القالــــة.. لؤلـــؤة الشـــــرق التي لا تــــــنام

تستقبل مدينة القالة، قلب الطارف النابض ولؤلؤتها البيضاء، آلاف السياح الذين يقصدونها من داخل وخارج الولاية خلال موسم الاصطياف، لما تتميز به من مناظر خلابة وساحرة، كما تشهد حركية كبيرة ليلا بتحول الكورنيش والميناء القديم إلى متنفس للعائلات.

  روبورتاج: رميساء جبيل

ما تملكه القالة من ثروات طبيعية ساحلية وغابية، جعلت الجزائريين يطلقون عليها تسميات متعددة منها «لؤلؤة الشرق» و»عاصمة المرجان» وهو أكثر لقب اشتهرت به المنطقة، نظرا لثراء سواحلها بالشعاب المرجانية.  
الوافد إلى المدينة سيلفت انتباهه تنوع الغطاء النباتي، فعلى طول الطرق الوطنية المؤدية إليها توجد أشجار من أصناف شتى، تزينت بورود من ألوان امتزجت بين الأصفر والأحمر والوردي والبنفسجي، فضلا عن أسراب الطيور التي غطت سماء المنطقة وهي تنتقل لتحط بإحدى البحيرات التي تشتهر بها الولاية بحثا عن الغذاء، وهذا تماما ما لاحظناه في طريقنا عند مرورنا بالأحواض المائية الطبيعية.
السباحة وصيد السمك نهارا
خلال جولة استطلاعية قامت بها النصر بشاطئ المرجان في مدينة القالة، على الساعة الحادية عشرة صباحا، وقفنا بـ «الكورنيش» على تواجد قليل من المارة وكان هناك شبان يبيعون قارورات الماء البارد والمثلج، لنتوجه بعدها نحو الشاطئ الذي كان به عدد قليل من الأشخاص، وهو ما يفسره سكان المنطقة بأن زيارتنا كانت خلال أيام الأسبوع، مضيفين أن الإقبال يزيد في أيام العطل الأسبوعية، وهو ما أكده لنا مدير فندق «الأمراء» الذي يبعد عن الساحل بأمتار قليلة، قائلا إن الزوار حاليا يتوافدون على المنطقة بشكل كبير يومي الجمعة والسبت.
في مقابل ذلك، يربط سكان آخرون تراجع الإقبال، بتسربات مياه الصرف الصحي من أنبوبين أسفل الكورنيش لتصب في رمال الشاطئ مباشرة وهو ما وقفنا عليه، ما جعل الكثيرين يتحاشون السباحة في الجهة اليسرى من الشاطئ تجنبا للروائح المنبعثة وخوفا من التلوث، ويتمركزون عوض ذلك، بالناحية اليمنى قرب فندق المرجان.
وبقي عدد من العائلات التي قدمت من مختلف ولايات الوطن، وفيا لشاطئ المرجان حيث قال لنا أولياء إنهم يفضلونه لتعليم أبنائهم السباحة نظرا لانخفاض منسوب المياه بما لا يعرضهم لخطر الغرق. واختار العديد من المصطافين اللعب  والمشي على طول الساحل، وكذا التقاط صور وفيديوهات، فيما كان الأطفال الصغار يأخذون قسطا من الراحة بين الفينة والأخرى بتقاذف الكرة في ما بينهم واللهو بالرمال، أما الكبار فكان بعضهم يلعبون رياضة التنس في استمتاع.
كل هذه الأجواء كانت وسط تعالي أصوات باعة الشواطئ وهم أطفال ومراهقون يجوبون الساحل ذهابا وإيابا وكل منهم يردد عبارات معينة يبتغي منها لفت انتباه المصطافين لشراء كعك «لي بينيي» بسعر 30 دينارا بينما تباع «المحجوبة» بـ 40 دينارا، فيما يعرض آخرون قلائد مصنوعة من المرجان الأحمر.
وقد علمنا من الأطفال الباعة الذين كان بعضهم يرتدي بدلات موحدة بيضاء اللون، أنهم يتعاملون مع محل تجاري، أما الآخرون فقالوا لنا إنهم يبيعون ما تصنعه أيادي أماتهم وشقيقاتهم في المنزل، كما كان يمر من حين إلى آخر مراهق وكهل يتجولان بالتناوب على الشاطئ وهما يحملان إبريق شاي ذي لون ذهبي وقفة تحتوي فولا سودانيا «كاوكاو» وكؤوسا ورقية.
اتجهنا بعدها إلى الجانب الآخر من الشاطئ قرب الصخور العملاقة، أين اتخذها محبو الصيد مكانا لنصب الصنارات واصطياد سمك يعودون به إلى منازلهم لطبخه وأكله وفق ما علمنا من بعض الشبان، فيما قال آخرون إنهم يقومون ببيعه كنشاط يمارسونه بشكل يومي.

كما وقفنا على وجود زوارق وقوارب صغيرة، تم وضعها فوق الرمال البيضاء، والتي يتم تأجيرها للمصطافين الراغبين في القيام بجولة بحرية والوصول إلى شواطئ أخرى أو جزيرة المرجان المهجورة، وذلك بسعر يبدأ من 500 دينار، وقد يزيد بارتفاع عدد الركاب أو المدة الزمنية.
مشاهد بانورامية في الميناء
وتبدو شوارع مدينة القالة نهارا هادئة ولم نلحظ تسجيل الازدحام المروري المعتاد في المدن الساحلية، لكن مع حلول الفترة المسائية، تحديدا عندما تدق الساعة السابعة، تستيقظ عيون المدينة لتدب الحركة والنشاط فيها بشكل كبير، أين يخرج السكان من منازلهم والزوار من أماكن إقامتهم هروبا من الأجواء الحارة في فصل الصيف، متجهين نحو الشواطئ والموانئ للمشي والتجول في الهواء الطلق تحت ضوء القمر والنجوم المتلألئة، مستمتعين بالنفحات التي تلامس جسدهم.
ولعل ما جعل الحركية تزدهر ليلا، الأجواء الساخنة التي تتميز بها المدينة نهارا، حيث يفضل الكثير من السكان المكوث في المنازل أو التوجه للسباحة بأحد الشواطئ، بينما يقضي الموظفون ساعات الصباح في مزاولة أعمالهم وأنشطتهم.
وانطلاقا من كورنيش «القالة» الجديد الذي يطل على شاطئ المرجان، كانت الحركية والازدحام كبيرين حيث وجدنا أشخاصا من مختلف الفئات العمرية، بعضهم يجلسون على مقاعد تسمح لهم بالاستمتاع بمشاهد بانورامية للوحة فنية طبيعية رسمها بريق نجوم أطلت بين السحب البيضاء بثوبها الذهبي لتزين سماء المدينة.
واختار مواطنون آخرون أن ينزلوا إلى الشاطئ حاملين كراسيهم الخاصة للجلوس عليها قرب مياه البحر، حتى يحظوا بخلوة مع صوت اللجب الصادر من حركة الأمواج التي كانت متباينة بين مد وجزر، فيما افترش البعض زرابي للاستلقاء، موجهين نظرهم نحو السماء وهم يتأملون إبداع الخالق، بينما كانت أفراد العائلات والأصدقاء يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث. في المقابل، كان للصغار تصرف آخر فلم تكفهم مداعبة أمواج البحر طيلة الفترة الصباحية، بل خلعوا ملابسهم وتوجهوا مع أقرانهم ركضا نحو الساحل للسباحة واللعب.
اتجهنا بعدها نحو ميناء القالة القديم «الكور»، الذي يبعد عن مبنى «الكنيسة» ببضعة أمتار، أين وجدنا الأشخاص يتوافدون على حجز طاولات بمطعم على ضفة الشاطئ، وسط أجواء تعالت فيها أهازيج الأغاني الجزائرية بمختلف طبوعها، بينما اختار الصغار قضاء وقتهم متنقلين بين الألعاب الموضوعة بالمكان من أرجوحات وسيارات، أما أولياؤهم فكانوا يقفون قريبا منهم لمراقبتهم من جهة وكذا التمعن في جمالية القوارب التي غطت البحر وكذا انعكاس الأضواء على المياه، كما كان الزوار يلتقطون صورا تذكارية قرب الكنيسة القديمة التي ما زالت تحافظ ليومنا هذا على طابعها المعماري القديم.
تجارة تزدهر في الهواء الطلق
ويستغل التجار والحرفيون الحركية التي يشهدها كورنيش القالة في الفترة المسائية خلال موسم الاصطياف مع قدوم السياح، لعرض منتوجاتهم اليدوية في الهواء الطلق على مرأى من أعين المارة، الذين يتوقفون كلما لفتت انتباههم تحفة معينة للاستفسار عن الأسعار والشراء.
كما أن غالبية المعروضات، عبارة عن تحف فنية صنعت بشكل يدوي من الخشب والرمل و صدفيات البحر بمختلف أشكالها وألوانها، لتضاف لها بعض اللمسات الجمالية من أحجار وملمعات و ورود صناعية، فيما اختار أحدهم التفرد بعرض منتوجات مميزة صنعت بدقة عالية في شكل سفن بأحجام مختلفة. صناعة الأكسسوارات اليدوية من المرجان وغيرها من المواد، كانت حاضرة أيضا، حيث نصب فتيان لم يتجاوزوا  18 سنة من العمر طاولاتهم، لعرض مختلف الأحجار الصغيرة التي كتبت عليها حروف وأرقام متنوعة، وقد لاقت اهتمام المارة الذين وقفوا ينتظرون دورهم لأخذ الأساور أو القلائد، لارتدائها والاحتفاظ بها كذكرى أو تقديمها كهدية. كما اختار البعض الآخر، أن يحظوا بفرصة تناول العشاء في مطعم صغير وضعت طاولاته في زاوية من الكورنيش تطل على البحر، بينما فضل آخرون شراء  المثلجات أو الفشار أو شعر البنات ومواصلة المسير للاستمتاع بالنسمات المنعشة.  
ر.ج

الرجوع إلى الأعلى