تواصل قوات الشرطة و الدرك الوطني بقالمة تنفيذ برنامج المداهمات المشتركة عبر مختلف مناطق الولاية، لبسط الأمن و السكينة بمواقع السمر و التجمعات العائلية الصيفية، و صد الإجرام و السلوك المؤثر على راحة هواة السمر، الذين أخرجتهم حرارة قوية تجتاح قالمة هذه الأيام، من المنازل إلى الساحات العامة و الحدائق، بحثا عن الراحة و السكينة و نسيم الليل المنعش.

و كان الموعد هذه المرة مع المدينة السياحية حمام دباغ، التي تستقطب آلاف الزوار كل ليلة و منذ بداية الصيف، حيث نفذت قوات الدرك الوطني و الشرطة عملية واسعة شملت المواقع السياحية و القرى المجاورة، و الطرقات الرئيسية بينها الولائي 122 و الوطني 20، و وصلت المداهمات الليلية إلى المناطق الريفية المجاورة، بحثا عن كل مشبوه هناك لتأمين حركة السير من و إلى المدينة الحموية الهادئة، التي  تحولت إلى قبلة للسياح من مختلف مناطق الوطن و على مدار العام.
من كتيبة الدرك الوطني بدأت مهمة الأمن و الأمان
انطلاق فرق المداهمة كان من كتيبة الدرك الوطني بحمام دباغ، أين التقى الجميع هناك لمناقشة برنامج المهمة الليلية و توزيع المهام بين مختلف الفرق، حيث تم الاستماع إلى توجيهات قادة العملية الذين حثوا جميع الأفراد المشاركين على ضرورة احترام العائلات و خصوصية المنطقة السياحية، و تفادي اللجوء إلى كل ما يعكر صفو الساهرين و راحتهم، لأن الهدف هو تأمين مواقع التجمعات العائلية و إبراز دور قوى الأمن المشتركة في حماية الأشخاص و الممتلكات ليلا و نهارا.
و قد تقرر نصب الحواجز و السدود المتنقلة بعدة مواقع في المدينة بينما أرسلت فرق أخرى في مهمة تنقل من موقع إلى آخر، عبر القرى و المسالك الريفية التي يشتبه في استعمالها من طرف عصابات الإجرام و تجار السموم التي تعد الهاجس الأكبر لقوى الأمن، التي تستعمل مختلف التقنيات للكشف عن المواد المخدرة والمهلوسات، من خلال تفتيش المركبات والدراجات النارية والأشخاص المشتبه فيهم، و استعمال الكلاب المدربة على تعقب و اكتشاف المواد المخدرة.
على طريق ذراع النخال ومسلك عصابات المواشي و المهربين
رافقنا مجموعة من الدرك و الشرطة اختارت القرى و المشاتي الريفية الواقعة شمالي مدينة حمام دباغ، عبر طريق حيوي يربط بين بلديات حمام دباغ، الفجوج و مجاز عمار و يتفرع إلى غاية الطريقين الوطنيين 20 و 80 و الطريق الولائي 126.
و إلى وقت قريب ظل هذا الطريق مسلكا للمهربين و عصابات المواشي، التي ألحقت خسائر فادحة بسكان المناطق الجبلية النائية بقالمة، قبل أن تتصدى لها قوات الأمن و تطيح برؤوسها المدبرة، و عادت السكنية إلى الأرياف و مربي المواشي لكن الحذر مازال مطلوبا.
بقرية الشهيد البطل دحمون الطاهر المعروفة باسم «ذراع النخال» جابت سيارات الدرك و الشرطة شوارع جميلة نظيفة تضيئها مصابيح «اللاد» البيضاء، استعادت القرية الصغيرة بهجتها بعد إطلاق برنامج تهيئة شامل أنهى معاناة طويلة، كادت أن تهجر السكان و تحول القرية الفلاحية العريقة إلى قرية أشباح.
لم تسجل فرق المداهمة أي سوء يذكر بقرية دحمون الطاهر التي تحمل اسم بطل من أبطال الثورة بالمنطقة، اقترن اسمه بمعركة مرمورة الخالدة، التي سقط فيها العقيد الفرنسي جون بيار و أبلى فيها المجاهدون البلاء الحسن.
كانت فرق المداهمة ضيفا خفيف الظل، و غادرت القرية الصغيرة الهادئة، بسرعة نحو الأدغال و الأحراش الواقعة شرقا، حيث المنازل الريفية المتناثرة، و إسطبلات المواشي و المداجن و بساتين التين و التين الشوكي التي تعد من بين مصادر العيش هناك.
كانت وجهتنا المشاتي الريفية الواقعة على الحدود بين بلديات حمام دباغ، مجاز عمار و الفجوج اخترقت سيارات المرسيدس بنز الألمانية بأضوائها القوية غابات موحشة غارقة في ظلام دامس، و مزقت سكون المنطقة بهدير المحركات القوية القادرة على قهر الجغرافيا الصعبة و تنفيذ المهمات الصعبة.
وصلنا إلى مشارف جبل دباغ، و اقتربنا من محجرة كوجال العملاقة، التي تمون مشروع الطريق السيار شرق غرب بالحصى و الرمل منذ عدة سنوات، و تضمن مناصب عمل للسكان و سائقي الشاحنات الخاصة، لكنها ألحقت أضرارا بالحياة البرية، كما المحاجر الأخرى التي تطوق جبل دباغ و تنهشه بعنف من كل الجهات.
صدرت الأوامر بوقف التوغل نحو إقليم بلدية الفجوج، و العودة إلى مفترق الطرق المؤدي إلى حمام دباغ و مجاز عمار، و كان الهدف التالي منزل الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي تحول إلى مزار سياحي بعد تهيئته و بناء متحف و نصب تذكارية، و تعبيد الطريق المؤدي إليه لتسهيل مهمة الزوار، و خاصة خلال

إحياء ذكرى وفاته نهاية شهر ديسمبر من كل عام.
أرست المصابيح اليدوية أضواءها القوية إلى ساحة المنزل التاريخي، و نصب تذكاري عليه صورة الرئيس الراحل و نبذة عن حياته، ثم توغلت مجموعة من الشرطة و الدرك الوطني داخل منزل مبني بالحجارة المصقولة و مغطى بالقرميد الأحمر، عبر باب مفتوح لا يغلق أبدا حتى يتمكن الزوار من دخول المنزل الذي عاش فيه الرئيس الراحل، و انطلقت منه مسيرة الرجل الذي أسر قلوب الجزائريين، و مازالوا يذكرونه بخير، و يزورون منزله الريفي الواقع بمنطقة ريفية معزولة، و صار مقصدا للمنحرفين من حين لآخر، مما دفع بالقوات الأمنية إلى فرض رقابة مستمرة عليه و إخضاعه للمداهمة و الرقابة باستمرار في الليل و النهار.
كان الكلب المدرب يجوب غرف المنزل بحثا عن كل ممنوع، و عناصر الدرك و الشرطة يفتشون محيطه الخارجي، و يرسلون الأضواء القوية على مسافات بعيدة من المكان، لعلهم يعثرون على فارين باتجاه الأحراش و المنحدرات الوعرة المظلمة.
لا شيء يبعث على القلق و الشك في هذه الليلة بمنزل هواري بومدين، منطلق التاريخ الجزائري المعاصر، و صدرت الأوامر بالمغادرة و العودة إلى المدينة الصاخبة التي لا تنام.
الدراجات مشكلة مستمرة ليلا و نهارا
في طريق العودة توقف موكب المداهمة عدة مرات، لمراقبة الشباب من أصحاب الدراجات النارية، الذين يتنقلون من القرى المجاورة إلى المدينة السياحية لقضاء ساعات السمر قبل العودة إلى منازلهم.
كانت المخالفات كثيرة، عدم ارتداء الخوذة و انعدام الوثائق، بدا الخوف و الارتباك على  بعض من هؤلاء الشباب قرب حقل للبرتقال و مجرى وادي بوحمدان، الذي يعاني هذه الأيام من الجفاف و سكت هديره و لم يعد يزعج أحدا في الليل و النهار.
توسل هؤلاء الشباب إلى رجال الدرك الوطني و الشرطة، و قدموا الكثير من الأعذار و المبررات و بدوا مسالمين، لا صلة لهم بأعمال السوء التي تثير قلق الجميع، تلقوا توجيهات من المحققين بضرورة احترام قانون المرور، و حمل وثائق الدراجات النارية و وثائق الهوية، و تقديمها في حواجز الدرك و الشرطة، اعترف هؤلاء الشباب بالخطأ و أخلي سبيلهم و عادوا على دراجاتهم النارية إلى ديارهم آمنين مطمئنين.  لم يعمل الكلب المدرب العنيد كثيرا بقرية دحمون الطاهر و منزل الرئيس الراحل، و مشاتي بني عدي، و تقرر الذهاب به إلى البوابة الرئيسية للمدينة السياحية على الطرق الولائي 122، حيث تم نصب حاجز ثابت قرب مبنى الحماية المدنية، و مسجد عمار ابن ياسر، أحد أجمل المعالم الهندسية بالمدينة.
ليالي بيضاء بساحة الشلال و محمية العرائس الأسطورية
قبل الوصول إلى الهدف المحدد، مررنا بساحة الشلال الجميل و محمية العرائس الأسطورية حيث كانت الجموع الغفيرة من الزوار و هواة السمر و ليالي الصيف البيضاء، تنتشر في كل مكان، يتناولون الشواء و «البوراك الساخن» عند كبير الطهاة الشاب محمد الوسيم،  و يرتشفون القهوة و الشاي، و يلطفون الأجواء الحارة بالمثلجات اللذيذة، و العصائر الباردة المنعشة في مدينة لا تنام في الصيف، لكنها مازالت في حاجة من مزيد من الجهد لتطوير نظام الإنارة و تكثيف أعمال النظافة خلال ساعات السمر، و حث التجار على خفض الأسعار و تطوير الخدمات المقدمة في ليالي الشلال الجميلة المنعشة.
 شلال حمام دباغ...سحر في الليل و النهار
عندما وصلنا إلى الحاجز الثابت عند المدخل الشرقي للمدينة كانت الفرق التي سبقتنا إلى هناك تشتغل بكثافة، تفتش المركبات و تراقب وثائقها، و تدقق في هوية أصحابها، و تقدم النصح لهم و تبرز أهمية المداهمات الليلية و السدود المتنقلة و الثابتة، كل هذا من أجل راحة المواطنين و حماية الممتلكات.
بدأ الكلب المدرب عمله بهذا الموقع، و لم يترك سيارة و لا شاحنة إلا وصعد إليها بأمر من دركي شاب عنيد، باحثا عن كل محظور، لكنه لم يعثر على صيده الثمين هذه الليلة، و قرر صاحبه الذي علمه أسرار البحث و التنقيب، أن يريحه من المهمة الشاقة بعد عناء كبير.  باستثناء احتجاج شاب على التفتيش و التصوير، و مخالفات متعلقة بقانون المرور، لم تسفر المداهمات التي حضرناها عن توقيفات أو حجوزات تذكر، كانت ليلة هادئة بالمدينة الجميلة، التي ودعت فرق الدرك و الشرطة في حدود منتصف الليل، و بقيت تحتفظ و تحتفي بزوارها إلى ساعات الفجر، كما اعتادت كل ليلة من ليالي الصيف البيضاء الحالمة رغم الأذى  الذي يلحق بها من حين لآخر عندما يدهمها الدخان المنبعث من حرائق الغابات المجاورة، و ترتفع حرارتها لتقترب من حرارة المياه المعدنية المتدفقة من الاعماق السحيقة دون توقف منذ أمد بعيد.
فريد.غ           

الرجوع إلى الأعلى