تتجهز جامعات قسنطينة لتشكل معا قطبا علميا و تكنولوجيا رائدا في مجال البحث و التصنيع تمهيدا لاستحداث سيليكون فالي جزائرية، و الانتقال من البحث النظري إلى التطبيق و الإنتاج، و قد تم في هذا الإطار استحداث أرضية تكنولوجية لإعداد المواد و التصنيع على مستوى المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات  "مالك بن نبي"، بجامعة قسنطينة3، لتكون نواة عمل و تفكير مشتركة مفتوحة على كافة التخصصات، و مجهزة بأحدث التقنيات التي من شأنها أن تحتضن المشاريع و الأفكار بشكل عملي و تساعد على تجسيدها و تحديدا الاحتياجات و مواد التصنيع، لبلوغ مرحلة التأكيد و المصادقة.
روبورتاج :لينة دلول
فضاءات مجهزة تستوعب الجميع
أنشأت الأرضية التكنولوجية "إعداد المواد والتصنيع" بموجب المرسوم الوزاري الصادر في 31 أوت 2019، والذي ينص على  إنشاء خدمة بحث مشتركة داخل المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات  "مالك بن نبي"بقسنطينة، الهدف منها ترقية مجال البحث العلمي  و تمكين الطلبة من استغلال الفضاء  خلال مرحلة إنجازهم لمشاريعهم، فضلا عن أنها منشأة  مفتوحة  أمام جميع مؤسسات التكوين العالي و المختبرات و  وحدات البحث ومراكز البحث والشركات العمومية والخاصة، مثلما أكدته للنصر، مسؤولة المنصة التكنولوجية  الدكتورة  لبنى شطيب.
تتكون المنصة من خمس قاعات تكنولوجية بمساحة إجمالية قدرها 3920 مترا مربعا، إضافة إلى صالة تكنولوجية بمساحة 800 متر مربع، موجهة لقسم التطوير، و قاعتين تكنولوجيتين بمساحة 800 و 720مترا مربعا، مخصصتين لقسم التصنيع، إلى جانب قاعتين تكنولوجيتين بمساحة 800 متر مربع لقسم التحليل والتقييم والصيانة.


أقسام لتطوير البحث والتصنيع و النقل والبناء
وتضم الأرضية ثلاثة أقسام، هي "الإعداد" و "التصنيع" و كذلك "التحليل والتقييم والصيانة"  تختص في مجالات  عدة  أهمها الفيزياء والكيمياء والميكانيك، حيث  يركز قسم التفصيل على تطوير المواد التقليدية من جميع الأنواع والمواد الجديدة، بما في ذلك المواد "النانوية" من خلال استخدام أفران الحث وأفران المعالجة الحرارية، تحت جو متحكم فيه من غاز النيتروجين لمعالجتها، من أجل الحصول على الخصائص المحددة التي يطلبها القطاع الصناعي أو الباحثون، أما قسم التصنيع فيعمل على تصنيع الأجزاء والنماذج الأولية المستخدمة في الابتكارات، لاسيما في مجالات الطيران والسيارات والهياكل المختلفة والتجمعات والأجزاء المختلفة في النقل والبناء.
ويركز قسم التحليل والتقييم والصيانة، على وصف علاقات التفصيل والبنية الدقيقة وخصائص المواد المنتجة والمعالجة وكذلك الاختبارات على الأجزاء المصنعة،  و هذا القسم مفيد للغاية لأنه يمكن من فهم الخصائص التي يتم الحصول عليها والتحقق منها  باتباع العلاجات المختلفة من أجل تطبيق عملي أفضل ولتقييم المواد المستخدمة في تصنيع الأجهزة والأجزاء المختلفة والتحكم فيها، كما يتولى القسم جميع التحليلات والاختبارات اللازمة التي تتطلبها الأقسام الأخرى مع ضمان صيانة وإصلاح الأجهزة المعطلة.
النصر، دخلت المنشأة الواقعة بالمدينة الجامعية صالح بوبنيدر 3، أين خصصت لها بناية متطورة واجهاتها زجاجية و بوابتها رقمية تشتغل عن طريق  بصمة و رمز للفتح والإغلاق، كما تم تدعيمها بطاقم من الباحثين من داخل و خارج الجزائر، لتقدم بذلك صورة أكثر حداثة عن الجامعة.


ريادة قارية في مجال التجهيز عالي التقنية
الأرضية منظمة جدا، و تتوفر على 30 غرفة  غالبيتها مجهزة بعتاد حديث وظيفته التطوير والإنتاج والتحليل و التصنيع والتوصيف لمختلفة أنواع المواد، وهي تجهيزات باهظة تتعدى قيمة بعضها  45 مليار سنتيم،  حسب ما علمنا من  مهندسين مسؤولين عن تشغيلها واستغلالها، قالوا إن: " الأمر يتعلق بأجهزة متطورة تستخدم لأول مرة في إفريقيا و المنطقة العربية كذلك، على غرار مجهر الإرسال الإلكتروني، الذي يسمح بالتحليل الصرفي والبنيوي والكيميائي للعينات الصلبة، و طابعة سيراميك ثلاثية الأبعاد، تتيح التحضير المرن للهياكل المعقدة والدقيقة للغاية و التي يصعب تحقيقها باستخدام طرق التصنيع التقليدية،  فضلا عن أنها تقوم بطباعة عدة مواد في نفس الوقت، لأنها تستخدم مبدأ الطباعة الحجرية  بالليزر ذات المقاومة الميكانيكية المطلوبة في علوم الطيران ومجالات الصناعة و الطب الحيوي".
وتتوفر الأرضية  كذلك،  على مجموعة أفران مختصة في المعالجة الحرارية، و مجهر للقوة الذرية و جهاز للتحليل الحراري المتزامن و ميكرودورومتر، و مقياس للخشونة، إضافة إلى مقياس حيود الأشعة السينية و مقياس للرطوبة و مطياف للأشعة تحت الحمراء
و تجهيزات أخرى متطورة.   
كفاءات شابة من خرجي الجامعة الجزائرية
شدنا خلال جولتنا داخل المنشأة الطاقم المشرف عليها  و هم مهندسون شباب من خريجي الجامعات الجزائرية يعملون  وفق نسق وظيفي منظم، بحيث توكل إلى كل واحد منهم مهمة محددة استنادا إلى مهاراته و تخصصه وهي صورة جد مشرفة عن الجامعة، خاصة وأن مجالات التخصص متعددة و شاملة، و تسمح بإتمام العمل على تطوير المعطيات الخاصة بكل القطاعات و التعامل مع الشركات الكبرى و أرقى مراكز البحث هنا وفي الخارج.
و بحسب ما علمناه من  مسؤولة المنصة لبنى شطيب، و القائم على حاضنة المدرسة  الدكتور فارس رباحي اللذين رافقانا خلال  جولتنا، فإن المدرسة كانت بوابة تكوين هامة تخرجت منها كفاءات شبانية كبيرة على مدار السنوات، وهو ما سمح بالاستعانة بهؤلاء الشباب لتسيير الأرضية بعد تجهيزها، وهو قرار وصفاه بالصائب لأن خريجي المدرسة تلقوا تكوينا نوعيا يمكنهم من فهم الاحتياجات و القيام بالمهام وفق ما هو مطلوب و صحيح، حيث يسير المنشأة حاليا 8 شباب 6 من بينهم متخصصون في هندسة المواد و 2 في الميكانيك.
لا حاجة بعد اليوم إلى المخابر البحثية الخارجية
خلال زيارتنا إلى المخبرين  202 و 203، قابلنا طلبة مهتمين بالبحث والتجريب، بينهم نور الهدى مرزوق     " سنة خامسة هندسة طرائق"، و التي قالت لنا بأنها بصدد إنجاز مشروع تقني مع زميلتها، حول صناعة المواد البلاستيكية من النفايات الزراعية الموجودة في الطبيعة والتي  تساعد بشكل كبير في الحفاظ على البيئة و دعم الاقتصاد، من خلال تنويع بدائل المحروقات مؤكدة للنصر، أنها لم  تجد صعوبة في إنجاز المشروع وذلك لأن كل الأجهزة التي تحتاجها موجودة على مستوى المنصة على غرار  طابعة السيراميك ثلاثية الأبعاد.
و أشارت المتحدثة، إلى أن المنصة تعد إضافة مميزة لطلبة المدرسة، وقد مكنتهم من تجسيد أفكارهم في بلدهم مجانا، فضلا عن توفرها على المواد الأولية التي يحتاجونها لتصنيع النماذج، ما يغني تماما عن الحاجة للتنقل إلى جامعات الخارج.
نسعى لترقية  نتائج البحث العلمي


و أضافت الطالبة بقسم هندسة المواد، هديل بوعصيدة  أن المنصة تحتوي على أجهزة  جد متطورة تواكب التكنولوجيا الحديثة، وتساعد الطلبة على إنجاز مشاريعهم بسرعة  وتحقيق نتائج دقيقة تغنيهم عن التنقل إلى الخارج، مشيرة إلى  أن  المهندسين  في المنصة لديهم  فضل  كبير عليهم كطلبة لأنهم يساعدونهم على   الحصول تطوير العمل وترقية نتائج البحث العملي.

وتابعت زميلتهما نسرين دريسي، قائلة إن المنصة  تضيف للبحث نتائج دقيقة من أجل محاكاة مقالات الباحثين عبر العالم،  مؤكدة أنه وقبل وجود المنصة كانوا محدودين جدا في عملية اختيار المشاريع التي يتطلب منهم إنجازها لآلات جد متطورة.
مجانية استغلال الموارد البحثية
من جانبه، أكد عبد المالك زميش طالب سنة ثالثة دكتوراه تخصص هندسة، أن مشروعه الذي يتمحور حول تخزين الطاقة في البطاريات أو المكثفات، يتطلب العديد من الأجهزة، التي تتوفر على مستوى المنصة وهو ما مكنه من التقدم كثيرا في العمل على أطروحته وسمح له بالحصول على نتائج تحاليل دقيقة انطلاقا من المعطيات التي حددها في تجاربه خلال البحث.
 وأشار الباحث، إلى أنه لا ينقصه أي شيء على مستوى الحاضنة سواء من ناحية الأجهزة أو المساعدة و المرافقة الأكاديمية من قبل المهندسين، قائلا إن العتاد والثروة التكنولوجية المتاحة لا توجد على مستوى مراكز بحث في بلدان أخرى ، وهي حقيقة تأكد منها بعد انتقاله السنة الماضية، إلى مركز بحث أوروبي لإتمام مشروع على هامش البحث الدكتورالي.
 و أشاد الطالب بالتطور الذي تعرفه المدرسة الوطنية وقال إنه لا يحتاج إلى مراكز أجنبية لأن هذه المنصة أكثر تطورا، فضلا عن امتياز استغلال الموارد مجانيا.
* مسؤولة المنصة التكنولوجية  لبنى  شطيب
سابقة من نوعها في الجزائر
أكدت مسؤولة المنصة التكنولوجية، الأستاذة في هندسة المواد لبنى  شطيب، أن المنصة  قدمت العديد من الخدمات لطلبة الدكتوراه و الماستر والليسانس، لاحتوائها على كل الأجهزة التكنولوجية المتطورة  المناسبة لدراسة أي نوع  من المادة مهما كانت وهي سابقة من نوعها في الجزائر و امتياز حظيت به جامعة قسنطينة3 .وأضافت، أن  الأشغال كانت قليلة بعد افتتاح المنصة سنة2019، خاصة بعدما تزامن دخولها حيز الاستغلال مع ظروف الجائحة، إلا أن النشاط انتعش بين سنتي 2021-2022.وأشارت المتحدثة، إلى أن ما يُميز المنصة هو توفرها على جميع الأجهزة التكنولوجية التي يحتاجها الطلبة في مكان واحد، وهو أمر غير معهود، فعادة ما تكون هذه الأجهزة متفرقة أو غير متوفرة من الأساس حتى على المستوى العالمي، موضحة أن المنصة هي أرضية  مكملة  لمخابر المدرسة.
و بخصوص إجراءات الاستفادة من خدمات المنصة   أوضحت، أن كل التخصصات معنية، و أنه يتعين على الطالب التسجيل بداية عبر منصة ابتكار من أجل اختيار  الأجهزة  وطبيعة العينات، ثم انتظار دوره، مضيفة أن   المنصة تقدم خدماتها مجانا لطلبة الدكتوراه و الماستر والليسانس، فيما يتم التعامل ماليا مع المؤسسات و الخواص.
وأكدت، أنه بإمكان الطلبة الذين يشتغلون على تطوير مشاريعهم في المنصة،  التسويق  لها بالاعتماد على التوجيه التي تقدمه الحاضنة، مضيفة أن كل التخصصات معنية باستغلال المنصة لأن كل شيء مصنوع من المادة.
* مدير المدرسة  الوطنية متعددة التقنيات جمال حمانة
قدمنا 488 خدمة خلال 15 شهرا
ذكر الأستاذ جمال حمانة، مدير المدرسة الوطنية متعددة التقنيات، أن المنصة التكنولوجية تتوفر على عتاد حديث و جد مكلف، يستقطب العديد من الطلبة والباحثين أصحاب المشاريع، و أن هناك مشاريع يصعب جدا إنجازها خارج الأرضية.و أضاف، أن القائمين على هذا الصرح التكنولوجي يسهرون على ترقية مجال البحث العلمي، من خلال توفير جميع الأجهزة التي يحتاجها الطلبة والباحثون حيث ينتظر أن تتدعم الأرضية قريبا بخمسة أجهزة إضافية.
وقال المدير، إن المنصة عرفت منذ افتتاحها إقبالا واسعا من طرف الطلبة، الذين باتوا أكثر انفتاحا على إنجاز المشاريع بفضل تنوع و تطور التجهيز، فضلا عن مجانية الاستغلال، موضحا، بأن المنصة أغنت العديد من الطلبة والباحثين عن السفر والبحث عن مخابر لإجراء مشاريعهم في الخارج، و قدمت ما يقارب 500 خدمة خلال 15 شهرا لطلبة الدكتوراه و الباحثين بتكلفة إجمالية تصل إلى 2 مليار سنتيم .مشيرا في ذات السياق، إلى أن مديرية البحث العلمي و التطور التكنولوجي و الوزارة الوصية، هي التي تدفع نيابة عن الطلبة تكاليف استغلال المنصة. وأضاف المتحدث، أن الطالب و بعد تخرجه وحصوله على شهادة مهندس،  بإمكانه الرجوع إلى الجامعة من أجل الاستفادة من التسهيلات المتاحة لتجسيد مشروعه المبتكر بالمنصة.
وأوضح المدير، أن المداخيل المالية التي يتم الحصول عليها من الخواص المستغلين للأرضية، تغطي تكاليف المنصة على غرار صيانة الأجهزة، التي تم اقتناء بعضها من اليابان و فرنسا و إنجلترا و دول أخرى.

الرجوع إلى الأعلى