مدينة ماسينيسا تتجه إلى تكرار التجربة السيئة لعلي منجلي
تسير المدينة الجديدة ماسينيسا بخطى ثابتة، إلى تكرار التجربة العمرانية السيئة لمدينة علي منجلي، رغم أنها مازالت ورشة مفتوحة للبناء، فمدينة المستقبل ورغم انطلاق عمليات الترحيل الأولى إليها منذ أزيد من 15 عاما، ما تزال دون تطلعات المواطنين، الذين لم يتخلصوا من مشاكل أحيائهم القديمة،  فقد وفرت للسكان العمارات وغابت عنها التهيئة والمرافق الخدماتية والإدارية وحتى الأمن و التناسق الإجتماعي.
روبورتاج لقمان قوادري
لم يكن حتى أسوأ المتشائمين يظن بأن المدينة المسماة على القائد النوميدي الشهير ستؤول إلى هذا الوضع ، فجل الأحياء تغرق في القمامة والردوم ومخلفات البناء، فضلا عن التجارة الفوضوية ومحطات سيارات الفرود التي أصبحت تشكل ديكورا وأمرا واقعا لا يكتمل اليوم دونه، ناهيك عن انتشار  تجارة المهلوسات والجريمة بكل أنواعها.  
الاختناق  والتجارة الفوضوية ديكور  يومي
على بعد 25 كيلومترا عن مدينة قسنطينة، وفي موقع استراتيجي بدأت التحصيصات الأولى للمدينة في الظهور وتوسعت تدريجيا شرقا وغربا فوق الهضبة إلى أن وصل الزحف العمراني إلى أعلى التلة بجوار ضريح ماسينيسا، لكن يبدو بأن المهندسين، الذين أنجزوا المخططات الأولى لم يفكروا في إنجاز مدخل واسع يتماشى ومساحة المدينة، حيث أن الولوج إليها يتطلب المرور عبر طريق ونقطة دوران ضيقة جدا لا تتسع إلا لمركبة واحدة، وطالما تسجل اختناقات مرورية في المكان، كما أن مصالح الحماية المدنية تجد صعوبة في الدخول والخروج وحتى الوصول إلى مواقع الحوادث، حيث من المنتظر أن يتم إنجاز مدخل آخر، لكن المشروع مرتبط باستكمال التهيئة العمرانية على مستوى القطب الجديد.
كل من يدخل إلى مدينة ماسينيسا لابد أن يلمح ابتداء من التحصيص القديم وصولا إلى المكان المعروف “بالمارشي” أو السوق، شاحنات بيع الخضر والفواكه ومختلف السلع، حيث يتحول وسط المدينة بالقرب من السوق الرئيسي إلى مكان للفوضى والأوساخ تعلو فيه أصوات الباعة الفوضويين، الذين يتسبب نشاطهم اليومي في ازدحام مروري خانق، يكاد أن يغلق الطريق ويمنع مرور السيارات، رغم قيام مصالح الأمن في كل مرة بطردهم، إلا أنهم يعاودون الكرة بين الفينة والأخرى، في مشاهد قدمت صورة سيئة عن المدينة.     
“سيدي عمر” و «لاسيتي” و»الفوبور”   موجودة هنا
ورغم كثرة المشاريع التنموية التي استفادت منها ولاية قسنطينة، إلا أن مدينة ماسينيسا، بحسب سكانها لم تتحصل على نصيبها الكافي في الجانب التنموي، ما حولها إلى مدينة بائسة ومرقد كبير  يعاني شبابها من العزلة،  وفي تجولنا عبر العديد من الأحياء التي  وجدنا جلها خالية إلا من عدد قليل من السكان ، باعتبار أن الغالبية تتوجه في كل يوم إلى مدينتي قسنطينة أو الخروب للعمل، وقفنا على  تدهور كبير للأحياء والبنايات، التي بدت غير متناسقة وأحاطت بها الردوم من كل جانب، وكأنها  شيدت قبل العشرات من السنين، رغم أن أقدم عمارة في المكان بنيت قبل 15 عاما فقط، في حين وقفنا  على اهتراء الطرقات بالعديد من النقاط لاسيما الداخلية منها، كما لاحظنا بأن العديد من الأرصفة  قد تدهورت وضعيتها، فيما يشتكي  السكان من انتشار الأوساخ والقمامة وانعدام الصيانة أو الترميم، رغم أنهم مثلما قالوا يسددون حقوق الإيجار ، كما يطرح السكان مشكلة انتشار الكلاب الضالة، التي تفرض عليهم حظر تجول ليلا وفي الصباح الباكر، فضلا عن المحلات الشاغرة ، التي تحولت إلى مأوى للمنحرفين وشتى أنواع الممارسات اللأخلاقية التي تهدد الأمن العام.
وما يجذب الانتباه بماسينيسا، هو الانعدام التام للمساحات الخضراء،  فأينما تولي وجهك تقابلك الكتل الإسمنتية و الخرسانة، ومظاهر انعدام التهيئة لاسيما بالتحصيصات التي تقع بمدخل المدينة،  حيث أنه ورغم أن عدد سكانها يقارب 40 ألف نسمة، إلا أن أماكن الراحة والنزهة منعدمة، فيما لا حظنا بأن الأحياء دون تسميات أو إشارات توجيهية،  في حين أنها تسمى بأسماء الأحياء القديمة التي كانوا يقطنها القدامى على غرار سيدي عمر أو لاسيتي أو الفوبور وحتى عمارات الخروبية.
شقق شاغرة وارتفاع كبير في أسعار العقار
وما يلاحظ بماسينيسا، لاسيما في الجهة الشرقية بالقرب من مركز التكوين المهني، هو وجود العشرات من الشقق الشاغرة التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري، حيث أكد لنا سكان المنطقة بأنها شاغرة وغالبيتها من فئة غرفتين ، كما أشاروا إلى أنها مغلقة، وطالما تم تسجيل حالات اقتحام رغم أن الديوان يسخر عمالا لحراستها، فيما ذكر لنا آخرون  بأن السلطات عرضتها على بعض الحالات الإجتماعية غير أنها رفضت بسبب ضيقها وسوء إنجازها.
ورغم أن المدينة تفتقر إلى المرافق الضرورية، إلا أن أسعار الإيجار مرتفعة جدا، حيث أن سعر كراء شقة من غرفتين يصل إلى 15 ألف دينار ومن ثلاث غرف يتراوح فيما بين 17 و 20 ألف دينار، فيما تتراوح أسعار الشقق ما بين  500  و 600 مليون بالنسبة لعمارات السوسيال والمفتاح،  و 750 مليون سنتيم و مليار سنتيم  فيما يخص الشقق المملوكة والتي تقع بأحياء ترقوية.
ويشتكي سكان المدينة من الإنتشار الكبير للقمامة، بالعديد من المواقع وتكدسها في أماكن الرمي طيلة فترات اليوم، حيث صرح لنا ممثل إحدى الجمعيات والذي يعمل موظفا في البلدية، بأنه تم تنظيم العديد من الحملات التطوعية بالتنسيق مع السكان لتنظيف الأحياء لمساعدة المؤسسات المكلفة بجمع القمامة، لكنها لم تكف في ظل عدم وضع مخطط محكم وعدم التزام المؤسسات المتعاقدة مع بلدية الخروب و التي تعاني بدورها من عدة مشاكل مالية بسبب العبء الثقيل لمدينة علي منجلي وكذا ماسينيسا،  ناهيك عن متطلبات سكان الخروب، فيما لاحظنا بأن  وضعية الأحياء تتفاوت من موقع لآخر، حيث وجدنا بعض التجمعات في وضعية جيدة، لاسيما تلك التي أنجزت في صيغة التساهمي.
المدينة لم تعد هادئة!

كثيرا ما يوصف القطب العمراني الجديد ماسينيسا بالمكان الهادئ، لكن هذا الوصف أصبح لايليق بها، فقد اجتاح العنف المدينة وكسر الهدوء بها  بحسب ما أكده لنا سكان المدينة و هو ما تبرزه أيضا الإحصائيات الأمنية، حيث انتشر  حسبهم نشاط بائعي المهلوسات وسجلت مواجهات  بالخناجر و السيوف بين مرحلين إلى المدينة من مختلف الأحياء ، إذ يرجع بعض من تحدثنا إليهم من ممثلي المجتمع المدني الأمر  إلى غياب ثقافة التعايش بين الشباب فضلا عن البطالة والمشاكل الإجتماعية.
وما يشغل الأولياء ويثير تخوفاتهم، هو توسع تجارة المهلوسات، التي غزت كما يقولون الثانويات والعديد من الأحياء وحتى الراقية منها، كما أصبحت المدينة معروفة بنشاط سارقي المنازل، التي استغلت عدم معرفة الناس ببعضها  وغيابهم طيلة فترة النهار لتنفيذ جرائمها، حيث ذكر لنا أحد السكان بحي المعروف باسم «ايفوليتيف»، بأن أحد جيرانه الذي يقطن بدولة أوروبية أجر مسكنه لرجل وزوجته، حيث أن هذا الأخير سرق في وضح النهار بعد أن تظاهر اللصوص بأنهم من أهله ونقلوا التجهيزات، أمام مرآى ومسمع من الجيران دون أن يشك فيهم أحد.
وقد سجلت بماسينيسا أيضا العديد من حوادث سرقات المركبات، في وضح النهار، حيث يستغل اللصوص نقص التغطية الأمنية، وعدم توفر أنظمة المراقبة بالكاميرات، لكن تم القبض على العديد منهم آخرهم أفراد  شبكة تنشط على مستوى ثلاث ولايات مجاورة، فيما يطالب السكان بضرورة تدعيم المدينة بعناصر جديدة في ظل التوسعات العمرانية المتسارعة التي تعرفها، وعدم تكرار تجربة علي منجلي.
حلم الترامواي يتبخر والفرود حتمية
ويعد النقل بماسينيسا من المشاكل العويصة التي يعاني منها القاطنة ، فالنقل الداخلي منعدم بداخلها إلا بوجود سيارات الفرود، أما الخروج من المدينة فيتطلب جهدا مضنيا ووقوفا طويلا في مواقف تفتقر إلى أدنى الشروط،  و الشيء الذي بات أمرا وقعا هو أن السكان قد ألفوا واعتادوا  سيارات الفرود، التي اتخذ أصحابها مواقف في أماكن ضيقة، يشرف عليها شاب بطال، تحت أعين أعوان الأمن، وهو ما يؤكد بأن النقل غير الشرعي صار أمرا واقعا وإلا فإن المدينة ستنعزل عن العالم .
أما بالنسبة لسيارت الأجرة فإن عددها قليل مقارنة بالكثافة السكانية وغالبيتها تتوقف عن العمل في الساعة الخامسة مساء، وأحيانا يضطر سكان المدينة إلى التنقل من وسط المدنية أو علي منجلي نحو مدينة الخروب ومن ثم التوجه  إلى ماسينيسا، أما محطات الحافلات فهي عبارة عن مواقف ، حيث ينتظر المسافرون  في طوابير طويلة، دون أن تتحرك السلطات المعنية لإنشاء مواقف لائقة، كما لاحظنا بأن غالبية الحافلات مهترئة وقديمة من نوع صوناكوم، إذ أنها مسجلة في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
وقد بعث مشروع إنجاز خط توسعة ترامواي باتجاه المدينة الأمل في نفوس السكان، حيث أنجزت مرحلة الدراسة وكان من المفترض أن ينطلق من وسط عاصمة الولاية إلى غاية مطار محمد بوضياف ومن ثم إلى عين النحاس وصولا إلى ماسينيسا، لكن تراجع المداخيل المالية للبلاد أدى إلى تجميده مؤقتا، حيث كان يعول عليه القاطنة كثيرا للقضاء على أزمة النقل اليومية، فيما تؤكد السلطات بأنه لا مناص من تجسيد هذا المشروع، إذ سيتم الشروع فيه فور توفر الاعتمادات المالية.
ضريح ماسينيسا ..معلم يتحول إلى مرعى للأبقار
طالت يد الإهمال ضريح القائد النوميدي ماسينيسا ، حيث كان المكان يعتبر المتنفس الوحيد للعائلات، لكنه اليوم صار مكانا للمنحرفين وشتى  الممارسات اللأخلاقية حيث وجدناه مهملا وفي حالة يرثى لها، إذ حطمت المساحات التي أنجزت من أجل العائلات وكذا أعمدة الإنارة، كما أحاطت بها الأعشاب الضارة من كل مكان.
 وقد كان مخططا من قبل أن تحول هذه المنطقة إلى قرية نوميدية ، إذ أن رئيس الجمهورية قد قرر لدى زياراته إلى هذا الموقع أن تكون إحدى المرافق السياحية والثقافية بالشرق الجزائري ومنح غلافا ماليا للمشروع الذي يضم متحفا وقاعة للعروض ومسرحا في الهواء الطلق، وفضاء للصناعات التقليدية،  غير أن هذا المشروع جمد بسبب التماطل في التجسيد، ولم ير  النور بل على العكس فإن الضريح أحاطت به الأعشاب من كل جانب وتحول إلى مرعى للأبقار، المقاتة على ما برز  حتى من تحت حجارته الشاهدة على حقبة زمنية مهمة من تاريخ الجزائر.
عيادة واحدة لأزيد من
 50 ألف نسمة
وتعكف السلطات في السنوات الأخيرة على إنجاز ما يقارب 10 آلاف سكن إجتماعي بالمدينة، سلمت منها 3 آلاف وحدة قبل أشهر قليلة، كما يتم أيضا تشييد الآلاف من السكنات في مختلف الصيغ الأخرى على غرار الترقوي العمومي والمدعم ، لكن ما يلاحظ أيضا هو أن السلطات بدأت تستدرك أخطاءها السابقة، حيث شرعت في إنجاز المساحات الخضراء ، كما أن طريقة التهيئة بدت جيدة بحسب ما وقفنا عليه، كما ذكر المرحلون الجدد، بأن نوعية السكنات جيدة، لكن البعض يرى بأن طريقة العمران لا تختلف كثيرا عن الأحياء القديمة التي كانت في بدايتها على مثل هذا الحال، لكن سرعان ما تحولت إلى تجمعات بائسة، حيث طالبوا بضرورة إنجاز مرافق أخرى كالمدراس والمتوسطات مع توفير النقل، حيث تم تخصيص حافلتين فقط للنقل الحضري، فضلا عن خلق فضاءات للراحة وملاعب لممارسة مختلف الرياضات، مع توفير الأمن بشكل دائم.
ولا تتوفر المدينة إلا على عيادة عمومية واحدة، ويؤكد السكان الذين تحدثت إليهم النصر، بأنها تقدم أدنى الخدمات فالأخصائيون بحسبهم، لا يداومون إلا قليلا ولا يستقبلون أكثر من 10 حالات في اليوم بناء على مواعيد مسبقة، كما يقتصر نشاطها على التضميد والفحص بالأشعة في أحسن الحالات فيما لا توجد أي مراكز  جوارية للعلاج وهو ما تسبب في ضغط كبير للعيادة، فيما تلجأ الحوامل وغالبية المواطنين إلى مستشفى محمد بوضياف بمدينة الخروب، الذي يعاني هو الآخر من ضغط كبير.
رئيس البلدية لا يرد على أسئلة النصر
وقد حاولنا الإتصال برئيس البلدية، أو أخذ موعد منه لمعرفة خطط ورؤية المجلس الجديد لهذا القطب العمراني، الذي تشرف على تسييره مندوبية واحدة لا يملك مندوبها الصلاحيات والإمكانيات المادية والبشرية، إلا أنه ظل يتهرب ويتحاشى في كل مرة الحديث إلينا رغم محاولاتنا المتكررة لأسابيع الحصول على تصريح ولو مقتضب.
ل.ق

الرجوع إلى الأعلى