الأغنية الجزائرية فقدت هويتها وأرفض العمل مع أشباه الفنانين
أعرب المايسترو كمال مباركي، المعروف باسم كمال  معطي، رئيس الأوركسترا الذهبية، عن أسفه لوضعية الأغنية الجزائرية و هيمنة الأغاني الهابطة على الساحة الفنية، و أرجع المرحلة الحرجة التي يمر بها الفن الجزائري عموما و الفراغ الكبير الذي نعيشه، إلى غياب سياسة ثقافية  .
على هامش مشاركته في المهرجان الثقافي الدولي للإنشاد في قسنطينة ، أكد المايسترو كمال معطي في حواره مع النصر،  تراجع كل معالم الفن الأصيل و السليم ، و غزو حقيقي للغناء الرديء الذي لا يراعي قيم المجتمع.
نحتاج من 40 إلى 50 سنة للتأسيس لفن جزائري راقي
. النصر: بداية كيف تقيمون مشاركتكم لأول مرة في مهرجان الإنشاد بقسنطينة؟
ـ كمال معطي: بعد حفلتين أعتبر أن مشاركتنا في هذه الحدث الفني العريق ناجحة إلى حد كبير،  و هو ما عكسه تجاوب الجمهور و حضوره اللافت ، لقد شرعنا في التحضير للمهرجان منذ أسبوعين، رفقة المشاركين الأجانب و الجزائريين. و أظن حقيقة أن الأوركسترا الذهبية أعطت إضافة حقيقية لمهرجان الإنشاد و هذا بشهادة محافظة المهرجان،  الجمهور و الفنانين المشاركين ، حيث اعتمدنا في التحضيرات على العمل بطريقة أكاديمية محترفة ، تجاوب معها الجمهور و زالت مخاوف بعض الفنانين الأجانب.
. ما رأيك في الأغنية الجزائرية المعاصرة؟
ـ بصراحة، الأغنية الجزائرية  في تدهور كبير ، و يمكن القول أنه ليس لدينا حقيقة أغنية جزائرية، فبعد أن خسرت كل معالمها هي بلا قيمة ، و دون كلمات ووزن فني ، كما أن الركح فقد هيبته لدى الفنانين الشباب،  فمن هب و دب يغني كلاما دون مغزى اجتماعي أو تربوي، و هناك استهتار كبير بالمتلقي الذي تحولت ميولاته نحو سماع الكلمات و الألحان الرديئة، كما أن غالبية المغنين اليوم يصعدون فوق الخشبة بهندام غير محترم، و هذا أكبر دليل على عدم احترامهم للجمهور.
. ماهي الأسباب التي ساهمت في تراجع الأغنية الجزائرية إلى هذا الحد؟
ـ في اعتقادي أن عدة أسباب مجتمعة أنتجت هذا التقهقر في المستوى الفني الذي تعيشه الأغنية الجزائرية و الفن عموما في بلادنا ، أبرزها غياب سياسة ثقافية منذ سنوات ، فبعد الازدهار و النجاح اللذين حققتهما سنوات السبعينات، حيث كانت الجزائر مقصد الكتاب و الفنانين من عدة بلدان عربية، نحن اليوم أمام إمكانية اندثار كلي للأغنية الملتزمة و المحترمة و كل مكوناتها من كلمات و ألحان ، دون إغفال  سياسة التطبيل و التهريج، لإلهاء الشباب لسنوات طويلة ، إضافة إلى  تشجيع الدولة و القنوات الفضائية للرداءة من خلال استدعاء بعض الفنانين عديمي المستوى لملء الفراغ دون مقابل و هذا في حد ذاته جريمة في حق الذوق العام لأجيال بأكملها.
 حسب رأي المتواضع قد نحتاج من 40 إلى 50 سنة، لإصلاح ما تم إفساده و بناء معالم أغنية متزنة، دون إغفال دور المدرسة في تلقين أساسيات الموسيقى و الشعر، و كل الأشكال الفنية للأجيال الناشئة التي تأثرت كثيرا بالأغاني الهابطة.
ليس لدينا أغنية جزائرية حاليا
. هل يمكن القول أن ما حل بالأغنية الجزائرية استثناء، مقارنة بباقي الدول العربية؟
ـ حقيقة هناك تغيرات تحصل باستمرار في كل دول العالم وفق مستجدات العصر،  و بخصوص الأغنية فأول الدول العربية التي تأثرت هي مصر، بظهور ما يعرف عندهم  بأغاني السوندويتش ،لكن رغم ذلك فالأغنية المتزنة و الأصيلة لا تزال تحافظ على قوتها و مكانتها و لها جمهورها هناك.
في تونس مثلا ظهر نوع الراب التونسي بعد الثورة، رغم ذلك فكلامه موزون و له مغزى ، أما بالجزائر فما حل بالأغنية الجزائرية مؤسف جدا، فقد فقدت معالمها نهائيا و يمكن القول أنه ليس لدينا أغنية جزائرية حاليا  بل هو مزيج من كلمات هابطة و ألحان و موسيقى اعتباطية .
باعتباركم تنتمون إلى هذا المجال ، ألا تتحملون جزءا من المسؤولية؟
ـ صحيح، نحن نتحمل جزءا مما يحدث، فالمسؤولية يتقاسمها الجميع دون استثناء، ، لكن المؤسف أن الأشخاص الأكاديميين و أهل الاختصاص قليلون جدا، مقارنة بمن يمتهنون الرداءة الذين تكاثروا بشكل مخيف ، و حتى بعض الملتزمين غيروا عباءاتهم و توجهوا لهذا النوع بداعي الربح ، و يمكن القول أنني الوحيد مع بعض الموسيقيين الذين لا يزالون يحاربون من أجل المحافظة على الكلمة و اللحن النظيف.
. كيف تعملون في ظل هذه الظروف؟
ـ حقيقة نعمل بصعوبة كبيرة جدا  ،فقد تقلصت عروض العمل  و حتى الفرص تأتي بصعوبة كبيرة و مفاوضات عسيرة حول المقابل المادي و عدد أعضاء الفرقة البالغ 14 موسيقيا و عازفا ، و في الكثير من الأحيان يطلب منا الاستغناء عن بعضهم لتقليص الأعباء المادية ، غير أنني أواجه هذا الطلب بالرفض لأنه غير منطقي لإنتاج عمل فني متكامل ، كما أرفض الكثير من العروض التي تحتم علي التعامل مع بعض الأسماء الفنية غير الملتزمة .
هل يقبل الشباب على تعلم الموسيقى؟
ـ  أظن أن المهتمين بالتكوين في المجال الموسيقي أصبحوا قليلين و عددهم  يتضاءل سنة بعد أخرى ، أما المتخرجون من  المعهد العالي للموسيقى، فمستواهم ضعيف جدا للأسف ، و هذا راجع إلى غياب الجانب التطبيقي و ضعف المكونين المشرفين عليهم، إضافة إلى قصر مدة التكوين للحصول على الليسانس في الموسيقى و المقدرة بأربع سنوات، و هي حسب رأيي غير كافية لأي طالب ، و الأسوأ أن هؤلاء بعد تخرجهم يتم تحويلهم للتدريس رغم عدم تمرسهم و تحكمهم في أساسيات الموسيقى.
هذا إشكال آخر يطرح نفسه بشدة ، حيث أصحبت الأسماء الموسيقية تعد على الأصابع ، كم تراجعت النوعية، و لتدارك الوضع  تقدمت للوصاية باقتراح التعامل أو التعاقد مع موسيقيين أجانب، كما كان معمولا به في السابق، عندما تتلمذنا  نحن على أيادي عازفين عراقيين ، فرنسيين و غيرهم ، فتكون جيل من الأسماء اللامعة في سماء الموسيقى، لكن للأسف هذا المقترح تم رفضه.
. في رأيك ما هو الحل؟
ـ أولا لا أخفي تشاؤمي الكبير من الوضع العام الذي تعيشه  الجزائر في كل القطاعات، بما فيها الجانب الفني ، و إذا استمر الوضع على ما هو عليه، نحن نسير نحو اندثار كل معالم الأغنية الجزائرية  الملتزمة، نأمل في  تغيير سياسي سليم، يكون في صالح الجزائر من شأنه إحداث الفرق في كل المجالات.
أحضر لبرنامج تلفزيوني يستحضر قامات فنية
وسط هذه الموجة هل توجد أصوات شبابية قوية؟
ـ نعم ، هناك أصوات شبابية قوية كثيرة، خاصة من خريجي مدرسة ألحان و شباب في طبعتها الأولى و الثانية ، لكن للأسف هم لا يجدون من يدعمهم ، و من جهتي أعمل جاهدا على استدعائهم كلما سمحت لي الفرصة، خلال المهرجانات و الحفلات، من أجل مساعدتهم على تحقيق الانتشار .
. هل لديك مشروع جديد أنت بصدد التحضير له؟
ـ في الحقيقة نعم ، أنا حاليا أحضر لبرنامج تلفزيوني نصف شهري مع التلفزيون الجزائري، مكون من عشر حلقات ، سأسلط الضوء خلاله على قامات و أسماء فنية كبيرة غادرتنا، دون أن تأخذ نصيبها من الشهرة ، و سيقوم البرنامج باستحضار هذه الشخصيات و أغلبها كنت أعرفها و عايشتها و هناك حتى من تتلمذت على أيديها و أنا أعرف حقيقة معاناتها و ما قدمته للفن الجزائري .
حاليا أنا أضع الروتوشات الأخيرة على المشروع ، فقد ضبطت كل التفاصيل باستثناء اختيار المخرج و إمضاء العقد ، و على أقصى تقدير سيشرع في بثه مع نهاية السنة، و سيتقاسم التنشيط فنانة معروفة ذات صوت قوي ، و مطرب لن أفصح عن اسميهما حفاظا على عنصر المفاجأة.        
       حاورته هيبة عزيون

الرجوع إلى الأعلى