تشهد صناعة الأحذية في الجزائر انتعاشا كبيرا في الأشهر الأخيرة بعد قرار الحكومة ترشيد الاستيراد بمنع دخول المنتجات المصنعة محليا، ومن بين المنتجات التي مسها إجراء الحكومة الأحذية، مما سمح ببروز مئات الورشات والمصانع خصوصا بولايات المدية، تلمسان، بومرداس والجلفة التي تنتج الأحذية بجودة عالية وبأسعار تنافسية، كما سمح ذلك بفتح مئات مناصب العمل، واستحسن مستثمرون في هذا الميدان قرار الحكومة بمنع استيراد السلع المنتجة محليا وأجمعوا على إمكانية تغطية السوق الوطنية من الأحذية والتوجه نحو التصدير خصوصا نحو السوق الإفريقية.

نورالدين عراب

مئات الورشات المغلقة تعود للنشاط بالمدية
اشتهرت مدينة المدية قبل تسعينيات القرن الماضي  بورشات صناعة الأحذية وكانت شوارع وأزقة بأكملها تنتج الأحذية والألبسة الجلدية، لكن مع فتح المجال للاستيراد العشوائي اختفت جل هذه الورشات بعد أن غطت الأحذية المستوردة السوق المحلية وبأسعار منخفضة، بالرغم من عدم توفرها على عناصر الجودة، ولم تتمكن مصانع ورشات المدية من المنافسة في ظل هذه الظروف وأغلقت وسرحت عمالها.
لكن القرار الأخير للحكومة سمح بعودة مئات الورشات للتصنيع من جديد بعد أن وجدت المجال مفتوحا في السوق المحلية للتسويق نتيجة ترشيد الاستيراد، ويذكر في هذا الإطار صاحب ورشة لصناعة الأحذية بالمدية يوسف تراي بأن عدد الورشات المختصة في صناعة الأحذية بالمدية يزيد حاليا عن 3 آلاف ورشة، دون احتساب عدد المصانع التي ظهرت في الآونة الأخيرة، مضيفا بأن جل هذه الورشات أو المصانع برزت خلال الأشهر الماضية مع قرار الحكومة منع استيراد المنتجات التي تصنع محليا، وأضاف نفس المتحدث بأن الاستيراد المنظم لم يؤثر عليهم، بل تأثروا كثيرا من الاستيراد العشوائي في العقود السابقة الذي فتح المجال أمام استيراد الأحذية بأسعار منخفضة لا تزيد عن 400 دينار، وبالمقابل فهي لا تحمل أية مواصفات للجودة، وكان الإقبال كبيرا عليها من طرف المواطنين لسعرها المنخفض، وبذلك لم تتمكن ورشات ومصانع الأحذية بالمدية أو الولايات الأخرى من المنافسة في السوق، مما أدى إلى غلق أغلبها خصوصا بولاية المدية، وأضاف نفس المتحدث بأن الاستيراد المنظم لا يخيفهم ويملكون كل المؤهلات والكفاءة للمنافسة سواء من حيث الجودة أو السعر، مشيرا إلى أن السوق حاليا تتوفر على أنواع من الأحذية المصنعة محليا ذات جودة عالية وبأسعار قد تكون منخفضة عن تلك المستوردة، وأكد نفس المتحدث بأن المستثمرين في مجال صناعة الأحذية بإمكانهم تغطية السوق الوطنية والتوجه نحو التصدير خصوصا السوق الإفريقية.
بروز قرى كاملة مختصة في صناعة الأحذية ببومرداس
تحدث في هذا الإطار محمد  شارف المنسق الجهوي للحرف والصناعات التقليدية لولايات تيزي وزو، بومرداس والبويرة المنضوي تحت لواء مظلة الإتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، عن بروز قرى كاملة مختصة في صناعة الأحذية تضم مئات الورشات، وذكر منها قرية «تلموت « ببومرداس التي تضم حوالي 400 حرفي مختص في صناعة الأحذية، وساهمت هذه الورشات في انتعاش الحركية الاقتصادية بهذه القرية وفتح مناصب عمل خصوصا للنساء الماكثات في البيوت، مشيرا إلى أن هذه الحركية في صناعة الأحذية مرتبطة أساسا بالقرار السياسي للحكومة القاضي بمنع استيراد السلع المنتجة محليا، وقال بأن هذا القرار سمح  بتقليص الاستيراد بنسبة 90 بالمائة، مما أدى إلى انتعاش هذه الصناعة وعودة مئات الحرفيين لهذا النشاط وفتح ورشات لسد الطلب المحلي على الأحذية، وفي السياق ذاته ربط نفس المتحدث انتعاش صناعة الأحذية في الجزائر بالجودة العالية التي أصبحت تميز الحذاء المصنع محليا مقارنة مع المستورد من دول آسيوية، خصوصا وأن تلك الأحذية المستوردة تسببت حسبه في ظهور أمراض جلدية، وخلفت بذلك أضرارا صحية على مستعمليها.
وعي المستهلك ساهم في دعم الإنتاج المحلي
من جهته تحدث المنسق الجهوي للحرف والصناعات التقليدية محمد شارف عن ارتفاع نسبة الوعي لدى المستهلك الجزائري، الذي أصبح يفضل المنتوج المحلي على المستورد في العديد من أصناف المنتجات، وقال هذا الوعي لم يظهر صدفة بل من خلا ل الجودة التي أصبحت تميز المنتوج المحلي عن ذلك المستورد، وذكر منها الحذاء المصنع محليا الذي أصبح يملك جودة عالية مقارنة مع المستورد، مضيفا بأن علامة الجودة في الأحذية المصنعة محليا ليست أمرا جديدا، كما أنها ليست مرتبطة باقتحام الخواص لهذا المجال، بل تعود إلى عقود سابقة لما كانت الأحذية تصنع بجودة عالية من طرف مؤسسات عمومية وتصدر نحو أوروبا، مضيفا بأن المنتوج المحلي عاد اليوم إلى مكانته التي كان عليها، مشيرا إلى أن صناعة الأحذية برزت بشكل لافت بعدد من الولايات هي تلمسان، المدية، بومرداس، وهناك مناطق أخرى معروفة بصناعة الجلود مثل جيجل.
الدعوة إلى دعم الدباغة والاستفادة من جلود الأضاحي لتوفير المواد الأولية
يجمع مستثمرون وحرفيون في مجال صناعة الأحذية أن هذا الميدان يعاني من نقص المواد الأولية التي تستورد بنسبة 60 بالمائة من الخارج، إلى جانب ارتفاع أسعارها خصوصا خلال الأشهر الأخيرة، حيث تضاعفت الأسعار حسبهم، ودعا هؤلاء إلى دعم الدباغة محليا والاستفادة من جلود الأضاحي لتوفير المواد الأولية ووقف الاستيراد، إلى جانب إعادة بعث المصانع المختصة في الجلود، وإنتاج الخيط، والغراء، بتحريك هذه الصناعة التي توقفت في التسعينات، وتحدث في هذا السياق محمد شارف المنسق الجهوي للحرف والصناعات التقليدية بولايات  تيزي وزو، بومرداس والبويرة عن تسجيل نقص في الدباغة، داعيا إلى الاستفادة من جلود الأضاحي، خصوصا وأنه يتم سنويا نحر ما يقارب 5 ملايين أضحية، وبالمقابل الجلود يتم  إتلافها، ولا تسترجع لا الصوف ولا الجلود، بالرغم من أن جلود الأضاحي تتميز بنوعية رفيعة في صناعة المعاطف من الدرجة الأولى والأحذية من الدرجة الثانية، مشيرا إلى أنهم راسلوا الجهات الوصية من أجل إيجاد حلول لهذه الجلود التي ترمى في عيد الأضحى، ورغم بعض المحاولات لجمع هذه الجلود وتحويلها إلى المصانع، لكن العملية لم تلق نجاحا خصوصا بولاية بومرداس حسب نفس المتحدث.
وفي السياق ذاته أوضح صاحب ورشة لصناعة الأحذية بالمدية يوسف تراي، بأن العائق الذي يقف أمام تطوير صناعة الأحذية بشكل أكبر هو نقص المواد الأولية وارتفاع أسعارها، إلى جانب احتكار المواد الأولية من طرف بعض التجار الذين يتحكمون في أسعارها، مما أثر على الإنتاج بالورشات المختلفة المتواجدة بولاية المدية والولايات الأخرى، ودعا نفس المتحدث إلى ضرورة إيجاد حلول للمواد الأولية من أجل إعطاء قفزة أكبر لهذا النوع من الصناعات، كما أوضح نفس المصدر بأن بعض الورشات بالمدية تعاني من غياب اليد العاملة المؤهلة، داعيا مراكز التكوين المهني بذات الولاية إلى العناية بهذا التخصص الذي برز بشكل لافت في الأشهر الأخيرة مع فتح أعداد كبيرة من الورشات المختصة في صناعة الأحذية.
وفي الإطار ذاته قال صاحب مصنع الغربي لصناعة الأحذية بالجلفة هشام الغربي بأن نقص المواد الأولية دفعهم إلى تحويل المصنع من المدية إلى الجلفة، حيث يتواجد مصنع للجلود، وذكر نفس المتحدث بأن نقص المادة الأولية أثر على الإنتاج، داعيا إلى إيجاد حلول لها، وأضاف نفس المتحدث بأن ترشيد الاستيراد أنعش هذه الصناعة بشكل لافت، ويتم توظيف اليوم مئات العمال في هذه الورشات، في حين يبقى تخوفهم من نقص المواد الأولية وارتفاع أسعارها، كما تشكو بعض المصانع والورشات حسبه من الآلات التي لا تزال في بعض الورشات بدائية، في حين تلك العصرية أسعارها مرتفعة وغير متوفرة في غالب الأحيان.
المطالبة بقانون خاص بالحرفي لتطوير شعبة صناعة الأحذية
دعا محمد شارف المنسق الجهوي للحرفيين والصناعات التقليدية إلى إصدار قانون خاص بالحرفي لدعم شعبة صناعة الأحذية بالجزائر ومختلف الصناعات الأخرى التي تندرج صمن الصناعات التقليدية والحرف، وقال بأنهم ناقشوا هذا الموضوع  مع وزير التجارة كمال رزيق، وسيتم عقد جلسات عمل الأيام القادمة مع المسؤول المكلف بهذا الملف من أجل تسريع إصدار هذا القانون، مشيرا إلى أن من المقترحات المقدمة في هذا المجال، إلغاء التعامل بالفاتورة بالنسبة للحرفيين، واشتراطها فقط في اقتناء المواد الأولية، مؤكدا بأن هذا الإجراء يساعد بشكل كبير الحرفيين في تطوير صناعة الأحذية ومختلف الصناعات الأخرى، كما يساعد، حسبه، في توفير الإنتاج بكميات كبيرة، وبالتالي التوجه نحو التصدير خاصة نحو السوق الإفريقية، كما اقترحوا في نفس السياق تقديم تسهيلات للحرفيين بالمناطق النائية والريفية ودعم منتجاتهم.
من جهة أخرى تحدث محمد شارف عن إبرام اتفاقية مع مركز التكوين المهني ببودواو ببومرداس استفاد من خلالها من 120 شخصا من تربص في تخصص صناعة الأحذية، كما منحت شهادات للحرفيين الذين يمارسون نشاط صناعة الأحذية بعد إجراء امتحان تطبيقي لهم من أجل الاستفادة من شهادة حرفي والحصول على الدعم عن طريق الصيغ المختلفة التي توفرها الحكومة، وإنشاء مؤسسات مصغرة.
من جهة أخرى أشار شارف إلى أن أغلب الحرفيين في صناعة الأحذية ينشطون بطرق غير شرعية وهو ما يتطلب الإسراع في إصدار قانون خاص بالحرفي من أجل تسوية وضعياتهم القانونية والإدارية وتعم بذلك الفائدة، بحيث تسمح تسوية وضعياتهم القانونية باستخراج السجلات التجارية وتسديد الضرائب، وإلغاء بالمقابل كل العراقيل التي تواجههم خصوصا الإدارية منها، وبالتالي رفع الإنتاج.
وطرح نفس المتحدث مشكل المسح وتسوية وضعية الأراضي الذي أثر أيضا على نشاط الحرفيين، بحيث عدم تسوية العقود بالنسبة للمحلات المتواجدة بالمناطق الجبلية أثر على تسوية وضعياتهم القانونية وبالتالي الحصول على الدعم خصوصا بمنطقة بني عمران ببومراداس، واقترح نفس المصدر تعويض العقود بشهادة تستخرج من البلدية بحضور شاهدين تثبت ملكية قطعة الأرض لاستخراج سجل تجاري أو بطاقة حرفي. في سياق آخر دعا المنسق الجهوي للحرفيين  إلى إعادة بعث مصانع المواد الأولية التي أغلقت في تسعينيات القرن الماضي ومنها مصنع الغراء في زموري ببومرداس، مشيرا إلى أن هذا المصنع كان ينتج غراء ذا جودة عالية أفضل من تلك المستوردة، التي لم تكن تستورد في تلك الفترة، مؤكدا كل هذه العوامل ستساهم في انتعاش شعبة صناعة الأحذية بشكل أكبر.                                
ن ع 

الرجوع إلى الأعلى