- منطقة ظل - وسط قطب عمراني كبير بقسنطينة

يعاني الآلاف من السكان بحي «الضريح» بماسينيسا ببلدية الخروب، من غياب المرافق والخدمات الإدارية أو الصحية، رغم وقوعه على مرمى حجر من مدينتي قسنطينة والخروب، ما جعل منه «منطقة ظل» وسط تجمع قطب عمراني كبير لا توجد به سوى المقاهي والمحلات المهجورة، فقد وفر الحي الجديد للعائلات السكن لكن غابت عنه مظاهر التمدن والحياة الحضرية.

روبورتاج: لقمان قوادري

مرت أزيد من 3 سنوات على إعمار حي الضريح، الذي سمى بهذا الاسم نظرا لقربه لضريح القائد النوميدي ماسيسنيا، أين اختارت السلطات أسفل المعلم لإنجاز أزيد من 15800 وحدة سكنية. ويؤكد السكان أنهم تخلصوا من قسوة أزمة السكن وتبعاتها بشكل نهائي، لكن صعوبات كبيرة ماتزال تواجههم إلى اليوم، فقد رحلوا إلى «مرقد كبير» وبعيد  تنعدم فيه أبسط الضروريات فلا خدمات إدارية أو صحية ولا نقل ناهيك عن الآفات الاجتماعية، التي حاصرتهم داخل منازلهم وجعلتهم يمنعون أبناءهم حتى من الخروج.
وقد زرنا حي الضريح، في يوم شديد القيظ حيث وجدنا المئات من الشباب داخل التجمعات السكنية، إما جالسين تحت العمارات أو داخل المقاهي، وذكر لنا شاب جامعي بأنه كان يقطن بقلب مدينة قسنطينة، ثم استفاد مع عائلته من سكن اجتماعي بالضريح، إذ لم تسعهم الفرحة آنذاك.
ويروي محدثنا، يومياته بالمكان، حيث قال، إنه يتوجه إلى الجامعة عبر حافلات النقل الجامعي ثم يعود مساء إلى البيت مباشرة ليجلس وسط أربعة جدران، يقول بأنها أحسن من المكوث خارجا تفاديا لأي مشاكل قد تحدث، بسبب الشجارات التي تسجل من حين لآخر، كما أن انعدام النقل مساء يمنعه من الذهاب إلى  حيه القديم بوسط مدينة قسنطينة.
وقد تحدثنا إلى شاب آخر، كان جالسا أمام الملحق البلدي، الذي لا يوفر سوى خدمات بسيطة جدا وبطريقة تقليدية. وما يلاحظ أن غالبية المحلات مهجورة ومخربة، وأصبحت وكرا لشتى الممارسات المنحرفة وخطرا على الأمن العام، مثلما أكده لنا سكان الحي، كما وقفنا على وجود أطفال وشباب بداخلها فمنهم من كان يلعب «الديمينو» أو الألعاب الورقية، ومنهم من كان جالسا يحتمي بها من أشعة الشمس.
النفايات تسيطر على المشهد

في الحي الجديد، الذي يعد جزءا من القطب العمراني ماسينسا، لا منظر يطغى فوق مشاهد أكوام النفايات، فأينما تولي وجهك تقابلك، حتى أصبحت مشهدا مألوفا لدى سكان اعتادوا عليه منذ ترحيلهم وحتى أنوفهم، مثلما قالوا، ألفت الروائح الكريهة.
ويحمّل سكان الضريح المسؤولية لمصالح البلدية، حيث تحدثوا عن تذبذب في عملية جمع النفايات ونقص في عدد الحاويات، وقالوا بأن مؤسسة البلدية «تنسى» في الكثير من الأحيان أن هذا الحي موجود، ما يتسبب في تشكل كتل ضخمة من النفايات.
وبدأت معالم تدهور التهيئة، تظهر جليا بحي الضريح، الذي مايزال ورشة مفتوحة على البناء في مختلف الاتجاهات، فرغم كونه جديدا إلا أن الكثير من الطرقات قد تدهورت وضعيتها نوعا ما، كما ظهرت تسربات مائية كثيرة عبر مختلف التجمعات السكانية، في حين خربت الأرصفة وألعاب الأطفال وتآكل العشب الأخضر الذي زرع في بدايات الترحيلات.
ومن يرى وضعية العمارات، يحسب أنها شيدت قبل 20 سنة على الأقل، فقد حطمت الكثير من أبوابها وتآكل طلاؤها، في حين توجد العشرات من الشقق الشاغرة التي لم يلتحق بها المستفيدون منها، كما أخبرنا سكان أن عددا لا بأس به من العائلات، قد أغلق سكناته، وفضل استئجار شقق بأحيائه القديمة بدل العيش بالمكان.
أزمة نقل
ويعد النقل من أبرز المشاكل العويصة التي يعاني منها سكان الضريح، حيث تمر الحافلات التي تأتي من ماسينسيا القديمة من حين لآخر عبر المكان، لكن باتجاه مدينة الخروب، في حين يتوجه السكان سيرا على الأقدام إلى حافة الطريق الوطني رقم 3 لركوب الحافلات المتجهة إلى مدينة قسنطينة أو علي منجلي.

وأمام هذا الوضع، وجد سكان الضريح ضالتهم في سيارات «الفرود»، التي صارت البديل الوحيد للتنقل إلى مختلف الوجهات، كما أنها تضمن لهم النقل في الأوقات الحرجة نحو المستشفيات أو الصيدليات، فالحي الذي يقارب سكانه 80 ألف نسمة يفتقر إلى صيدلية،  حيث يضطرون إلى التوجه إلى ماسينسيا القديمة لشراء علبة دواء.
وما تزال الأشغال جارية في مركز الأمن الوحيد، كما تحدث السكان عن نقص كبير في التزود بالمياه الشروب، فقد تراجعت حصة الحي بحسبهم بشكل كبير، حيث أن المياه تزور الحنفيات مرة واحدة تتراوح ما بين 4 إلى 5 ساعات في ظرف يومين، مطالبين بتحسين فترة التزود، لاسيما خلال فصل الصيف.
المندوب البلدي محمد برباري
الحي جديد و حل مشاكله يتطلب وقتا
وقد التقينا بالمندوب البلدي لماسينسيا، محمد برباري، وهو شاب كان يعمل أستاذ رياضيات قبل انتخابه بالمجلس الشعبي البلدي للخروب، حيث قال إن الضريح يعرف العديد من النقائص، التي يرى بأنها ستأخذ وقتا لإيجاد حلول عملية لها، وذلك لأن الحي جديد ويتطلب تزويده بمرافق فترة زمنية.
وبالنسبة لمشكلة النظافة، فقد ذكر المتحدث أن المواطنين يتحملون، مثلما قال، جزءا من المسؤولية، إذ أن أوقات رمي النفايات حددت ما بين السابعة مساء و السابعة صباحا، فقد تم تقسيم الضريح إلى ثلاث مناطق، الأولى يتم جمع النفايات بها في 4 صباحا أما الثانية في 7 صباحا في حين أن العملية الثالثة تتم في التاسعة صباحا، لكن بعد مرور وقت قصير فإن الوضعية تعود إلى حالها السابق.
وأشار المتحدث، إلى أن إشكالية النظافة تكمن لدى المؤسسة البلدية في حد ذاتها، إذ أن نقص الموارد البشرية والمادية أثر بشكل كبير على الوضع، ما يجعلها قادرة على إجراء دورة جمع واحدة في اليوم، رغم أن الحي يتطلب عدة دورات جمع.

وذكر المتحدث، أن عدد السكنات المشغولة حاليا على مستوى الضريح يقدر بـ 15800 سكن يقابلها قرابة 80 ألف نسمة، وهو تعداد سكان بلدية كبرى، و وضع جعل مؤسسة البلدية للنظافة والتطهير، شبه عاجزة عن التكفل بمهامها رغم المجهودات المبذولة.
وتتوفر المؤسسة، بحسب المندوب، على 230 عاملا وتتكفل بالخروب وماسينيسا والضريح وهو عدد يبقى قليلا جدا بالنظر إلى التوسع العمراني الكبير الذي تعرفه بلدية الخروب وأقطابها الحضرية، مضيفا أن المندوبية طالبت بإضافة دورة جمع ثانية، لكن الأمر غير متاح حاليا، مشيرا إلى أن البلدية بادرت مع منظمات المجتمع المدني والأئمة إلى تنظيم حملات تحسيس، لحث المواطنين على احترام أوقات الرمي لكن دون جدوى.
وبالنسبة للإنارة العمومية، فقد قامات مؤسسة، «أوتراب»، وفق المندوب، بمجهودات كبيرة لتحسين الوضع، فقد كان يشتغل سوى 20 بالمئة فقط من نظام الإنارة العمومية، لكنها ارتفعت اليوم إلى حدود 85 بالمئة.
وقد شكلت سرقة الكوابل النحاسية عائقا أمام العملية، إذ يسجل الكثير من السرقات من حين لآخر، كما أن المنطقة «ل» تضررت بحسب السيد برباري، بسبب إنجاز شبكة ألياف بصرية بالحي، مشيرا إلى عدم وجود تنسيق مع مصالح البلدية، ما أدى إلى تخريب شبكة الإنارة العمومية.
وبالنسبة للمحلات الشاغرة فإنها، وفق محدثنا، تتعلق بديوان «أوبيجيي»، حيث أن المئات منها مغلقة، في حين أن الأسواق الفوضوية تظهر من حين لآخر، رغم إزالتها في كل مرة من طرف مصالح الأمن بالتنسيق مع البلدية.
مشاريع للربط بعدة أحياء
أما فيما يخص النقل، فقد ذكر المندوب أنه منعدم تماما على خطوط بوالصوف وجبل الوحش، فضلا عن أهم خط ويتعلق الأمر بعلي منجلي، لكن تم إيجاد حلول بالنسبة للمدينة الجديدة، إذ تم الاتفاق مع الناقلين على تخصيص 20 حافلة نحو علي منجلي وسيتم، وتقرر وفق المتحدث، الاجتماع في إطار لجنة النقل لتثبيت هذا القرار، وهو ما سيخفف من العبء في انتظار إيجاد حلول لمشكلة النقل إلى خطي بوالصوف وجبل الوحش، مع تحسينه نحو مدينة الخروب.
وفي ما يتعلق بمصلحة الحالة المدنية، فقد أوضح المنتخب، أنها لا تتوفر على الشبكة، والخدمات المتوفرة تتعلق فقط بشهادة الإقامة وعدم العمل، أما بالنسبة للطرقات فقد بدأت تتدهور ولهذا تم الشروع في إحصاء النقاط السوداء الخاصة بتسرب المياه بالتنسيق مع مؤسسة «سياكو»، إذ أن مهندسي البلدية بصدد إنجاز العملية قبل إطلاق تهيئة الطرقات.
ويرى المتحدث، أن الأولوية الآن تكمن في فك العزلة عن «الضريح»، حيث تم إعداد بطاقات تقنية لربطه بالعديد من الأحياء، على غرار تحصيص الشروق، وكذا إنجاز طريق ثان يؤدي إلى المستشفى.
ل.ق

الرجوع إلى الأعلى