برنامج مناطق الظل يعيد الحياة لقرى بني حميدان بقسنطينة

تنفس سكان مشاتي بني حميدان بولاية قسنطينة الصعداء، بفضل نجاح سياسة تعمير الأرياف وإستراتيجية تنمية مناطق الظل لفك العزلة عن المناطق النائية، وذلك من خلال بناء سكنات ريفية لائقة وشق طرقات وتمديد شبكتي الكهرباء والماء، إلى جانب تقديم الدعم الفلاحي وتوفير النقل المدرسي، وهو واقع وقفنا عليه في مشتتي المّارة والحمري اللتين شهدتا تغيرات في الأشهر الأخيرة ويجري تدارس إقامة مشاريع استثمارية خاصة وكذلك إنجاز مدينة جديدة، كما التقينا فيهما بشباب، تحدوا الظروف للتسلح بالعلم وفاءً لوصية جيل ثورة نوفمبر المجيدة، وخدمة لأرضهم المسقية بدماء الشهداء.

روبورتاج: أسماء بوقرن

رفعت الدولة الجزائرية تحدي فك العزلة عن المناطق النائية، لتحسين وضع سكانها،  وأقرت سياسة تنموية تُصالح ابن الريف مع أرضه من خلال توفير الأمن وتقديم استفادات وإعانات مالية لبناء سكنات ريفية لائقة تتماشى وخصوصية هذه المناطق، فقد شجع ذلك كثيرين على العودة إلى قراهم بعدما هجروها خلال فترة العشرية السوداء، ليأتي برنامج تنمية وإنعاش مناطق الظل الذي أقره رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون سنة 2020 ورُصدت له اعتمادات مالية هامة فاقت 184 مليار دينار، وقد أكد الرئيس خلال إشرافه على افتتاح لقاء الحكومة مع الولاة شهر سبتمبر المنقضي أن «نحو 82 بالمائة من المشاكل التي كانت مطروحة في مناطق الظل قد حلت».
بني حميدان الواقعة شمالي ولاية قسنطينة، هي إحدى البلديات التي مسها برنامج الرئيس، حيث أقيمت مشاريع تنموية في عدد من قرى هذه البلدية الفلاحية التي شهدت في السنوات الأخيرة عودة أكثر من 300 عائلة للمداشر المعزولة، وقد استفاد جلها تقريبا من السكن الريفي ومن أجهزة الدعم سواء تعلق الأمر بتوفير العتاد الفلاحي أو الحصول على التمويل لإقامة نشاط تربية المواشي، وهو ما ساعد على عودة الحياة إلى هذه المناطق.
وقد مكّن برنامج الرئيس من تحسين الظروف المعيشية للسكان، مثلما وقفنا عليه بقريتي الحمري والمّارة المصنفتين كمنطقتي ظل ببني حميدان، خاصة ما تعلق بتحسين شروط تمدرس التلاميذ وتوفير النقل المدرسي وتعبيد الطرقات والمسالك الريفية، بما يساهم في دفع عجلة التنمية المحلية.
بناءات جديدة تعوض الأكواخ

للوصول إلى بلدية بني حميدان كان علينا سلك الطريق الوطني رقم 27، إلى أن بلغنا مدخلها عبر طريق رئيسي معبد بالخرسانة الإسفلتية، وسط الطبيعة العذراء التي تميز هذه المنطقة المعروفة بنشاطها الزراعي وتنوع محاصيلها.
بينما نحن نواصل سيرنا ونقترب من بلوغ مركز البلدية، لاحظنا أن البنايات الريفية أخذت مكان الأكواخ القصديرية التي كنا نراها سابقا، كما شاهدنا حافلة جديدة للنقل المدرسي وهي في طريق العودة إلى المؤسسات التربوية بعد أن قامت بإيصال التلاميذ، واصلنا السير إلى غاية مدخل مشتة الحويمة المؤدي إلى مشتتي المّارة والحمري الواقعتين على بُعد 12 كلم، أينا توقفنا قليلا لنقف على واقع المنطقة الذي شهد تغيرا من حيث توفر الخدمات كالمحلات و وجود حركية تجارية تتميز بنشاط بائعي اليقطين الذي تعد البلدية أرضا خصبة لإنتاجه.
عتاد الدعم الفلاحي يحرك عجلة التنمية
في الطريق إلى مشتتي الحمري والمارة المتجاورتين، وعند النقطة المعروفة بمحمد بوعروج، وجدنا بنايتين بها محلات للنجارة ولبيع الأدوات المدرسية والدواجن المحلية، إضافة إلى عيادة للطب البيطري، وهي محلات فُتحت حديثا، وساهمت في خلق حركية بهذه النقطة، التي كانت إلى وقت قريب مجرد حقول غير مستغلة. بلغنا منحدرا معبدا تتوزع على جانبيه الأعمدة الكهربائية، ليبدأ في الارتفاع كلما تقدمنا نحو القريتين، وهو مسلك معبد استفاد من البرنامج التنموي المسطر في إطار فك العزلة عن المناطق النائية.
وقد وجدنا في طريقنا جرارا مركونا وسط إحدى المستثمرات الفلاحية، يعود لمزارع كان منهمكا بصب الأسمدة على محصوله. يقول محمد إن وجه قرية الحمري تغير في العشرية الأخيرة، فقد نالت حظها من المخطط التنموي، حيث لم يعد يجد صعوبة في التنقل خلال فصل الشتاء، بعدما كان يستحيل عليه السير حتى مشيا على الأقدام، إذ تم مد شبكة الطرقات وتعبيدها وتوفير الإنارة العمومية.
يتابع محدثنا بالقول «لم تعد الحياة تتوقف هنا بمجرد حلول الظلام، فقد أضاءت أعمدة الإنارة العمومية المسالك وسهلت تنقل السكان ليلا»، ويؤكد الفلاح أن الحركية في المنطقة انتعشت خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد استفادة العديد من السكان من أجهزة الدعم المختلفة المقدمة من الدولة، والتي مكنتهم من اقتناء شاحنات وجرارات، مضيفا أن أحد المستفيدين من هذا الدعم الذي شجعه على العودة لخدمة أرضه بعدما هجرها لسنوات خلال فترة الأزمة الأمنية في البلاد، فيما ينتظر سكان القرية ربطهم بالغاز وتجديد قنوات المياه.
تلاميذ يعودون لمقاعد الدراسة

مواصلة الدراسة في القرى والأرياف المعزولة، كان أمرا شبه مستحيل للعديد من أبناء منطقتي الحمري والمارة خلال العقود الماضية، حيث حُرم كثيرون منهم من التعلم، كحال إلياس البالغ من العمر 37 سنة والذي التقينا به في الحمري، حيث أخبرنا أنه غادر المدرسة مضطرا في السنة الثانية ابتدائي، غير أن شقيقته الصغرى تمكنت من مواصلة تعليمها وهي تحضر اليوم لنيل شهادة الماستر في التسيير والاقتصاد.بطريق مشتة الحمري، التقينا بسائق حافلة لنقل تلاميذ متوسطة رابح لحنش، حيث قال للنصر بأن تلاميذ المنطقة محظوظون اليوم على خلاف أبناء مشتة الحويمة التي ينحدر منها وكانت من أفقر قرى بلدية بني حميدان، فقد اضطر إلى التوقف عن الدراسة خلال السبعينيات، بسبب عدم توفر وسائل النقل آنذاك وصعوبة تضاريس المنطقة.
شباب جيل الاستقلال يتمسك بأرضه
أثناء التوجه نحو مشتة المارة المجاورة، كان الطقس يزداد برودة كلما تقدمنا نحو المرتفع، فيما تترامى الأراضي المزروعة يقطينا وبصلا، وتزين أشجار «الزعرور» جانبي الطريق، أما بيوت تربية النحل فتحتل مساحات معتبرة، فيما كانت السكنات الريفية الجديدة تتوزع في نقاط متفرقة، وأخذت مكان منازل الطوب، وبجانب العديد منها تم ركن عتاد فلاحي علمنا أن السكان حصلوا عليه في إطار دعم الدولة من أجل تشجيعهم على استصلاح أراضيهم.
بعد المرور على طرقات معبدة، التقينا بإلياس الذي كان يرعى قطيع أغنام، حيث قال بأن أوضاع المشتة تحسنت، لاسيما من حيث توفير الإنارة التي تشتغل بالطاقة الشمسية، وقد وجدنا أن الأشغال جارية لإنجاز قاعة علاج.
عبد الحميد ذو الأربعين عاما كان أحد سكان مشتة الحمري الذي التقينا بهم، حيث أخبرنا أنه ينحدر من عائلة ثورية ضحت من أجل الاستقلال، ودافعت باستماتة لطرد الاحتلال الفرنسي، ولتحافظ على أرضها وتخدمها، وهو اليوم يسير على هذا النهج، كما قال، فقد واصل تعليمه رغم كل الصعوبات والمشاق، ونال شهادة جامعية، ثم بدأ يقدم دروسا مجانية لتلاميذ قريته بالموازاة مع نشاطه الزراعي والرعوي على أرض أجداده، مثلما أخبرنا وهو منهمك في تفحص محصول من البصل واليقطين.
* رئيس بلدية بني حميدان شروانة عبد الحق
استلمنا مشاريع بأكثر من 30 مليون دينار في إطار البرنامج
أكد رئيس بلدية بني حميدان، عبد الحق شروانة، أن منطقتي المارة والحمري استفادتا من عدة مشاريع في إطار برنامج تنمية مناطق الظل، وقد تم تسليمها خلال هذه السنة بعدما خصص لها مبلغ يفوق 30 مليون دينار. وقال شروانة للنصر، إن نسبة التغطية بالطاقة الكهربائية على مستوى الحمري التي يقطنها 226 ساكنا، قد بلغت 100 بالمئة، فيما تجري دراسة لاختيار قطعة أرضية لتمرير شبكات الغاز، كما تم توفير النقل المدرسي للتلاميذ واستفادت المنطقة من 40 سكنا ريفيا خلال السنوات الأخيرة.أما قرية المارة التي تضم 375 نسمة، فقد تم أيضا ربط جميع ساكنيها بالكهرباء، كما تتوفر على مدرسة ابتدائية، حيث تضم مطعما يقدم وجبات ساخنة لـ 123 تلميذا يستفيدون من النقل المدرسي، بينما توجد قاعة علاج قيد الخدمة، واستفاد 30 مواطنا من صيغة السكن الريفي التي تنتظر انفراج مشكلة العقار بالمنطقتين لمنح إعانات أكثر.
إلى جانب ذلك، تم إنهاء العديد من المشاريع خلال سنة 2022 في القريتين، ففي مارس الماضي، استُلم مشروع الربط بالإنارة العمومية عن طريق الطاقة الشمسية في حمري 1، بعدما رُصد له مبلغ 3 ملايين دينار، كما أعيد الاعتبار لجزء من الطريق البلدي، وقد خُصص للعملية ما يزيد عن 3.3 ملايين دينار.
أما منطقة الحمري2، فقد استفادت بحسب رئيس البلدية، من مشروع لإنجاز شبكة الصرف الصحي بكلفة 6 ملايين دينار، مع مدّ الإنارة العمومية بالطاقة الشمسية بمبلغ يقارب 2.7 مليون دينار، وكذلك استلام عملية مراقبة ومتابعة أشغال إعادة الاعتبار للطريق البلدي على مسافة 1 كيلومتر، بعدما رصد له مبلغ يفوق 11 مليون دينار، كما أن هناك مشروعا استثماريا خاصا في طور استلام رخصة البناء، يتعلق بإنجاز وحدة لتعبئة المياه المعدنية، وفي قرية المارة بجزأيها العلوي والسفلي، أنجزت الإنارة العمومية بمبلغ 4.2 ملايين دينار.
وتخطط بلدية بني حميدان لفتح سوق أسبوعي محاذي للطريق الوطني، حيث أكد شروانة بأن الدراسة جارية لاختيار قطعة أرضية مناسبة لهذا المشروع الذي من شأنه إنعاش الحركية التجارية بالمنطقة، فيما سيتم تأجير أوعية عقارية تابعة للبلدية لمستثمرين خواص، وكشف «المير» عن تدارس مشروع لاستحداث مدينة جديدة بضواحي مشتة الحمري، أين بُرمج كذلك فتح مؤسسة تربوية خلال الموسم الدراسي المقبل.                       
أ.ب

الرجوع إلى الأعلى