تعرف الأسواق الجزائرية بمجرد حلول الشهر الفضيل، حركة دؤوبة، يرتفع معها عدد الباعة و التجار، و تزيد من درجة الإكتظاظ بالطرقات، فارضة ديكورا خاصا يصنعه تجار موسميون يظهرون بظهور هلال رمضان و يختفون بزواله.
إ.زياري
شهر رمضان، «شهر يجيب خيرو معاه»، عبارة شهيرة يتداولها الجزائريون في ما بينهم منذ قرون، غير أن الكثيرين يستعملونها اليوم، تعبيرا عن باب رزق يفتح مع حلول الشهر، و يغلق بانقضائه، مثلما يجمع عليه باعة موسميون يمتهنون نشاطات ترتبط بالشهر الفضيل، أين تفتح الأبواب أمام الأسر محدودة الدخل لزيادة مدخولها، و أمام العاطل عن العمل، من خلال بيع منتجات غذائية بشكل خاص لا يستهلكها الجزائريون إلا في رمضان.
حاجة إجتماعية تحول الأطفال إلى تجار
يشكل شهر رمضان فرصة من ذهب بالنسبة للأسر محدودة الدخل بشكل خاص، إذ يساعدها على توفير دخل إضافي تساهم به في مصاريف الشهر الفضيل و حتى كسوة العيد، حيث يقول عمي علي، رب أسرة متقاعد عن العمل، «أستغل شهر رمضان لبيع مختلف أنواع الأعشاب الخاصة بالشربة، فأنا أبيع القصبر «الدبشة» و البقدونس و حتى الفلفل الحار و النعناع و السلطة، و هي كلها منتجات أغرسها في حديقة منزلي الخلفية، و أحرص على تحضيرها لبيعها خلال هذا الشهر، أين يكثر الطلب على هذه المواد»، و يؤكد عمي علي بأن تجارته البسيطة هذه، توفر له دخلا محترما ، خاصة و أن حجم المصاريف يرتفع بشكل كبير في هذه الفترة.
و حتى الأطفال، يساهمون في بيع مختلف المنتجات الغذائية كقلب اللوز و الديول، الشاربات، وكل ما يدخل تحت غطاء المواد ذات الاستهلاك الواسع في رمضان، معتبرين ذلك فرصة لا تعوض لكسب مال إضافي يساهمون به في تغطية مختلف المصاريف، خاصة كسوة العيد، و هو ما يثلج صدور الأولياء الذين كثيرا ما يجدون أنفسهم في حيرة و عجز عن كسوة كافة أبنائهم، خاصة مع الارتفاع الفاحش في الأسعار عبر مختلف الأسواق.
بطالون لا يشتغلون
إلا  في رمضان
بينما يفضل الكثير من الموظفين و حتى الحرفيين الدخول في عطلة خلال شهر رمضان، من أجل الاسترخاء و تفادي مشقة العمل مع الصيام، يعد الشهر فرصة بالنسبة للكثير من البطالين من أجل العمل، أين يخرجون فيه من كابوس البطالة، و ينخرطون في عالم دؤوب لا يتوقف عن النشاط و الحركية إلا بانقضاء الشهر، فازدهار ما يصطلح عليه بالتجارة الموسمية التي تساهم بشكل كبير في امتصاص البطالة لدى الجزائريين، حيث يجد الكثيرون مهنا تغيب خلال باقي أشهر السنة، ويتحولون إلى باعة و تجار مؤقتا، ولو بطريقة غير شرعية.
ويقبلون على بيع مختلف أنواع الحلويات التقليدية بالأسواق والأحياء و على حواف الطرقات، خاصة قلب اللوز و الزلابية، فضلا عن بيع الشاربات، المشروب التقليدي الذي يتنافسون في تحضيره بشتى الطرق ، فتحي مثلا، أب لـ3 أطفال و عاطل عن العمل، يقول بأنه لا يجد عملا لمدة 30 يوما إلا في رمضان الذي يشكل فرصة لا يعرف إلا الأذكياء استغلالها، حسبه، أين يتفرغ لبيع الشاربات على مستوى حيه، مؤكدا بأنه يقوم بتحضيرها في البيت بطريقة بسيطة، و يعتبرها  تجارة مربحة توفر له مبلغا معتبرا من المال يساهم من خلاله في توفير حاجيات أبنائه، و الأمر نفسه بالنسبة لآخرين يشكل رمضان فرصتهم الحقيقية للتغلب على البطالة و لو ببيع منتوجات بسيطة.
النساء.. « صنايعيات بامتياز»

لا شك أن الآلة و مهما تطورت، فلن تتغلب على المرأة الجزائرية في إتقان صناعة المطلوع، و الديول بشكل خاص، ما تعكسه منتجات الكثيرات من «الحرائر» التي لا تزال صامدة و بارزة عبر مختلف الأسواق الجزائرية و تطل مع إطلالة هلال رمضان، أين يتربع المطلوع على عرش شتى أنواع الخبز، و يكثر عليه الطلب لدى الجزائريين، خاصة على مستوى الوسط الجزائري بالعاصمة و بومرداس، حيث تنتعش هذه التجارة، و يتضاعف عدد السلال المعروضة هنا و هناك، و يزيد عدد الزبائن الذين يصطفون يوميا في المساء أمام أبواب بيوت المتخصصات في هذه الحرفة.
قالت السيدة كريمة، مطلقة و أم لـ3 أبناء، للنصر بأنها تخصصت في صناعة المطلوع منذ سنوات، و يزداد الطلب على خبزها خلال الشهر الفضيل، فهي لا تكاد تلبي كافة الطلبيات، و كل ما يخرجه ابنها لبيعه على حافة الطريق، ينفد في وقت قياسي.
أما رزيقة ربة بيت و أم لطفلين، فتحدثنا عن تجربتها مع الديول أو الخطفة،  و تقول بأنها لا تنام منذ آذان الفجر، إذ تتفرغ لتحضير كمية كبيرة من الديول يقوم زوجها ببيعها بالسوق الجواري  في الحي الذي تقيم به، مؤكدة بأنها تحضر أكثر من 20 دزينة في أغلب الأحيان، فيما تضظر لتحضير كميات إضافية عندما يزيد الطلب عليها ، مشيرة إلى أنه و رغم  توفر الديول الصناعية، غير أن الكثيرين يفضلون التقليدية لما لها من مزايا من حيث الذوق بشكل خاص، لتكون بذلك رزيقة و كريمة و أخريات، ساهمن في توفير دخل إضافي للأسرة و لو يكون ذلك مرة واحدة في السنة.
و مهما تنوعت المهن و إن كانت موسمية، فيكفي أنها تخرج الكثيرين من المحن، أين يحاول كل واحد إيجاد وظيفة على مقاسه، و لو كانت مؤقتة و بمدخول لا يكاد يقاس بحجم مصاريف و تكاليف تثقل كاهل أغلب الجزائريين بمرور الوقت حتى و إن كان دخلهم لا بأس به.
إ.ز

الرجوع إلى الأعلى