انتهت أمس مغامرة «الشان» بقسنطينة، وانتهت معها الأجواء الرائعة التي صنعها الجمهور القسنطيني داخل الملعب وخارجه، لتبقى تلك الصور راسخة في أذهان ضيوف الولاية، الذين يتمنون العودة إليها بعد وقوفهم على تنظيم محكم على جميع المستويات شهد له الأجنبي قبل المحلي.

روبورتاج: حاتم بن كحول

ونجحت قسنطينة في رهانها باحتضان 4 مباريات من بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين، من خلال الإجراءات التي جسدتها على أرض الواقع والتي سمحت بإجراء هذه المنافسة القارية الإفريقية في أفضل الظروف، حيث ارتدت عاصمة الشرق ثوب الولاية النموذجية في التنظيم الرائع ما يوحي أنها أعلنت عن جاهزيتها لاحتضان منافسة قارية أكبر على غرار كأس الأمم الإفريقية «الكان».
وأكدت ولاية قسنطينة أنها جاهزة تماما لاحتضان منافسات قارية من جميع النواحي سواء فيما يتعلق بالمرافق والمنشآت الرياضية أو السياحية أو المحلية، أين سارت الأمور بشكل جيد طيلة فترة إجراء المباريات والتي كانت آخرها أمس، بمناسبة مواجهة منتخبي مدغشقر وموزمبيق، ليستحق القائمون على التنظيم العلامة الكاملة بعد المجهودات المبذولة في كل الميادين المعنية بالمنافسة.
فنادق في المستوى وملعب أتاح ممارسة «كرة جميلة»
وضبطت السلطات الولائية كل الأمور منذ محط أول طائرة تقل بعثة المنتخبات المشاركة في «الشان»، أين كان في انتظارهم مسؤولون بالولاية، واستقبِلوا بالورود والفرق الموسيقية الشعبية على غرار الهدوة وصولا إلى الفنادق المعنية بإيوائهم، كما وجد ضيوف قسنطينة كل الظروف المثالية خلال إقامتهم على مستوى 4 فنادق، ووقفت النصر على ذلك من خلال تواجدها في فندق «ألكسندر توليب» أين وضع منتخبو مدغشقر وغانا في أفضل الظروف.
كما تلقت المنتخبات الأربعة التي احتضنتها الولاية والمتمثلة في كل من السودان، غانا، مدغشقر وأخيرا موزمبيق، كل التسهيلات خلال تحضيراتها للمباريات، سواء من خلال توفير النقل وضمان سلاسة حركة المرور، وإتاحة 3 ملاعب للتدريبات مجهزة بأرضيات رائعة تحت تصرفها، وهو ما لمسته النصر خلال تنقلها لتغطية تدريبات المنتخبات المعنية.
ودائما من الناحية الرياضية، فقد نجح القائمون على التنظيم في توفير كل سبل الراحة للمنتخبات وكذا الجماهير الإفريقية التي استقبلت بحرارة من أبناء قسنطينة، بعد أن وجد اللاعبون أرضية عالمية أشادوا بها كثيرا، إضافة إلى غرف تغيير ملابس تليق بحجم هذه المنافسة، فيما وجد الصحفيون الأجانب كل التسهيلات من أجل تأدية مهامهم بداية من المنصة المخصصة لهم، أو مقر مزود بتدفق عال للانترنت يمكنهم من إرسال مقالاتهم الصحفية، دون إغفال توفير قاعة تمكنهم من الأكل والشرب قبل وأثناء وبعد المباريات.
كما ساهمت الجماهير القسنطينية في إنجاح التظاهرة الرياضية من خلال التواجد الغفير داخل الملعب، حيث صنعت مختلف شرائح المجتمع بفئاتها العمرية المختلفة الحدث بالملعب بعد تفاعل الأطفال والشيوخ والنساء والرجال مع المنتخبات الإفريقية، رغم الظروف الجوية القاسية بسبب البرد القارس وتهاطل الأمطار والثلوج، حيث لم تثن عزيمة الجمهور القسنطيني في التوافد بقوة على مدرجات ملعب الشهيد حملاوي.
وأظهرت الجماهير تحضرا كبيرا داخل الملعب وخارجه، من خلال السلوك الرائع الذي صنعت به الحدث من خلال تشجيع كل المنتخبات دون إساءة، مع احترام البروتكول الجديد المعمول به في مثل هذه المنافسات والذي تجاوبت معه الجماهير رغم عدم تعودها عليه، وتمثل التميز أيضا في الأهازيج الممجدة للوطن والمرحبة بالضيوف، مع التشجيع على الطريقة الإفريقية باستعمال «الفوفوزيلا» ورفع أعلام الدول المعنية بالمنافسة الرياضية.
وبعيدا عن الرياضية فقد نجحت أيضا قسنطينة في إبراز أجمل صورة، من خلال التحسينات الكثيرة وتزيين مختلف المحاور الرئيسية ما حسن كثيرا من المنظر العام للمدينة وبعض المناطق الأخرى، بعد أن عمدت البلديات المعنية بالتظاهرة على غرار قسنطينة والخروب والمقاطعة الإدارية علي منجلي إلى إنهاء كل الترتيبات الخاصة باستقبال الوفود المشاركة في المنافسة الإفريقية.
شوارع نظيفة ومحاور مزينة
وقف مواطنو ولاية قسنطينة على التغيير الجذري في توفر النظافة بمختلف الطرق والمحاور والأحياء وخاصة على مستوى بلديتي الخروب وقسنطينة، بعد أن ظهرت مختلق المناطق نظيفة في أبهى حلة، وهو ما مكن من إبراز صورة راقية عن قسنطينة خصوصا وعن الجزائر عموما.
وحسب ما أكده منتخبون ببلدية الخروب ومديرو مؤسسات النظافة للنصر، فقد تم تنظيف كل المسالك والمحاور والطرق والمجمعات السكنية داخل إقليم هذه البلدية، ما مكن من رفع أطنان من القمامة الصلبة والمنزلية، مع ضمان نظافة على مستوى المناطق المعنية منذ فترة لا تقل عن شهر، وهو ما استحسنه السكان كثيرا.
عمليات النظافة رافقتها عمليات تحسين المنظر العام، وذلك من خلال إزالة أزيد من ألفي توسع فوضوي على مستوى الخروب وقسنطينة، كانت تشوه صورة بعض الأحياء وخاصة الواقعة على مستوى المحاور الرئيسية، سواء كانت توسعات قام بها سكان أو تجار، إضافة إلى إزالة كل اللوحات الإشهارية غير المرخصة والتي كانت تغزو واجهات المدن والأعمدة وغيرها من الأماكن التي تتيح الإشهار بطريقة غير قانونية.
المنظر الجميل الذي ظهرت به قسنطينة، كان لن يتحقق دون توفير إنارة عمومية من نوع «لاد»، حيث منحت هذه الإضاءة جمالا لمختلف الطرق، وخاصة التي كانت غارقة وسط الظلام الحالك، على غرار التي تربط بين الخروب وعلي منجلي وكذا قسنطينة وعلي منجلي، وقسنطينة والخروب، كما عملت بلدية قسنطينة على تزيين الجسور المعلقة بوضع أضواء ملونة زادت من جمالها ومنحتها صورة رائعة أبهرت سكان الولاية قبل ضيوفها الأجانب.
ولم تترك قسنطينة مجالا للصدفة خلال استعداداتها لاحتضان المنافسة الإفريقية، وهو ما تجسد عند إجرائها وتأكد بعد نهايتها، من خلال سلسلة من التدابير في القطاع الصحي، أين تم تخصيص مصلحة الاستعجالات للوفود المشاركة في «الشان» مع توفير سيارات إسعاف خاصة، وكذا أجهزة طبية حديثة ومتطورة، على غرار «إيارام» و»سكانير»، إضافة إلى تحسين هذا المرفق الصحي والذي بدأ يسترجع بريقه بمرور الأيام، كما وفرت مديرية الصحة أطقما طبية تتواجد بالملعب وتسهر على سلامة وصحة اللاعبين والجماهير وكل الحاضرين.
مخططات أمنية لتسهيل حركة المرور
وساهمت الأجهزة الأمنية في هذا النجاح الباهر الذي حققته الولاية، سواء تعلق الأمر بمصالح الأمن أو الدرك الوطني أو وحدات الحماية المدنية، حيث لعبت شرطة قسنطينة دورا بارزا في توفير الأمن بكل المناطق وخاصة المعنية باستضافة الوفود الأجنبية، من خلال تنظيم دوريات ليلية مست عدة نقاط سوداء، كما لعبت دورا كبيرا في تسهيل حركة مرور الحافلات التي تقل الأجانب وحتى الجماهير التي تنقلت إلى ملعب الشهيد حملاوي.
وضبطت مصالح الأمن والدرك كل حسب قطاع اختصاصه، مخططا مروريا يسمح بضمان سلاسة بحركة المرور انطلاقا من كل البلديات إلى ملعب حملاوي، من أجل تسهيل مهمة تنقل الجماهير إلى الملعب، ويتمثل في تواجد رجال الشرطة أو الدرك بالمحاور التي غالبا ما تعرف ازدحاما مروريا، وصولا إلى مدخل الملعب، أين تم غلق الطريق المؤدية للملعب على بعد 200 متر تفاديا لحدوث اختناق بالقرب من المنشأة الرياضية خاصة وأن معدل الجماهير يصل إلى 20 ألف متفرج في كل مباراة.
برنامج ثري للترويج للسياحة وأجانب ينبهرون
كما لم تكتف ولاية قسنطينة بإظهار أفضل صورة من حيث النظافة وتزيين المحيط، وضمان الأمن والتكفل الصحي، بل أبدعت بطريقة الترويج للسياحة الداخلية، من خلال ضبط برامج سياحية للوفود الأجنبية مست أبرز المعالم السياحية والثقافية والتاريخية للولاية، على غرار نقل بعثات «الكاف» و»الفيفا» إلى نصب الأموات والجسور المعلقة وكذا متحف سيرتا، قصر أحمد باي، مسرح قسنطينة ومركز الثقافة مالك حداد.
وانبهرت الوفود الأجنبية بالتراث الثقافي والتاريخي الغني بقسنطينة، إضافة إلى المعالم السياحية التي جعلتها لا تتردد في التقاط مئات الصور بها، حيث وصف الأجانب الولاية بالجوهرة من كل النواحي، خاصة وأن هذه الخرجات السياحية ساهمت أكثر في التعريف بقسنطينة التي تسير في الطريق لأن تصبح مدينة سياحية بامتياز لما تتوفر عليه من مرافق وإمكانيات أثارت إعجاب الأوروبيين والأمريكيين والآسيويين والأفارقة.
كما خرجت بلدية الخروب عن المألوف، من خلال تكريم الوفود التي أقامت بفندق «غولدن توليب أكسندر»، بتواجد ممثلين عن البلدية لزيارة مجاملة لبعثة منتخب مدغشقر أين تم تقديم بعض الهدايا الرمزية على أعضائها، وهي المبادرة التي لقيت استحسانا كبيرا من طرف ضيوف البلدية الذين انبهروا لكرم وطيبة الشعب القسنطيني.
«شكرا قسنطينة»
ولعبت جريدة النصر دورها في الإشهار لهذه المنافسة مع ضمان تغطية مميزة لها سواء داخل الملعب أو خارجه، تكملة للمجهودات المبذولة من طرف القائمين على بقية القطاعات والمجالات، ومن خلال احتكاكنا بالوفود المشاركة بالشان، لمسنا امتنانا كبيرا من طرف الأفارقة وغيرهم من القارات الأخرى على كل ما قدمته قسنطينة، مختصرين كل الترحاب والضيافة والكرم والتشجيع الذي وجدوه من الشعب والمسؤولين بالولاية بجملة «شكرا قسنطينة، نتمنى العودة في كان 2025».
وأجمع كل من نائب وزير الرياضة الغاني، إيفانس أبوكو، ورئيس بعثة منتخب مدغشقر ومدرب منتخب السودان ولاعبو المنتخبات الثلاثة التي حطت بقسنطينة متمثلة في غانا ومدغشقر والسودان، أنهم انبهروا لكل ما وجدوه في هذه الولاية، مشيدين بالتنظيم والظروف لتي أجريت فيها المباريات داخل وخارج الملعب، واتفقوا على أنهم يمنحون العلامة الكاملة لقسنطينة، وذكروا أن الجزائر بعد كل ما شاهدوه وما عاشوه فيها تستحق أن تحتضن منافسات أكبر بكثير من «الشان»، مؤكدين دعمهم المطلق للجزائر في سبيل احتضان منافسات قارية أخرى.            ح.ب

الرجوع إلى الأعلى