أواني يأكلها الصدأ وحلويات تعرض وسط الغبار
يختفي وراء الواجهات التجارية عالم آخر لا يراه المستهلك، الذي يكتفي فقط بالشراء دون التدقيق في معرفة ما مدى مطابقة المنتوج الذي اقتناه لمعايير السلامة الصحية والنظافة، التي تعد آخر اهتمام التجار و تعرف نقصا كبيرا بغالبية المحلات،  لكن في المقابل يوجد العديد من التجار من يجهل القوانين، وكثيرا ما يتعاملون مع الوضع باللامبالاة، و ينصب اهتمامهم على  الربح على حساب  صحة المواطن ، وهو ما يترتب عنه غلق للمحلات، و متابعات قضائية أو غرامات مالية .
لقمان قوادري
  النصر قضت نصف يوم رمضاني، مع فرقة قمع الغش التابعة لمديرية التجارة بقسنطينة، حيث تم  تسجيل تجاوزات ومخالفات من شأنها أن تهدد صحة المستهلكين،  كما عاينت ظروف عمل الأعوان ووقفت على المضايقات التي يتعرضون لها والصعوبات الميدانية التي يواجهونها في الميدان.
المباغتة والحذر للدخول إلى الأحياء!
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، عندما انطلقنا رفقة عيادي الشريف و لفوالة سمير رئيسا فرقة تفتيش بمصلحة قمع الغش بمديرية التجارة،  حيث كانت وجهتنا الأولى حي التوت، إذ قام سائق سيارة المديرية بالركن بعيدا عن الحي وسلكنا طريقا التفافيا للدخول إلى الحي، حيث ذكر السيد عيادي بأنهم دائما ما يقومون بهذا الإجراء حتى لا يراهم التجار،  فهم يعاملونهم كأعداء وسرعان ما تغلق المحلات بعد رؤيتهم بعد أن ترصدهم عيون الجواسيس.
ويضيف متحدثانا  بأن العمل وفي غالبية الحالات يعتمد على أسلوب المفاجأة والمباغتة من أجل الكشف عن المخالفات، حيث يتم الولوج إلى المواقع المستهدفة خفية وبفرق تتكون من اثنين إلى ثلاثة أفراد كأقصى حد حتى لا يجلب الانتباه و لا تعطي الفرصة لأي مخالف للقوانين لتدليس التجاوزات وإخفاء السلع الفاسدة.
البداية كانت بمحل لبيع المواد الغذائية، والملاحظة الأولى التي وقعت عليها أعيننا هو بيع الحليب في ثلاجة مفتوحة وممتلئة عن آخرها وهو ما قد يعرض الأكياس إلى التخمر ،  حيث شدد أعوان الرقابة على صاحب المحل بضرورة حفظه في ظروف جيدة وغلق الثلاجة وهو ما قام به على الفور بعد أن برر الوضع بإنزاله من شاحنة التوزيع في تلك اللحظة ، وبداخل المحل كان كل شيء يبدو جيدا ومرتبا و نظيفا، قبل أن يشرع المفتش في قياس درجة حرارة الثلاجة ليتبين بأنها مطابقة للمعايير المعمول بها، كما تفحصا تاريخ صلاحية العديد من المواد لاسيما الحلويات وقدما توجيهات خاصة بكيفية حفظ المواد ، حيث تجاوب التاجر كثيرا مع ما قدم له من توجيهات.
  الكاشير .. الصداع الدائم
و عند استفسار فرقة المراقبة عن وثيقة التحاليل المرفقة بمادة الكاشير، قال التاجر بأنه لم يتحصل عليها من الممون، ولا يدري إن كانت ضرورية، وبإمكانه أن يحضرها لهم مساء أو في الغد، كما رصدت الفرقة عدم وضوح تاريخ صلاحية المنتوج، لتقوم بتحرير استدعاء وسحب  المادة كليا من المحل  مع طلب إحضار وثيقة التحاليل، في الغد،  كما تم أخذ المعلومات المحررة على الغلاف الخارجي، فيما أكد المفتش لنا بأنه وفي حال عدم إحضار التحاليل فإن المحجوزات سترمى وسيتم متابعة المعني قضائيا.
نفس المخالفات التي رصدت بالمحل الأول سجلت لدى الثاني، غير أن التاجر بدت عليه علامات القلق وقال بأنه يسعى دائما إلى العمل بطريقة نظامية وقانونية، وأنه لم يغلق محله مع علمه بوجود المراقبين، قبل أن يسلماه استدعاء للحضور إلى المديرية، لنغادر بعدها ويؤكد لنا أعوان الرقابة، بأن العلاقة مع التجار تكاد في الكثير من الأحيان أن تتحول إلى خصومة أو شجار، حيث أن أصحاب المحلات لا يتقبلون النصائح والتوجيهات،  وكثيرا ما يتعرضون للعنف اللفظي لاسيما في الأحياء الشعبية.
سب و شتم وهروب جماعي لأصحاب المحلات
ونحن نسير باتجاه محل آخر كان الجميع ممن في الحي ينظر إلينا بتوجس و ارتياب وكان منهم من  أطلق العنان للسب والشتم، فيما كان بائع فوضوي آخر يهدد بصوت مرتفع بضربنا في حال الإقتراب من طاولته، غير أن المفتشين لم يأبها بما كان يقال هنا وهناك، وكان منشغلين بعملهما مع التاجر.
خرجنا من المحل فتفاجأنا بأن غالبية المتاجر قد أوصدت أبوابها وخيم السكون بالحي، خلافا لما كان عليه الأمر عند دخولنا، وهنا أكد لنا الأعوان بأنهم يغادرون المكان ثم يعودون إليه في نفس اليوم أو في الغد، فيما اشتكى أحد التجار مما وصفه بمتابعات أعوان الرقابة والضغط عليهم، في الوقت الذي يتجول فيه الباعة الفوضويون بكل حرية ويعرضون سلعا غير مطابقة دون أي حسيب أو رقيب، وضرب لنا مثلا ببائع لبن وحليب  على قارعة الطريق، ولما نقلنا هذا الانشغال لأعوان مديرية التجارة، أكدوا لنا بأن مجال تدخلهم واضح وأن التجارة الفوضوية من صلب مهام هيئات أخرى كمصالح الأمن والبلدية، مشيرين إلى أنه وكلما دخلوا محلا يقابلهم صاحبه بنفس الملاحظة.
ريش وأحشاء عالقة بالدجاج!

توجهنا إلى محل قصابة، أين رحب البائع بالأعوان، الذين قاموا بتفحص السلع ووجها ملاحظة بخصوص فصل اللحوم البيضاء عن اللحوم الحمراء، كما تفحصا الثلاجة ودرجة التبريد، قبل أن يوجها ملاحظة بخصوص نقص النظافة، وطلبا من التاجر أن لا يعرض الدجاج دون أن ينزع منه الريش والأحشاء جيدا، لكنه تحجج بشرائه على هذه الحالة غير أنهما أكدا على ضرورة أن يتحلى البائع بالرقابة الذاتية، وأن لا يعرض أي سلعة دون التأكد من نظافتها ومطابقتها للشروط الصحية، قبل أن نتوجه إلى محل لبيع الخضر والفواكه وتم رصد مخالفة عدم إشهار الأسعار وتنظيف السلع قبل عرضها.
ارتباك بسوق فيرندو ووجوه المراقبين تثير النفور
غيرنا الوجهة إلى وسط المدينة، حيث ما إن ولجنا سوق فيرندو حتى بدت علامات الإرتباك والخوف وتغيرت ملامح التجار الذين نظروا إلينا بعين النفور، غير أن الوجهة لم تكن تلك السوق، بل كانت مجرد معبر إلى شارع محمد بلوزداد، الذي تحول نشاط غالبية التجار به  إلى بيع الحلويات التقليدية، حيث كانت البداية بمحل لبيع الشاي، حيث طلب الأعوان من البائع السجل التجاري الذي كان يسمح لصحابه في النشاط ببيع الشاي فقط دون الحلويات، كما رصدنا نقصا كبيرا في النظافة، حيث كان يعرض قلب اللوز في الغبار دون أي غطاء في الوقت الذي تنص فيه القوانين على ضرورة أن تكون السلع معروضة وراء حاجز زجاجي وأن تكون مغطاة، كما تم الوقوف على وجود كميات من المشروبات بداخل آلة عصير غير صالحة للإستهلاك، حيث أمراه برميها، وسلماه استدعاء للحضور إلى المديرية.
بنفس الشارع وقف الأعوان على نقص نظافة وفوضى بمحل لبيع الحلويات التقليدية، في حين كان سجله التجاري يحتوي على بند الصناعة  دون البيع، كما رصدت نفس المخالفات، التي سجلت للمحل السابق ووجه له أيضا استدعاء لتبليغه بالمخالفة وما يترتب عنها من عقوبة، قبل أن ندخل محلا لبيع الزلابية حيث تفحصا نوعية الزيت كما وقفا على نقص في النظافة، والعمل بأواني قديمة ومهترئة أكلها الصدأ، فيما وجدنا تاجرا آخر قام هو الآخر بتغيير نشاطه من بيع البيتزا إلى صناعة الحلويات التقليدية، وقال بأنه قدم طلبا بذلك إلى مديرية السجلات التجارية.
ويؤكد عونا الرقابة، بأنه من المستحيل رصد جميع المخالفات والتجاوزات غير القانونية  رغم وجود عدد كبير من الفرق المختصة في قمع الغش وتوفر جميع الإمكانيات، حيث ذكروا بأن المديرية تتوفر على العديد من السيارات المخصصة لهذا الغرض فضلا عن مفتشين ومفتشات مؤهلين، لكن يبقى الضمير أكبر حارس للتاجر، مشيرين إلى أن الدور الأكبر من صميم مهام المواطن، الذي لابد أن يكتسب ثقافة استهلاكية، ويبلغ عن التجاوزات  المرتكبة من طرف التجار  المخالفين للقوانين، كما أكد مرافقانا بأن غالبية الخرجات الكبرى التي يتم فيها حجز كميات كبرى من السلع لاسيما في المذابح غير الشرعية يتم فيها الاستعانة بالقوة العمومية لخطورة الوضع.                      ل.ق

الرجوع إلى الأعلى