توصيلات عشوائية وانعدام التهوية وراء كوارث الغاز

يقوم مواطنون بتوصيلات عشوائية لأجهزة التسخين المنزلية، تشكل خطرا على حياتهم، كما يتسبب انعدام التهوية بالسكنات في الاختناقات بالغازات المحروقة، ما جعل حصيلة الضحايا ترتفع في أول عشرة أشهر من السنة الجارية بنسبة 42 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة بولاية قسنطينة.

روبورتاج: حاتم بن كحول

وسطرت المديرية العامة للحماية المدنية برنامجا حول الوقاية من خطر الاختناق بالغازات المحروقة، يتمثل في تنظيم حملات تحسيسية انطلقت صبيحة أمس، على مستوى المناطق العمرانية الجديدة، والتي عادة ما تعرف قيام أصحاب السكنات الواقعة بها بتغييرات على مستوى الشقق تتسبب في غلق كل منافذ التهوية.
وتوجهت أمس، قافلة تحسيسية مشكلة من أعوان الحماية المدنية وممثلة عن مديرية الصحة وعضو من المكتب الولائي للمنظمة الوطنية لحماية المستهلك، إلى التوسعة الغربية للمقاطعة الإدارية علي منجلي، من أجل الشروع في عملية طرق الأبواب وتقديم نصائح وإرشادات للقاطنين في السكنات الجديدة التي وزعت قبل أسابيع.
132 ضحية تعرضت للاختناق في أول 10 أشهر
وكشفت الحصيلة المقدمة من طرف مديرية الحماية المدنية لولاية قسنطينة، التي تتضمن الأرقام  المسجلة السنة الماضية وأخرى في السنة الجارية، عن ارتفاع كبير في عدد الضحايا، حيث تم تسجيل 42 عملية خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2021، وبلغ عدد التدخلات 77 وعدد المسعفين 97 منهم 33 طفلا و20 رجلا و44 امرأة، وبلغ عدد الوفيات 9 منهم 4 أطفال و3 رجال وامرأتين.
وارتفعت الحصيلة خلال أول عشرة أشهر من السنة الجارية، بعد أن سجلت ذات المصالح 50 عملية، و110 تدخل وبلغ عدد المسعفين 132 منهم 47 طفلا و29 رجلا و56 امرأة وبلغ عدد الوفيات 7 منهم 4 رجال و3 نساء، ومن خلال الأرقام المسجلة تبين أنه يوجد ارتفاع في عدد التدخلات بنسبة 42 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، إضافة إلى زيادة في عدد المسعفين بنسبة 36 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة فيما انخفضت نسبة الوفيات.
وأدى هذا الارتفاع إلى مسارعة مصالح الحماية المدنية، لتنظيم حملات تحسيسية بغية المساهمة في تخفيض الحصيلة، لتكون بداية الحملة من عمارة بالتوسعة الغربية، وزعت سكناتها قبل أسابيع قليلة في إطار منح السكن الاجتماعي لمستحقيه، ورغم أن كل السكان التحقوا بسكناتهم مؤخرا إلا أن طريقة استعمالهم للأجهزة الغازية تشكل خطرا على حياتهم.
فراغات بين القنوات الطاردة للغازات وفتحات التهوية
وخلال عملية طرق الأبواب سمح بعض المواطنين بولوج أعوان الحماية المدنية لبيوتهم من أجل تلقي الشروحات والنصائح اللازمة، ووقف الوفد المحسس في أول شقة على عدة ملاحظات منها استعمال صاحبها أنبوب بلاستيكي موصول بالأنبوب الرئيسي للغاز والمؤدي مباشرة للمدفئة، وهو ما يجعل حياة قاطني هذا السكن مهددة، بما أن الأنبوب مهدد بالإتلاف في أي لحظة كون مادة البلاستيك لا تصمد أمام الغاز عند الاستعمال لساعات، وكان من الأجدر استعمال أنبوب نحاسي حسب أعوان الحماية المدنية.
وشدد النقيب بمديرية الحماية المدنية، سمير بن حرز الله، على ضرورة تغيير الأنبوب البلاستيكي بآخر نحاسي في أسرع وقت، كما قدم نصائح لصاحب السكن الذي كان شابا إلا أنه يجهل الكثير من المخاطر التي قد تودي بحياته وبقية أفراد أسرته، منها لون الشعلة بالمدفئة، والتي أكد بشأنها النقيب أن اللون البرتقالي يعني أنه لا يوجد احتراق جيد للغازات وبالتالي وجب إطفاء الجهاز في الحين وفتح النوافذ من أجل التهوية، أما إذا كان لونها أزرق فيعني أنه توجد تهوية. تنقلنا بعدها إلى الطابق العلوي، من أجل توعية الجار الثاني، أين تم الوقوف على بعض التوصيلات العشوائية التي تهدد حياة قاطني السكن، ومنها فراغات كبيرة بين القناة الطاردة وفتحة التهوية، ما جعل الملازم بمصلحة الوقاية بخلية الإعلام والاتصال شبيرة فاتح، يتدخل ويؤكد أن الغازات المنبعثة يمكن أن تتجمع بالقناة الطاردة ثم تتسرب إلى داخل المنزل، كما نصح صاحب البيت باقتناء قناة طاردة أكثر صلابة لأن المستعملة لينة ويمكن أن تتعرض لثقوب بكل سهولة.
و توجهنا إلى سكن آخر لنجد نفس التصرفات التي تهدد حياة المواطنين، والمتمثلة أساسا في التوصيلات العشوائية لأجهزة التسخين الغازية، حيث يستعمل صاحب هذا السكن والذي كان شابا أيضا أنبوبا بلاستيكية عوض آخر نحاسي، ليقوم أعوان الحماية المدنية بمطالبته باستعمال النوع الثاني الذي يعد أكثر أمانا.
استعمال أنابيب «الطابونة» بالمدافئ
وعند ولوجنا إلى هذه السكنات شعرنا بحر شديد، جراء تشغيل المدفأة مع عدم فتح نوافذ المنزل، لنستفسر أصحاب السكنات عن السبب، وردوا أنهم استيقظوا من النوم بل لحظات فقط وهو ما جعل الحرارة تنتشر داخل البيت.
كما لاحظنا أن جل سكان هذه العمارة يضعون سخان الماء في المطبخ، عوض تغيير مكانه إلى النافذة أو وضعه في مكان به تهوية، كما لم يكبّد كل القاطنين في العمارة أنفسهم عناء تغيير الأنابيب البلاستيكية الموصولة بالمدافيء التي وجدوها بالسكن عند تسلمه، ووقفنا على بعض الحالات الخطيرة على غرار استعمال عائلة لأنبوب مطاطي انتهت مدة صلاحيته سنة 2019، موصول بآلة الطبخ، إضافة إلى استعماله أيضا لأنبوب بلاستيكي موصول بالمدفئة.
ولم يختلف الأمر كثيرا بين القاطنين في هذا الحي، حيث صادفنا أن مواطن آخر يستعمل طارد للغازات متلف كليا وبه ثقوب حاول ترقيعها بوضع ملصقات من مادة الألمنيوم، وهو ما يجعل طارد الغاز مرشحا لتسريب الغازات المحترقة في أي لحظة، كما وقفنا عند استفسار المواطنين على أنهم استنجدوا بأشخاص غير مختصين ومؤهلين في عمليات التوصيل، لنتأكد بعدها سبب استعمال كل السكان بأنابيب بلاستيكية موصولة بمدافيء، حيث لم نعثر على شخص واحد استعمل أنابيب نحاسية.
وأكدت ممثلة مديرية الصحة للمواطنين عند تدخلها لتقديم بعض النصائح الطبية، أن الصداع الذي يشعر به الشخص على مستوى الرأس لما يكون في بيته، ليس بالضرورة أن يكون بفعل المرض، وقد يكون ناتجا عن تسربات غازية لم يتفطن لها، ويشرع مباشرة في تناول أدوية مهدئة للآلام، رغم أن الغاز هو الذي توغل داخل الجسم، مضيفة أن المرحلة الثانية تكون الإغماء ثم الاختناق، ليتدخل النقيب بن حرز الله ويؤكد أن الغازات المحترقة لا رائحة لها ولا ذوق ولا لون ولا صوت، ما يجعلها من أخطر الغازات المؤدية للوفاة.
وتواصلت عمليات طرق الأبواب، لنلج إحدى الشقق أين استقبلنا شاب في العشرينات من عمره، ونجد «الكارثة» كما وصفها النقيب بن حرز الله، والمتمثلة في استعمال هذه العائلة لأنبوب مطاطي مخصص للاستخدام بموقد الغاز التقليدي، كأنبوب توصيل للمدفأة «طابونة» وهو أمر ممنوع تماما حسب ما أكده المتحدث.
وقدم الملازم شروحات مستعجلة للشاب مطالبا إياه بإيصالها لوالديه، متمثلة في أن الأنبوب المطاطي يستعمل في الموقد أو بجهاز الطبخ، لأن فترة استخدامه قصيرة وتمتد من ساعة إلى ساعتين، ولكنه لن يصمد لمدة 24 ساعة متتالية بما أن المدفأة تستعمل طيلة النهار والليل وخاصة في فصل الشتاء، وعند إلقاء نظرة على سخان الماء تفاجأ الجميع بأن العائلة تستعمل أيضا نفس الأنبوب المطاطي إضافة إلى أنه غير مثبت تماما ويمكن نزعه بسهولة تامة وهو ما يشكل خطرا على العائلة.
يستعملون أنابيب بلاستيكية بدلا من النحاسية
واستحسن المواطنون هذه الحملة التحسيسية كثيرا، خاصة وأن جلهم إن لم يكن كلهم لم يكونوا يعلمون بتلك المعلومات الوقائية، رغم أن جل الذين استفادوا من عملية التوعية من الشباب، حيث أكدوا جهلهم بشأن لون الشعلة، وكذا بخصوص استعمال الأنابيب البلاستيكية عوض النحاسية الموصولة بالمدافيء، إضافة إلى جهلهم أن الأنابيب المطاطية لها تاريخ صلاحية، وكذا ضرورة تهوية المنزل ووضع جهاز تسخين المياه خارج المطبخ وبمكان مفتوح، والأكثر من ذلك جهلهم أن الغازات المحترقة لا رائحة لها ولا لون ولا صوت ويمكن أن تتسرب دون علم الشخص، وهي من أكثر الأنواع التي تفتك بالضحايا.
كما اتضح أن جل المواطنين لا يقومون بتنظيف المدافيء بين كل استعمال وآخر، أي في الفترة الحالية والتي تتزامن مع حلول فصل الشتاء، كما يستعينون بأي شخص له خبرة في التعامل مع التوصيلات الخاصة بأجهزة التسخين الغازية، دون مختص أو مؤهل في مجال الترصيص، والدليل على ذلك قيام أحد الأشخاص بوضع توصيلات بلاستيكية لعدد كبير من السكان في عمارة واحدة، عوض استعمال أنابيب مصنوعة من مادة النحاس.
ووعد المستفيدون من هذه الحملة التحسيسية، بالاستجابة لتلك النصائح والتوصيات التي طالب بها أعوان الحماية المدنية، وثمنوها خاصة وأنها قد تكون سببا في إنقاذ حياتهم وبقية أفراد أسرهم وعائلاتهم، وأكدوا أنهم سيشرعون في تغيير تلك الأنابيب البلاستيكية واعتماد توصيلات وفق المعايير المعمول بها، مع ضمان تهوية دائمة في المنزل سواء في الفترة الليلية أو في النهار.

* النقيب سمير بن حرز الله
انعدام التهوية بالسكنات سبب أغلب حالات الاختناق
أكد النقيب بن حرز الله سمير، رئيس مكتب التوثيق والإحصاء بمديرية الحماية المدنية بقسنطينة، أن أغلب حالات الاختناق المسجلة على مستوى المديرية، سجلت بسبب انعدام التهوية بالسكنات، وهو ما جعله يصر ويركز خلال الحملة التحسيسية على ضرورة فتح النوافذ وفسح المجال أمام تغيير الهواء الذي قد يكون ساما جراء انبعاث الغاز.
وأضاف أن التوصيلات العشوائية أيضا تسببت في عدة اختناقات هذه السنة، وتأكد المتحدث خلال عملية طرق الأبواب أن تهاون المواطنين في طريقة استعمال المدافيء عنصر أساسي في ارتفاع حصيلة الضحايا، متحدثا عن نقطة مهمة حسبه والمتمثلة في تفادي إجراء تغييرات على مستوى الشقق تتسبب فيما بعد في غلق منافذ التهوية على صاحب السكن وبقية الجيران.
* الملازم شبيرة فاتح بخلية الإعلام والاتصال
الغازات المحترقة خطيرة لهذه الأسباب
حذر الملازم بخلية الإعلام والاتصال بمديرية الحماية المدنية لولاية قسنطينة، فاتح شبيرة، من خطر تسرب الغازات المحترقة، موضحا أن الشخص لا يتفطن لانبعاثات هذا النوع من الغاز حتى وإن كان واعيا ومستيقظا، لأنه لا رائحة له ولا لون ولا صوت ولا ذوق، وأكثـر ما يشعر به الشخص هو صداع على مستوى الرأس، موضحا أن القافلة التحسيسية انطلقت أمس، من أجل التوعية بشأن الوقاية من مخاطر الغازات المحترقة في الفترة الحالية التي تتزامن مع فصل الشتاء واستعمال المدافيء، موضحا أن الغرض الأول هو حث العائلات على القيام بالإجراءات الوقائية، متحدثا عن تجاوب المستفيدين من الحملة مع النصائح المقدمة.

الرجوع إلى الأعلى