لا يمكـن الجمـع بين الفـن والسياسـة
رانيا سيروتي، فنانة من نوع خاص أبدعت على خشبة المسرح و تألقت في السينما و التلفزيون، انتقلت من الأدوار الثانوية إلى أدوار البطولة التي طبعت في أذهان الجزائريين من أيام مسلسلات "ثمن الحلم" و "العودة" و "حورية" و "أسرار الماضي"، موقّعة حضورا بارزا كتب اسمها في تاريخ الفن الجزائري بحروف من ذهب.
 فتحت الفنانة قلبها للنصر في هذا الحوار، لتكشف لمحبيها تفاصيل عن مسارها و أخرى تخص جديدها الفني، كما حدثتنا عن علاقتها بالسينما و السياسة  وعن سر غيابها عن الشاشة.
انعدام دور العرض غيّبنا
 عن الجمهور
 ـ النصر:  تألقت كنجمة في عديد الأعمال سابقا ثم انقطعت عن جمهورك فجأة  و لما يزيد عن سنتين، فما سبب هذا الغياب؟
ـ رانيا سيروتي:  فعلا لم أشارك في أي عمل تلفزيوني خلال السنتين الماضيتين، لكني لم أتوقف عن التمثيل، كنت منشغلة بإنتاجين سينمائيين هما "ميستا" و "صوت الملائكة" للمخرج كمال يعيش، كما أنني أشتغل في المسرح وأناقش أعملا و عروضا جديدة، بالإضافة  إلى عملي كمستشارة بوزارة الثقافة.
التوزيع السينمائي يخضع لحسابات و مصالح
ـ مع أنك تنشطين في السينما إلا أن الجمهور  لم يشاهد لك أعمالا  مؤخرا،  كيف ذلك؟
ـ أفلام سينمائية جزائرية عديدة أنتجت مؤخرا، إلا أنها و للأسف الشديد لم تعرض إلى اليوم، على غرار فيلم "صوت الملائكة" الذي عرض لمرة واحدة فقط في  أحد المهرجانات، لكن بعيدا عن أعين الجمهور الواسع، مشكلتنا في الجزائر هي غياب همزة الوصل بين الفنان و جمهوره و هي دور السينما تحديدا،  ناهيك عن أن هذه الأعمال لا توزع وهو ما يبقيها حبيسة الأدراج لا تعرض سوى في المهرجانات، إن توفرت الفرصة بعيدا عن مقص التشديد و الرقابة.
 لا ننكر أيضا، بأن الجهات المسؤولة عن عملية توزيع الأفلام السينمائية عندنا تلقي بكامل العبء على عاتق الفنان و تطالبه بالتدخل شخصيا لتسجيل أعماله، و إن تمكن من تمرير فيلمه، تنسحب مجددا من مهمة توزيعه بحجة أو بأخرى، حاليا الأفلام الوحيدة التي يستثنيها هذا الوضع هي تلك التي تعود بالفائدة على الجهة الموزعة مثل الوكالة الوطنية من أجل الإشعاع الثقافي.
ـ كلامك يحيلنا للتساؤل عن  مصير قانون الفنان الذي يفترض بأنه يحمي الحقوق؟
ـ أي قانون، لا يوجد قانون للفنان الجزائري من الأساس، فالجهات التنظيمية تقول بأنها لن تتمكن من إعداده بمفردها، و تطالب الفنانين بالاتفاق لأجل تسهيل المسعى، وعندما نحاول التدخل فعليا نصطدم بعوائق كثيرة تحول بيننا و بين تحقيق أي تقدم يذكر.
نجحت فنيا عندما كان التمثيل خطا أحمر  
ـ أنت فنانة مخضرمة، سطع نجمك منذ منتصف الثمانينيات كما تألقت مع بداية الألفية الثانية، فكيف تقيّمين واقع الفن في الجزائر اليوم؟
ـ السينما أو الفن الجزائري  عموما لم يحظ يوما بمسار ثابت أو مستقر، فكل ما عايشناه كان مبادرات فردية، عثمان عريوات، مثلا برز بمفرده و وردية نجحت دون دعم، بمعنى، إنهم استطاعوا بمفردهم كسب حب و احترام الجمهور، وهو ما يصعب علينا استخدام كلمة إنتاج جزائري لوصف مسار الساحة الفنية.
 شخصيا  لو لم أبدأ العمل خلال فترة حرجة كان التمثيل فيها خطا أحمر ، لما برزت و لما وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، للأسف ليس لدينا مدرسة فنية جزائرية بل بعض الأفلام فقط، فالمدرسة تحتاج لصناعة جزائرية محضة تكون في شكل سلسلة تبدأ من الفنان تشمل الإنتاج و التمويل و الاستوديوهات وصولا إلى التوزيع، وهنا نعود للحديث و بشكل خاص عن قاعات السينما المغلقة التي قد يساهم فتحها مستقبلا في توفير مصدر تمويل إضافي للقطاع و يغنينا عن الاعتماد المطلق على دعم الدولة.
لا نملك مدرسة فنية و هناك أدوار تمنح بالهاتف
ـ ما رأيك في الجيل الجديد من الممثلين؟
ـ في كل مرحلة تبرز وجوه وأسماء مختلفة، و الفضاء مفتوح اليوم أمام الجيل الجديد  الذي يضم طاقات عديدة في المسرح و التليفزيون و حتى أولئك الذين ينشطون على يوتيوب و يصورون أعمالا فردية بالاعتماد على الهواتف النقالة و يطرحون فيها أفكارا إبداعية.
المشكل ليس في الإنسان و إنما في المنظومة الفنية ككل، و هنا يكمن مربط الفرس   فـالمحسوبية  أو "المعريفة" طغت على كل المجالات، حتى في الفن، فقيادات كبيرة تتوسط  عبر الهاتف لافتكاك أدوار معينة لأشخاص دون غيرهم، حتى نحن أصحاب الخبرة نحصل على أدوارنا فقط لأنهم يحتاجون إلينا، و لكونهم مرغمين على سد الفراغات بممثلين ذوي كفاءة لضمان مستوى معين لأعمالهم و عدم المخاطرة بالاعتماد كليا على جديد قد لا ينجح في تقمص بعض الأدوار.
 نوعية الإنتاج الطاغي أبعدتني عن الكوميديا
ـ اسمك اقترن دائما بالدراما  لما لم نشاهد لك تجارب كوميدية طيلة مسارك ؟
ـ  عن نفسي تكونت لألعب كل الأدوار، لكن المنتجين لم يفتحوا أمامنا المجال لنبدع و لم يشجعونا لتقديم أمر مختلف، غايتهم الوحيدة هي نجاح أعمالهم أما مصلحة الفنان فلا تعد من بين أولوياتهم، مع ذلك فأنا مستعدة لتمثيل كل الأدوار، خاصة الكوميديا ويسرني جدا أن أقدم لجمهوري وجها جديدا و مغايرا.
ـ عملت كمنشطة في التلفزة الوطنية خلال فترة معينة، لماذا توقفت عن ذلك؟
ـ أشياء كثيرة تتوقف في بلادنا و دون سابق إنذار، نشطت حصة للأطفال و حصة صباح الخير يا جزائر، إضافة إلى حصة كلمات و الحقيبة البيضاء و عايلة هايلة خلفا لزميلي جلال، لكنها توقفت فجأة و دون تقديم تفسيرات، وهو أمر مؤسف حقيقة اختبرته في الحصص و عند استقالتي من  المناصب التي تقلدتها في قطاع الثقافة، و كل هذا يقودنا للحديث عن غياب الديمقراطية حتى في الفن.
سأعود إلى الشاشة في رمضان
ـ درست العلوم السياسية و العلاقات الدولية إلى جانب الفن و النقد، ما موقفك من كل ما تشهده البلاد مؤخرا وبالأخص تفاعل الفنانين مع الأوضاع؟
ـ كل إنسان لديه الحق في آراء سياسية محددة، لكن عند الممارسة لا يمكن للفنان أن يكون سياسيا و فنانا في الوقت ذاته، يستحيل الجمع بين الأمرين، عن نفسي لا أحب "التخلاط" و إن رغب فنان في التأثير في الجمهور، فبإمكانه تحقيق ذلك من خلال التمثيل و بعيدا عن العمل السياسي.
ـ ماذا عن جديدك الفني هل تحضرين للعودة قريبا إلى الشاشة؟
سأشرع  في تصوير عمل تلفزيوني جديد تحسبا لعرضه خلال شهر رمضان القادم، و هو مسلسل درامي أعد فيه جمهوري بإطلالة جديدة في دور بعيد نسبيا عن ما سبق و قدمته العمل للمخرج بشير سلامي، أشارك فيه رفقة مجموعة من الفنانين المعروفين مثل سيد أحمد آقومي و أتمنى أن ينال إعجاب الجمهور.
إيمان زياري

الرجوع إلى الأعلى