لطالما كانت بلدية مسعود بوجريو بقسنطينة، من أجمل الأماكن بالولاية خصوصا في الجهة الواقعة على الحدود مع ولاية ميلة، وتحديدا في لمداود والمسيدة أين تجتمع زرقة مياه سد بني هارون مع الجبال والحقول الخضراء المترامية، غير أن جزءا كبيرا من تلك المياه اختفى اليوم بسبب الجفاف بشكل مقلق، ما زاد من معاناة سكان المنطقة الذين يشتكون من تعثر المشاريع التنموية ويطالبون بمرافق خدماتية.

روبورتاج: حاتم بن كحول

وقد زارت النصر المناطق الحدودية بين ولايتي قسنطينة وميلة وكانت الانطلاقة من مسعود بوجريو مركز، باتجاه لمداود والمسيدة الحدوديتين، واللتين تبعدان عن وسط المدينة بحوالي 17 كيلومترا. خلال الرحلة مررنا على عدة مناطق، بداية من مركز مسعود بوجريو أين تنعدم الكهرباء في بعض الأحياء، على غرار بولقزاز، وبحي قمرة الساسي وجدنا أنه يتكون من حوالي 80 سكنا فرديا جلها غير مكتمل وغير مربوط بالتيار، ليجأ أصحابها إلى توصيل أسلاك كهربائية ببعض المحلات القريبة من أجل التزود بهذه المادة.
واصلنا طريقنا عبر مسلك دوراني ضيق يكفي لعبور مركبة فقط في كل اتجاه، مرورا على مشتة عبد الله بوحصان أين كانت تجرى أشغال ربط المنطقة بالكهرباء، ثم على مسالك مؤدية إلى مشتة كاف بني حمزة وعين الكبيرة، لنصل إلى طريق يؤدي مباشرة إلى المسيدة العلوية ومنعرج باتجاه لمداود عبر منطقة دار الواد نسبة إلى الوادي الواقع في المنطقة والذي يعتبر امتدادا لسد بني هارون.
طريق جديد لتسهيل التنقل إلى القرارم
وعلمنا من نائب رئيس بلدية مسعود بوجريو، المكلف بالشؤون الاجتماعية، إبراهيم حدرباش، أنه قد شُرع في تعبيد الطريق المؤدي إلى جسر بمنطقة دار الواد، ما يمكّن سكان المناطق الحدودية من التنقل إلى بلدية القرارم عبر هذا المسلك المختصر المؤدي مباشرة إلى الوطني رقم 27، في مدة لا تفوق 10 دقائق، عوض التوجه إلى غاية مركز مسعود بوجريو ومنه إلى بلدية حامة بوزيان وهو ما يستغرق أزيد من ساعة.
في منطقة دار الواد، كانت أشغال تهيئة الأرضية منتهية إلا أن عملية التزفيت لم تنطلق بعد، ما جعل الطريق وعرا، خاصة في ظل المنعرجات الواقعة في منحدرات حادة. وأثناء مرورنا على هذا المسلك لفت انتباهنا عدة حقول وبساتين ممتدة على مساحات معتبرة وبها بعض المنازل الفردية، وقد علمنا أنها كانت مهجورة في السابق إلا أن سكانها عادوا إليها بعد مغادرتهم لها في العشرية السوداء، لكنهم يطالبون اليوم ببعض الضروريات مثل الكهرباء، من أجل تسهيل مزاولة نشاطاتهم في الزراعة وتربية المواشي.واصلنا السير على طريق غير مناسب للسير وخاصة بمنطقة درسون، وصولا إلى نقطة بها عدد من السكنات، وهناك كانت أشغال وضع الإسفلت بالطريق المؤدي من دار الواد إلى القرارم متوقفة، حيث شاهدنا ركن عدد من الشاحنات والآليات على جانب الطريق، مع شغور الورشات، فيما كانت أكوام الحجارة الصغيرة الممزوجة بالرمل مرمية على الجانب الآخر من المسلك.
بعد قرابة 7 كيلومترات من السير على طريق غير مهيأ، بلغنا جسرا يؤدي مباشرة إلى الطريق الوطني رقم 27، وهنا شاهدنا مناظر طبيعية خلابة ميزها جسر تجري أسفله مياه الوادي الممتد إلى سد بني هارون، بين الأشجار الخضراء، وتُزين حوافه صخور زادت من جمالها الطحالب.
عقب عشرات الأمتار وصلنا إلى منطقة لمداود الحدودية، حيث يمكن رؤية السكنات التابعة لبلدية القرارم، والتي لا يفصلها عن مسعود بوجريو إلا الطريق الوطني الذي كان أقرب إلى منازل مشتة المداود، وبه محطة للتوقف تبعد ببضعة أمتار عن تلك السكنات، كما لاحظنا أن جل السيارات وحافلات النقل العمومي تحمل ترقيم ولاية ميلة.
عائلات تقطن بقسنطينة وتقضي يومياتها في ميلة
توجهنا إلى لمداود الواقعة غرب الطريق الوطني رقم 27، عبر مسلك ضيق غير معبد، وهناك وجدنا سكنات ريفية تحيط بها مجموعة من الإسطبلات. أخبرنا قاطنو المنطقة أنهم يتنقلون في الفترة الصباحية إلى القرارم من أجل التسوق وقضاء يومياتهم، بحكم أنها أقرب من وسط مسعود بوجريو.
وتستغرق الطريق إلى مدينة القرارم انطلاقا من لمداود حوالي 40 دقيقة، فيما تفوق المدة ساعة و ربع بالنسبة لمسعود بوجريو، بحسب السكان، الذين قالوا إن جميع العائلات تنشط في مجال الزراعة وتربية المواشي، حيث كانت الإسطبلات وخلايا النحل، منتشرة بين المنازل الصغيرة، إضافة إلى كميات معتبرة مع الأعلاف والتبن. وقال لنا أحد شباب المنطقة إن من أبرز النقائص المسجلة في القرية، انعدام وسائل النقل والمياه الشروب والغاز الطبيعي، هذا الأخير الذي انطلق المشروع الخاص به، رغم صعوبة إيصال الشبكة إلى تلك المنطقة التي تقع في منخفض وتبعد بعدة كيلومترات عن أقرب منطقة مزودة بالغاز، بحسب السيد حدرباش، الذي أوضح أن نسبة الإنجاز وصلت إلى 80 بالمئة، فيما أكد أن توصيل السكنات شبه مستحيل حاليا، لأن العملية تتطلب ميزانية كبيرة، خاصة أن عدد العائلات التي تقطن في هذه القرية لا يفوق 9.
موقع جغرافي يعرقل إنجاز المشاريع
ويضيف المنتخب المحلي الذي رافقنا في استطلاعنا، أن المصالح البلدية مستعدة لإنجاز الشبكة إلا أن التزويد وجب أن يكون من بلدية القرارم التي تعتبر أقرب، ما يسهل هذه العملية، التي تتطلب، حسبه، تدخل مسؤولين بالولايتين، موضحا أن المناطق الحدودية غالبا ما تصادف صعوبات في تجسيد مثل هذه المشاريع.
عدنا للحديث مع الشاب الذي أعلمنا أنه يدرس في ثانوية بمسعود بوجريو، إلا أن العديد من جيرانه يدرسون في مؤسسات تربوية تقع في القرارم قوقة، معربا عن أمله في تعبيد الطريق بدار الواد من أجل تقليص فترة الوصول إلى مركز البلدية، خاصة وأنه أرهق من الطريق الطويل وغير الصالح للمرور يوميا، وهو ما قد يؤثر على مشواره الدراسي، خاصة أنه مقبل على اجتياز شهادة البكالوريا خلال الموسم القادم.عدنا أدراجنا بعد اكتشافنا أن عائلات تقطن في سكنات مجاورة منقسمة في قضاء يومياتها بين الولايتين، بين الدراسة والعمل والتبضع، فسلكنا الطريق الوعر مجددا، وبعد حوالي 20 دقيقة صعودا وسط الجبال، وصلنا إلى نقطة الانطلاقة بمدخل دار الواد، من أجل مواصلة الوجهة نحو المسيدة العلوية، والتي تعتبر ثاني أكبر منطقة حدودية بالبلدية.
بعد دقائق من السير على طريق معبد، شاهدنا من بعيد سد بني هارون الممتد على مسافة طويلة، وقد ظهرت مياهه باللون الأزرق المائل إلى الاخضرار وفي الطرف الثاني كانت بنية تميل إلى الاصفرار بعدما جفت مياهه، وهو ما أكسبه لون الشعاب المصفرة، فيما يرتفع المنسوب أكثر كلما امتد السد شرقا إلى ولاية ميلة.
وصلنا إلى مدخل المسيدة، أين كان عبارة عن سكنات غير مكتملة منتشرة في شكل فوضوي، وتحيط بها حدائق زرع بها ثمار متنوعة وخاصة التين الشوكي، وقد لفت انتباهنا هنا كثرة الخزانات المائية الحديدية المعلقة على سطوح تلك المنازل، فيما كانت الأجواء داخل المنطقة جد هادئة وكأننا دخلنا منطقة مهجورة كسرت صمتها أصوات الشاحنات وجرارات صهاريج المياه، التي كانت تجوب المكان ذهابا وإيابا.
صهاريج لري عطش السكان
وقد أخبرنا أحد السكان أن المنطقة تعاني من انعدام تام للمياه، فيما تمتد المشكلة لأشهر، ما يضطرهم لاقتناء هذه المادة الحيوية عبر الصهاريج التي أصبحت ضرورية. واصلنا الطريق نحو المسيدة السفلية، وهنا شد انتباهنا أن المنطقة بأكملها لا تتوفر على محل تجاري واحد، أو مرافق ترفيهية و رياضية أو خدماتية، رغم أنها تعتبر تجمعا سكانيا مهما في بلدية مسعود بوجريو، كما أخطرنا بعض القاطنين الذين التقينا بهم وهم في الطريق إلى سكناتهم بعد إنهاء أشغالهم في الزراعة خلال الفترة الصباحية، أنهم يعانون من انعدام وسائل النقل، ما تسبب في وفاة عدة مرضى قبل الوصول إلى المستشفى، إضافة إلى وضع حوامل لمواليدهن في الطريق، خاصة أن المسافة بين المسيدة ومسعود بوجريو مركز لا تقل عن 17 كيلومترا، وعن بلدية بن زياد التي تتوفر على مؤسسة استشفائية، تصل لقرابة 30 كيلومترا، في حي أن العديد من السكان لا يملكون سيارات.
كما ذكر المتحدثون، أنهم يضطرون لقطع مسافة 17 كيلومترا وإنفاق مبلغ لا يقل عن 1000 دينار من أجل اقتناء كيس حليب أو خبزة مقابل 50 دينارا، مضيفين أنهم يعيشون في عزلة لافتقار المنطقة إلى مختلف المرافق والإدارات، زيادة على أزمة المياه التي عقدت من وضعهم، خاصة أن جلهم يشتغل في مجال الفلاحة. وعلمنا من السكان أنهم يعانون من «العطش» جراء الجفاف التي تعرفه المنطقة، حيث كانوا يتزودون من الآبار الأرتوازية التي جفت بسبب شح تهاطل الأمطار.
واصلنا الطريق نحو ضفاف سد بني هارون بالمسيدة التي تعتبر قبلة لعشاق المناظر الطبيعية، كونها نقطة عبور بأكبر سد على المستوى الوطني، لكننا تفاجأنا أن السد قد جف تماما بمحاذاة المنطقة، وتبخرت تلك المياه الخضراء الجميلة، فأصبح المكان عبارة عن أرض جرداء صفراء اللون بها عدد من الحجارة والأعشاب التي كانت في وقت مضى تأوي مختلف الحيوانات المائية.
عند التوغل أكثر داخل السد، وجدنا عددا معتبرا من الأصداف التي بقيت شاهدة على أن هذه المنطقة الجرداء كانت في يوم ما عبارة عن بحيرة طبيعية ترتاح لها العين ويأنس لها القلب.


نفوق للإوز والبط
وعلى عكس ما وجدناه في جهة المسيدة، كان منسوب المياه مقبولا في الجهة الأخرى باتجاه ولاية ميلة، رغم أنه قل كثيرا مقارنة بما كان عليه من قبل، ويتضح ذلك من خلال آثار المياه على المرتفعات الترابية، بحيث انخفضت كثيرا وبحوالي 4 أمتار.
وقد نفق عدد من طيور البط والإوز والتي تجمعت عند نقطة التقاء المياه باليابسة، بعد أن رمتها الأمواج الخفيفة، وقد علمنا من السكان أن العديد من الحيوانات نفقت بسبب الجفاف والحرارة الشديدة، ومنها الأسماك والضفادع وغيرها، وذلك وسط درجات الرطوبة العالية.
وقد أغنى جفاف السد بمنطقة المسيدة، السكان عن استعمال قوارب تقليدية الصنع للوصول عبر مياهه إلى بلدية القرارم، في رحلة كانت تستغرق أقل من 5 دقائق لكنها محفوفة بالمخاطر، واليوم أصبح هؤلاء السكان يقطعون أرضية السد سيرا على الأقدام، في مشهد يقول محدثونا إنهم لم يروه من قبل، ويرجعونه إلى شح مياه الأمطار وحتى الآبار الأرتوازية جفت هذه السنة.
* رئيس بلدية مسعود بوجريو عيسى لبيض: الآبار الارتوازية جفت ولجأنا لحل صهاريج المياه


التقينا برئيس بلدية مسعود بوجريو، عيسى لبيض، وطرحنا عليه النقائص التي يعانيها سكان المناطق الحدودية بين ولايتي قسنطينة وميلة، فرد بأن منطقة المسيدة غير مربوطة بشبكة المياه الصالحة للشرب، بسبب موقعها البعيد، إضافة إلى أن السكان كانوا يتزودون بمياه الآبار لكنها جفت.
وأضاف لبيض، أن البلدية توفر يوميا شاحنة صهريج تتنقل مرة واحدة إلى المسيدة بسبب بعد المسافة بين المنطقة ومسعود بوجريو مركز، كما توفر مؤسسة «سياكو» شاحنة أخرى كل يوم أربعاء، إلا أنه اعترف أن هذه الكميات تبقى غير كافية لسد احتياجات السكان. واعترف المسؤول، أن إمكانات البلدية لا تسمح حاليا ببرمجة كل المشاريع، متحدثا عن مشروع لربط المداود بشبكة المياه، إضافة إلى عمليات أخرى للتزويد بالكهرباء.
وعن توقف أشغال تعبيد الطريق المؤدي من دار الواد نحو الوطني رقم 24 بالقرارم، أكد المتحدث أن المؤسسة العمومية للأشغال العمومية، توقفت عن الورشة ضمن برنامج قطاعي وليس بلدي، مضيفا أن المشروع سيعود بالفائدة كثيرا على سكان المناطق الحدودية حيث يتيح لهم اختصار قطع مسافة لا تقل عن 20 كيلومترا.
أما بخصوص المسيدة، فقد أوضح «المير» أنه سجل مشروعا ضمن ميزانية البلدية، لإعادة استغلال هيكل مهمل وغير مستغل للحرس البلدي، كمقر للشباب تهيئته، معترفا أن سكان المنطقة لا يجدون حتى مقهى، ما جعله يطلب منهم إنشاء جمعية للحي من أجل استغلال هذا المرفق، كما تحدث عن توفر المسيدة السفلية على ملعب جواري، فيما تعمل مصالحه على إنجاز آخر في الجهة
 العلوية.
ح.ب

الرجوع إلى الأعلى