عادت هذه الصائفة على ولاية قسنطينة منذِرة بالجفاف ونقص مورد المياه الشروب، حيث يشتكي فلاحو بعض المناطق من تبعات تراجعٍ متباين في المحاصيل نتيجة شح السماء، في الوقت الذي تعرف فيه المياه الجوفية انخفاضا في المنسوب أيضا، ما تسبب في مشكلة استدعت وضع حلول استعجالية تراوحت بين الحلول التقنية على مستوى المضخات والربط بمياه سد بني هارون، وبين اللجوء إلى الصهاريج لتعويض النقص بشكل مؤقت في انتظار اكتمال إنجاز نقب جديد.

إعداد: سامي حباطي
وتُجمع جميع الأطراف المساهمة في معادلة الماء أن هذه الوضعية مترتبة عن تراجع معدل التساقط خلال العام الجاري، لكن المختصين يذهبون إلى التعامل مع الأمر من مقاربة أعمق تقوم على مقارنة معطيات ممتدة على فترة زمنية طويلة ورقعة جغرافية أوسع، فضلا عن ربطها بالتغيرات المناخية الطارئة على العالم اليوم. ويسلط هذا الملف الذي تقدمه النصر، الضوء على عدة زوايا من المشكلة على مستوى ولاية قسنطينة من ناحية انعكاسها في مجال التزويد بمياه الشرب أو في مجال السقي.
وتسجل ولاية قسنطينة منذ بداية فصل الصيف مشكلة في التزويد بالمياه الجوفية التي عرفت تراجعا كبيرا على مستوى مختلف البلديات، حيث ظهرت آثارها في نضوب آبار كانت تستخدم لتزويد سكان بعض التجمعات الريفية، فضلا عن انخفاض منسوب محطات ضخ رئيسية بالمياه الجوفية لفائدة سكان الولاية.
وقد عانت بلدية مسعود بوجريو من المشكلة على مستوى بئرين ارتوازيين كانتا تستعملان في تزويد سكان قريتي مسيدة، ما جعل البلدية تلجأ إلى مياه الصهاريج بالتنسيق مع شركة المياه والتطهير «سياكو» من أجل تدارك العجز المسجل، مثلما أكده لنا رئيس البلدية من قبل، حيث شدد على أن المشكلة ستحل بعد دخول النقب الجاري إنجازه على مستوى منطقة عين التين الواقعة ضمن حدود ولاية ميلة، حيز الخدمة، كما أنه سيحل المشكلة في بلديتي ابن زياد ومسعود بوجريو.
مشاريع استعجالية بعدة مناطق
ونفذت شركة المياه والتطهير «سياكو» التي تشرف على عملية توزيع مياه الشرب عبر ولاية قسنطينة، عدة عمليات من أجل تدارك مشكلة تراجع منسوب المياه الجوفية، التي تمثل نسبة 35 بالمئة من المياه المزودة لسكان الولاية عبر 36 بئرا ارتوازية مثلما أعلنت عنه الشركة عبر صفحتها الرسمية بمنصة «فيسبوك»، حيث قمنا بمسح لمنشورات الصفحة، التي تعتمدها الشركة في نشر المعلومات لفائدة المواطنين، منذ بداية شهر ماي من العام الجاري إلى غاية يوم 6 أوت، فوجدنا أن الشركة مع بداية شهر ماي، قامت بإصلاح عدة تسربات على مستوى محطة ضخ المياه الجوفية المسماة «حمام زاوي» ببلدية حامة بوزيان بهدف «تحسين واستمرارية الخدمة العمومية»، مسترجعةً بذلك 100 لتر في الثانية.
وأعلنت الشركة في 24 ماي عن تراجع في منسوب المياه الجوفية، حيث قامت بتغيير المضخة العمودية بمحطة حمام زاوي فضلا عن تدخلها على مستوى محطة السخونة من أجل تعزيز التموين بكمية 60 لترا في الثانية نحو محطة البير وخزان «تويفز» الواقع في الجهة الشرقية من مدينة قسنطينة، فضلا عن «تغيير عمق النقب الارتوازي» في محطة الضخ المسماة «راس العين» مع تغيير المضخة «لضمان الإنتاج الاعتيادي للمحطة» بعد أن تراجع منسوبه بـ16 مترا.
وقد أطلقت «سياكو» منتصف شهر جوان أيضا مشروعا لدعم تزويد سكان منطقة «قطار العيش» بمياه الشرب انطلاقا من سد بني هارون من خلال خزان بحجم 2000 متر مكعب، حيث جاء الإجراء كحل استعجالي اقترحته بعد انخفاض منسوب المياه الجوفية التي كانت تمثل المصدر الوحيد لتزويد المنطقة.
وقد عزت الشركة حول المشروع، المشكلة إلى شح الأمطار والتغيرات المناخية، في حين يلاحظ من خلال إعلاناتها أن التذبذبات المسجلة في توزيع المياه خلال الثلاثة أشهر الماضية، أي منذ شهر ماي، قد وصلت إلى 28 حالة من بينها 13 ناجمة عن انقطاع الكهرباء، بحيث أن 9 منها مبرمجة، وأربعة مفاجئة، في حين سجلت 15 تذبذبا ناجما عن الأعطاب وعمليات الصيانة خلال الفترة المذكورة.
وصرح لنا المكلف بالاتصال على مستوى شركة «سياكو» من قبلُ أن مشكلة التزود لا تشمل المياه التي يتم جلبها من سد بني هارون، فحصة ولاية قسنطينة منها ثابتة، وتقدر بمئتي ألف متر مكعب يوميا، في حين جاء تصريح المعني للنصر بعد تسجيل عدم قدرة على ملء خزان الأمير عبد القادر المرتبط بمحطة المياه الجوفية في حامة بوزيان، ما أدى إلى تذبذب في عدة أحياء. ويكشف تسلسل ظهور مشاكل التزويد بالمياه أن مشكلة تناقص مياه الأمطار في الجانب الخاص بمياه الشرب قد ظهرت منذ شهر ماي، وما زالت مستمرة بصورة متفاوتة خلال فصل الصيف.
نقص التساقط يؤثر على مردود الفلاحين
وانعكست مشكلة نقص تساقط مياه الأمطار في الموسم الخاص بها، على الفلاحين أيضا، حيث يعاني فلاحو منطقة حامة بوزيان الذين يستغلون منبع مياه جوفية بمحطة «حمام زاوي» من انخفاض كبير في المنسوب خلال السنوات الماضية، وقد قامت تعاونية الخدمات المختصة في السقي وصرف المياه «كاسيد» المشرفة عليه بحفر المنبع بغية رفع منسوبه لكن دون جدوى، ما جعلها تطالب باستغلال أحد الأنقاب المخصصة لمياه الشرب في المنطقة، خصوصا وأن الآلاف من الأشجار صارت تواجه الموت في البساتين بسبب شح المياه، وهو ما وقفنا على جزء منه في استطلاع بعدة بساتين في مناطق مختلفة من البلدية. من جانب آخر، صرح لنا رئيس التعاونية الفلاحية للخدمات المختصة في السقي وصرف المياه، بلال عليوش، أن التعاونية تشرف على عشرين حاجزا مائيا موزعة عبر ولاية قسنطينة، حيث أوضح أن نسبة امتلاء البعض منها تتراوح بين 30 و50 بالمئة في أحسن حالاتها خلال هذا الموسم، بينما لا تتجاوز البعض منها 10 بالمئة، وهي تعتبر في حالة جفاف شبه تام. وأضاف نفس المصدر أن الحواجز المذكورة تمتلئ من تساقط مياه الأمطار، منبها إلى إمكانية أن تعود إلى الامتلاء مع فترة الدخول المدرسي القادم في حال هطول الأمطار الرعدية التي تتساقط بشكل مفاجئ وبكثافة معتبرة.وقد لاحظنا في زيارة للحاجز المائي بالمنطقة المسماة «برغلة» بمدخل عين سمارة، انخفاضا كبيرا لمنسوب المياه، خصوصا على الضفاف المترامية للحاجز الذي أصبحت فيه التربة متشققة وجافة، في حين يواصل بعض الفلاحين ضخ المياه من المكان للسقي رغم تراجع منسوبه. وذكر لنا رئيس تعاونية «كاسيد» أن تسيير الحواجز المائية ليس بالأمر السهل بالنسبة للتعاونية، إذ يتطلب توفر مجموعة من الوسائل، خصوصا وأن البعض منها يقع في مناطق بعيدة، من بينها الحدود بين قسنطينة وولايات مجاورة.
من جهة أخرى، يعاني فلاحون بخمس بلديات من ولاية قسنطينة من تبعات نقص الأمطار، حيث انعكست المشكلة في تراجع مردود إنتاجهم بشكل كبير، فيما يؤكد مدير المصالح الفلاحية أن توقعات الحبوب التي سيتم جمعها تصل إلى مليون ومئة ألف قنطار، بحيث أنها سجلت تراجعا مقارنة بالعام الماضي الذي جمعت فيه الولاية ما يقارب المليون وستمئة ألف قنطار من الحبوب. وقد أكد المسؤول حينها أن الجفاف قد تسبب في تراجع مردودية 23 ألف هكتار، في حين انعكس الأمر بالسلب على 984 فلاحا بشكل متباين، بينما تضرر 129 بشدة.


«محصولي تقلّص بأكثرمن 90 بالمئة»
ومن أجل الحصول على مؤشرات واقعية حول مشكلة الجفاف، تحدثنا إلى الفلاح جمال بوعبلو، الذي يستغل حوالي مئتي هكتار بين حامة بوزيان وبني حميدان، من بينها 60 هكتارا موجهة لتكثيف البذور، حيث شرح لنا أن الجزء الذي يستغله لتكثيف بذور القمح اللين والقمح الصلب، قد عاد عليه العام الماضي بمردود مقدر بأربعين قنطارا في الهكتار الواحد، بينما يتراوح للعام الجاري بين قنطار إلى أربعة قناطير في الهكتار، وهو ما اعتبره خسارة فادحة مترتبة عن شح الأمطار وضررا جسيما في استثماره خلال هذا الموسم.
وأضاف نفس المصدر أن العام الماضي لم يكن إلا موسما متوسطا، مشيرا إلى أنه كان يتوقع بلوغ خمسين قنطارا من البذور المكثفة في الهكتار الواحد، إلا أن شح الأمطار قد حال دون ذلك، ليضيف أنه حصل على قرض بقيمة 900 مليون سنتيم من أجل الحصول على البذور والأسمدة وغيرها من المستلزمات التي يتطلبها نشاطه. ونبه محدثنا أن الحصول على منتوج جيد من القمح يتطلب منسوب تساقط بما بين 250 إلى 350 ميليمترا على مراحل تتناسب مع تطور البذرة، في حين ذكر لنا أن «فائدته من محصوله تبدأ من 24 قنطارا في الهكتار فما فوق».
وقد أكد نفس المصدر أن الفترة المثلى لسقوط الأمطار التي تروي عطش التربة تكون ما بين شهري مارس وأفريل، حيث أوضح أنه وجه رسالة إلى مديرية المصالح الفلاحية مع نهاية شهر أفريل الماضي للتحذير من مشكلة الجفاف، رغم إشارته إلى تفاؤل الفلاحين ببعض الأمطار التي هطلت بغزارة شهر جانفي الماضي.
وقد أشار محدثنا إلى أن نقص المياه يؤثر على عملية التسميد أيضا، في حين شرح لنا أن تكاليف عملية إنجاز نقب للسقي على مستوى أرضه تكلفه الكثير، حيث يتطلب الأمر الحفر إلى عمق 300 متر أو أكثر، كما تصل عندما يتعلق الأمر بإنجاز نقب، إلى مليوني سنتيم للمتر.
تراجع في منسوب السطح الجوفي «بومرزوق»
وتوجهنا إلى وكالة الحوض الهيدروغرافي قسنطينة وسيبوس وملاق، حيث استقبلتنا رئيسة دائرة الدراسات التقنية، أسماء يوسفي، ومهندسون معها، وأكدت لنا المسؤولة أن ولاية قسنطينة لا تتضمن في الوقت الحالي منطقة يمنع فيها حفر الأنقاب، باستثناء المناطق الواقعة بالقرب من الأنقاب الموجهة للتزويد بمياه الشرب، مشيرة إلى أن الأولوية تكون لمياه الشرب، في حين تأتي الفلاحة في المرتبة الثالثة من حيث الأولوية في التزويد. وأشارت محدثتنا إلى أن السنوات الأخيرة قد عرفت تراجعا في تساقط الأمطار لكنها نبهت إلى أن منطقة الشرق لم تتضرر كثيرا مقارنة بالمناطق الغربية.
وذكر المهندس المكلف بالدراسات في الوكالة، أحمد لطفي بوشريط، أن منسوب التساقط في الشرق أكبر من الغرب، لكون منطقة الشرق متقدمة على دوائر العرض نحو أوروبا مقارنة بالمناطق الغربية، وتتعرض للسحب الكثيفة القادمة من أوروبا، فضلا عن أن مساحة البحر المتوسط في الجهة الشرقية أوسع، ما يجعلها تستفيد من نسبة تبخر أكبر من مياه البحر مقارنة بالمناطق الغربية، ليوضح أن هذا الوضع الجغرافي هو ما جعل النقطة الأكثر تساقطا للأمطار في الجزائر هي منطقة الزيتونة في سكيكدة.
وعادت رئيسة دائرة الدراسات التقنية إلى الإشارة إلى أن عدد السدود الموجودة في المناطق الشرقية أكبر من نظيرتها في المنطقة الغربية، حيث يضم الشّرق 25 سدا حيز الاستغلال، في حين أشار المهندس المكلف بالدراسات، فؤاد بوشبعة، إلى أن منسوب سد بني هارون قد تراجع خلال هذا العام، و وصل إلى ما بين 600 إلى 700 مليون متر مكعب، بعدما بلغ من قبل مليار متر مكعب.
وذكرت يوسفي أن سطح المياه الجوفية “بومرزوق” قد شهد انخفاضا في المنسوب خلال السنوات الأخيرة، حيث يزود ولاية أم البواقي بمياه الشرب، في حين أشارت إلى أن منح الموافقة على إنجاز الآبار والأنقاب في المحيط الذي يزوده السطح الجوفي المذكور ما يزال متوقفا إلى غاية اليوم، كما أن نفس الأمر يطبق على سطح المياه الجوفية “حمام الزاوي” بحامة بوزيان، في حين نبهت إلى وجود أنقاب مخصصة لتزويد الوحدات الصناعية أيضا.
الشمال والشمال الغربي للولاية الأقل تساقطا في 40 سنة


واستعنا بطالب الماستر مراد حمدوش الذي يجري بحثا في تخصص تسيير التغيرات المناخية في البحر المتوسط، وهو عضو في وحدة البحث في الوساطة العلمية ونشر الثقافة العلمية، حيث قدم لنا خريطة توضح هطول الأمطار على ولاية قسنطينة باستعمال المؤشر المعياري للهطول الذي يوفر تقديرات مستمدة من بيانات الأقمار الصناعية، ومتوسط المساحات التي تعاني من تساقط ضعيف بسبب التضاريس المعقدة، والتي غالبا ما تقلل من شدة أحداث التساقط المتطرفة.
وقد ورد في الخريطة التي تتبع معدل الهطول من عام 1982 إلى نهاية جوان 2022، أن الجنوب الشرقي لولاية قسنطينة هو أكثر الأماكن تساقطا للأمطار، بينما تمثل المناطق الشمالية والشمالية الغربية الأماكن الأقل تساقطا، حيث نبه الباحث أن هذه النتائج تستدعي مقارنتها مع دراسات أخرى وبطرق أخرى، معتبرا أنها غير رسمية في شكلها الحالي، لكن هذه المعطيات المستمدة من الأقمار الصناعية المتوفرة بمنصة “شيربس” قد ساهمت بشكل كبير في جهود مراقبة الجفاف.
وزودنا حمدوش أيضا بمنحى بياني يوضح معدل تساقط الأمطار الشهري خلال نفس الفترة، حيث أوضح أن الهدف من هذا الإجراء التدريجي هو إنشاء جدول زمني موحد لمؤشر هطول الأمطار بناء على بيانات منصة “شيربس” CHIRPS اليومية، حيث يتم استخدام المؤشر المعياري للهطول فيها لكونه يسلط الضوء على الاختلاف في متوسط الهطول خلال فترة زمنية معينة، ما يوفر معلومات حول الظروف الشبيهة بالجفاف. وأشار الباحث إلى أن الخريطة التي قدمها لنا قد أعدت بالاعتماد على محرك الأرض لـ»غوغل».
ويلاحظ على المنحنى المستخرج من نفس البيانات أن المعدل الشهري للتساقط في عام 2022 لا يتجاوز 75 ميليمترا، بينما بلغ حده الأقصى بين سنتي 2002 و2006 التي تجاوز فيها المئتي ميليمتر، حيث ذكر لنا أن الأمر يتعلق بسنتي 2003 و2004، فضلا عن 1984 التي تعتبر الثانية من حيث حجم تساقط الأمطار بمعدل يقارب المئتي ميليمتر بحسب نفس النموذج البياني.
* المختص في الهيدرولوجيا البروفيسور طارق درياس: نقص الثلوج عامل أساسي


من جهته، شرح لنا البروفيسور طارق درياس، المختص في الهيدرولوجيا بقسم الجيولوجيا في جامعة باتنة 2، أن معدل التساقط متعلق بالمناخ، معتبرا أن اتجاهات الرياح هي المسؤولة الأولى عليه، حيث ذكر أن المناطق الشرقية كانت أكثر تساقطا من الغربية قبل عشر إلى خمس عشرة سنة.
وتابع البروفيسور أن المنطقة المحيطة برأس بوقارون في القل، تتضمن عدة مناطق كانت تعد الأكثر تساقطا في الشرق، إذ سجلت ما بين 1000 إلى 1200 ميليمتر سنويا خلال الثمانينيات، لكنها اليوم تسجل ما بين 600 إلى 700 ميليمتر في السنة.
 وأضاف الباحث أن السحب التي تزود  الشرق بالأمطار قد قلّت خلال السنوات الأخيرة، مقارنة بالمناطق الغربية التي تتزود من الرياح الجنوبية الغربية القادمة من المحيط الأطلسي، ما جعل الغرب أكثر فعالية من ناحية وتيرة التساقط.
وذكر نفس المصدر أن مناطق الهضاب العليا، التي تنتمي إليها قسنطينة من منظور المناخ، تسجل معدل تساقط يتراوح بين 300 إلى 400 ميليمتر، في حين أشار إلى أن التذبذب في التساقط مترتب أيضا عما سماه “تدحرج الفصول”، حيث صار فصل الحر يمتد لمدة أطول خلال الفترة ما بين 10 إلى 15 سنة الأخيرة، ما جعل الهطول يتضاءل خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر إلى ديسمبر، ليبقى مقتصرا بشكل تقريبي على شهري مارس وأفريل، فضلا عن أن تساقط الثلوج قد أصبح شبه منعدم، مثلما نبه.
وأضاف محدثنا أن الثلوج تعتبر المصدر الأساسي لإعادة شحن بحيرات المياه الجوفية، وكانت تظل في قمم الجبال العالية، مثل جبال الأوراس، إلى غاية العام الموالي، لكن هذا الأمر قد صار غائبا تماما في الوقت الحالي.
ونبه الأستاذ درياس إلى أن مكوث الثلوج فوق السطح لفترة طويلة يجعلها تنفذ إلى باطن الأرض خلال ذوبانها التدريجي بشكل فعال، إلى جانب تساقط الأمطار لفترة طويلة بشكل متدرج، ما يجعل كميات كبيرة منها تنفذ إلى البحيرات الجوفية، بينما لا تؤدي الأمطار القوية المفاجئة دورا فعالا في إعادة شحن المياه الجوفية، لأن أغلب الكميات منها تأخذ مسارات الجريان، وقد تتحول إلى فيضانات أحيانا.
وذكر محدثنا أن عدم التوازن بين موارد المياه الجوفية وبين ما يستخرج منها عبر الأنقاب والآبار يؤدي إلى الاختلال، فضلا عن أن المشكلة تتفاقم مع الاستغلال العشوائي، وتكمن في الآبار المنجزة بطريقة فوضوية.
وأشار محدثنا إلى أن المياه الجوفية تتجمع في ثلاث طبقات، حيث توجد منها المياه الجوفية السطحية التي يمكن الوصول إليها بالحفر اليدوي، ومنها الطبقة الثانية التي تكون كلسية، ويتطلب الوصول إليها الحفر على مسافة تفوق 100 متر، في حين يتطلب الوصول إلى الطبقة الثالثة الحفر إلى الأعماق عن طريق الأنقاب العميقة.
واعتبر محدثنا أن جهودا مُعتبرةً قد بُذلت من طرف الدّولة في بناءِ السّدود لتوفير الموارد الكافية من المياه السّطحية، في حين أشار إلى أن مناطق الهضاب العليا هي الأكثر تضرّرا من حيث وفرة المياه الجوفية، كما نبه أن التعامل معها يتطلب أخذها بعين الاعتبار من ناحية الكم والنوعية.
وقد ضرب الأستاذ درياس المثال بالمياه الجوفية المتوفرة بحجم كبير في منطقتي بسكرة و وادي سوف، وبرزتا في ازدهار النشاط الفلاحي فيهما في السنوات الأخيرة، لكنها تطرح إشكالات من حيث نسبة الملوحة ودرجة حرارتها.
أما بخصوص عملية تهيئة ضفاف الوديان، فأوضح محدثنا أنها لا تؤثر على نفاذية المياه إلى جوف الأرض، لأن العملية ينبغي أن تجرى على مستوى المناطق الحضرية فقط، بينما تتم المحافظة على المسار الطبيعي للوديان خارجها، معتبرا أن عملية تهيئة وادي الرمال ووادي بومرزوق التي أنجزت في قسنطينة تعتبر ذات فائدة كبيرة، بحيث أنها تسمح بالتحكم في مسار الوادي بشكل أكبر، فضلا عن أنها تضع حدا للصب العشوائي لمياه الصرف الصحي فيه.
س.ح

 

الرجوع إلى الأعلى