«رمضان ليس للأكل و النوم و العبادة فقط، هو أيضا فرصة للعمل المفيد و التضامن و تغيير الواقع المتردي الذي صارت عليه مدن و قرى ولاية قالمة بعد أن تراجع دور البلديات و أصبحت غير قادرة على مواجهة الوضع بسبب نقص الوسائل المادية والبشرية القادرة على تحسين إطار الحياة العام، و إدخال السعادة في قلوب الناس المتعطشين لطريق نظيف و رصيف جميل».
فريد.غ
هكذا تحدث شباب البلديات الريفية النائية بولاية قالمة عن المبادرة الهامة التي انطلقت مع بداية شهر رمضان لتزيين المحيط و تنظيف الشوارع و الأحياء السكنية، مبادرة حركها الشعور بالغبن تجاه الوضع البائس الذي صارت عليه المدن و القرى الصغيرة التي لم تصلها برامج التنمية بالقدر الكافي، و أصبح حالها يبعث على القلق وسط السكان و خاصة الشباب الذين أصبحوا أكثر وعيا و إدراكا بحال المناطق الريفية التي لم تنل حقها حتى الآن، و خاصة في مجال التهيئة و الإنارة و تحسين إطار الحياة العامة و بناء مرافق الخدمات و الشباب.  
في كل يوم و ليلة من شهر رمضان يتوجه عشرات الشباب إلى جبهة التحدي في محاولة لتعويض العجز المزمن للبلديات في مجال النظافة و تزيين المحيط، سلاحهم وسائل بسيطة و إرادة قوية و تطلع إلى مستقبل جديد يكون فيه الشارع نظيفا و عمود الإنارة يشتغل طيلة ساعات الليل ليبدد الظلام الطويل و يبعث على التفاؤل و الارتياح وسط السكان البعيدين عن المدن الصاخبة التي استهلكت الكثير من المال لتحسين إطار الحياة العامة و تجديد الأرصفة و الطرقات و الساحات العامة و بناء الحدائق و مرافق الخدمات، و مازالت المدن الرئيسية القريبة من مصادر القرار المحلي تبتلع المزيد على حساب قرى ريفية أصابها الحيف و ابتعدت كثيرا عن مظاهر التمدن و الحضارة المعاصرة، و أصبح الشباب الذين يعيشون فيها غير راضين عن هذا الوضع فقرروا الاعتماد على إرادتهم و تغيير الواقع و لو بخطوة أولى قد تكون البداية نحو مستقبل جديد.  
ما حُقق  بالتطوع تعجز عنه المقاولات  
 من بلدية الركنية الواقعة شمال قالمة إلى بلدية بوحمدان غربا شباب قرر رفع التحدي عشية حلول شهر رمضان و في أيام الصيام و ليالي السمر، ما حققوه حتى الآن في غضون أيام قليلة تعجز عن تحقيقه حتى المقاولات الصغيرة في شهور كما قال شاب من بلدية الركنية و هو يعلق على صور جميلة لعمليات تزيين أزقة المدينة الصغيرة التي مرت بوضع صعب في السنوات الأخيرة بعد تردي وضعية الشوارع و الطرقات الرئيسية.
و ببلدية بوحمدان النائية تحول ليل الأحياء الشعبية البسيطة إلى نهار على وقع الحركة و النشاط الدؤوب الذي يبدأ بعد صلاة التراويح و يستمر حتى ساعة متأخرة من الليل، شباب طموح و متحمس أراد ان يساهم بقوة في تخفيف العبء الذي تعاني منه البلدية بإطلاق مبادرة شجاعة لجمع النفايات و تزيين الأرصفة و تنظيف الطرقات.  
و قد تغير حال الكثير من المواقع التي شملتها الحملة المستمرة طيلة رمضان على ما يبدو و اكتست بعض الشوارع حلة جديدة و تحولت إلى فضاء للتجول ليلا و كأنك بقلب مدينة كبيرة تحظى بالعناية على مدار السنة.  
و تمكن المتطوعون من دهن مساحات واسعة من شوارع الركنية و بوحمدان و بلديات أخرى بألوان زاهية أدخلت الفرحة و السرور في قلب السكان الذين أفاقوا على تغيير جذري و غير متوقع، و ربما لم يكونوا يحلمون به على الإطلاق.  

الحملة  تكشف عن مواهب في الرسم و البناء والهندسة  
و جند المتطوعون إمكانات بشرية و مادية كبيرة لإنجاح حملة تزيين المحيط في رمضان تدعمهم البلديات، و كشفت الحملة عن مواهب نادرة في الرسم على الجدران و البلاط، و طاقات كامنة في مجال البناء و الهندسة، حيث أخرج كل شاب ما لديه من قدرات في مجال الدهن و الفن التشكيلي و تهيئة الأرصفة و الطرقات، و يخيل للزائر في بداية الأمر بان شركة متخصصة قد مرت من هنا و تركت الأثر الجميل بعد رحيلها.  
أرصفة بالأخضر و الأصفر و الأبيض و الأحمر، و طرقات مغسولة بخراطيم المياه، و جدران تحولت إلى معرض للفنون الجميلة بلوحات ساحرة، رسمتها أنامل ذهبية ظلت بعيدة عن الاهتمام، و ربما لم يكن السكان يعلمون بأنه يوجد من بينهم شاب رسام و مهندس مبدع و بناء قدير، كل هذه الطاقات البشرية النائمة مازالت تبحث عن الأمل و مستقبل جديد قد يخرجها من دائرة البطالة و التهميش و يفجرها طاقة مفيدة للوطن و الأمة.  
و عندما تبدأ فرق التطوع في العمل ليلا تتلقى الدعم و المساندة من السكان بتوفير مياه الشرب و الحلويات التقليدية و أكواب الشاي و القهوة، و يقضي الجميع ليالي سمر رمضانية على وقع التضامن و العمل و التطلع إلى مستقبل جديد قد يغير وجه المدن و القرى الجبلية التي مرت بمراحل صعبة و مازالت تنتظر أصحاب القرار المحلي لإعطائها حقها من التنمية و تحقيق مطلب ساكنيها في العيش الكريم وسط بيئة نظيفة و جميلة، لان حملات التطوع وحدها لا تكفي إذا لم تكن هناك برامج و مخططات تمولها الدولة، و يدعمها المواطن و يساهم فيها بقوة، كما يحدث هذه الأيام ببلديات قالمة عندما خرج الشباب في أيام رمضان لتغيير الواقع و لو بتنظيف حي، و غرس شجرة، و دهن رصيف متهالك و رسم لوحة جميلة على جدار.
 ف.غ

الرجوع إلى الأعلى