لم يستفق سكان ولاية الطارف، بعد، من هول الصدمة جراء الكابوس الذي عاشوه يوم الأربعاء الفارط، وقد بدأوا يتحاملون على أنفسهم لإحصاء ما فقدوه، أو لتوديع الضيوف الذين قدموا للاصطياف لكن النيران التي هبّت على حين غرة حوّلت فرحتهم إلى مأساة ، فغادروا عروس الشرق في موكب مهيب ليدفنوا في الولايات التي قدموا منها، فيما لا تزال المستشفيات تداوي المصابين و يعمل الأطباء فيها على تحديد هوية بعض الضحايا الذين ينتظر  أهاليهم استلام جثثهم، في الوقت الذي تشهد المنطقة تضامنا كبيرا بين الأهالي و من سلطات وجمعيات و سكان ولايات مجاورة وبعيدة تتوافد على الولاية لتقديم المساعدة، مع تواصل جهود المصالح المختصة لتطويق آخر بؤر الحرائق.
31 ضحية لحرائق الأربعاء الأسود بالطارف
أكد أمس محافظ الغابات أنه تم  القضاء على 30 حريقا بينها حرائق مهولة شبت بالقالة والطارف وبوثلجة وحمام بني صالح والزيتونة ، وأن ما بقي يخص بقايا اللهب  من الجمرالمشتعلة تجري عملية إخماده نهائيا من قبل أعوان الحماية والغابات، وقال المسؤول ، أن  جميع مواقد الحرائق  تم إخمادها و أن الوضعية حاليا تحت السيطرة ومتحكم فيها، منوها بالدعم الجوي الذي وفرته قيادة الجيش الوطني الشعبي لمكافحة وإخماد الحرائق التي شهدتها مختلف المناطق
وحسب آخر حصيلة فإن النيران تسّببت في هلاك 31 شخصا بولاية الطارف بينهم  6نساء ، 14رجلا و 11طفلا تتراوح أعمارهم بين العام و70سنة ،جل الضحايا من المصطافين ينحدرون من مختلف الولايات ، كما سجل إتلاف النيران لأكثر من 11ألف هكتار من الأملاك الغابية في 35موقعا ناريا عبر 14بلدية، منها 10بلديات أكثر تضررا من هذه النيران، كما تضمنت الحصيلة تضرر أكثر من 120عائلة بعد أن أتت الحرائق على عدة مباني وإسطبلات ومساحات هائلة من الأشجار المثمرة وخلايا النحل  وغيرها، فيما تم تحويل ما يقارب 200شخص نحو المصالح الإستشفائية لتلقي الإسعافات بعد إصاباتهم بحروق وجروح متفاوتة، بينهم 21 حالة توجد تحت العناية الطبية في حين تم تحويل 11 حالة نحو المصالح الصحية بعنابة لخطورة إصابتهم .
توديع جثامين ضحايا الحرائق و عائلات تنتظر تسلم جثث أقاربها
ودعت أمس ولاية الطارف في أجواء مهيبة وحزينة شهداء ضحايا حرائق «الأربعاء الأسود» ، حيث قامت سيارات الإسعاف للحماية المدنية بنقل جثامين الضحايا وجلهم من المصطافين من مختلف الأعمار والفئات  نحو ولايات إقامتهم ، في حين سجل توافد عشرات الأهالي من عائلات الضحايا لمرافقة جثامين ذويهم الذين كان في توديعهم سكان مدينة القالة .
وإذا كانت عائلات قد تمكنت من التعرف على جثامين أقاربها و نقلها لدفنها، فإن عائلات أخرى تعذر عليها التعرف على جثت ذويها التي تفحمت ، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر طبية  وجود 17جثة بالمستشفى تنتظر تحديد هويتها ، وهو ما زاد في حيرة وقلق العائلات التي استعجلت تسليم جثامين ذويها.
و أكد حسام .ع من ولاية خنشلة أنه حضر للمستشفى بغرض تسلم جثة ابن عمه الذي توفي بالقرب من شاطئ القالة القديمة بعد أن حاصرته النيران وهو في طريق عودته للشقة التي استأجرها بمدينة القالة ، غير أنه لحد الساعة لم تسلم له الجثة بسبب عدم التعرف عليها لتفحمها بدرجة كبيرة حسب المعلومات التي استقاها من الطاقم الطبي، فيما أكدت عائلة قادمة من  ولاية سطيف  أنه تعذر عليها تسلم جثة قريبتها التي لقيت حتفها في النار رفقة ابنها ذي الست سنوات في حين يوجد الزوج في عداد المفقودين، و يرجح أن يكون من بين الجثث المتفحمة، العائلة قضت بعد أن حاصرتها النيران بالقرب من حديقة الحيوانات بعد فرارها للغابة على اثر وصول السنة اللهب إلى الطريق لتحاصرهم  النيران من الجهة التي فروا للاحتماء فيها ، وتحدثت عائلة عبد القادر .م من ولاية تبسة عن تسلم جثة ابنها و البالغ من العمر22سنة بعد تمكن الأطباء من تحديد هويته، في حين تعذر تحديد هوية  جثة مرافقه في الرحلة السياحية التي قادته إلى مدينة القالة من أجل الاستجمام، وبحسب ما علم من مستسفى القالة  فقد حل خبراء من بعض الهيئات لأجل التعرف على هوية الجثث المتفحمة لتسليمها  لأصحابها، وأبدت عائلات  الضحايا المتوفين امتنانها لروح التضامن والتآزر التي قوبلت بها من قبل سكان المدينة في مصابها وتقديم كل المساعدات  وفتح منازلهم  لها.
مصطافون يروون هول ما عاشوه و كيف نجوا بأعجوبة
غادرت أعداد كبيرة من المصطافين خصوصا بمدينة القالة عائدة إلى ولاياتها خوفا من نشوب الحرائق مرة ثانية ، بعد أن عاشت تلك العائلات كابوسا مرعبا من هول مشاهد اللهب التي كادت أن تأتي عليهم وحاصرت النيران بعضهم  على الطرقات وبالقرب من الفضاءات الغابية قبل أن يتم إنقاذهم  في أخر لحظة من الموت .
وأكد كمال الدين .ب من ولاية قالمة أنه تم إنقاذه بأعجوبة من النيران التي حاصرته رفقة عائلته على الطريق الوطني رقم 44  بين القالة والمالحة من قبل مجموعة من السكان الذين فروا به رفقة عائلته الصغيرة نحو مكان آمن ورغم ذلك لم يسلم من تعرضه للاختناق وفقدان الوعي من جراء الدخان الكثيف الذي حول السماء إلى كرة لهب حمراء ومعها خيم الظلام مبكرا على المنطقة عند الثالثة زوالا ، جراء مواقد النيران المشتعلة والتي حاصرت مدينة القالة من كل جهة،  ولم تخف احدى العائلات حزنها على ما آلت إليه الجهة التي دمرت الحرائق جمالها الطبيعي وغطاءها النباتي الكثيف  والمتميز والمتنوع ، حيث لم تتمالك السيدة رشيدة  من ولاية قسنطينة  نفسها  لتذرف الدموع للمشاهد المروعة التي عاشتها والأضرار التي خلفتها الحرائق التي أتت على الأخضر واليابس فضلا عن الخسائر البشرية الكبيرة  لتقرر قطع عطلتها والعودة لمنزلها خوفا من تكرار نفس السيناريو فيما تبقى من الصيف .
و قال شهود عيان تحدثوا للنصر أن الوضع كان طبيعيا، وحركة تنقل الأشخاص والسيارات كانت بشكلها المعتاد، غير أنه وفي لمح البصر تحولت الرتابة إلى كارثة، تزامنا مع هبوب رياح عاتية مما أدى إلى انتشار السنة اللهب بسرعة، وفي كل الاتجاهات،تحولت إثرها الحرائق الصغيرة والمتوسطة إلى بؤر كبيرة، لا يمكن التحكم فيها بسهولة.
وقال «محمد.ل» إن الرياح هبت على مدينة القالة وجزء من مدينة الطارف فيما يشبه العاصفة الكبيرة، ما ساعد في انتشار النيران التي امتدت ألسنتها إلى مشارف الوسط الحضري لمدينة القالة، التي كانت قاب قوسين من وقوع مأساة حقيقية، سيما وأن المدينة حاصرتها ألسنة نيران بعلو فاق 5 أمتار، حيث سارع شبان إلى حماية محطة نفطال من النيران، والحلولة دون وصولها إلى خزانات الوقود والغاز المميع، علما وأن المحطة تتوسط مجموعة من الأحياء القريبة ذات الكثافة السكانية الكبيرة.
أما ربيع الذي يعمل سائق سيارة أجرة فقال «إن الجحيم الذي عاشته مدينة القالة سيبقى في الأذهان خاصة حالة الرعب التي كان عليها المواطنون والمصطافون على وجه الخصوص، حيث سارعوا للاحتماء بالمساجد، فيما فضل آخرون البقاء على الشواطئ وداخل مركباتهم إلى حين زوال الخطر»، كما لم يسلم من حالة الخوف سكان بعض أحياء المدينة على غرار طريق الوزن الثقيل وحي 500مسكن، وحي فرنانة، وحي جيلاص، وشارع جبهة التحرير، حيث فرّ سكان هذه الأحياء في جماعات نحو الشواطئ خوفا من وصول النيران إلى منازلهم.
ومن بين المشاهد المروعة التي لن ينساها، احتراق حافلة كانت تقل مواطنين من قرية المالحة نحو القالة، أين لقي 8 أشخاص حتفهم حرقا، فيما حاول بعض المواطنين الفرار داخل الغابات هروبا من النيران غير أنهم وجدوا أنفسهم محاصرين بداخلها من كل جهة ما أدى إلى هلاك البعض حرقا، في الوقت الذي وجدت فيه مصالح الحماية المدنية صعوبة في استخراج ونقل الجثث لتفحمها عن آخرها.
ويروي جمال وهو عامل يومي، حادثة فرار عائلة تتكون من زوجين وابنين إلى داخل الغابات المجاورة بقرية المالحة هروبا من النيران، إلا أنهم فارقوا الحياة بعد أن حاصرتهم النيران، فضلا عن احتراق سيارة سياحية كانت على متنها عائلة متكونة من أربعة أفراد بعد أن امتدت ألسنة النيران لداخلها. زيادة على ذلك فقد تم اكتشاف جثة امرأة تحتضن طفلها إلى صدرها لحمايته من النيران غير أن الاثنين لقيا حتفهما حرقا وسط الأدغال الغابية القريبة من حديقة الحيوانات، وغير بعيد عنها تم العثور على  4 جثث أخرى محروقة.
عروس المرجان في رداء الرماد
وقد حولت النيران المشتعلة غابات الطارف الجميلة إلى رماد في ظرف زمني قصير، فالمتجول عبر مدينتي القالة والطارف ستصدمه دون شك مناظر الدمار التي طالت الغطاء النباتي والغابي المتنوع، وتحول اخضرار الغابات إلى سواد، خاصة المحميات الطبيعية بالحظيرة الوطنية بين عين أخيار والمالحة والقالة، حيث أبادتها الحرائق ، إضافة إلى نفوق العشرات من رؤوس الماشية التي كانت وسط الأدغال الغابية، فضلا على حيوانات برية كالخنازير والذئاب والنمس، والضباع.
كما امتدت النيران إلى عدد من المنازل بالوسط العمراني شمال المدينة، قبل تدخل المواطنين للسيطرة عليها، حيث ألحقت الحرائق بعض الخسائر المادية بحديقة الحيوانات والتسلية التي تم إنقاذ جميع الحيوانات بها من الهلاك، وقد أكد المدير تسجيل بعض الأضرار في أقفاص الحيوانات نتيجة الرياح القوية وتلف شبكتي المياه والكهرباء، كما أتت النيران على مخزون العلف لنادي الفروسية وعلى بعض المرافق الخدماتية، فضلا عن تضرر أجزاء من الحديقة العائمة المستغلة من أحد الخواص.
و حرص المسؤول على التأكيد على عدم تسجيل أي حالة وفاة داخل الحديقة خلال الحرائق التي اندلعت خلافا لما يتم تداوله، موجها نداء استغاثة للتجار والمحسنين من أجل تزويد الحديقة بالأعلاف والتغذية والمياه لإنقاذ الحيوانات من الموت.
 وقد عادت الحركة أمس إلى حالتها الطبيعة جزئيا، حيث توافد المصطافون والعائلات على الشواطئ، في وقت شرعت فيه بعض القطاعات والهيئات في إزالة مخلفات الحرائق، خاصة إزالة المتاريس المحروقة من الطرقات وتنظيف لوحات التوجيه التي كساها الرماد لونه الأسود، ورفع الحيوانات النافقة إضافة إلى إزالة مخلفات الحريق الذي مس الشارع الرئيسي بقلب الوسط الحضري لعروس المرجان، سيما وأنه تم تحول قبل الكارثة إلى فضاء لعرض الصناعات التقليدية. بدورها تمكنت مؤسسة سونلغاز من إعادة التيار بنسبة 90 بالمئة للمناطق المتضررة وجندت مصالح الري صهاريج الجزائرية للمياه لتوزيع المياه على المناطق والأحياء المتضررة من الحرائق، كما شرعت الولاية في استقبال قوافل محملة بالمساعدات من مختلف الولايات لفائدة العائلات المتضررة.                          نوري.ح

الرجوع إلى الأعلى