يُعد جامع الجزائر واحدا من أهم الإنجازات المحققة منذ الاستقلال، كأكبر مركز للإشعاع الروحي وأكبر صرح ديني في بلادنا، جاء إنجازه من أجل ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية، وترقية قيم الوسطية والاعتدال وتوحيد الفتوى إلى جانب ترقية الخطاب الديني وتطوير مناهج التكوين والتعليم القرآني.  ويأتي إنجاز، جامع الجزائر، الذي يعد ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين، لاستكمال بناء المؤسسات الدينية والعلمية والمعرفية والثقافية، في ظل الجزائر المستقلة، بعد أن ظل تجسيد هذا المشروع، حلما منذ استرجاع السيادة الوطنية، من أجل مواجهة التحديات وتحصين الهوية الدينية للشعب الجزائري، سيما وأن الجزائر حتى بعد استرجاع استقلالها في سنة 1962 كانت محاصرة برموز مسيحية تسيّج مساحة الجزائر، هي بمثابة الإرث الاحتلالي الفرنسي للجزائر.

روبورتاج: عبد الحكيم أسابع

وللمكان الذي بني فيه جامع الجزائر، على مستوى الواجهة البحرية للمدخل الشرقي للجزائر العاصمة، رمزيته التاريخية، وعنوان آخر للتحدي، حيث كان مركزا للتنصير والتبشير المسيحي إبّان الاستعمار الفرنسي للبلاد، وهي الرمزية المرتبطة مباشرة وبصفة وثيقة بتحصين عقيدة وهوية الجزائريين، بعد التحديات التي واجهوها من طرف المبشرين الذين استغلوا فقر الكثير من الأهالي خلال حرب التحرير ليساومونهم في عقيدتهم مقابل توفير الغذاء .
فقد شاءت الصدف أن يتم إنجاز هذا المعلم، في منطقة المحمدية الواقعة في إقليم المقاطعة الإدارية للحراش، بالجزائر العاصمة، التي كانت خلال فترة الاحتلال الفرنسي تعرف باسم "لافيجري" نسبة لاسم أكبر المبشرين الفرنسيين وهو "الكاردينال شارل لافيجري"، الذي شيد هناك، ديرا وأسس أكبر جمعية للآباء البيض، بهدف نشر المسيحية وضرب الدين الإسلامي وصد الجزائريين والأفارقة عن دينهم، ومحاولة طمس الهوية الإسلامية، بإيعاز وتشجيع من السلطات الاستعمارية الفرنسية.
ومع بروز فجر الاستقلال، قررت السلطات العمومية في بلادنا، تغيير تسمية المكان إلى "المحمدية" تمجيدا لاسم خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم، وفي رمزية لانتصار الإسلام على هؤلاء الصليبيين، قبل أن يتحول بعد مرور ستين سنة من الاستقلال إلى فضاء رحب يضم أكبر مركز للإشعاع الديني في القارة السمراء، وهو أكبر تحد تم تحقيقه.
وتعود فكرة إنجاز مشروع "جامع الجزائر" إلى السنوات الأولى للاستقلال وكانت تتمثل في بناء مسجد كبير يليق بتخليد مرور 15 قرنا على دخول الإسلام إلى الجزائر، وهو الحلم الذي ظل قائما، لكن الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد جعلت المشروع يتأخر إلى غاية العقد الماضي.
 وبحرص شديد من وزير الشؤون الدينية والأوقاف، أبو عبد الله غلام الله، على تجسيد المشروع ( أنظر نص الحوار الذي أجريناه معه ) وكذا حرص السيد عبد المجيد تبون، عندما كان يتولى حقيبة السكن والعمران والمدينة، في الفترة بين 2012 (سنة وضع حجره الأساسي)، وسنة 2017، عرف مشروع جامع الجزائر، تقدما هائلا في أشغال الإنجاز وكتب له الله أن صلى فيه وهو رئيسا للجمهورية.
ويمتد هذا الصرح الديني والعلمي والسياحي الذي تم افتتاحه رسمياً أمام المصلين يوم 28 أكتوبر من سنة 2020، وينتظر أن يدشّنه الرئيس تبون رسميا قريبا، على مساحة تقدر بحوالي 27 هكتارا، خُصّص منها 400 ألف متر مربع لاحتواء 12 بناية متواصلة ومتكاملة تضم مختلف مرافقه.
وقد اعتمد التصميم الهندسي لجامع الجزائر معايير مضادة للزلازل، بإمكانه الصمود في وجه هزة بقوة 8 درجات على سلم «ريشتر»، وهو قادر على امتصاص 70 بالمائة من شدة الهزة. وبمنارته الشامخة البديعة التي تعتبر أطول مئذنة في العالم إذ يبلغ علوها 267 مترا تعانق عنان السماء وتوفر رؤية لكل الجهات على مدار 360 درجة، مما أفرح ملايين الجزائريين وكذا إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
و تتشكل المئذنة أو ( صومعة الجامع) من 43 طابقا، خصص 15 منها كفضاء لاحتضان متحف يخص تاريخ الجزائر و10 طوابق تخصص لاحتضان مركز للبحوث، بالإضافة إلى محلات تجارية.ونظرا لما يتميز به من جمالية التصميم المعماري بطرازه العصري القائم على الإبداع التكنولوجي، فقد تحول جامع الجزائر الذي يعرف لدى العامة بمسجد الجزائر الأعظم، منذ فتح فضائه المسجدي أمام المصلين، إلى قبلة سياحية و دينية  للمواطنين المقيمين، و كذلك الأجانب الوافدين إلى الجزائر سيما خلال الإجازة الصيفية المنصرمة، وهو مؤهل ليكون له دور اقتصادي و اجتماعي، من شأنه خلق نشاط وحركية حوله، سيما بعد تدشينه الرسمي وافتتاح كل مرافقه وهياكله.و يحرص الزوار حسب ما لاحظنا في عين المكان، على التقاط الصور داخل قاعة المسجد خلال افتتاحها لأداء الصلوات، وهي تتسع لحوالي 120 ألف مصل، وفي باحته أيضا وكذا على مستوى الحديقة الواقعة بمحاذاة قاعة الصلاة، والتي تحتوي على كل الأشجار والنباتات المذكورة في القرآن الكريم.
المعلم يحصد جائزة أفضل تصميم معماري لعام 2021
ونظرا لما يتميز به، جامع الجزائر من جماليات طرازه فقد حاز على جائزة أمريكية لأفضل تصميم معماري لعام 2021 مقدمة من قبل متحف شيكاغو للهندسة المعمارية والمركز الأوروبي للفنون المعمارية.
تعيين عميد وصدور المرسوم الرئاسي المحدد لتنظيمه وتسييره

عين رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في العاشر من شهر مارس الماضي، الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسيني،  عميداً لجامع الجزائر برتبة وزير، مباشرة بعد تحسن الوضع الوبائي في البلاد، وبعد أن أصبحت كل مرافق وهياكل هذا الصرح جاهزة للاستغلال، استعدادا لتنصيب أطقم تسييرها.
ويعد الحسيني الذي حظي بهذه الثقة من الرئيس للإشراف على هذا القطب الديني، أحد أشهر شيوخ الصوفية، وأيضا أحد أبرز المراجع الدينية في البلاد.
وأعقب هذا التعيين صدور المرسوم الرئاسي رقم 122-22 في الـ 17 مارس الماضي، محدّد قواعد تنظيم «جامع الجزائر» وتسييره.كما صدرت في الشهر الموالي ( أفريل 2022) المراسيم التنظيمية الخاصة بمختلف مرافق الجامع.
ويعرّف المرسوم الرئاسي ‹›جامع الجزائر›› بكونه مركز إشعاع روحي وصرح ديني وعلمي وثقافي وسياحي بامتياز، وبكونه أيضا " يلخص جمالية التصميم المعماري المتميز بطرازه العصري القائم على الإبداع التكنولوجي".
ويضطلع جامع الجزائر، في إطار احترام المرجعية الدينية الوطنية وحمايتها، أساسا، بتحقيق مجموعة من الأهداف تتعلق أساسا بـ : خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والإسهام في إحياء الشعائر الدينية، والمساهمة في تعزيز الشبكة الوطنية للمساجد عن طريق ترقية الخطاب الديني المرجعي، والتعريف بالقيم الأصيلة للإسلام، أهمها تلك المتعلقة بالتسامح والوسطية والاعتدال ونشر ثقافة العيش معا بسلام.
كما تسهم مؤسسة جامع الجزائر وفق ذات الأهداف في ترقية حوار الحضارات وإرساء روابط متينة على المستوى الدولي وتبادل البعثات ذات الصلة بمجال نشاطه، فضلا عن  إحداث تأثير ديني علمي على الصعيدين الوطني والدولي.
كما أُنيط بهذا الصرح الديني مهمة  ترقية منظومة التكوين الجامعي ذات المستوى العالي ودعم البحث والدراسات المتخصصة في المجال الديني، وتطوير السياحة الدينية وتشجيعها.
ويتولى مجلس علمي للجامع الذي وُضع تحت سلطة العميد، مهمة بث الإشعاع الديني والعلمي لجامع الجزائر على الصعيدين الوطني والدولي مع إبراز الخصوصية الدينية للمجتمع الجزائري، إلى جانب الرد على الأفكار الدخيلة التي تخالف المرجعية الدينية الوطنية.
ومن أهم المرافق التي تضُمها مؤسسة جامع الجزائر، نجد المدرسة العليا للعلوم الإسلامية التي تسمى "دار القرآن"، والتي تقرر وضعها تحت وصاية وزير الشؤون الدينية والأوقاف، فيما تمارس الوصاية البيداغوجية عليها بالاشتراك بين وزير الشؤون الدينية ووزير التعليم العالي.
وتتكفل دار القرآن بتقديم تكوين عال ومتخصص لفائدة خريجي مؤسسات التكوين والتعليم العاليين، إلى جانب ضمان تكوين إطارات مـؤهلة تأهيلا عاليا في ميدان العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكذا تحسين المستوى وتجديد المعارف لفائدة إطارات ومستخدمي قطاع الشؤون الدينية.
أما مركز البحث في العلوم الدينية وحوار الحضارات، الذي يعد هو الآخر من أهم مرافق جامع الجزائر فتتمثل المهام المنوطة به في تولي القيام ببحوث ودراسات متخصصة في مجال العلوم الدينية وحوار الحضارات، ومن بينها برامج البحث العلمي والدراسات المتعلقة بمجال ترقية قيم الوسطية والاعتدال، و تطوير قيم التسامح والعيش معا بسلام واحترام الآخر، إلى جانب ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية وإحياء التراث الديني  علاوة على ترقية الخطاب الديني وتطوير مناهج التكوين والتعليم القرآني، إلى جانب الاجتهاد في قضايا الحياة المعاصرة، والأحكام الشرعية في المسائل الخلافية. ومن الهياكل الأخرى التي تشكل جزءا ذا أهمية كبرى في هذه المنارة الدينية نجد ‘’مكتبة جامع الجزائر’’ والتي يتكون رصيدها من حوالي مليون كتاب.
و بإمكان الزائر بعد التدشين الرسمي لجامع الجزائر أن يزور  ‘’متحف الحضارة الإسلامية في الجزائر’’، وهو عبارة عن متحف عمومي وطني.
ومن أهم مرافق جامع الجزائر ذات العلاقة المباشرة بأداء الشعائر الدينية، نجد ‘’ الفضاء المسجدي ‘’ وهو عبارة عن فضاء روحي وديـني يضم قاعة الصلاة ولواحقها.
ويتكفل هذا الفضاء بتنظيم الفتوى، وترقية الإرشاد النسوي والأنشطة ذات الصلة، فضلا عن الأنشطة التي تعزز الرسالة الحضارية لجامع الجزائر وترسيخ القيم الدينية الأصيلة للمجتمع الجزائري وفق المرجعية الدينية الوطنية.

رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الدكتور أبو عبد الله غلام الله لـ "النصر"
فكرة إنشاء جامع الجزائر تعود إلى السنوات الأولى للاستقلال
* النموذج الحالي للجامع يعكس طبيعة وهوية المعمار الجزائري
أكد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف الأسبق، الدكتور أبو عبد الله غلام الله أن فكرة مشروع جامع الجزائر كانت موجودة منذ بداية الاستقلال، إلا أن شروط تجسيدها لم تتوفر سوى بعد سنة ألفين.
واعتبر غلام الله، في حوار خص به النصر، أن جامع الجزائر جاء ليؤكد أصالة وهوية الشعب الجزائري التي أراد الاستعمار الفرنسي تشويهها ومسخها، وهو أيضا رسالة وفاء للشهداء الأبرار الذين سقطوا في ميدان الشرف خلال ثورة التحرير المجيدة.

النصر: باعتباركم كنتم في وقت سابق وزيرا للشؤون الدينية والأوقاف، وواكبتم تجسيد مشروع جامع الجزائر، هل لكم أن تفيدونا كيف ظهرت فكرة بناء جامع الجزائر وما هي الخطوات التي قمتم بها لتحويل الفكرة إلى مشروع؟
د. غلام الله: جامع الجزائر مشروع كبير جدا، في مستوى الثورة التحريرية المباركة، وفي مستوى الجمهورية الجزائرية، وهو رسالة وتعبير عن استقلال الجزائر؛ وقد فكرنا بأن يجسد معنى كلمة الجامع، بأن يكون جامعا.
النصر: ولماذا تم اختيار اسم "جامع الجزائر " اسما رسميا لهذا القطب الديني؟
د. غلام الله: كانت مدينة الجزائر العاصمة منذ نشأتها الأولى، قائمة على مسجد، وفي كل طور من أطوار الحياة التي مرت بها، كان المسجد المحور الأساس في تاريخها، ففي فترة دولة الموحّدين خلال منتصف القرن السابع الهجري نجد الجامع الكبير، وفي العهد العثماني ظهر الجامع الجديد، وهكذا فالعاصمة كان لها عبر العصور مؤسسة مؤثرة في الحياة وهي مؤسسة (الجامع)، ويؤرخ للمدينة من خلال الجامع.
وفكرة بناء مشروع جامع قطب، كانت موجودة منذ بداية الاستقلال، لكن لم تتوفر الشروط لانجازها وتجسيدها في الميدان إلا بعد سنة 2000م أين انطلقت فعلا المرحلة التي تجسّد مشروع جامع الجزائر على أرض الواقع، لتكريس المرجعية الوطنية ويؤكد أصالة وهوية الشعب الجزائري التي أراد الاستعمار الفرنسي تشويهها ومسخها، وهو أيضا رسالة وفاء للشهداء الأبرار الذين سقطوا في ميدان الشرف خلال ثورة التحرير المجيدة.
النصر:  هل كانت الإمكانيات المادية وحدها هي المانع والحاجز أمام تجسيد فكرة جامع الجزائر بعد فجر الاستقلال و العشريات التي تلته؟
د. غلام الله: لم تكن الإمكانيات المادية فقط هي المانع وإنما كانت هناك للدولة الجزائرية انشغالات أخرى، نظرا لحجم التحديات التي كانت تواجهها نظرا لتفشي الأمية بنسبة حوالي 90 بالمائة من السكان كما أن الاقتصاد كان منهارا وغير ذلك من المشكلات الكبرى التي كانت تعاني منها الجزائر جراء جرائم الاحتلال الفرنسي، فتم تكريس العشر سنوات الأولى من الاستقلال للخروج من الأمية وتوفير إمكانيات وفرص التعليم، ثم جاءت مراحل ذات أولوية مهمة وملحة مثل بناء الاقتصاد والشروع في التنمية بمختلف مجالاتها.
كما كانت ثمة صعوبات وعراقيل مرتبطة بأزمة انهيار أسعار النفط في منتصف الثمانينيات قبل أن تأتي مشكلة الإرهاب في التسعينيات.
النصر: ما هي الخطوات الميدانية الأولى التي تم قطعها في إنجاز هذا الصرح الديني؟
د. غلام الله: عندما أسندت لي حقيبة وزير الشؤون الدينية والأوقاف في العقد الماضي، كنت اشد قناعة بضرورة إنجاز فكرة جامع الجزائر، وقد زاد من يقيني الظروف المواتية كالراحة المالية للبلاد، فطلبت من رئاسة الجمهورية آنذاك تنفيذ المشروع وتلقيت ردا إيجابيا على طلبي.
فأعلنا عن مناقصة وطنية ودولية من أجل تصميم نموذج لجامع الجزائر، وتلقينا مشاركة واسعة تجاوزت 18 نموذجا، وبعد دراستها وقع الاختيار على النموذج الذي قدمته مؤسسة ألمانية، وهو النموذج الحالي الذي يوجد عليه جامع الجزائر.
وقد اعتمدنا في اختياره على معايير دقيقة وفي مقدمتها طبيعة وهوية المعمار الجزائري.

النصر:  يقال أن بعض المعارضين للمشروع تحججوا بعدم صلاحية الأرضية التي أنجز عليها ما حجتهم في ذلك؟
د. غلام الله: الذين كانوا يعارضون تشييد جامع الجزائر منذ البداية، كانوا يبحثون في كل مرحلة عن الأسباب والحجج التي تدفع السلطة إما إلى التراجع أو تؤجل انجاز جامع الجزائر، ونظرا لحجم هذا الصرح الديني، قمنا بدراسات علمية متخصصة وعالية الدقة للأرضية التي شيد فوقها، وقد تجاوزت الدراسات في مقاومة الأرضية مسافة التسعين (90) مترا عمقا تحت سطح الأرض، وقد أثبتت الدراسات المتخصصة أن الأرضية قادرة على تحمل ضخامة هذا الهيكل الكبير.
 وللأسف فإن بعض أعضاء الجمعية الجزائرية للمهندسين كانوا يشككون، ولأن الدراسة التقنية كانت متوفرة، فقد عرضناها على المسؤولين الذين اقتنعوا بها.
النصر:  لماذا وقع الاختيار على منطقة المحمدية كموقع لبناء مسجد الجزائر؟
د. غلام الله: إن اختيار المكان الذي بني فيه جامع الجزائر بالمحمدية، كان مجرد مصادفة، وكان من أشق المسائل التي اعترضتنا في المشروع كله، فكل مكان أو منطقة اقترحناها إلا ووجدنا معارضة، ومن بين الأماكن التي اقترحناها كانت المنطقة القريبة من مقبرة العاليا، ومساحتها كبيرة وواسعة، لكن وزير الفلاحة آنذاك اعترض وقال أن هذه الأرض تابعة للمعهد الوطني للهندسة الفلاحية، و تقام فيها التجارب والدراسات التطبيقية لطلبة المعهد.
النصر: كيف جاء التفكيرفي الهياكل التي يتكون منها جامع الجزائر؟
د. غلام الله: ومن المرافق التي فكرنا في ضرورة توفرها، وجود متحف وقد استوحينا الفكرة من متحف قرطبة المتميز، ولكن إضافتنا تكون بأن نجعل المتحف في المئذنة عبر طوابقها، بحيث أن السائح عندما يزور جامع الجزائر، يصعد إلى أعلى المنارة، باستعمال المصاعد، فإذا نزل مشيا على الأقدام، يجد في كل طبقة من طبقات المنارة عصرا من عصور تاريخ الجزائر، فيكون الهدف من المتحف هو تقديم تاريخ الجزائر للزائر بطريقة جيدة وذواقة وبأسلوب حديث.
كما جاءت مختلف المرافق الأخرى للجامع تماما مثلما اقترحتها على غرار إطلاق اسم دار القرآن، على المعهد العالي لتكوين الأئمة، إلى جانب إنشاء المركز الثقافي الذي يحتوي على قاعة محاضرات كبرى تتناسب مع مكانة وحجم جامع الجزائر، إضافة إلى مكتبة ضخمة ورقية وإلكترونية مع توفير الأجهزة الحديثة المطلوبة، التي تساعد القراء والباحثين الذين يقصدون المكتبة. من جهة أخرى كنا أشد حرصا على توفير المرافق والإمكانيات التي تلبي حاجة السائح والخدمات التي تناسب يوما كاملا من الزيارة، على أن يتم إنجازها بالطرق والأساليب الفنية المبتكرة لتوفير الأجواء المناسبة التي تبهج الزائر وهو ما تحقق أيضا.
حاوره: عبد الحكيم أسابع

عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين  موسى عبد اللاوي
الجامع مرفق هام لتكوين علماء الدين
أكد الدكتور موسى عبد اللاوي، عضو الهيئة العلمية الاستشارية العليا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعضو مكتبها الوطني على أهمية وجود جامع الجزائر كصرح ديني، يكرس المرجعية الوطنية الجزائرية، إضافة إلى كونه معلما تاريخيا وحضاريا ورمزا للدولة الجزائرية، حاضنة الإسلام الوسطي المعتدل.

وأبرز الدكتور عبد اللاوي، الأكاديمي، وعضو  الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، أهمية المرافق التي يتوفر عليها هذا المعلم ذو الطابع المعماري الإسلامي والخصوصية الجزائرية، الذي قال أنه جاء مطابقا للمواصفات التي كان يطمح إليها الجزائريون منذ فجر الاستقلال، خاصة وأنه يضم مرافق تضاهي تلك المعاقل التاريخية لنشر وتعليم الإسلام، في عدد من البلدان العربية والإسلامية.
وبين في هذا الصدد أهمية المدرسة العليا لتكوين الأئمة ( دار القرآن)، ذات البعد الإفريقي، التي تعد من بين أهم مرافق الجامع، والتي ستعزز تأطير الشبكة الوطنية للمساجد، وشبكة المساجد الإفريقية، بعلماء الدين والأئمة الذين سيتلقون – كما قال – تكوينا رصينا متخصصا وطويل المدى، ليتخرجوا حاملين لشهادات الليسانس والماجستير والدكتوراه، فضلا عن ضمان التكوين المستمر للأئمة القدامى التابعين لقطاع الشؤون الدينية الذين سبق لهم أن تلقوا تكوينا تقليديا.
كما أبرز المتحدث وهو مدير سابق للشؤون الدينية بولاية الجزائر، أهمية وجود، مِقْرَأة وطنية ضمن مرافق هذا المركب الديني لتخريج المقرئين الجزائريين وتنظيم هذا المجال الهام من خلال منح إجازات للمقرئين.
وبعد أن أشار إلى الأهمية التي ستوليها هذه المؤسسة لإحصاء الأوقاف وتطويرها من خلال المخبر الذي أنشئ لهذا الغرض، أكد الدكتور موسى عبد اللاوي، أيضا على  أهمية الدور الاقتصادي الذي سيلعبه جامع الجزائر، في تأجير قاعات المحاضرات الكبرى، التي يتوفر عليها، لمختلف الهيئات والمؤسسات والقطاعات الأخرى لتنظيم الأيام الدراسية والملتقيات، من أجل تحصيل مداخيل لضمان التمويل الذاتي سيما وأن ميزانية تسيير هذا المركب  ضخمة نظرا للتعداد الكبير لمستخدميه.
من جهة أخرى أكد عضو المكتب التنفيذي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين على أهمية إنشاء ‹› مجمع فقهي جزائري يتكون من أقطاب المرجعية الدينية الوطنية ويكون على رأسه عميد الجامع ليشكل المرجع الأساسي للفتوى›› على غرار ما هو معمول به في المؤسسات الدينية المرجعية المعروفة في البلاد العربية كالأزهر الشريف وجامع الزيتونة وغيرهما.
ع.أ

الأستاذ محند عزوق مدير التوجيه الديني وإدارة المساجد بوزارة الشؤون الدينية
عنوان الانتماء الحضاري للجزائر
أكد الأستاذ محند عزوق مدير التوجيه الديني وإدارة المساجد بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أن إنشاء جامع الجزائر، مكن بلادنا من استكمال بناء مؤسساتها الدينية والعلمية والمعرفية والثقافية، معتبرا أن هذا الصرح الديني يعتبر أكبر تحد كسبته الجزائر الجديدة.

وأوضح الأستاذ عزوق في تصريح للنصر أن الجزائر التي كانت تتوفر في السابق على مؤسسات كثيرة، ‹› هي في أشد الحاجة اليوم إلى مواكبة العصر بمؤسسة بهذا الحجم وهذه الأهمية، لضمان المحافظة على القيم الدينية والوطنية و تعزز المرجعية الدينية».
وأعرب المتحدث عن يقينه بقدرة مؤسسة جامع الجزائر بما تحتويه من مرافق وهياكل، على غرس الثقافة الدينية الإسلامية الأصيلة والصحيحة، مضيفا أن ‹› هذه المعلمة هي عنوان الانتماء الحضاري للجزائر خاصة وأن هذا المسجد الجامع الذي ستؤدى فيه العبادات ومختلف النشاطات الدينية والاحتفالات الدينية الكبرى، وحتى الاحتفالات ذات البعد الوطني، كفيلة من خلال  المرافق المدمجة أن تؤسس للمعرفة للتأسيس لبناء الإنسان وتشكيل الوعي الحضاري سيما وأنها تتضمن  كراس علمية وفضاءات للفتوى والإقراء والإرشاد الديني والخطابة والدروس المسجدية.
وبعد أن أسهب في إبراز أهمية المرافق الأخرى لجامع الجزائر كالمعهد العلمي لتكوين الأئمة، ذي البعد الإفريقي والمكتبة التي تتوفر على مليون كتاب، وأشار مدير التوجيه الديني وإدارة المساجد بوزارة الشؤون الدينية إلى الآمال المعلقة على هذا الصرح الديني في تنشيط السياحة الدينية وترقيتها.
كما أشار الأستاذ محند عزوق، إلى الأدوار المنتظر أن يلعبها جامع الجزائر من أجل جمع كل فئات المجتمع والمصادر المتعددة لثقافة المجتمع الجزائري، وتحقيق انتقال حضاري جديد في مستوى التحديات التي راهنت عليها الجزائر منذ فجر الاستقلال.
وأضاف المتحدث بأن هذا الصرح الديني، مرشح لكي يؤدي أدوارا اجتماعية كبيرة في المستقبل وذلك من خلال الأعلام والمفكرين الذين سيشرفون على تسيير هذه المؤسسة، وجمع شمل الجزائريين وتوحيد صفوفهم.
وبخصوص رمزية المكان الذي بني الجامع على أنقاضه في منطقة المحمدية قال إن ذلك يؤكد رفض المجتمع الجزائري الانتماء إلى حضارة أخرى أو إلى أي دين آخر، سوى هذا الدين الذي جاءنا به المصطفى صلى الله عليه وسلم وحملت المدينة اسمه الكريم والشريف صلى الله عليه وسلم.
ع.أ

الرجوع إلى الأعلى