زوّار يحتلون الأرض و البحر و - السماء -  بمنتزه الصابلات
يسجل منتزه الصابلات بالجزائر العاصمة،  كل نهاية أسبوع، تدفقا قياسيا لعائلات حجت إليه من مختلف ولايات الوطن و حتى خارجه، لتحتل مواقف السيارات، المسابح، الحدائق، و حتى ممرات الراجلين، مغلقة جميع المنافذ، في مشاهد جعلته يتربع  على عرش أهم الأماكن للتنفيس على أسر لطالما عانت من نقص فضاءات الترفيه و الراحة.
إيمان زياري
منتزه الصابلات، أو الرميلة، أو حسين داي، أسماء متعددة، لمرفق واحد على امتداد 4.5 كلم، راهنت عليه السلطات الولائية بالجزائر العاصمة، و ربحت رهانها، بتوقع استقبال 60 ألف زائر يوميا، ليفوق الواقع اليوم ذلك بكثير، بتسجيل إقبال منقطع النظير لعائلات لا نقول عاصمية فقط، بل جزائرية، وجدت فيه ضالتها، و اختزلت معه بعد المسافة، لا لشيء ، سوى للعثور على راحة و ترفيه لم تجدهما في مكان آخر، فجمعت العاصمي، الصحراوي، القبائلي، الشرقي، المغتربين و حتى الأجانب الذين يسجلون حضورا قويا، خاصة في موسم الإصطياف.
السيارات تفوق طاقة استيعاب الحظائر
 لم نكن نتوقع و نحن نشد رحالنا، متجهين من مدينة بومرداس المجاورة إلى منتزه الصابلات بالجزائر العاصمة، أننا سنقضي مدة ساعتين و نصف على متن السيارة، قبل أن تطأ أقدامنا تراب المنتزه الشهير، حيث توافدت آلاف العائلات من كل حدب و صوب في مساء يوم الجمعة، سالكة مختلف المنافذ، في محاولة لمسابقة الزمن و الزوار،  من أجل العبور إلى الجهة الأخرى من البوابة الرئيسية التي تم غلقها بالاستعانة بقوات الأمن التي أغلقت المدخل، موجهة الزوار إلى متابعة السير، علهم يظفرون بمكان للركن في الحظيرة المقابلة بالقرب من محطة الخروبة البرية.
حسب أحد أعوان أمن الحظيرة الرئيسية للمنتزه التي تسع 700 مركبة، فإن الحظيرة المقابلة هي الأخرى امتلأت عن آخرها، بالرغم من أنها تتسع لـ500 مركبة في الفترة المسائية، ليضطر الزوار لركن سياراتهم على حواف الطرقات، أو عبر المسالك الصغيرة للأحياء المقابلة، فيما قطعت العائلات محملة بأمتعة التنزه من حقائب طعام، زراب و كراس، ممر الراجلين العلوي على مسافة 100 متر، و الذي يعد هو الآخر متنزها و المار عبره يستمتع بمشاهد خلابة للعجلة الدائرية داخل المنتزه و زرقة البحر، و ملايين الجزائريين يتنقلون بين مختلف المرافق.
و قد أكد بعض القائمين على المرفق للنصر، أن يوم الجمعة يشهد إقبالا قياسيا للزوار، خاصة  عند  انطلاق موسم الإصطياف، مؤكدا بأن الكثيرين فضلوا الإنتظار لساعات داخل سياراتهم في الإختناق المروري الذي خلفه الإقبال الهائل، دون أن يعود أحد أدراجه.
خلف الإقبال الكبير للعائلات، غزوا فعليا للصابلات، حيث سيطر الزوار على كل شبر من المساحات الخضراء، بافتراش زراب و وضع كراس و طاولات، بقيت في أماكنها ليوم كامل أو أمسية بأكملها، فيما احتل عشاق السباحة الشواطئ، و تسمروا في أماكن لم يسمحوا فيها بمبدأ التداول، في حين سكن الكثيرون السماء عبر ركوب العجلة الدوارة و سفينة القراصنة التي استقطبت آلاف الشباب الذين صنعوا مشهدا استثنائيا،و حولوا المكان إلى ما يشبه المسرح المفتوح على الهواء الطلق، فهناك وقف مواطنون للتفرج و الاستماع إلى أغاني و هتافات الركاب و تفاعلوا معها بقوة، و صوروها في مقاطع فيديو.
و يعرف المنتزه حضورا قويا للأطفال بشكل خاص، في ظل ما تم توفيره من وسائل ترفيهية و ألعاب، و مهرجين يرتدون بزات مختلف الشخصيات الكارتونية الشهيرة كسبيدرمان، توم و جيري، و آخرين  يصفقون، يغنون و يرقصون من أجل إدخال البهجة على قلوب الأطفال الذين تجدهم ملتفين حولهم في كل نقطة من المكان، فضلا عن الرسامين على وجوه الأطفال الذين طبعوا أشكالا مختلفة و مرحة على الوجوه، جعلت الجميع يبدو في صورة شبه موحدة و كأنهم في حفلة أو مهرجان تنكري.
الصابلات تنقذ الكثيرين من البطالة
لا يشكل متنزه الصابلات متنفسا للعائلات من أجل الترفيه فقط، بل ساهم في إنقاذ الكثير من الشباب بشكل خاص من البطالة، إذ وجدوا مهنة يقتاتون منها على طول العام، و يزيد نشاطهم صيفا، مثلما يقول أسامة بائع الطائرات الورقية للأطفال، مؤكدا بأنه و بعد معاناته من عدم العثور على عمل، دخل إلى الصابلات منذ نحو سنتين، ليجد عملا رفقة الكثيرين، ممن احتلوا كل شبر و زاوية من المكان، لإغراء الأطفال بمختلف أنواع و ألوان الألعاب التي يرغم الأهل على شرائها من أجل إرضاء و إمتاع أطفالهم.

من جانب آخر، سمح المنتزه للكثيرين بالعمل في مجال الإطعام، فبالإضافة إلى المطاعم و المقاهي المنتشرة هناك، دخل الكثيرون على الخط بعربات و طاولات صغيرة، تبيع مختلف أنواع الأطعمة، كالفوشار، الشاي و المكسرات، غزل البنات *شعر البنات*، فيما يجوب البعض متنقلا بين العائلات المفترشة الأرض، و هم يهتفون بمنتوجاتهم المتمثلة في البوراك الساخن و الساندويشات في فترة الغداء و العشاء خاصة، و هم ،كما يقول أحدهم ، من سكان المنطقة و تحضر أمهاتهم و شقيقاتهم الطعام، ليقومون هم بإحضاره على جناح السرعة ، لبيعه ساخنا للزوار.
غزو للمسابح فور افتتاحها
أكد أعوان الأمن و النظافة المنتشرين على مستوى المسابح الثلاثة بمنتزه الصابلات، بأنه و منذ الإعلان عن افتتاح موسم الإصطياف و فتح المسابح في 25 جوان المنصرم، شهدت المسابح غزوا فعليا للعائلات التي قدمت في قوافل تعذر في بعض الأحيان استقبالها جميعا لامتلاء المكان، هذا الأخير الذي يستقطب الكثير من العائلات في ظل الامتيازات الكبيرة التي افتكها، سواء من حيث التهيئة المتميزة بهندسة عصرية راقية و شمسيات بألوان زاهية تخطف الأنظار، أو النظافة و التنظيم التي أثنى عليها بعض من تحدثنا إليهم من رواد المكان، بالإضافة إلى أن مياهه تأتي من البحر ، عكس المسابح الأخرى التي تزود بمياه عذبة يضاف إليها الكلور.
و على الرغم من أن تسعيرة الدخول قدرت هذا العام بـألف  دينار بالنسبة للكبار، مقابل 500 دينار للأطفال، فإن الإقبال كبير، خاصة خلال نهاية الأسبوع، مثلما وقفنا عليه بالمكان، الذي اشتكى قائمون عليه من بعض التصرفات السلبية للزوار، خاصة في ما يتعلق بالنظافة التي لا تزال في نظرهم ثقافة ناقصة بالنسبة للكثيرين، داعين الجميع للتحلي بروح المسؤولية للمحافظة على المكان لصالحهم.
حتى الأجانب وجدوا مكانا لهم هنا
لم يكن رواد المنتزه من العاصميين أو سكان الولايات المجاورة لها كبومرداس و البليدة فقط، إذ يستقطب زوارا من مختلف ولايات الوطن، حسب ألواح ترقيم السيارات التي عجت بها المواقف، و مختلف اللهجات التي نسمعها هنا و هناك، فضلا عن المغتربين الذين حضروا بقوة خلال عطلتهم الصيفية، و اختاروا المنتزه كواحد من المحطات التي يحرصون على زيارتها، مثلما قالت سيدة مغتربة،  قامت بجولة مع أفراد عائلتها على متن القطار الصغير الموجود هناك.
و بالإضافة إلى هؤلاء، التقينا ببعض الأجانب كالسوريين و الأفارقة و حتى الأوروبيين، الذين أعربوا عن إعجابهم الكبير بالمكان الذي يحتل احدى أروع المواقع الاستراتيجية بالجزائر على الخليج المطل على البحر الأبيض المتوسط، كما قال بعض الذين تمتعوا بالاستجمام و خاصة اللعب على متن سفينة القراصنة مرات كثيرة دون أن يملوا ،مثلما قالوا، فضلا عن الإطلاع على التقاليد و الثقافة الجزائرية ، حيث يعرض حرفيون في خيام نصبت بأحد أركان المنتزه، منتوجاتهم طوال موسم الاصطياف، في محاولة من وزارة الثقافة التركيز على هذا الجانب و استثمارها في خدمة السياحة الداخلية.
و مهما وصفنا و تحدثنا عن المكان، تبقى الزيارة الميدانية الفاصل الأمثل للاستمتاع بكل مميزات المنتزه الذي بات مرفقا يضاهي المرافق الترفيهية بالدول المجاورة أو الأوروبية، بعد أن كان مجرد حلم يراه الكثيرون بعيد المنال.
إ.ز

الرجوع إلى الأعلى