تعرف أسعار الورق في السوق ارتفاعا كبيرا خلال الفترة الأخيرة على مستوى ولاية قسنطينة، حيث يقدرها أصحاب الوراقات والمتعاملون في المجال بأكثر من الضعف، في وقت وجد فيه مصورون أنفسهم دون عمل بسبب ندرة الورق الذي يستخدمونه لطباعة الصور، فضلا عن ارتفاع أسعار  أنواع الورق التي ما تزال متوفرة بنسبة 160 بالمئة، كما أثرت المشكلة على وفرة العناوين الجديدة من الكتب لدى المكتبات بسبب تقليص نشاط الطبع نتيجة التكاليف المرتفعة، في الوقت الذي يذهب فيه مهنيون إلى ضرورة إنتاج المواد الأولية محليا.

استطلاع: سامي حباطي

يؤكد بائعو الكراريس الذين تحدثنا إليهم بمدينة قسنطينة، بأن الأسعار قد شهدت ارتفاعا كبيرا منذ عدة أشهر، حيث وجدنا أنهم ينطلقون في تقييم وضعية أسعار الورق من سعر حزمة الأوراق بحجم "أ-4" المستعملة في طابعة الكمبيوتر وحسب صاحب وراقة على مستوى حي سيدي مبروك، فإن سعر الحزمة التي تحتوي على 500 ورقة كان يتراوح ما بين 400 إلى 500 دينار كحد أقصى، فضلا عن أنه تراجع في وقت سابق إلى أقل من 400 دينار، لكنه صار يتجاوز اليوم 900 دينار وأضاف صاحب وراقة أخرى بوسط المدينة، بأن أسباب الارتفاع غير واضحة  حيث تحدد الأسعار الجديدة على مستوى وحدات الإنتاج، في حين أشار إلى أن نشاط محله العائلي يمتد إلى عدة عقود ماضية، و واجه من قبل مشكلة مماثلة.
كرّاسات بحجم 96 صفحة بحوالي 100 دينار
محدثنا قال، أن المشكلة حاليا تتجلى في الكراريس المدرسية، حيث وصل سعر الكراس بحجم 96 صفحة إلى أكثر من 95 دينارا، بعدما لم يكن يتجاوز 30 إلى 40 دينارا، كما وصل سعر الكراس بحجم 120 صفحة إلى أكثر من 120 دينارا فيما يتعدى ذلك إلى 180 حتى 300 دينار بالنسبة لحجم 288 صفحة، ونبه، إلى أن بعض التجار ما زالوا يعرضون سلعا من المخزون المقتنى بالأسعار القديمة، في حين يعرضها آخرون بالأسعار الجديدة، و أكد، بأنها ستكون مرتفعة كثيرا في الدخول المدرسي القادم، عندما سيزيد الطلب عليها، متسائلا عن سبب انعدام إنتاج المواد الأولية انطلاقا من نبات الحلفاء على المستوى الوطني.
وأشار بائع آخر بوسط المدينة، إلى أن سبب الزيادة غير واضح، فالأسعار ارتفعت حسبه، على مستوى الوحدة الصناعية المنتجة التي يتعامل معها، في حين اعتبر أن الأمر لا يخلو من المضاربة من طرف الوسطاء الذين يعيدون البيع لتجار التجزئة أو الذين يتعاملون مع تجار الجملة.
من جهة أخرى، نبه صاحب محل وراقة آخر تحدثنا إليه، إلى أن ارتفاع الأسعار شمل حتى الكراريس الصغيرة مثل "الكناشات "، التي يتراوح ثمن الصغيرة منها بين 30 إلى 50 دينارا، وتباع المتوسطة بـ 100 دينار إلى 180 وحتى 200 دينار بحسب العلامات التجارية و جودة الكراس وطريقة تصفيفه وغلافه، في الوقت الذي لاحظنا فيه، بأن المذكرات الصغيرة المستعملة للتدوين قد تجاوزت الألف دينار خصوصا بعض الأنواع المجلدة والمصففة بجودة عالية، و التي تُقدم كهدايا.
وأجمع من تحدثنا إليهم، أن الأسعار ستكون مرتفعة كثيرا مع الدخول المدرسي القادم مقارنة بما كانت عليه العام الماضي، حيث أوضح لنا صاحب محل، أن عشرة آلاف دينار لن تكون كافية لاقتناء الأدوات المدرسية لتلميذين في حال احتساب الكتب والأغراض الأخرى المرافقة لها، مثل الأقلام والمحفظة وغيرها، ما سيثقل كاهل الأولياء بحسبه.
من جهة أخرى، ذكر لنا صاحب مقهى أنترنيت، أن أسعار طباعة الأوراق من صنف "أ-4" قد تشهد ارتفاعا أيضا بسبب مشكلة الورق، حيث نبه أن الورقة المطبوعة دون ألوان تقدر في الوقت الحالي بعشرة دنانير، بينما تطبع الملونة بعشرين دينارا، إلا أنه اعتبر أن عملية الطبع قد ترتفع في حال استمرار المشكلة خصوصا وأن أسعار الحبر المستعمل في طابعة الكمبيوتر قد عرفت زيادة أيضا على غرار باقي التجهيزات وملحقات الكمبيوتر.
ويسجل بائعو الكتب كذلك، نقصا شديدا في العناوين الجديدة بسبب غلاء أسعار الورق، حيث ذكر لنا صاحب مكتبة في شارع رئيسي بوسط المدينة، بأنه لم يتمكن من الحصول على الكثير من العناوين الجديدة التي صدرت وطرحت في معرض الجزائر الدولي للكتاب بسبب ارتفاع أسعار الورق، الذي جعل كثيرا من دور النشر غير قادرة على تحمل تكاليف الطباعة المرتفعة، خصوصا بالنسبة للكتب المطبوعة باستعمال "الورق غير المطلي"، الذي يعتبر ذا جودة عالية، ما دفعها إلى التقليل من عدد النسخ، في حين أشار محدثنا، إلى أنه عدل عن جلب كتب أخرى بسبب السعر المرتفع الذي ستباع به عند العرض، ما يجعل أغلب زبائنه غير قادرين على اقتنائها، وبالتالي كسادها، مشيرا إلى العديد من العناوين التي كسدت في محله.  
ارتفاع بنسبة 160 بالمئة في ورق طابعات الصور
وتشمل "أزمة الورق"، مثلما سماها من تحدثنا إليهم، الورق المستعمل في طباعة الصور الفوتوغرافية، حيث وجد ثلاثة مصورين أنفسهم في بطالة منذ أكثر من أسبوع بقسنطينة، بعدما أصبح الورق الذي يعتمدون عليه في الطباعة غير متوفر في السوق.
وذكر لنا المصور الحرفي عبد الرحمن عتامن، الذي يكسب قوت يومه منذ ما يقارب العقدين، عن طريق التقاط الصور للسياح بمحيط جسر سيدي مسيد بقسنطينة، بأنه توقف عن العمل منذ أزيد من أسبوع مع مصورين اثنين كانا ينشطان بنفس الموقع، بسبب انعدام نوعين من الورق الذي يستعمله في طباعة الصور ويتماشى مع آلتي الطباعة التي يعتمد عليهما.
وأوضح لنا عبد الرحمان، أن الأمر يتعلق بورق للطباعة يتيح له الحصول على صور ذات جودة عالية، حيث يعرف بين المصورين بالرمز المرجعي "أس كا 300"، مشيرا إلى أن النوع المذكور يسجل ندرة منذ ما قبل شهر رمضان الماضي، إلى جانب الورق المعروف بالرمز "108"، كما أضاف أنهما النوعان الوحيدان اللذان يتماشيان مع الطابعة التي يستعملها وآلة التصوير الخاصة به.
وأضاف، بأنه توقف عن الاعتماد على آلات التصوير التي تطبع صورا آنية بسبب ضعف جودتها وارتفاع سعرها، الذي قد يصل إلى 400 دينار للصورة الواحدة بينما لا يتجاوز في الصور التي يعرضها على الزوار حاليا 300 دينار، كما ذكر بأنه تواصل مع بائعي الورق بالجملة وأكدوا له وجود ندرة.
تقربنا من صاحب محل للتصوير بوسط مدينة قسنطينة، فأكد وجود مشكل ندرة حقيقي، لكنه نبه أنها مسجلة منذ حوالي ستة أشهر، ولا تعود إلى الأيام الأخيرة، في حين أشار، إلى أن الورق المستعمل في طباعة الصور الشمسية قد عرف ارتفاعا بنسبة تقدر بحوالي 160 بالمئة، بعد أن صار متوفرا منذ أكثر من أسبوع فقط. وأضاف نفس المصدر، بأن سعر الحزمة قد وصل إلى 26 ألف دينار، بعدما لم يكن يتجاوز في وقت سابق 10 آلاف دينار.
وأشار محدثنا، إلى أنه لا يستطيع رفع أسعار الصور التي يلتقطها لزبائنه بشكل تناسبي مع أسعار الورق في الجملة، معتبرا أن سوق الصورة الفوتوغرافية يشهد تنافسية كبيرة، حيث أن "بعض المصورين يطلبون أسعارا منخفضة جدا بالكاد تغطي تكاليف المواد الأولية"، وهو ما يضر بزملائهم حسبه.
وأضاف المصور الذي قال بأنه يعمل في هذا المجال منذ عقود، أن نشاطه ينطوي على عدة تكاليف، من بينها تكاليف العمال في المحل والآلات الطابعة وفواتير الطاقة وغيرها، ما يضعه أمام وضعية حرجة مع الارتفاع المسجل في أسعار الورق.
و اعتبر مصور آخر، أن ارتفاع أسعار حزمة الورق لا يؤثر على نشاط مصوري صور الهوية، حتى وإن وصلت إلى 26 ألف دينار، حيث شرح لنا أن الحزمة تكفي لالتقاط 400 مقطع من ثمانية صور هوية، مع تسعيرة لا تقل عن 300 دينار للمقطع الواحد، أي أن القيمة الإجمالية للمقاطع تصل إلى 120 ألف دينار، فضلا عن تأكيده أن البعض يعتمد تسعيرة 400 دينار للمقطع الواحد من ثمانية صور هوية، ما يجعلهم يحصلون حوالي 160 ألف دينار من الحزمة.
وأشار ، إلى أن حزمة الورق الخاص بصور الهوية غير متوفرة في السوق، حيث أوضح أنها من نفس النوع المسمى "اس كا 300"، في حين نبه أنه اشترى الطابعة الخاصة بها بأكثر من ثلاثين مليون سنتيم، فضلا عن أخرى بعلامة "كانون"، وتطبع على الورق المسمى "108"، بأكثر من ستة ملايين سنتيم، ليجد نفسه حاليا متوقفا عن العمل بسبب انعدام الورق.
"يجب إنتاج المواد الأولية محليا لتجاوز المشكلة"
وحسب رئيس لجنة دعم الشركات وإعادة النشاط الاقتصادي للمؤسسات بنادي المقاولين والصناعيين للمتيجة، محمد حماني، فإن أسعار الورق في الأسواق العالمية قد ارتفعت بنسبة 200 بالمئة، حيث قدم مثالا بارتفاع ثمن الكراسات الصغيرة من حجم 96 صفحة من 25 و 30 دينارا إلى أكثر من 90 دينارا، في حين أشار إلى أن الارتفاع في الأسواق العالمية يعود إلى تبعات الركود في النشاط الاقتصادي خلال فترة جائحة كورونا، وأثره في تراجع الإنتاج، ما أدى بعد ذلك إلى تقلص حجم المخزون العالمي من الورق وتسجيل ندرة.
وأضاف المتحدث، بأن المواد الأولية التي تستورد إلى الجزائر ليعاد تحويلها على مستوى الوحدات الصناعية قد ارتفعت، في وقت تغيب فيه وحدات تصنيع المواد الأولية في الجزائر.
ونبه ممثل نادي المقاولين والصناعيين للمتيجة، الذي ينشط في مجال الطباعة، إلى أن أسعار الكتب قد زادت كثيرا هي الأخرى نتيجة الارتفاع في سعر الورق، موضحا، أن المشكلة لا تنعكس على الأدوات المدرسية فقط، بل تؤثر على الإدارات العمومية والمؤسسات والهيئات العمومية والخاصة التي تعتمد على الورق في معاملاتها، ويذكر بأنه كان قد حذر في وقت سابق، في تصريح للنصر، باسم نادي المقاولين، من أن أسعار الورق ستكون مرتفعة كثيرا خلال الدخول القادم، وأشار حينها إلى أن عملية التحضير "المطبعي" للدخول المدرسي تكون في شهري أفريل وماي، بينما ذكر في اتصالنا به أن "الأسعار ستكون مرتفعة خلال الدخول المدرسي القادم دون شك".
وأوضح نفس المصدر، أن وزارة التجارة قد وضعت مبادرة من أجل الحد من وقع المشكلة على المواطنين، حيث ستخصص أسواقا لبيع الأدوات المدرسية، يعرض فيها المنتج من طرف المصنعين مباشرة إلى المواطنين، معتبرا أن الأسعار ستكون منخفضة بحوالي 20 بالمئة مقارنة بما هو موجود لدى بائعي التجزئة، بحسب نوع المنتج، لكنه أكد أن حل المشكلة يتطلب تضافر الجهود والإرادة الحقيقية، حيث يرى بأنه من الضروري دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال مساعدتها على الحصول على الآلات المتطورة حتى تكون مؤهلة لصنع الكراريس، ولا تبقى عملية تصنيعها مقتصرة على مجموعة صغيرة من المؤسسات، كما دعا، إلى دعم تصنيع المواد الأولية محليا، ليؤكد أنه يمكن الاعتماد على تحويل نبات الحلفاء من أجل صناعة المواد الأولية التي تحول إلى ورق.  
س.ح

الرجوع إلى الأعلى