لا تزال المنابع المائية الطبيعية المنتشرة عبر مختلف مناطق ولاية قالمة تستقطب عددا كبيرا من الناس في رمضان، و مع مرور الوقت تحول البحث عن مياه المنابع إلى تقليد لدى هواة الطبيعة مع حلول شهر الصيام، رغم وفرة مياه الحنفية في البيوت، و المياه المعدنية في المحال التجارية، بالإضافة إلى مياه الصهاريج المتنقلة.  
فريد. غ 
و في كل إقليم توجد منابع محددة تتوجه إليها أعداد كبيرة من الصائمين  كل يوم، في رحلة رمضانية تستمر عدة ساعات، يقضي فيها الصائمون من هواة صيد المياه العذبة، مغامرات بين الأودية و الشعاب و وسط الغابات الكثيفة التي استعادت أمنها بعد سنوات طويلة من القطيعة مع السياح و هواة الصيد و المياه الطبيعية التي تهبها الطبيعة بسخاء و بلا حساب.  
و تعد منابع الوارثية، عين سلطان و عين شويخة ببلدية بوحمدان، و الأربعاء بني مجالد ببرج صباط، و رأس العيون بعين صندل، و عين البيضاء ببلدية سلاوة عنونة، و منابع الدهورة و حمام النبائل الأكثر استقطابا للصائمين في رمضان.
حول هذه المنابع تتشكل طوابير من السيارات كل يوم و يتجمع الناس حول المياه الباردة المثيرة لشهية الصائمين، لتعبئة أكبر كمية ممكنة قد تكفي حاجة العائلة لأسبوع كامل أحيانا.
و ليست المياه وحدها من يثير فضول الصائمين فهناك تعرض مختلف أنواع الفواكه و الخضر التي ينتجها السكان المجاورون لهذه المنابع و يعرضونها للبيع مع الحليب و اللبن و البيض، مستغلين فرصة تدفق الصائمين على المكان للحصول على مداخيل جديدة دون الحاجة إلى التنقل إلى المدن و القرى المجاورة.  
استكشاف للطبيعة و هروب من روتين المدن الثقيل
يقول (حسين.م) المتمرس في صيد المنابع في رمضان عبر الإقليم الغربي، « البحث عن المنابع المائية في رمضان سياحة و استكشاف للطبيعة، و هروب من روتين المدن الصاخبة، بين يوم و آخر أتوجه إلى منابع عين خروبة، سلاوة عنونة، و حتى بوحمدان لجلب مياه طبيعية للشرب و حتى لطهي الطعام في رمضان، متعة التجول في الطبيعة لا تضاهيها متعة في شهر الصيام، هناك تجد الهدوء و الراحة و الهواء العليل بعيدا عن فوضى المدن و القرى، مياه الحنفية القادمة من السد الكبير لم تعد تثير فينا الرغبة في رمضان و أصبحت مياه المنابع الطبيعية بمثابة البديل المفضل لدى الكثير من العائلات، و لذا ترى عدد الباحثين عن هذه المنابع في ارتفاع مستمر على مدار السنة تقريبا، و في شهر رمضان يكون الإقبال كبيرا، الطبيعة هي مصدر الحياة، و لذا نحن نعود إليها كلما دعت الحاجة إلى ذلك و شعرنا برغبة ملحة في كسر الروتين الممل و التوجه نحو رؤوس الجبال و التجول وسط الغابات و الأدغال و بين الأودية و الشعاب، هناك تجد المتعة و تقضي ساعات الصيام الطويلة دون أن تشعر بالملل و الضيق، كل ما هو طبيعي لا يمكن تعويضه ببديل آخر، و المياه التي صار منها كل شيء حي هي الهدف الأول للصائمين في رمضان».   تجارة و منابع تحت الحصار

صيد المنابع الطبيعية في رمضان بقالمة و قبل 15 سنة تقريبا لم يكن بالشكل الذي صار عليه اليوم، حيث كان الناس لا يهتمون كثيرا بمياه الشرب المنتشرة على نطاق واسع في الطبيعة، كما أن الظروف الأمنية التي سادت بالمناطق المعزولة حالت دون ازدهار السياحة الجبلية و من ثم كان نقص الاهتمام بكنوز الطبيعة من مياه و فواكه و خضر برية.  
و بعد عودة الأمن و تعبيد الطرقات المؤدية إلى الأقاليم الريفية بدأ الاهتمام يعود إلى تلك المناطق، و كان صائدو المياه في مقدمة العائدين و المستكشفين لمواقع ظلت عصية على الجميع، لكن هؤلاء المغامرون في رمضان لم يعودوا وحدهم في الميدان، حيث التحق بهم تجار المياه و أصبحوا من اكبر المنافسين لهم بالمنابع الشهيرة التي أصبحت تحت الحصار و أصبحت مياهها مصدرا لكسب المال كما يحدث بمنابع الدهوارة، عين السودة و البسباسة أين ظهرت وحدات لتعبئة المياه المعدنية و طوابير من الشاحنات الحاملة للصهاريج البلاستكية العملاقة التي تنقل كميات كبيرة من مياه الشرب إلى سكان المدن و القرى بأسعار في متناول الجميع.  
لكن وصول مياه المنابع الشهيرة إلى المنازل لم يوقف ظاهرة التجوال في الطبيعة بحثا عن منبع بمذاق جيد و منبع يشفي من المرض و يشعرك بالجوع كلما شربت منه بعد الإفطار.  
معالجة المنابع الطبيعية و حمايتها مسؤولية الجميع  
مع ارتفاع الإقبال على المنابع الشهيرة بقالمة بدأت مؤشرات التلوث تثير القلق و خاصة تلك المنابع القريبة من الطرقات المعبدة، و بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بتدخل البلديات لوضع حجر الجير، و المحافظة على نوعية المياه، كما أن السياح و صائدي المياه في رمضان مطالبون أيضا بتنظيف محيط هذه المنابع، و منع كل تصرف يلوث مياهها و يعرض صحة المستهلكين للخطر، الجميع يتحمل مسؤولية حماية هذه الكنوز التي وهبتها الطبيعة للإنسان.  
و قد تأثرت منابع طبيعية كثيرا بالتدفق الكبير للعائلات في رمضان و على مدار السنة تقريبا، و بدأت مؤشرات التلوث تظهر فيها، بعد أن تغير طعم مائها تحت تأثير النفايات التي ترمى فيها و الأواني غير النظيفة التي تستعمل لتعبئة مياه الشرب، و تعد المنابع المفتوحة الأكثر عرضة للخطر مقارنة بالمنابع المغلقة و المجهزة بأنابيب تنقل المياه بعيدا عن المنبع الأصلي.  
  فريد.غ 

الرجوع إلى الأعلى