تعدّ  قصّة عائلة الشهيد مصطفى بن بوالعيد، ملحمةً حقيقيّةً تروي فصول تضحيّة قلّ نظيرها ويحاكي فيها التاريخُ الخاصُّ التاريخَ الجمعيَّ، فالعائلة منحت كلّ ثروتها لثورة التحرير بإرادة الشّهيد الذي لم يتردّد في منح روحٍه حين اقتضى الأمرُ ذلك، وجادت أيضاً بحسن التدبير الذي تجلى في قيادة الثورة بعبقريّة، وفي النهوض من الرّماد وصناعة الثـروة في مرحلة البناء الشّاق للدولة الوطنية، حيث منح الجد مصطفى حصيلة اجتهاده للجزائر بعد أن غادر فرنسا و هو شاب ثري بعد تعيينه نقابيا ممثلا للعمال الجزائريين المهاجرين، رفض  المساومة و الاستقرار ببلد المستدمر و الاستفادة من جميع الامتيازات و فضل التوجه نحو العمل السياسي و المسلح، زاهدا في التمسك بما يملك.

روبورتاج: حسين دريدح

و رغم معاناة الأبناء و الأحفاد مع الفقر و الحاجة بعد الاستقلال، جراء تبرعهم بكامل ثروتهم، نهضوا من جديد و انخرطوا في البناء الاقتصادي بعدة مجالات انطلاقا من الصفر، سيرا على نهج الرّمز الشهيد مصطفى بن بوالعيد، حيث أطلق أبناؤه و أحفاده مشاريع، منها في قطاع الصيد البحري، حيث خلد المرحوم عبد الحي اسم والده في " سفينة الشهيد مصطفى بن بوالعيد" المختصّة في صيد التونة الحمراء، التي تقود اليوم أسطول سفن الصيد الجزائرية و ترفع العلم الوطني في البحر الأبيض المتوسط .

بتجهيزات متطوّرة وقدرات عالية
سفينة الشهيد بن بوالعيد تقود سفن الصيد الجزائرية في البحر المتوسط

قضت النصر يوما كاملا على ظهر سفينة الشهيد مصطفى بن بو العيد ، ورصدت جميع وظائفها وقدراتها ومهام طاقمها استعدادا للخروج قبل وأثناء رحلة صيد التونة. و السّفينة هي الأولى من نوعها على المستوى الوطني، و تعدُّ من بين أكبر سفن التونة، ببلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، يبلغ طولها 40 مترا، ومجهزة بأحدث التقنيّات، تملك قدرات البقاء والمكوث في البحر، مع تشغيلٍ متواصلٍ للمحرّك لمدة 45 يومًا، من دون انقطاع أو الدخول للموانئ، لها قدرات للصيد في أعالي البحار والمياه الدوليّة، ومزوّدة بشباك تستطيع التحليق به مساحة 2000 متر وبعمق 280 مترا تحت الماء.

و مجهزة أيضا بأحدث أجهزة الملاحة والصيد والأمن والسلامة، أبرزها نظام اتصال لا سلكي قريب وبعيد المدى يصل مداه إلى 300 ميل بحري، وهاتف مربوط " بالساتل" مزوّد بخدمة الأنترنيت، حيث تستخدم أجهزة الاتصالات، لإجراء محادثات من البواخر القريبة، و خفر السواحل، والتواصل مع مصالح وزارة الصيد البحري وتربية المائيات. كما تتوفر حجرة قيادة السفينة على جهاز خاص بالنشرات البحرية، تصل التوقعات مطبوعة بشكل يومي للكشف على حالة الطقس والبحر، بالإضافة إلى تنبيهات تتعلّق بسفن أو زوارق ضائعة، وكذا التحذير من الحوادث البحريّة.
تتوفّر السّفينة أيضًا على مُحرّك رئيسيّ ومحرّكات مُساعدة لتوليد الطاقة، بالإضافة إلى مطبخٍ وقاعة جلوس، وغرف نوم للطاقم، و زوارق مطاطيّة للنّجدة.  
دخلت السفينة الشهيد مصطفى بن بوالعيد الجزائر، قادمة من قاعدة التصنيع بإيطاليا سنة 2013 وبدأت الخدمة في 2014 بالمشاركة في أول حملة لصيد التونة ضمن الحصّة التي حددتها المنظمة الدولية لحماية سمك التونة "ليكات" للجزائر والمقدرة حاليا بـ 1654 طنا.
قادت أسطول الجزائر لصيد التونة في حملة 2022
تحدث قائد السفينة الربان والنقيب البحري خضر عيسى، للنصر عن رحلة الصيد لموسم 2022 التي انطلقت رمزيا من ميناء "قوراية" في بجاية، و أطلقت عليها وزارة الصيد البحري " حملة عبد الحي بن بوالعيد" تخليدا لروح الفقيد مالك السفينة الذي توفي العام الماضي.
بدأت رحلة الصيد من ميناء عنابة وهو موقع الرسو الدائم للسّفينة، بتاريخ 25 ماي 2022 متجهة نحو ميناء " طراباني" بسيسيليا بالجنوب الإيطالي، لاستكمال التحاق 5 إيطاليين، من أصل 15 فردا يكوّنون طاقم السفينة، التي أبحرت بعدها لمنطقة الصيد بجنوب مالطا - شرق ليبيا، بعرض البحر الأبيض المتوسط، كانت ترافقها 7 سفن أخرى، للدعم و المساعدة منها سفينة البشير التي دخلت أول مرة حملة الصيد، قبل وصول سفن أخرى جزائرية تشارك في الحملة بمجموع 21 سفينة.    
عند الوصول إلى موقع الصيد يشير الربان عيسى خضر، إلى انطلاق عملية البحث على التونة بالاعتماد على جهاز "الصونار" وهو كاشف الأسماك السطحية الزرقاء منها التونة، كما يعتمد الطاقم في عملية البحث عن أسراب التونة، على جهاز المنظار أو التليسكوب لتصحيح الرؤية ومشاهدة الأسماك من مسافة بعيدة، والاقتراب منها لتحديد إحداثياتها و نوعيتها بدقة.
مع تحديد السرب الأول، تم الاتصال بالشركة المكلفة بالبحث وتحديد نوعية السمك، وهي تابعة للمؤسسة المالطية المسماة " فيش اند فيش" المتعاقدة مع سفينة بن بو العيد، في عملية شراء التونة لإعادة تسمينها، حيث قامت وحداتها العائمة برمي سمك السردين كطعم، بهدف تثبيت سرب التونة في مكانه، وتسهيل نزول الغطاسين للتأكد من حجمها وعددها، حيث تشترط الشركة المالطية أن يتراوح وزن سمكة التونة الواحدة ما بين 80 و 100 كلغ، لتكون صالحة للتسمين، وأن لا يقل وزن السرب عند الصيد عن 40 طنا.      
بعد أخذ الموافقة للشروع في الانقضاض على السرب، يضيف عيسى خضر، قام طاقم السفينة بن بو العيد، برمي الشباك والتحليق على الأسماك بشكل دائري على رقعة 1500 متر مربع، بعد تحديد الكميّة المراد تحويلها حيّة للأقفاص التي تجرها سفنٌ أخرى في الانتظار، تم الاتصال بوزارة الصيد البحري، التي ترخص حصريًا للسّفن الجزائرية ببدء عمليّة التحويل، مع منح بيانات وترقيم خاص، كإجراءٍ معتمدٍ بالتّنسيق مع منظمة " ليكات" انطلقت عملية التحويل للشّركة المالطيّة لنقل أسماك التونة المصطادة في أول عملية. وتملك سفينة بن بوالعيد وفقا للخضر قدرات لصيد 400 طن دفعة واحدة، بما يعادل 4000 سمكة تونة وزن 100 كلغ. وفي هذا الشأن أصدرت الوزارة الوصية مؤخرا، مرسوما لتحديد حجم الحصّة حسب قدرات كل سفينة، حيث تبلغ حصة بن بوالعيد حاليا 84 طنا فقط، وتتكفّل السّفينة بصيد حصَصِ السّفن الأخرى المرافقة التي تتولى عملية نقل العتاد و الوقود وغيرها من الوسائل بمجموع 400 طن، حصّة 7 بواخر. ويتراوح سعر سمك التونة حسب تداولات السوق العالمي ما بين 4 و 10 دولار للكيلوغرام حسب حجم الطلب، كما عرف زيادة في السّعر بسبب تأثيرات جائحة كورونا.
دامت فترة الصيد بعرض البحر 20 يوما وفقا للربان، تكفلت سفينة الشهيد بن بوالعيد بمرافقة الأسطول الجزائري تنفيذا لتوصيات وزارة الصيد البحري وتربية المائيات، رغم قدرتها على إنهاء الصيد في فترة قصيرة، كما تكفلت الشركة المالطية بنقل التونة عبر الأقفاص إلى مزارعها القريبة من موقع الصيد، وشقت سفينة بن بوالعيد طريقها إلى ميناء سيسيليا للقيام بأعمال التصليح والصيانة لبعض الأعطاب التي وقعت أثناء رحلة الصيد، لتعود للإبحار من جديد باتجاه الجزائر، وترسو برصيف ميناء عنابة بتاريخ 7 جويلية.   
بهذه الطريق تسمن التونة وتباع للمتعاملين اليابانيين

تقوم الشركة المالطية "فيش اند فيش" بعد نقل أسراب التونة في الأقفاص ودخولها المزرعة، بمباشرة برنامج التسمين عن طريق تغذيتها بالسردين، وسمك "الكفال" المجمدين، حيث تجلب أطنان منها من موريتانيا والمغرب ودول البلقان، وبعد مرور 4 إلى 6 أشهر من التسمين، يبلغ وزن سمكة التونة 300 كلغ وأنواع أخرى تتجاوز 500 كلغ، وتكون أحسن فترة للتسمين في فصل الشتاء.     
بعد انتهاء فترة التسمين حسب ذات المصدر، يباع سمك التونة ميتا ومجمدا لشركات يابانية تستحوذ على السوق الدولي للتونة، وتتم معالجة لحمها وبيعه في المزاد، منه لحم التونة الموجه للتعليب، حيث يزود اليابان جميع مصانع العالم بالمادة  الأولية من أجل تعليبها.
تستوطن سمكة التونة مياه البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وتهاجر إلى النرويج وخليج المكسيك، لتستقر بخليج سرت بليبيا لتتكاثر هناك منتصف شهر أفريل إلى منتصف شهر ماي، تم يبدأ نشاطها منتصف شهر جوان، إلى غاية جويلية موعد انطلاق حملة الصيد، حيث تعد السواحل الجزائرية منطقة عبور قادمة من ليبيا مرورا بتونس، يكثر اصطيادها مع تزايد أعدادها في نفس الفترة، قبالة سواحل عنابة الطارف وسكيكدة.
مشروع لتسمين سمك التونة بسواحل عنابة والطارف

استقبلت مديريتا الصيد البحري بعنابة والطارف، مؤخرا، مستثمرين في مجال صيد وتسمين التونة الحمراء، من أجل معاينة المواقع المؤهلة لإنشاء مزرعة لتسمين التونة في الأقفاص العائمة، يقودهم الشريف بن بوالعيد وفي مقدمتهم المدير العام للشركة المالطية "فيش أند فيش"  و قاموا بزيارة عدة مواقع محتملة، لتجسيد مشروع مزرعة تسمين التونة منها منطقة شطايبي، وذلك في إطار تشجيع الاستثمار في مجال الصيد البحري، إلى جانب خصوصية الساحل العنابي، في مرور أسراب التونة عليها.
حيث يخلق هذا الاستثمار حسب مدير الصيد البحري لولاية عنابة عزالدين بوكزية، حركيّة اقتصاديّة من خلال العمليات المالية التي تمر على البنوك الجزائرية وتجلب بالتالي العملة الصّعبة، بالإضافة إلى كراء السّفن الصّغيرة لجرّ الأقفاص، وكذا توظيف غطاسين ويد عاملة، وغيرها من الأنشطة المتصلة بالصيد البحري. كما يسمح تجسيد مشروع مزرعة تسمين التونة، بخروج السفن المختصّة في الصيد إلى المياه الإقليميّة والدولية القريبة، بدل الذهاب إلى مالطا للصيد، حيث تستغرق عملية نقل الأسماك في الأقفاص عدة أسابيع وأشهر للوصول إلى المزارع الموجودة في إسبانيا وتونس.

الدكتور الشريف بن بوالعيد للنصر
نجحنا في استقطاب شركاء أجانب لتنفيذ مشروع رائد
* مستعدون للتضحية بثروتنا من أجل الجزائر كما فعل جدي
       يكشف الدكتور الشريف بن بوالعيد، حفيد الشهيد الرّمز مصطفى بن بوالعيد عن شروعه في خطوات تجسيد مشروع استثماري رائد في الجزائر في تسمين التونة يوفر مناصب شغلٍ ويحدثُ حركيّة لافتة في القطاع، كما يفصحُ عن رغبته في إنشاء جامعة خاصّة، ويروي أستاذ الانجليزية في الجامعات الجزائرية وخريج  جامعة أمريكيّة للنصر قصة كفاح عائلته وكيف نهض أبناء الشهيد من جديد بعد أن منح الأب والجدّ كل ثروة العائلة للثورة، ويؤكد استعدادها لمنح كل ثروته للجزائر تماما كما فعل الجدُّ الشهيدُ. النصر تنقل في هذا الروبورتاج مع الدكتور و الأستاذ الجامعي الشريف بن بلعيد، كيف عادت العائلة للاستثمار من جديد على خطى جده الشهيد مصطفى.

كيف جاءت فكرة مشروع الاستثمار في مجال الصيد البحري و التخصص في صيد التونة ؟
فكرة مشروع الاستثمار في مجال صيد التونة، جاءت بعد التسهيلات والدعم المقدمين من طرف الوكالة الوطنية للتطوير والاستثمار(أوندي)، في 2004 وكذلك برنامج الإنعاش الاقتصادي، الذي سمح للكثيرين بتجسيد مشاريع اقتناء سفن الصيد، والاستثمار في الصيد البحري لكونه من أولويات الدولة في تنويع الصيد في أعالي البحار.
السفينة تحمل اسم الرمز الشهيد جدك مصطفى بن بولعيد ما دلالة ذلك ؟
صحيح أن رمزية التسمية للسفينة، لها أهمية بالغة لدى العائلة، وذلك عرفانا وإحياء لاسم الجد رحمه الله، الذي باع كل ما كان يملكه، وضحى بكل شيء من أجل الثورة التحريرية والجزائر، وترك عائلته وأبناءه اليتامى في حالة متقدمة من الفقر آنذاك.. في الماضي كانت عائلة بن بولعيد تملك ثروة طائلة، تعب من أجلها جد و والد الشهيد مصطفى وأخيه عمر وبدورهما وقد وسّعوا استثمارهم رغم صغر سنهم، وأصبحوا رجال أعمال ناجحين، قبل أن يبيعوا كل ما لديهم بما في ذلك الحافلات والأراضي والمطاحن بغرض شراء السلاح و تموين الثورة التحريرية، و الآن والحمد لله وبفضل منه أصبحت لدى العائلة سفنُ صيدٍ وعدّة شركات، رزق الله عائلته بالحلال مجدّدا وأصبحت لهم مكانة محترمة بفضل من الله، وبفضل كل من صان الأمانة ووقف مع عائلات المجاهدين والشهداء.

الاسم الذي تركه لنا كان مسؤولية كبيرة، ولذا دائما نذكر ونقول أنه لا خوف على الذين ضحوا في الماضي، أو يضحون الآن أو سيضحون في المستقبل من أجل الجزائر، لأنّ التاريخَ سيخلّدهم وسيرزق الله ذويهم من حيث لا يحتسبون. ونحن في أتمّ الاستعداد لتكرار التضحيّة والدفاع عن الجزائر والجزائريين بأنفسنا وبكلّ ما نملك ونسير في خطى المجاهدين والشهداء رحمهم الله جميعًا.
سفينة مصطفى بن بولعيد، من أول السّفن التي كانت تصطاد حصة الجزائر من التونة وكذا الانخراط في برنامج الاستثمار ؟
نعم كانت البداية في غاية الصعوبة، لأن المشروع بدأ باقتناء السفينة من تركيا، والذي عُلق في ذلك الوقت نظرا لانهيار قيمة الدولار الأمريكي و الارتفاع الجنوني في سعر الحديد في السوق العالمية، ما عرقل الصّفقة التي أبرمت مع الشركة المصنعة للسفن، وبقي الأمر على حاله نحو سبع سنوات إلى أن تم إبرام اتفاق جديد، مع مُصنّع سفن آخر من إيطاليا، والذي ساعدنا في إتمام صناعة وتجهيز السفينة مصطفى بن بولعيد، مقابل القيام بالصيّانة لمدّة عشر سنوات، وكذلك تصدير سمك التونة لأوروبا وإعطاء الأولوية لشركة بمالطا مختصّة في تربيّة وتسمين التونة الحمراء الحية "فيش آند فيش" التي تحصي أكثر من ثلاثين سنة خبرة في الميدان والتي بدورها تقوم ببيع التونة بعد تسمينها لليابانيين.
ماذا عن تسيير نشاط السفينة بعد وفاة الوالد رحمه الله ؟ هل أنت متفرّغ للإشراف عليها، و هل مازلت تربطك علاقة بالتدريس بالجامعة ؟

في الحقيقة كُلفت من طرف الوالد رحمه الله بالتسيير بعد العام الثاني من استغلال السفينة الشهيد مصطفى بن بولعيد في مجال صيد التونة الحمراء الحيّة، كانت مسؤولية صعبة ومهمة جدًا وهذا نظرًا للدراسة والبحوث الأكاديمية والأعمال المتعدّدة التي كنت أقوم بها آنذاك.و في 1999 بدأت حياتي المهنية كنظاراتي (شهادة تقني سامي من مدرسة تكوين خاصة)،درست الميكانيك الدقيقة والبصريات بسطيف، والتي كانت فكرة الوالد، الذي شجعني بشدة، وقام كذلك بدفع كل التكاليف وساعدني في فتح محل لبيع النظارات الطبية بباتنة رغم ضائقته المالية. بعد فتح المحل قرّرت أن أدرس من جديد، فقمت بمنح الثلث من مداخيل محل النظارات لصديق درس معي في مجال البصريات، للتفرغ للدراسة فتحصلت على شهادة البكالوريا في 2000 في تخصص الآداب والعلوم الإنسانية واخترت اللغة الانجليزية التي كنت أتقنها و أحبّها كثيرا. تحصّلت على شهادة الليسانس في اللغة والحضارة الانجليزية عام 2004 من جامعة باتنة 1 وبدأت أدرس فيها كأستاذ متعاقد ثم تحصلت على شهادة الماجستير سنة 2008 من جامعة محمد خيضر ببسكرة. في 2009 كان لي الحظ أن أتحصّل على منحة دراسة مموّلة من طرف "المبادرة للشراكة الأميركية الشرق أوسطية" MEPI لتعلم المقاولاتية، و ريادة الأعمال والتسويق العالمي في جامعة "لاجولا" بسان ديغو بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي جامعة مُتخصّصة في الإدارة والمناجمنت، في 2013 تحصّلتُ على عقد شغل من وزارة الخارجية الأمريكية واشتغلت بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر العاصمة كمتخصّص في الشؤون الثقافية ومكلف ببرامج عدة منها E Teacher و برنامج "آكسس" ACCESS لمدارس تعليم اللغة الانجليزية في الجزائر، في 2014 وفقني الله أن أناقش الدكتوراه ودرّست بجامعة باتنة 2 وأتممت شهادة التأهيل الجامعي في 2016.
انتقلت في 2019 إلى جامعة الجزائر 2 وكان لي الحظ أن ألتحق في نفس السنة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي كمفتش بالمفتشية العامة للبيداغوجيا لأشرف على مشروع إدراج اللغة الانجليزية في التعليم العالي والذي تأخر للأسف بسبب وباء كورونا.في 2020 شاءت الأقدار أن أقدم طلب الاستقالة من الوزارة، وأن آخذ تسريح بدون أجر لمدة سنة، وهذا للتفرغ لأعمال الوالد ومرافقته في أيامه الأخيرة التي كانت مرحلة صعبة جدا لي و للعائلة، حيث توفي الوالد عبد الحي بن بولعيد رحمه الله بتاريخ 15 أكتوبر 2021. بعد ذلك قمت بتنصيب مسيّرين للشركة العائلية ذات أسهم الشهيد مصطفى بن بو العيد وهذا للتفرغ للتدريس والبحث العلمي في الجامعة من جديد، وربما الاستثمار في جامعة خاصة في الجزائر.
هل لديكم طموح للتوسّع في الاستثمار في مجال الصيد البحري؟ وماذا عن المسعى الذي قمتم به بجلب مستثمر من مالطا لإبرام شراكة في مجال تسمين التونة ؟
نعم بعد قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي تجسد في تغيير قانون الاستثمار، والذي حقيقة يسمح لنا الآن باستقدام المستثمرين الأجانب إلى الجزائر، وكذا جلب رؤوس أموال خارجية دون اللجوء للاقتراض من البنوك، للنهوض بالقطاع وخلق فرص عمل للجزائريين والاستفادة من الخبرة العالمية لشركائنا في هذا المجال، والذي سيعود بالفائدة على الخزينة العمومية في ما يخص التحصيل الجبائي نتيجة الشراكة الجزائرية الأوروبية.
حاليا نحن قيد دراسة المشروع مع الشريك الأجنبي، حيث قمنا بمعاينة المناطق التي تسمح بتربية وتسمين سمك التونة الحمراء الحية، والذي نرى أنه يستلزم أكثر من 20 مليون يورو لتجسيد ذلك.
في شهر سبتمبر المنصرم، قمت بجلب المدير العام لشركة تربية وتسمين التونة الحمراء الحية إلى الجزائر السيد "جوزيف كاروانا"، وزرنا ولايتي الطارف وعنابة، وحظينا باستقبال حار ومشرف جدا من طرف المديرين الولائيين للصيد البحري وبالأخصّ السيد عزالدين بوكزية وكذلك المدير المركزي بوزارة الصيد البحري والمنتجات الصيدية السيد بلعسل عمار، عملا بتوجيهات الوزير هشام سفيان صلاواتشي الذي لم يدخر جهدا في تجسيد توجيهات رئيس الجمهورية التي ترمي إلى تحسين مناخ العمل وتقديم يد المساعدة وفتح قنوات الحوار مع المهنيين والصيادين والمستثمرين الحقيقيين، بكل صراحة، وبدون مجاملة منذ الاستقلال لم نشهد نهضة مماثلة وهذا راجع لتشبيب القطاع وجعله في يد كفاءات مثابرة على العمل المتواصل، كما وعد به الرئيس تبون.

كيف يمكن للمهنيين و الدولة النهوض بقطاع الصيد البحري، انطلاقا من التجارب التي اطلعت عليها في بلدان أخرى ؟
  للنهوض بالقطاع، أظن أنه يجب على الدولة أن تعيد النظر في بعض الجوانب، منها تسهيل إجراءات منح التأشيرات للأجانب، وهذا دون المساس بسيادتنا الوطنية المرتكزة على المعاملة بالمثل، والذي من شأنه رفع القيود البيروقراطية، بالإضافة إلى إيجاد ميكانيزمات جديدة في التعاملات البنكية، والتكيف مع ما هو معمول به دوليا قصد تشجيع المتعاملين الاقتصاديين الأجانب لجلب رؤوس أموالهم والقدرة على تحويل أرباحهم بسلاسة وارتياح
حدثـنا عن واقعة مؤثرة أو ملهمة مند استلمت تسيير الباخرة بعد رحيل الوالد خاصة وأنها تحمل اسم الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد؟
قامت وزارة الصيد البحري والمنتجات الصيدية بتسمية حملة صيد التونة لسنة 2022 على اسم الوالد عبد الحي رحمه الله، في لفتةٍ طيّبة  كان وقعها مؤثرا، نشكر كل من ساهم بذلك باسمه ومقامه. كذلك قمت بالاستثمار في سفينة أخرى لصيد سمك السردين والتي غيرت اسمها إلى اسم الوالد عبد الحي، وأظن أنه شيء جميل، كما قام الوالد في الماضي بتسمية سفينته على أبيه، ها أنا اليوم أسمي سفينتي على أبي.
 هل من  رسالة تريد توجيهها ؟
أذكر مرة أخرى وأقول أنه لا خوف على الذين ضحّوا في الماضي أو يضحّون الآن أو سيضحّون في المستقبل من أجل الجزائر، لأنّ التاريخ وسينصفهم و سيرزق الله ذويهم من حيث لا يحتسبون، آجلا أم عاجلا، و الحمد لله استرجعنا سيادتنا وجزائرنا وحدودنا محميّة والوضع جيّد للغاية لتدعيم الاستثمار في البلاد وخلق فرص عمل.                               
حاوره : حسين دريدح

الرجوع إلى الأعلى