرا من طرف العائلات لأنه يقود إلى عدة شواطئ جميلة، ورغم الحركية الكبيرة به إلا أنه غير صالح تماما لسير المركبات، رغم تعبيد جزء صغير منه مؤخرا، وتبين ذلك من خلال رائحة الزفت المنبعثة في الجزء الأول منه وكذا لونه الأسود.
وتكثر في الجزء الأكبر من الشاطئ، عشرات الحفر العميقة والتشققات، ما يصعب من مهمة التنقل عبره، خاصة أنه عبارة عن مسلك ضيق يسمح بمرور مركبة واحدة في نفس الوقت، رغم أنه يستعمل في كلا الاتجاهين.
ورغم قصر المسافة بين الشاطئ و وسط المدينة، إلا أننا استغرقنا فترة زمنية معتبرة، بسبب المسلك الوعر الذي أجبر السائق على القيادة ببطء وحذر، خاصة أن أي خطأ أو تهاون قد يكلف حياة الركاب حيث أن حافة الطريق تؤدي مباشرة إلى السقوط من علو يزيد عن 50 مترا.
مسالك وعرة عبر الوصول للشاطئ
لاحظنا خلال مرورنا على الطريق، انتشار سكنات فردية بطريقة فوضوية تظهر أسطحها بين الأشجار، وتحيط بها حدائق صغيرة يربى فيها الدجاج والكلاب والخرفان، كما شد انتباهنا عدد من الراجلين المتوجهين من سكناتهم إلى وسط المدينة عبر هذا المسلك الضيق، فيما لجأ بعضهم للدراجات الهوائية.
وأكد لنا سكان أن الحافلات لا تصل المنطقة لأن الطريق ضيق، فيما يتجنب أصحاب سيارات الأجرة المرور عليه بسبب اهترائه كما يخشون التعرض لحوادث مرور، ما يجعل السكان ينتقلون يوميا إلى وسط المدينة سيرا على الأقدام، مع ما خلفه ذلك من معاناة لاسيما عند تحويل المرضى إلى المستشفيات.
واصلنا طريقنا نحو القمة لنشاهد مناظر طبيعية رائعة بين الجبال الخضراء والأشجار الشاهقة التي زادت من جمال المنطقة وأضفت أجواء منعشة مشبعة بنسيم البحر. ويُمكّن المرتفع الذي تواجدنا به من رؤية ميناء سكيكدة وجل الشواطئ من القمة، مكونة مناظر أقل ما يقال عنها أنها رائعة.
بعد السير لدقائق، اضطر السائق إلى تخفيض السرعة بوصولنا لمسلك مليء بالمنعرجات الخطيرة، وبعد فترة صغيرة من الدوران يمينا وشمالا بلغنا منحدرا حادا، أمامه لافتة مكتوب عليها «شاطئ المحجرة المجاني» ظهرت خلفها زرقة البحر، ومع النزول شيئا فشيئا بدأت معالم الشاطئ تبرز أكثر.
عائلات مجبرة على استئجار الشمسيات للجلوس قريبا من البحر
وفي حظيرة ضيقة، وقفنا على معاناة السائقين في ركن مركباتهم كما لاحظنا من لوحات ترقيم السيارات أن العديد من المصطافين جاؤوا من ولايات مجاورة كقسنطينة وقالمة وبدرجة أقل سطيف وباتنة.
بالوصول إلى الشاطئ، يستقبلك منظر صخور عتيقة تعلو رمالا ذهبية تتقاطع مع صفاء مياه البحر وسط طبيعة خلابة زاد من جمالها جبال شامخة تتخللها أشجار شاهقة، في مزيج من المناظر الساحرة.
ما إن وطأت أقدامنا الرمال حتى توجه نحونا شاب مستفسرا إن كنا بحاجة إلى استئجار شمسيات وطاولات وكراس بلاستيكية، ولاحظنا أن هؤلاء الشباب يشرفون على تسيير الشاطئ واضعين شمسيات للكراء بنفس اللون تتوسطها طاولات وتحيط بها كراس، فيما كانت العائلات التي تتوفر على هذه المستلزمات جالسة بعيدة عن البحر لمسافة معتبرة.
وعبرت عائلات عن غضبها جراء إجبارها على الجلوس بعيدا عن الشاطئ ما يحرمهم من التمتع بجمال البحر ومراقبة أبنائها الصغار الذين كانوا يستمتعون بالسباحة، وقال أحدهم إن 70 بالمئة من المكان يسيره الخواص.

رمال فريدة ومياه نقية
الرمال مختلفة عن المألوف هنا، فقد كانت حباتها خشنة وكبيرة الحجم ولونها يميل إلى البني، وما زاد من جمال الشاطئ هو مزيج بين الجبال التي تغطيها الأشجار والعشب الأخضر وجبال صخرية رطبة تلامس مياه البحر الصافية.
واختارت عائلات الاستجمام تحت أشعة الشمس أسفل الجبال الخضراء، بينما قرر آخرون التوجه إلى حافتي الشاطئ الشرقية والغربية والتي تقع أسفل الجبال الصخرية، كما توجد صخور عالية داخل البحر تمكن من القفز مباشرة نحو المياه وكان جل الذين يسبحون هناك من الشباب.
وعند القيام بجولة داخل هذا الشاطئ الصغير، صادفنا عدة عائلات كانت تستمتع بوقتها، حيث قال رياض بوستة وهو مواطن قسنطيني يقطن في ولاية سكيكدة بحكم مجال عمله، إنه يعتبر هذا المكان من أفضل الشواطئ التي زارها على الإطلاق، لأنه عائلي ويسمح لكل هاو بالقفز من على الصخور بتحقيق رغبته.
كما تحدثنا مع شاب آخر يدعى سيف الدين من ولاية قسنطينة، وأكد أنه أعجب كثيرا بهذا الشاطئ بسبب نقاوة مياهه ونظافتها، واعتبره من أنظف الشواطئ في الشرق الجزائري، مضيفا أن طبيعة المنطقة تسمح بسباحة أطفاله الصغار بحكم أن العمق ليس كبيرا ومناسبا لهم من أجل التواجد على بعد أمتار داخل المياه الباردة، كما ذكر أنه يجد راحته هنا بسبب توفر الأمن وكل الضروريات والمستلزمات على غرار الأكشاك والمحلات التجارية.
وأضاف كهل اسمه نبيل، أنه يفضل التوجه مباشرة إلى شاطئ «لاكاريار» منذ سنوات، وأدمن عليه بسبب مناظره الخلابة التي تجمع بين جمال الطبيعة من اخضرار ونقاوة المياه والصخور العتيقة التي زادته رونقا وجمالا، معتبرا «المحجرة» من أجمل الشواطئ على المستوى الوطني.
القوارب و«البيدالو» للترفيه
كما يتميز هذا الشاطئ، بتوفير كل وسائل الترفيه، حيث تخصص مجموعة من الشباب بعض المستلزمات على غرار القوارب التي عرفت إقبالا كبيرا من طرف العائلات، للقيام بجولة طويلة زادتها متعة موسيقى وأغاني جزائرية صادرة من مكبرات الصوت بالقارب.
واستغل الشباب توفر القوارب الهوائية «بيدالو» من أجل القيام بجولة من بداية الشاطئ إلى نهايته، فيما فضل محبو الغوص التوجه بعيدا من أجل ممارسة هوايتهم، خاصة وأن هذه الوسيلة تتيح لهم فرصة التواجد في الأعماق دون بذل مجهودات من أجل الوصول إليها.
ويمكّن الجلوس في الشاطئ من الاستمتاع بمشاهدة البواخر كبيرة الحجم المتجهة من وإلى ميناء سكيكدة، لتمتزج صافراتها بأصوات الأمواج عند تلامسها باليابسة، ويقع مقابل الشاطئ محلات تجارية وأكشاك متمثلة في مطاعم ومحلات لبيع المياه المعدنية والغازية والمثلجات، وكذلك ملابس السباحة والعوامات مختلفة الأشكال والألوان، وبعض الألعاب التي يستعملها الأطفال في الرمال أو مياه البحر.
صخور وسط البحر لممارسة هواية القفز
وحرص رجال الدرك الوطني الذين تواجدوا بقوة على توفير الأمن داخل الشاطئ، من أجل التدخل السريع والناجع، فيما كان عدد أعوان الحماية المدنية معتبرا وكانوا يطلقون صافرات تنبيه في كل مرة من أجل تحذير بعض السباحين.
وكانت مياه البحر مستقرة في اليوم الذي أجرينا فيه الروبورتاج، مع الإقبال على السباحة كبيرا جدا وخاصة من طرف الأطفال، أما على اليابسة فكانت الأجواء مثالية ومتنوعة النشاطات، بين لعب الأوراق والدومينو والشطرنج، فيما فضل آخرون الاستمتاع بجمال الشاطئ مع الاستماع للأغاني، كما التقط كثيرون صورا تذكارية في هذا المكان الساحر، بينما كان بائعو الفطائر الحلوة والمكسرات والشاي يجوبون الشاطئ ذهابا وإيابا.
ورغم أن الشاطئ لم يكن مكتظا كوننا زرناه في بداية فصل الصيف، إلا أن الإقبال يتزايد في الفترة المسائية أين كانت عائلات تصل تباعا في حدود الساعة الرابعة. غادرنا هذا الشاطئ الجميل وكلنا شوق للعودة إليه، من أجل الاستمتاع مرة أخرى بأجوائه الطبيعية الفريدة من نوعها التي تشبه إلى حد بعيد جزيرة الأحلام.          ح.ب

الرجوع إلى الأعلى