حيــاة بـدائيـــة علـى بعـد أمتـــار مـن أبراج - عــدل - بقـسنطينـــة

لا يزال سكان حي الرتبة القديمة أو كما يعرف بـ «حلوفة» ببلدية ديدوش مراد بقسنطينة، يترقبون تمكينهم من بعض أبسط ضروريات الحياة، وذلك على نفس المقدار من الاهتمام الذي يحظى به الجزء الثاني من المنطقة والذي يضم برنامج سكنات «عدل» بأبراجها المترامية، التي تقابلها عائلات تعيش حياة أقرب إلى البدائية وقفت عليها النصر في هذا الروبورتاج.
روبورتاج: عبد الله بودبابة
و يتراءى حي «حلوفة» للناظر عند دخوله لمنطقة وادي الحجر ببلدية ديدوش مراد، و ذلك بمنازله المنتشرة على سفح جبل هو الأعلى بالمكان، حيث تربط بين الجهتين طريق ضيقة شديدة الانحدار وبها منعطفات تشكل خطرا على المارة و سائقي المركبات، خصوصا وأنها تشهد مرور عدد كبير من شاحنات الوزن الثقيل، كما تنتشر على طول الطريق البالغ من الطول حوالي ثلاثة كيلومترات، مواقف للحافلات حديدية وزرقاء اللون، غير أننا اكتشفنا فيما بعد أنها مجرد «زينة» لا فائدة منها، لعدم وجود خط للنقل بين الحي وواد الحجر أو وسط ديدوش مراد، لتتحوّل مع مرور الوقت إلى مكان يتجمع به الشبان للجلوس وتبادل أطراف الحديث.
وعلى الرغم من مرور عشرات السنوات على إنشاء الحي الذي كان عبارة عن مشتى صغيرة، إلا أن تسميته الغريبة ما تزال تصنع الحدث ويتشبث بها السكان، معتبرين أنها تنطبق على الواقع المعاش تماما وتصف حالهم بدقة، وذلك على الرغم من وجود بعض المجهودات للنهوض بالحي حتى يكون على نفس المسافة من التنمية مع باقي مناطق البلدية أو المشاتي المجاورة، وعن أصل التسمية أوضح أحد من تحدثنا إليهم أنها تعود إلى وقت لم تزل فيه المنطقة عبارة عن أرض فلاحية يمر بها واد، حيث كان أحد الفلاحين يعمل بها إلى أن اكتشف ولادة أنثى «خنزير» بالمكان وكان في كل مرة يذكر لمعارفه أنه سيتوجه إلى «الحلوفة» للعمل، لتصبح هي التسمية الأولى للمنطقة.
حي خارج الخريطة!
ورغم محاولات المسؤولين المحليين تغيير التسمية وتهذيبها أكثر من خلال تحويلها إلى الرتبة، أي المكان المرتب، إلا أن الأمر قوبل بالرفض من السكان، معتبرين أن الأمر أكثر «ظلما» من السابق، لأنه يعكس تناقضا صارخا بين البنايات المنتشرة على جانبي الوادي، فالأولى قديمة ولا توفر أدنى ضروريات الحياة، والثانية عبارة عن أبراج وعمارات تضم أزيد من 3 آلاف شقة موجهة لفائدة مكتتبي صيغة «عدل 2» وتوفر كامل متطلبات الحياة، مضيفين أن حتى الخريطة على شبكة الانترنت ظلمتهم ولم تدرج الحي، إذ لا يمكن العثور عليه إلا بعد البحث عن طريق صور القمر الاصطناعي.
وبما أن الحي يقع على منحدر جبلي فإن له خمسة مداخل تقود إلى العمق، وعلى الرغم من كثرة المعابر والطرق إلى الحي كما أنه لا يزال يحتفظ بطابعه الريفي البحت، لكون أغلب السكان يعرفون بعضهم البعض، ولا يمكن لأي غريب أن يتجول دون أن تتم ملاحظته بسهولة كبيرة، وهو ما يوفر جوا من الأمان وسط التجمع السكني، ولا تكاد بحسب من تحدثنا إليه أن تقع أي مشاكل بين قاطنيه أو حتى مناوشات بسيطة، وهي تقريبا النقطة الايجابية بالمنطقة.
أما عن الطابع العمراني داخل الحي، فأغلب المساكن عباراة عن سكن ذاتي إما من طابق أرضي فقط أو تزيد عنها بطابق واحد، فيما لا تكاد ترى منازل من طابقين إلا بشكل نادر جدا، إلى جانب وجود تجمع سكني واحد فقط منظم ويتعلق الأمر بـ 56 مسكنا ذاتيا شيد منتصف العقد الماضي وسلم لأصحابه سنة 2006، غير أنه يعرف الكثير من النقائص، فهو لا يتوفر سوى على التيار الكهربائي، كما شيد فوق أرضية غير مستقرة، وقد ظهرت ببعض المنازل تشققات أخذت تتسع مع مرور الوقت، ما يجعل قاطنيها عرضة للخطر إذا لم يتم اتخاذ أي تدابير وقائية لوقف انزلاق التربة، وإعادة تهيئة بعض المساكن المتضررة.
وعلى الرغم من سعي بلدية ديدوش مراد إلى إيجاد حلول للمواطنين من أجل تجاوز مشكلة السكن، من خلال منح الكثير من استفادات صيغة السكن الريفي، إلا أنها حلول تبقى حسب السكان غير ناجعة، لأن المستفيدين شيدوا منازلهم لكنها تفتقر لكافة الخدمات، على غرار الصرف الصحي والماء والكهرباء والغاز والطريق، لتتحول بعض التجمعات داخل الحي والمنجزة في إطار السكن الريفي، إلى ما يشبه بناءات فوضوية.
سكنات ريفية تفتقر لأدنى الضروريات

وقد وقفنا من خلال جولتنا داخل الحي والمرور على تجمع سكني يقع أسفل المسجد، على أن عشرات المنازل لا تتوفر على الشبكات، حيث عمد قاطنوها إلى تمرير أسلاك كهربائية فوق البنايات من كل الجهات لتموين منازلهم بالتيار، فضلا على إنشاء قنوات صرف «غير صحية» تلقي بالفضلات بالقرب من واجهات المنازل، ما يصعب من حركة المارة، فيما تنتشر بالحي روائح كريهة تجعل من مجرد المرور بين المنازل أمرا في غاية الصعوبة، وهو الجو الذي حال دون خروج الأطفال للعب ومنع الأولياء من مجرد التفكير في فتح النوافذ والأبواب، داخل منازل أكلتها الرطوبة.
ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للغاز الطبيعي، فلحد اليوم لم تستفد الرتبة القديمة من أي مشروع للربط بالغاز الطبيعي، باستثناء مشروع وحيد لم ير النور بعد، حيث تم قبل حوالي سنة مد الشبكة على مستوى حي 56 سكنا ذاتيا، دون ربط المنازل، ليظل السكان تحت رحمة قارورات غاز البوتان التي ترتفع نسبة استهلاكها خلال فصل الشتاء بسبب البرودة الكبيرة بالمنطقة، نظرا لعلوها النسبي مقارنة مع باقي أحياء البلدية ومشاتيها.
عائلات تتزوّد بالمياه في ظروف غير إنسانية
ولعل أكبر مشكلة يعيشها السكان القاطنون على بعد حوالي 15 كلم عن عاصمة الولاية، هي غياب المياه، حيث وقفت النصر على مشهد هو أقرب لما كان يعيشه قاطنو القرى سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وأقل ما يقال عنه أنه غير إنساني، فعلى الرغم من أن البلدية تسيّر صهاريج للمنطقة، إلا أن كامل العائلات تفضل استعمال تلك المياه للغسيل فقط، أما للشرب فتستعمل المياه المعدنية أو يتم اللجوء إلى بئر وحيد، تظل مياهه شحيحة حتى في فصل الشتاء.
وقد وقفت النصر على حالة البئر الواقع بمنطقة معزولة تجبر الفرد على التنقل عبر حقول الفلاحين، و المرور فوق معبر شيده السكان بالحجارة حتى يتمكنوا من تجاوز الطمي، وعند الوصول يقابلك بناء صغير لا يتعدى ارتفاعه المتر في العلو والطول والعرض، ومغلق بواسطة باب حديدي قديم، تظهر عند فتحه خزنة صغيرة منجزة عن طريق الخرسانة المسلحة وهي أشبه بحوض صغير لا تتجاوز سعته 60 لترا من المياه التي تتجمع قادمة عبر قناة تدر قطرات قليلة، ومن أجل جمع المياه ترك السكان قارورة بلاستيكية من حجم 5 لترات مربوطة بواسطة حبل قصير ومفتوحة من فوق، حيث يجلس كل من يريد الحصول على الماء أرضا ليرمي الدلو ويرفعه مجددا، ثم يستخدم قمعا من أجل ملء قاروراته، وذلك لتفادي هدر ولو قطرة واحدة.
تلاميذ يعانون و التنقل مع «الفرود» لشراء كوب قهوة
وأوضح محدثونا أنه في عطلة نهاية الأسبوع وخلال فصل الصيف، تزامنا مع الاستهلاك الكبير للمياه، يصبح البئر الصغير غير كاف لسد احتياجات السكان، وهو ما يضطر كل من يملك سيارة إلى التوجه نحو أماكن بعيدة لجلب المياه، أو الانتظار طويلا حتى يمتلئ الحوض مرة أخرى، كما أوضح لنا السكان أن كل عائلة تضع أمام مدخل المنزل برميلا حديديا حتى يتم ملؤه بالمياه التي توفرها البلدية، و التي تبقى غير كافية أمام احتياجاتهم الكبيرة، وهو ما يجعلهم دائما بحاجة لشراء المياه من الخواص، وذلك مقابل 1400 دج لكل صهريج، وهنا أوضح عمي حسان وهو شيخ في العقد السابع من العمر ومن سكان الحي الأوائل، أنه في كل شهر يتحمل مصاريف تزيد عن 5 آلاف دينار بسبب هذه المشكلة.
وللأطفال أيضا نصيب من المعاناة التي فرضتها العزلة، حيث يتجمع الصغار المتمدرسون في مكان مفتوح على الهواء البارد والمطر كل يوم وفي ساعة جد مبكرة، من أجل انتظار وصول حافلات النقل المدرسي التي تقلهم نحو المدرسة بحي وادي الحجر، بحسب ما أوضحه أولياؤهم، و ذلك قبل العودة في آخر اليوم منهكي القوى، أما العمال وطلبة الجامعات فيتوجب عليهم التنقل عبر سيارات «فرود» تعدّ وسيلة النقل الوحيدة بالمنطقة، مقابل مبلغ 30 دج للمقعد.
وباستثناء وجود محل وحيد لبيع المواد الغذائية العامة ومسجد وملعب ترابي شيد قبل حوالي سنة، فلا وجود لهياكل أخرى أو متاجر أو حتى مقهى يتجمع فيها الشبان على غرار ما هو موجود في كامل القرى والمشاتي، وقد أوضح لنا أحد الشباب أن فنجان قهوة يتطلب منه حوالي 100 دينار، فهو مجبر للتوجه نحو وادي الحجر لاقتنائها ثم العودة بواسطة «الفرود».

رئيس بلدية ديدوش مراد الطاهر بوالشحم
شبكة المياه والتطهير ستجسد هذا السداسي والكهرباء والغاز يصلان لاحقا
رئيس المجلس الشعبي البلدي بديدوش مراد الطاهر بوالشحم، وأوضح في حديث للنصر أنه تم التكفل بعدد من انشغالات سكان حي الرتبة القديمة في إطار مشاريع التنمية البلدية لسنة 2018، كما اعترف بوجود نقائص أخرى قال إنه سيتم تداركها لاحقا.
وأكد المسؤول أن المجلس وفي إطار مشاريع التنمية، قام بتسجيل ستة مشاريع بالمنطقة المذكورة، تخص إنجاز شبكة للصرف الصحي وأخرى للمياه الشروب، وذلك بغلاف مالي كبير، حتى يتم التكفل بكامل العائلات التي تقطن بحي الرتبة القديمة، مضيفا أن البلدية مضت في الأسابيع الماضية، في الإجراءات الإدارية اللازمة، ولم يتبق سوى الفصل في أسماء المقاولات المكلفة بالانجاز.
وعن سبب عدم استفادة الحي من مشاريع تخص المياه الصالحة للشرب إلى غاية اليوم، أوضح ذات المسؤول أنه تم منذ فترة طويلة تم إعداد دراسة و رصد غلاف مالي من طرف مديرية الري بحوالي 8 مليار سنتيم، لإنجاز خزان مائي وربطه بخزان قرية قصر لقلال، غير أن جزءا من القناة تأثر بأشغال عمارات «عدل». أما بالنسبة للكهرباء فقد أكد «المير» أنه تم إحصاء كامل النقائص الموجود وإرسالها إلى مديرية الطاقة حتى تتكفل بها الولاية، بينما لا يزال مشروع الغاز ينتظر، فبعد أن كان من المبرمج إيصال هذه المادة للمنطقة من أجل تزويد سكان الرتبة القديمة وعيون السعد في البداية بقيمة 8 ملايير سنتيم، تأجل المشروع قبل أن يطاله التجميد لفترة، إلى غاية رفع الانشغال إلى الوالي عبد السميع سعيدون الذي تعهد بالتكفل بجزء من العملية، على أن تتكفل وكالة «عدل» بجزء آخر، معتبرا أن تكلفة إيصال الغاز بعد إجراء تعديلات سيكلف الخزينة حوالي 22 مليار سنتيم.
رئيس البلدية قال إن لديه تصورات حول مخطط عام للتهيئة بالحي، و أهمها إنجاز مدرسة ابتدائية، تم اختيار الأرضية التي ستحتضنها مبدئيا، في انتظار تلقي الموافقة من وزارة التربية الوطنية، مع إمكانية بناء قاعة علاج وتطوير الملعب الترابي والارتقاء به من خلال وضع بساط من العشب الاصطناعي.     
ع.ب

الرجوع إلى الأعلى