هكــذا اكـتُشِفـــت أدلــــة قـتــل ابـراهيـــم و هــارون و فُـكّ لغــز - الحــوت الأزرق -

يعتبر المخبر الجهوي للشرطة العلمية بقسنطينة، واحدا من أهم الهيئات التي تعتمد عليها الجهات القضائية و الأمنية لفك ألغاز العديد من القضايا، مهما كانت معقدة، حيث يعتمد على كفاءات ذات خبرة و أجهزة من آخر طراز، تسمح بإجراء تحاليل شديدة الدقة على العينات التي تصل من قرابة 20 ولاية إلى هذا المخبر الثالث من نوعه عبر الوطن، و الذي زارته النصر و أعدت روبورتاجا تكشف من خلاله عن خبايا و أسرار عمل رجال همهم الأكبر كشف الحقيقة بالدلائل.
روبورتاج: ياسمين بوالجدري
قبل دخول المخبر الجهوي للشرطة العلمية الواقع بحي «الديانسي» بقسنطينة، لفت انتباهنا رجال الشرطة و هم يأتون حاملين معهم ثلاجات صغيرة، علمنا أنها تحتوي على عينات  تصل على مدار السنة من 18 ولاية تقع بالشرق و الجنوب الشرقي للبلاد، فالمخبر الذي يعمل به 195 موظفا، بين شرطي و عون شبيه، يتعامل مع المحاكم المدنية و العسكرية و السلطات المحلية، و مع تطور أشكال الجريمة كان لزاما تدعيمه بمهندسين مختصين من خريجي الجامعات الجزائرية زاولوا تربصات داخل الوطن و خارجه.
و تتمحور المهمة الأساسية للمخبر، بحسب ما أكد لنا مديره عميد الشرطة زيتوني مسعود، في إيجاد الحلول العلمية للقضايا ذات الطابع القضائي، حيث تتوفر على 10 دوائر علمية و تقنية بها أجهزة تحليلية نوعية ذات جودة عالية مطابقة للمواصفات الدولية، كما أنها قابلة للتجديد، و تبدأ مهمة الكفاءات العاملة بهذه الدوائر بعد تنقل عناصر الشرطة العلمية إلى مقر الجريمة و معاينة جميع الآثار و الأدلة، ثم إرسالها للمخبر لإجراء الخبرة عليها، حيث تتمثل في آثار ظاهرة كالدماء و الحبر، أو خفية يتركها الجناة في مسرح الجريمة مثل إفرازات الجسم، و كذلك آثار غائرة تنتج عن ملامسة الأصابع لجسم طري أو دعسات القدم أو آثار العجلات و غيرها، فيما توجد أدلة مغبرة لا ترى بالعين المجردة، و تنتج عن ملامسة أصابع الجاني لسطح معرض للغبار.
10 آلاف قضية تعالج سنويا!
النصر زارت جميع الدوائر بمرافقة رئيس المخبر، حيث تحدثت إلى الكفاءات العاملة هناك و اطلعت عن كثب على طريقة العمل التي لا تكاد تتوقف بالنظر إلى ضخامة عدد الملفات الواردة و حساسية القضايا المتعلقة بها و التي تتطلب دقة كبيرة، و قد كانت البداية من مكتب التنظيم أين يوجد موظفون يقومون باستقبال ملفات كل القضايا الواردة للمخبر و تسجيلها، مع التأشير على العينات الخاصة بها برمز خاص و تدوين الدائرة المعنية، و بهذا المكتب أكد لنا الموظف أنه يتم استقبال حوالي 10 آلاف قضية في السنة، مع العلم أن كل قضية قد تتفرع عنها اثنتان أو أكثر، وذلك بمعدل 50 ملفا يرد المكتب كل يوم من 18 ولاية عبر الوطن.
بعد ذلك توجهنا إلى مخبر تحديد نسبة الكحول في الدم، و هو قسم تابع لدائرة التسمم الشرعي، حيث وجدنا على مستواه إطارات مختصة في البيولوجيا تستخدم أجهزة متطورة منها جهاز الكروماتوغرافي، الذي توضع به عينات الدم بعد إضافة محلول خاص إليها، ثم يتم الانتظار لحوالي 3 دقائق قبل خروج نتيجة التحليل، و ما يزيد من دقة النتائج هو إجراء التحاليل مجددا للتأكد منها في حال الشك في صحتها، على أن تُحفَظ العينات لسنة كاملة داخل ثلاجة خاصة، كإجراء احتياطي، سيما إذا طلبت الجهات المختصة خبرة أخرى.
و من مخبر تقييم نسبة الكحول في الدم، تحوّلنا إلى دائرة مضاهاة الوثائق و الخطوط و النقود المزورة، التي تتوفر على مخبري المتابعة و الإحصاء، و الوثائق المؤمنة و العملة المزيفة، و هنا التقينا بإطارات أخرى يتقدمهم عميد الشرطة الصادق فيصل، الذي أطلعنا بدقة على طريقة العمل التي تعتمد على مراحل مضبوطة و علمية يتم من خلالها تحديد صحة مختلف الوثائق من أوراق نقدية و وثائق و رسائل مجهولة و شكاوي و غيرها، تكون محل طعن أو تحقيق.
الأشعة تحت الحمراء لمعرفة الأوراق النقدية المزورة
و قدّم لنا عميد الشرطة مثالا عن رسالة استقالة كانت محل طعن بخصوص من كتبها، حيث تتم في هذه الحالة المقارنة بين الكتابة و الإمضاء بالاعتماد على كتابة نموذجية للمعني، و ذلك من خلال المقارنة بين الخصائص الشكلية التي تعنى بالمظهر، و التقنية التي تتمثل في كيفية رسم الحروف و التنقيط و زاوية الميلان، و كذلك الهوامش و الأبعاد بين الكلمات و الأسطر، و هي كلها أمور يجب أن تدرس على الوثيقة الأصلية لأن النسخة لا تبرز خصائص مهمة، مثل أماكن الضغط على الكتابة، كما يسهل في هذا النوع من الوثائق إضافة خطوط أخرى و التصرف فيها.
و أطلعنا المختص على إحدى الملفات التي وردت إلى المخبر مؤخرا، حيث تتعلق بمخطط بناء محل تحقيق أمني بإحدى الولايات، و طُلِب من مصالحه التأكد من صحة الإمضائين الموجودين عليه، و ذلك باستغلال نماذج مقارنة منها بطاقات تعريف تتضمن توقيعات عفوية للمعنيين، و لدى استفسارنا عن كيفية التمييز بين الإمضاء الأصلي و المزور، خاصة أن إمضاء الشخص يستحيل أن يكون متطابقا بنسبة 100 بالمئة في كل المرات، أجابنا عميد الشرطة الصادق فيصل، أن دور الخبرة و الأجهزة يبدأ من هنا.
و وضح لنا الخبير أن اختلاف إمضاء الفرد منا أمر صحيح، لكن له خصائص لا تتغير، مثل نقطتي البداية و النهاية و مسار القلم و زاوية سرعة التنفيذ، كما أن هناك أشخاصا يوسعون التوقيع إذا كانت المساحة المتوفرة كبيرة، و هناك من يحافظون على نفس الحجم، و غيرها من الأمور.
و يستغرق العمل على كل ملف وقتا يتغير حسب نوع الوثيقة، لكن المدة تستغرق عموما شهرين يتم خلالهما استعمال أجهزة دقيقة متعددة الموجات، حيث تعمل بالأشعة فوق البنفسجية و تحت الحمراء و كذلك بالضوئين المائل و الثاقب لفحص الوثائق، بمقارنة الأحبار وكشف سطح الورق و عمقه، إذ يكفي إدخالها للجهاز و التعرف بسهولة إن كان هناك محو للحبر.
هنا الدخول ممنوع حتى للموظفين!

أما الكشف عن الأوراق النقدية الوطنية و الأجنبية فيتطلب تقنيات دقيقة أيضا، لكنها تركز على خصائص مغايرة، لأن الأمر يتعلق بوثائق مؤمَّنة يجب أن تكون ذات جودة عالية بنسبة 100 بالمئة، أي مصنوعة من القطن، كما توجد عليها علامة مائية عبارة عن صورة مضغوطة، و حتى عجينة الورق لها خصائصها، فيما يتم فحص ما يسمى بخيط الأمان الذي يُطبع مجهريا و الألياف الملونة من المعدن أو البلاستيك، إضافة إلى الشريط المعدني.
و يمكن أن تستغرق عملية الكشف عن الورقة النقدية المزورة حوالي 3 ساعات، بعد تمريرها على أجهزة خاصة تتفاعل أشعتها مع الورق، إذ يستطيع عناصر الشرطة العملية المختصين من خلال شاشة الكمبيوتر، أن يكشفوا بدقة شديدة و احترافية أن الأمر يتعلق بعملة مزورة، مهما بلغت التقنيات الحديثة التي يستعملها محترفو التزوير، من تطور.
توجهنا بعد ذلك إلى أمانة قسم الكحول، أين تُحفظ عينات الدم المأخوذة لمدة سنة كاملة في ثلاجات خاصة، و قال المشرف على القسم للنصر، إنه تم تلقي قرابة 6 آلاف عينة العام الماضي، غالبيتها تخص أشخاصا تسببوا في حوادث مرور، و الملفت أن العمل بهذا المكتب يتم بسرية، إذ عُلق على بابه إعلان كتب عليه أنه يُمنع لأي شخص أو موظف دخوله مهما كان السبب، و في هذا الخصوص أكد لنا رئيس المخبر الجهوي للشرطة أن ذلك يدخل ضمن الإجراءات المتخذة لضمان الحياد و الدقة، إلى درجة أن أي عامل بالمكان لا يحق له أن يسأل عن أي ملف.
لا مجال لاختراق العلبة السوداء!
و بالنظر لضخامة عدد القضايا التي تصل و حساسية المعلومات الموجودة بالعديد منها، كان لزاما تخصيص مصلحة مختصة في حفظ البيانات بسرية و تنظيم كبير، و يتعلق الأمر بمخبر نظام تسيير المخابر أو قاعة «البارد»، التي تعد بمثابة العلبة السوداء، حيث وجدنا فيها مهندسات و تقنيات في الإعلام الآلي يرتدين مآزر بيضاء، و يقمن في تركيز شديد بنقل المعلومات الموجودة على الملفات الورقية في أجهزة الكمبيوتر الموصولة بنظام «ليمس».
و عن عمل هذه المصلحة، أوضح لنا المحافظ شرك رياض و هو مهندس دولة في الإعلام الآلي، أن المهمة الأساسية تتمثل في نقل كل المعلومات الخاصة بالقضايا الواردة في نظام الإعلام الآلي و تتبع جميع الأدلة و القرائن الخاصة بها منذ دخولها و إلى غاية خروجها، و على اعتبار أن هذا النظام يحفظ معلومات سرية عن عشرات الآلاف من القضايا، فإنه مؤمن إلكترونيا إلى درجة جد عالية.
و برفقة عميد الشرطة زيتوني مسعود، دائما، انتقلت النصر إلى دائرة الأمن الغذائي و البيئة، أين وجدنا مهندسات و مهندسين مختصين في مراقبة نوعية الأغذية، و هم محاطون بأجهزة حديثة، حيث أكد لنا الملازم الأول للشرطة بومدين بوجمعة، أنه يتم على مستوى مخبر هذه الدائرة، إجراء تحاليل بكتيريولوجية و فيزيوكيميائية على المواد الغذائية التي شاهدنا كيف تُحفظ بعناية في غرف تضم ثلاجات مضبوطة الكترونيا على درجات حرارة مناسبة.
قضايا «المرقاز» و «الكاشير» القاتل تُعالج أيضا بالمخبر!
و تصادف تواجدنا بالمخبر، مع وصول مكملات غذائية جيء بها من ولاية الطارف، بعد طلب تقرير خبرة حول مدى مطابقتها، و قد أكد لنا موظفو المخبر أن ظهور النتائج قد يستغرق 72 ساعة، و ربما يدوم لـ 8 أيام، حسب طبيعة البكتيريا، مضيفين أن أكثر القضايا التي تصلهم تتعلق بالتسممات الغذائية التي تكثر في الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة، و من بين أخطرها كانت قضية «المرقاز» و «الكاشير» القاتل، و كذلك قضية «الميلفاي» الذي تسبب في تسمم جماعي لطالبات بقسنطينة قبل أزيد من 10 سنوات.
و بدائرة البيولوجيا الشرعية وجدنا عددا من الموظفين و الموظفات الذين كانوا يرتدون مآزر بيضاء و بدلات الشرطة، و يتركز عمل هؤلاء على إيجاد العلاقة بين الآثار المرفوعة من مسرح الجريمة و العينات التي يتم أخذها من الأشخاص المشتبه فيهم في مختلف القضايا الجنائية، المتمثلة في القتل و الاغتصاب أو السرقة و اكتشاف الجثث و كذلك قضايا إثبات النسب، و تتمثل الآثار في الدماء و اللعاب و المني والشعر و كذلك بقايا الأنسجة و العظام و حتى العرق، و غير ذلك.
وحسبما أوضحه لنا رئيس الدائرة بالنيابة محافظ الشرطة طبي صلاح، المختص في علم الحمض النووي، فإن العمل ينطلق بالتنقل مباشرة إلى مسرح الجريمة في الولايات الـ 18 التابعة للمخبر، و ذلك بعد ارتداء الزي الأبيض الذي يُعرف به رجال الشرطة العلمية، حيث يغطي كامل الجسم و يرمى بعد كل استعمال.
بهذه الطريقة تُرفع الأدلة من مسرح الجريمة
و من المهام المتعددة التي يقوم بها خبراء دائرة البيولوجيا الشرعية داخل مسرح الجريمة، هي البحث عن الآثار و الحرص على المحافظة على جميع الأشياء في مكانها، مع أخذ العينات المكتشفة و حفظها في أكياس خاصة تدون عليها أرقام و رموز تشير إلى القضية، فعلى سبيل المثال يتم الحصول على عينات الدم العالقة في الجدران، عن طريق وضع الماء المقطر عليها و سحبها بدقة شديدة، و لأن الأمر يتعلق في الغالب بجرائم يجب العمل عليها بحرص كبير، يمنع على رجال الشرطة العلمية داخل مسرح الجريمة، الكلام، إذ يتواصلون عبر الإشارات فقط لكي لا يتسببوا في إدخال تركيبات جينية جديدة على المكان.
 و بعد الانتهاء من جمع العينات تحول إلى المخبر الجهوي للشرطة العلمية، أين يتم فرزها و إجراء التحاليل عليها بالتنسيق مع مخبر الجزائر العاصمة، و ذلك بالعمل لـ 24 على 24 ساعة، بما يسمح بالحصول على نتائج القضايا في مدة قد تصل إلى أسبوع، و ربما تتعدى شهرا أو شهرين حسب طبيعتها.
سألنا العاملين بالدائرة عن أهم و أخطر القضايا التي ظلت عالقة في ذهنهم، فكان ردهم مباشرة «قضية قتل الطفلين ابراهيم و هارون»، فقد أخبرونا أن العمل عليها استمر ليل نهار لأخذ العينات و إيجاد جميع الأدلة في هذه القضية التي أثارت، سنة 2013، الرأي العام المحلي و الدولي لفظاعتها، فقد كشفوا من خلال التحاليل الدقيقة أن الورق الذي وجد مرميا في الأرض استعمل من طرف المجرميْن لسدّ فمي الطفلين و منع وصول صوتيهما إلى الجيران، فيما تم استخدام خرطوم مياه لخنق الطفل هارون حتى الموت.
و أخبرنا العاملون بالمصلحة أنهم عاشوا أوقاتا عصيبة أثناء معالجة هذه القضية بالذات، إلى درجة أن بعضهم توقف عن الأكل، و هو ما استدعى الاستعانة بأخصائيين نفسانيين لمساعدتهم على تخطي الأزمة، خاصة أنهم كانوا يعالجون جميع الدلائل و القرائن الخاصة بجريمتي القتل و الاغتصاب اللتين ارتكبتا في حق الطفلين البريئين، و رغم ذلك واصلوا عملهم بكل احترافية و جدية و حاولوا ترك الأحاسيس جانبا، بحسب إحدى الموظفات.
فنجان قهوة يُحدّد سبب الوفاة!
تركنا دائرة «الآديان» التي تخفي بين جدرانها عينات أكثر المجرمين وحشية، و اتجهنا بعدها صوب دائرة التسمم الجنائي، و هناك استقبلنا المهندس الرئيسي يحيوش حسان، الذي أخبرنا أن العينات التي تشملها التحاليل على مستواه، تخص عادة الكشف عن المخدرات في البول و الدم، و التي لوحظ في الآونة الأخيرة أنها تتمثل، في الكثير من الحالات، في عقار «البريغابالين» و أيضا «الإسكتازي» الذي أدى مؤخرا إلى وفاة شاب من ولاية سطيف، بعدما ابتلع جرعة منه عند وصول الشرطة إليه.

و من بين القضايا التي تمت معالجتها مؤخرا، قضية شخص تبيّن أنه توفي إثر جرعة زائدة من الكوكايين، بعدما كان يخفي هذه المادة في جهازه الهضمي لتمريرها عبر المطار، كما أخبرنا صيدلي يعمل بالدائرة ذاتها، أن الفريق توصل ذات مرة إلى أن أحدهم توفي بسبب ما يسمى «الحجرة السوداء»، و ذلك بعد إجراء تحاليل على الآثار التي وجدت على كأس ارتشف منه القهوة.
و ما لا يعرفه الكثيرون، هو أن عمل الشرطة العلمية يمتد إلى تحديد أسباب الوفاة في حوادث الاختناق بالغاز، حيث يدخل ذلك في صلب مهام دائرة التسمم الجنائي، التي أكد لنا العاملون بها، أن العديد من هذه الحوادث يتبين أن سببها سدّ قنوات تصريف الغازات بأعشاش الحمام، أو عدم الانتباه لوجود كسر في المدفئة.
أما في دائرة المتفجرات و الحرائق، فأخبرنا الملازم الأول للشرطة بوشنيتفة ياسر، أن المهمة الأولى لهذه المصلحة تتمثل في الكشف عن أسباب الانفجار و الحريق و عما إن كانت إجرامية أو طبيعية أو عرضية، لكن هذا العمل لا يخلو من الصعوبة، على اعتبار أن النيران تتلف الكثير من الأدلة، ما يجعل العثور على الدليل العلمي أمرا في غاية الدقة، خاصة أن تدخلات الحماية المدنية تتطلب إطفاء ألسنة اللهب بالمياه للحفاظ على الأرواح و الممتلكات، و هو ما يزيد من تعقيد المهمة و يستدعي في الغالب اللجوء إلى أقوال الشهود و الاعتماد على الصور، كما يشمل عمل المخبر تحديد كمية المتفجرات و نوعها، خاصة في قضايا الإرهاب.
خبراء يطيحون بـ «الهاكرز»
و مجرمي «الفايسبوك»
و في ظل الطفرة الحاصلة في تكنولوجيات الإعلام و الاتصال، و ارتفاع معدلات الجريمة الإلكترونية بالمدن الجزائرية، تضاعفت مهام خبراء الشرطة للتوصل إلى المجرمين الذين ينشطون خلف شاشات الكمبيوتر و الهواتف النقالة، و لذلك تم استحداث مخبري التحليل الجنائي للأصوات و استغلال الهاتف المحمول التابعين لدائرة أدلة الإعلام الآلي، أين يتم البحث عن الفيديوهات و الصور و الوثائق و الملفات و استرجاعها من أجهزة الكمبيوتر و الهواتف النقالة، و كذلك من أجهزة النسخ و مختلف الشرائح و بطاقات الذاكرة و غيرها، إلى جانب رفع الآثار من مسرح الجريمة، كالأجهزة المشبوهة.
بدائرة أدلة الإعلام الآلي كان الديكور مختلفا تماما، فقد وجدنا أجهزة كمبيوتر و هواتف نقالة و وحدات مركزية، بعضها يستعمل في العمل و الآخر تم حجزه للتدقيق في محتواه، و في هذا الشأن قال نائب رئيس الدائرة الملازم الأول للشرطة بودماغ الأمين، أن فريق المختصين العاملين معه، بإمكانهم استرجاع أية بيانات يريدوها من مختلف الوسائط الإلكترونية، حتى لو تم محوها، و ذلك بفضل البرمجيات المستخدمة لهذا الغرض و المعترف بها دوليا.
و أضاف الخبير أن مصالحه تستقبل ما يقارب 10 قضايا يوميا، تتعلق في الغالب بالتشهير و السب و الشتم عن طريق موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، خاصة أن ممارسة هذا النوع من الجرائم لم يعد يتطلب كما في السابق جهاز كمبيوتر و وحدة مركزية، إذ يكفي استعمال هاتف ذكي أو لوحة الكترونية، لكن مهما بلغت درجة ذكاء المجرم فإنه يمكن الوصول إليه و استرجاع جميع البيانات و الصور المبحوث عنها.
و تحدث غالبية الجرائم الإلكترونية بين أطراف يعرفون بعضهم البعض، كما أن المجرمين فيها يقومون عادة بانتحال هوية امرأة، حيث يتم في مثل هذا النوع من القضايا استرجاع محادثات «الفايسبوك» و حذف الفيديوهات المنشورة على موقع «اليوتوب» للتشهير. و أكد الخبير أن عمليات القرصنة صارت تتم عن طريق إرسال فيروس في صورة أو رابط للضحية، و بمجرد الدخول إليه تتم السيطرة على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف النقال، و يمكن لـ «الهاكر» الولوج إلى كل البيانات الموجودة به و حتى استعمال الكاميرا، و هنا تكمن الخطورة، حسب محدثنا الذي دعا إلى توخي الحيطة و الحذر، سيما فيما يخص استخدام الأطفال لهذه الوسائط.
هذه حقيقة تطبيق
«الحوت الأزرق»!
و في هذا الشأن قال الملازم الأول للشرطة بودماغ الأمين، إن ما يعرف بلعبة الحوت الأزرق شهدت تضخيما من طرف بعض وسائل الإعلام، فقد بينت التحقيقات، كما أكد، أن غالبية الأولياء يختفون وراء هذا التطبيق للتغطية على مشاكل مع أبنائهم، مضيفا بأن التطبيق الأصلي الخطير مصمم باللغة الانجليزية، و يخاطب مستخدميه باللغة الروسية.
و يؤكد الخبير أن المرحلة الـ 54 و الأخيرة من هذه اللعبة، تتمثل في رمي الشخص لنفسه من مكان مرتفع و ليس الانتحار شنقا، لذلك فإن التطبيقات الأخرى المنتشرة ليس لعبة الحوت الأزرق الأصلية، و ليست بالخطورة التي صورت بها، مضيفا أنه يستحيل ألا يكتشف الآباء أن أطفالهم يلعبونها، لأنه ابتداء من المرحلة الـ 21 تظهر جليا علامات الانطواء و الانعزال على اللاعبين، ليخلص بالقول «لحد الآن لا توجد أية نتائج تشير إلى أن تطبيق الحوت الأزرق هو السبب في انتحار أطفال».
لكل سلاح بصمة!
و قد عالجت هذه الدائرة قضايا إشادة بالإرهاب و أخرى تتعلق بتسريب أسئلة امتحان شهادة البكالوريا خلال الأعوام الأخيرة، حيث استطاع رجال الشرطة العلمية المختصون استرجاع الرسائل و المكالمات و تحديد مصدر الصور و المنشورات.بعد انتهاء استطلاعنا في دائرة أدلة الإعلام الآلي، رافقنا مدير المخبر الجهوي للشرطة العلمية إلى مصلحة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، و هي دائرة الأسلحة و القذائف التي تضم نساء و رجالا في الشرطة يمتلكون خبرة كبيرة في هذا المجال، اكتسبوها خاصة في سنوات الإرهاب، و عن هذا الأمر ذكرت محافظة الشرطة يعيش وسيلة أن العمل هنا يشمل معالجة كل ما هو سلاح و مقذوف و تخزين المعطيات الخاصة به عن طريق نظام «إيبيس».
و وضحت لنا السيدة يعيش أن كل سلاح له بصمة و مهما طالت مدة اختفائه أو سرقته أو استعماله من طرف الجماعات الإرهابية، يمكن الوصول إلى أثره و مسار استعماله بمجرد معاينة المقذوفات التي خرجت منه، و المسافة التي أطلقت منها الرصاصة و توقيت ذلك، و حتى وضعية من أطلقها و إن كان الأمر يتعلق بعملية انتحار أو جريمة قتل.
عينة تراب تغيّر مسار التحقيقات!
و قد ختمنا زيارتنا من دائرة الكيمياء و المخدرات، أين التقينا بالملازم الأول بوطمين عز الدين، حيث قال إن المهام الرئيسية المسندة لفريقه تتمثل في تحديد المادة الفعالة بمختلف المواد المشتبه فيها و تزويد العدالة بتقارير الخبرة العلمية الخاصة بها، كما يتم العمل مع إدارة السجون للكشف عن أية مخدرات يحتمل وجودها داخل الأكل الموجه للسجناء من الخارج. و تكمن أهمية هذه الدائرة، في أنها تستقبل أية مادة مجهولة، خاصة مع التغييرات التي أصبحت تدخل على المواد المخدرة المصنوعة من القنب الهندي و غيرها.أما الملازم الأول باشا جلال الدين فأوضح بأنه يتم أيضا المقارنة بين العينات المأخوذة من موقع الجريمة، و تحليل تركيبتها بدقة و المقارنة بين مختلف العينات، كالأصبغة و المساحيق و حتى الأتربة و المواد المستعملة في الشعوذة و غير ذلك، و أضاف الخبير أن بين أهم القضايا التي عولجت في الفترة الأخيرة، كانت فك لغز جريمة قتل راح ضحيتها قابض بريد بولاية باتنة، بعدما بينت الخبرة التي أجريت على منزله، أنه مدهون بنفس الطلاء الموجود في موقع الجريمة، كما أخبرنا عميد الشرطة زيتوني مسعود كيف تم التوصل إلى أن سيدة قتلت قبل سنوات بقسنطينة، حولت من مكان إلى آخر قبل الاعتداء عليها، و ذلك بعد إجراء خبرة على عينات التراب التي وجدت أسفل جثتها، و تبين أنها قتلت في مكان و رميت في مكان آخر.                         
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى