* التجــــــــفيف الحلقــــــــة المفـــقـــــودة في الصناعــــــــة التحويلــــــية

بلغ إنتاج المشمش هذه السنة بولاية باتنة، التي تشتهر بهذه الفاكهة الموسمية وطنيا، كميات وفيرة و بجودة رفيعة، مقارنة بالموسم الماضي، حيث تتوقع المصالح الفلاحية، أن يتجاوز الإنتاج 525 ألف قنطار، و هو ما جعل الفلاحين المنتجين، يبدون رضاهم عبر المناطق التي تشتهر بها شعبة المشمش بعاصمة الأوراس، خاصة و أن تسويقه هذه المرة كان بأسعار نالت قبول المنتجين على عكس مواسم ماضية.

ربورتاج: يـاسين عـبوبو     

و على الرغم من الكميات المنتجة بأنواع مختلفة، إلا أن تحويل المشمش إلى التجفيف يعد صناعة غائبة، نلاحظها في شهر رمضان، حيث يتم استيراده من دول مثل تركيا و يباع في الأسواق بأسعار جد مرتفعة تتجاوز ثلاثة آلاف دينار جزائري للكيلوغرام.
الولاية تحافظ على الريادة والإنتاج يرتفع بأكثر من الثلث
كشف مدير قطاع الفلاحة لولاية باتنة لـ «النصر»، عن توقع بلوغ إنتاج المشمش مع نهاية موسم جنيه بالمناطق الجبلية، 525 ألف قنطار، مشيرا إلى أن الإنتاج زاد عن الموسم الماضي، بما نسبته 36 بالمائة و بهذا تحقق ولاية باتنة الريادة وطنيا بفضل ما تدره محيطات نقاوس و أولاد سي سليمان خاصة، بالإضافة إلى المناطق الجبلية التي توسعت بها رقعة أشجار المشمش، على غرار منعة و بوزينة و لارباع، من أنواع مختلفة لفاكهة المشمش الموسمية.
و تحصي المصالح الفلاحية، حسب مدير القطاع لـ «النصر»، مساحة إجمالية لأشجار المشمش، تقدر بـ 4291 هكتارا، حيث تضم 986 ألف شجرة منتجة على مساحة 4162 هكتارا، فيما تضم باقي المساحة غير المنتجة، 953 ألف شجرة يرتقب أن تضاعف المردود   مستقبلا بمجرد دخولها هي أيضا مرحلة الإنتاج، و أرجع مدير الفلاحة ارتفاع الإنتاج هذا الموسم للظروف المناخية ونجاح مستثمرات في مضاعفة  الغلال.
و أشار مدير الفلاحة في لقاء مع «النصر»، إلى أن ولاية باتنة تتوفر على مناطق أصبحت أقطابا  للمشمش، أبرزها المحيطات الممتدة بمنطقة أولاد سي سليمان و رأس العيون و نقاوس و سفيان و عين التوتة و معافة، بالإضافة إلى المناطق الجبلية التي يأتي نضج الفاكهة  فيها حتى نهاية فصل الصيف، و أبرزها «منعة» و «بوزينة» و «لارباع»، أين ينمو صنف المشمش الروزي و هو صنف مهجن ذو لون وردي متدرج ممزوج بالأصفر، و يعد هذا النوع ألذ الأنواع  ، فضلا عن كونه لا ينمو إلا في المناطق الجبلية، أين يلائم المناخ نمو النوع الروزي.
و يمثل هذا الصنف من المساحة الإجمالية المنتجة للمشمش بمناطق ولاية باتنة، حسب المصالح الفلاحية، ما نسبته 1 بالمائة، توجه للتسويق للاستهلاك المباشر، فيما أنواع أخرى منها ما يوجه للصناعة التحويلية، خاصة لوحدتي التصبير بنقاوس و منعة، حيث ينتشر بكثرة النوع اللوزي، بما نسبته 90 بالمائة و يليه الكانينو بـ 6 بالمائة و البافيو بـ 3 بالمائة فالروزي بـ 1 بالمائة.
و أكد مدير الفلاحة، عدم تسجيل انشغالات تتعلق بالتسويق هذا الموسم، على عكس مواسم ماضية، نظرا لتسجيل توازن بين العرض و الطلب، ما حدد سعرا نال رضا المنتجين، بعد أن حدد معدله بين 70 و 80 دج للكيلوغرام بالنسبة للصنف الموجه للتحويل للوحدات الصناعية و بيع الموجه للاستهلاك المباشر من المنتجين إلى التجار.بين 100 و 150 دج للمشمش   
كما أكد مدير الفلاحة، حصر انشغالات منتجي المشمش، التي قال بأنها تركزت بالأساس على طلب المورد المائي للحفاظ على البساتين، من الجفاف و من أجل تحسين الإنتاج، موضحا بأن المطالب  يتم التكفل بها تدريجيا و وفق الإمكانيات بالإضافة إلى توجيههم.
و في الوقت الذي أكد فيه مدير قطاع الفلاحة، فسح المجال أمام الاستثمار للصناعة التحويلية والخوض في التجفيف بمنح قروض الدعم، و تأكيده أيضا توفر الخبرات فيما يخص التجفيف، تباينت أراء فلاحين و ناشطين في المجال، رصدناها   بين من ربط غياب صناعة تحويلية لتجفيف المشمش الذي ينعدم بالأسواق، بضرورة توفر إمكانيات و خبرات خاصة وبنوعيات محددة من المشمش، فيما يرفع البعض التحدي لخوض غمار الصناعة التحويلية على ألا تقتصر على المربى و العصائر و القيام بتجفيفه، بينهم مستثمر بأولاد سي سليمان، في الوقت الذي تقتصر فيه ملفات طلب الاستثمار بالصناعة التحويلية على مستوى مديرية الصناعة و المقدر عددها بـ 27 ملفا، على تحويل المشمش إلى مصبرات وكذا العصائر والمربى دون التجفيف.       
منعة و بوزينة قطبان في زراعة هذه الفاكهة
بادرت هذا الموسم السلطات الولائية في باتنة، بالتنسيق مع جمعيات في المجال الفلاحي، إلى تنظيم معارض لمنتوج المشمش عبر المناطق الأقطاب التي باتت تقترن بإنتاج هذه الفاكهة، خاصة و أن كل منطقة لها مميزاتها سواء من حيث أنواع المشمش، أو التوقيت الذي تنمو فيه ويكون الإنتاج قابلا للجني و ارتأى المنظمون ناهيك عن إبراز الإرث الفلاحي للمشمش، الذي تتميز به منطقة الأوراس إبراز أيضا، البعد السياحي لتلك المناطق، وما تزخر به من مناظر طبيعية خلابة وإمكانيات للاستثمار السياحي إلى جانب الاستثمار الفلاحي، وهو ما أكده واستحسنه أيضا نشطاء بجمعيات تحدثت إليهم النصر.
وكانت بلدية منعة المتواجدة بأقصى الجنوب الشرقي لولاية باتنة، قد احتضنت قبل أيام لأول مرة تظاهرة عيد المشمش بإقامة معارض فلاحية، وكان من بين المؤطرين الشاب عادل خالدي، وهو رئيس المكتب البلدي لجمعية الشبكة الجزائرية للشباب والمواطنة، والذي أكد على أهمية المبادرة سواء لتثمين وإبراز الإرث الفلاحي، لمنتوج المشمش ذو الجودة والنوعية المتميزة الخاص بمنطقة منعة، واعتبر  التظاهرة فرصة مواتية لعرض المنتوج وطرح الانشغالات وكسب الخبرات.
وأكد الشاب عادل خالدي بأن التظاهرة سمحت بحق لعديد الفلاحين المنتجين بالتعرف على طرق تحسين الإنتاج وكيفية حماية الثمرة بالخروج من الطرق التقليدية المعتمدة، وتطرق محدثنا إلى غياب التكوين الذي يسمح للفلاحين بتطوير قدراتهم في المجال، وهو ما برز لدى الكثيرين خلال التظاهرة ما جعله يثمنها، وفي ذات السياق طرح مطلب الاستفادة من خبرات المختصين بملحقة المعهد الوطني التقني لحماية النباتات المتواجدة بعين التوتة بتكوين الفلاحين ببلديات منطقتي وادي إغزر أملال، ووادي عبدي، خاصة –يضيف- رئيس الجمعية، أن كثيرا ما يسجل تعرض الأشجار المثمرة لأمراض تؤثر على الإنتاج.
ومن بين الانشغالات التي لطالما يجمع عليها منتجو المشمش، هي نقص المورد المائي  لسقي  الأشجار، ولقد كانت مناسبة تنظيم عيد للمشمش بمنعة فرصة لطرحها، وهو ما تطرق إليه رئيس جمعية المواطنة، حيث أوضح لـ «النصر»، بأن منطقة منعة يعاني بها الفلاحون من الجفاف كل موسم بسبب محدودية موارد السقي، التي تعتمد في الغالب على منبع تاسريفت وقال بأن المنبع لا يكفي على أمل توفير سد تاقوست، الذي انتهت به الأشغال للمياه بعد حشدها لبعث وتوسيع المساحات الفلاحية المسقية.
و ليس ببعيد عن منعة جاء الدور أيضا لبلدية بوزينة في تنظيم مبادرة معرض للمشمش، تهافت عليه  المنتجون، لعرض أجود الأنواع  ، حيث تلون الصالون   بألوان  «الروزي» و«اللوزي» و«البافيون» إلى جانب منتجات أخرى لثمار، تجود بها المنطقة.  
طوابير على بساتين  أولاد سي سليمان
من أقصى الجهة الجنوبية لولاية باتنة بمنعة وبوزينة أين أقيمت معارض للمشمش و كانت مناسبة لاكتشاف و استمتاع زائرين بطبيعة المنطقة، احتفت أيضا أولاد سي سليمان في الجهة الغربية، بعيد المشمش قبل أيام و تزامن ذلك و توافد تجار بشاحنات تحمل ترقيم عديد الولايات أتوا خصيصا لاقتناء الفاكهة و أجمع كل من تحدثنا إليه على أن أولاد سي سليمان و ما جاورها من محيطات نقاوس، تعد قبلتهم الأولى، بالنظر إلى جودة المنتوج و توفره، و كانت أولاد سي سليمان بمشاتيها، على غرار الشعبة و أولاد مومن و قوشبي، تبدو كلها تحتفي بالمشمش، بعد نضج المنتوج فأضفى ذلك حركية اقتصادية و نشاط بين سكان المنطقة، حيث ابتهجت العائلات و الشباب و الشيوخ بوفرة المنتوج.
و كانت جمعية ثالا ثازقلاث قوشبي، من المنظمين وهناك التقينا بعمي الصالح مومن أحد أعضائها الذي عبر لنا عن سعادته وابتهاجه هذا الموسم لوفرة المنتوج، وسهولة تسويقه بأسعار مرضية، وفي هذا السياق أكد بأن التجار هم من يتحكمون في سعر المشمش و قال بأن بعضهم يتعمد انتهاء فترة نضجه لكونه يتميز بالكساد لفرض سعره على المنتجين، الذين لا يجدون سبيلا سوى بيعه حتى و إن كان بأسعار بخسة، مفسرا بذلك فارق السعر الكبير أحيانا بين ما يتم بيعه من المنتج إلى التاجر و الذي تراوح بين 100 دج و 130 دج و بين ما يعرض في أسواق ومحلات التجزئة، مشيرا إلى فرض النوعية أيضا نفسها في تحديد السعر.
و أشار، عمي الصالح، إلى التوافد الكبير هذه المرة لاقتناء المشمش من تجار من عديد الولايات مثلما وقفنا عليه بينهم تاجر من ولاية البويرة، أكد بأنه من الزبائن الأوفياء الذين ظلوا يتوافدون كل موسم جني المشمش طيلة 18 سنة مضت و قال عمي الصالح، بأن المشمش يمثل بالنسبة للعديد من العائلات مصدر الرزق الوحيد و هو ما يجعلهم يتخوفون من   زوال بساتين بسبب الجفاف، و قال بأن توفير المورد المائي يعد هاجسا، خاصة بعد تراجع منبع قوشبي منذ سنوات و انخفاض منسوب آبار و عدم منح رخص جديدة للحفر، مضيفا بأن  بستانه الذي يضم 750 شجرة ينتظر دوره في السقي مرة كل 45 يوما ما حتم عليه جلب الصهاريج لسقي الأشجار حفاظا عليها من الجفاف .
مستثمر يغرس صنفا  يقاوم الكساد

تحدى المستثمر عباس رزقي 57 سنة من أولاد سي سليمان الظروف الطبيعية، وشح المورد المائي لتطوير شعبة الأشجار المثمرة ومن بينها المشمش بمنطقة بواري التاريخية، الواقعة بإقليم بلدية تاكسلانت، أين قرر غرس أزيد من 1500 شجرة مثمرة من مختلف الفواكه أبرزها المشمش والتفاح، كما شرع في إنجاز وحدات للتبريد و الحفظ موازاة مع ترقب دخول أشجار مرحلة الإنتاج في غضون ثلاث سنوات، منها صنف جديد للمشمش يعرف بالمشمش البولوني و هو برتقالي يميل للون الأبيض، موضحا بأن هذا الصنف مقاوم للكساد لفترة طويلة مقارنة بأصناف أخرى في حال حفظه بغرف التبريد، وهو ما جعله يتشجع لغرسه و توسيع مساحته.
المستثمر عباس رزقي وناهيك عن غرسه لمساحة كبيرة من الأشجار منها 4 هكتارات دخلت مرحلة الإنتاج هذا الموسم، أكد لـ «النصر» بأن حبه للأرض جعله يقرر خوض الاستثمار بقوة في مجال الأشجار المثمرة، بإنجاز وحدات للتبريد و كذا حوض مائي كبير لتخزين المياه بقدرة استيعاب 113 ألف متر مكعب أنجزه بغلاف يتجاوز مليار سنتيم، وقال بأنه تخلى عن نشاط مؤسسته في مجال الاستيراد والتصدير وفضل التوجه للفلاحة، بعد أن تأمل مليا في دور الفلاحة في النهوض الاقتصادي، خاصة و أنه ابن فلاح وأسرة متكونة من 26 فردا، قال بأن مصدر إعالتها بستانا والده المتكون من حوالي 250 شجرة وهذا ما حفزه أكثر للمضي في الاستثمار بالقطاع.
و اهتدى المستثمر، عباس رزقي، لغرس الصنف الجديد عن المنطقة المعروف ، بعد أن لاحظ أن جل الفلاحين المنتجين للمشمش كثيرا ما يتكبدون خسائر و يضطرون لرمي محصولهم في الوديان، لقلة الطلب أو انخفاض سعر بيعه، وقد قرر إنجاز وحدات للتبريد من أجل حفظ هذا الصنف لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، وأكد المستثمر بأنه عازم على المضي بعيدا بإنجاز وحدة للتحويل و قال بأنه يرفع رهان تجفيف المشمش، خاصة إذا ما لقي التسهيلات الإدارية لإنجاز الوحدة.

الرجوع إلى الأعلى