قصة حب حيزية تُبعث من جديد على الركح  
استمتع الجمهور القسنطيني ليلة أول أمس بعرض أوبيريت « حيزية» التي حطت الرحال بقاعة العروض الكبرى أحمد باي، بتنظيم من الديوان الوطني للثقافة والإعلام، فكان الموعد شاعريا امتزجت فيه أغاني الحب بدموع الفراق و عادت من خلاله حيزية إلى الحياة عبر بوابة الركح، لتروي فصلا من فصول  قصص العشق البدوية.
 العرض حضره جمهور قليل لكنه نوعي غالبيته من العائلات القسنطينية التي  استمتعت بمزيج جميل من الرقصات التعبيرية و الأغاني البدوية بعضها من التراث الأصيل كقصيدة  «عزوني» للشاعر البدوي بن قيطون، أما الحوار فخطه قلم الشاعر عز الدين ميهوبي سنة 1997.
مخرج العمل الشاب فوزي بن براهم نقل الحاضرين إلى بادية سيدي خالد، التي دارت فيها أحداث القصة من خلال ديكورات قديمة عكست طبيعة المكان كبيوت الحجارة و بعض التفاصيل المتعلقة بنمط الحياة اليومية، كالمغزل و الجلود و «القربة أو  القلة»، أما ملابس الممثلين فكانت أدق وصفا لطبيعة الحياة البدوية. وعلى الرغم من أن المخرج فضل التقليل من الديكورات الخارجية ولم يستعن بخيمة حقيقية وهو ما يعاب عليه، إلا أن تعويضها بعرض صور لواحات و صحاري المنطقة عبر شاشة خلفية عملاقة  سمح باندماج الجمهور أكثر في العمل وأعطى لمسة واقعية للمشاهد التي تخللتها مقاطع حوارية و أخرى روائية بصوت الفنان الشاب أجراد يوغرطة، فضلا عن أغان تراثية قديمة كانت تعبر في كل مرة عن تسلسل الأحداث منذ بداية قصة الحب بين حيزية التي أدت دورها الممثلة الشابة لمياء بطوش و ابن عمها سعيد الذي أبدع في أداء شخصيته الفنان الشاب ناصر عطوي.
الأوبيريت التي  استمرت لحوالي ساعتين من الزمن، تميزت بمشاركة مميزة     لـ 40 راقص باليه، شكلت رقصاتهم التعبيرية إضافة نوعية للعمل الذي نجح إلى حد مقبول في استقطاب اهتمام الجمهور الذي تفاعل مع سلاسة السرد و المحاكاة العصرية للقصة، فكانت مشاهد الغزل و المناجاة بين سعيد و حيزية جميلة ومقبولة أما مشهد رحيل أحمد بن الباي» محمد عجايمي» والد حيزية من البادية إلى التل هربا من ألسنة الناس التي لاحقته بسبب حب ابنته لابن عمها، فصور بطريقة احترافية كانت أكثر إقناعا من مشهد وفاة حيزية الذي لم يصل إلى الجمهور بنفس القوة بسبب قصر مدته و ضعف أداء الفنانة جهيدة التي كانت بعيدة نوعا ما عن الواقع .
الجمهور عبر عن إعجابه بالأداء العام و عن استمتاعه بالأغاني المسجلة و بالأخص أغنية الختام عزوني يا ملاح، التي أداها نجم «ذو فويس» ناصر عطوي ، أما عامل الوقت فقد صب في فائدة المخرج الذي عرف كيف يجمع المشاهد في ساعتين من الزمن بطريقة لا تدفع إلى الملل.  للتذكير فإن قصة حيزية هي قصة واقعية جرت أحداثها في أواسط القرن الماضي بين منطقة سيدي خالد الصحراوية و جنوب بسكرة ، اسمها الكامل حيزية بوعكاز، والدها أحمد بن الباي وهو احد أعيان عرش الذواودة بسيدي خالد، جمعتها علاقة عاطفية مع ابن عمها سعيد لكن العلاقة تصطدم بأعراف القبيلة التي تعتبر الحب المعلن ضربا من ضروب الطعن في الشرف و الخدش في الحياء وهو ما دفع بوالدي حيزية الى الحيلولة دون تواصل هذا الحب الصادق و الرحيل بابنتهما الى التل هربا من ألسنة الناس.
العلاقة بين حيزية و سعيد انكسرت في أوج التناغم والانسجام بينهما، وكانت صدمة قوية لم تتحملها حيزية التي فارقت الحياة حزنا، فلم يجد سعيد سوى الشاعر البدوي الكبير محمد بن قيطون ليطفىء حرقته، فطلب منه تخليد ذكرى الراحلة حيزية في قصيدة  تجمع بين الرثاء و الوصف، وهي القصيدة التي تتداولها الأجيال منذ ذلك الحين والتي تغنت بها حناجر الفنانين والمطربين، من أمثال الراحل  عبد الحميد عبابسة.
ولدت حيزية عام 1852 و توفيت عام 1875 عن عمر ناهز 23سنة، والدها من أعيان قبيلته أما ابن عمها سعيد الذي عاش يتيما وورث  عن جده مالا كثيرا وكفله عمه أحمد بن الباي فقد قضى آخر أيامه معتكفا في خيمته بعيدا عن الناس ووفاء للراحلة حيزية .

المخرج فوزي بن براهم
 اخترنا حيزية لنروّج لنسختنا المحلية عن قصة روميو و جولييت
 أوضح المخرج فوزي بن براهم خلال ندوة صحفية عقبت عرض أوبيريت حيزية بقاعة العروض الكبرى بقسنطينة، بأن الهدف من اختيار هذه القصة دون غيرها يكمن في رمزيتها الكبيرة و جمال أحداثها، مشيرا إلى أن حيزية تعد خطوة أولى في طريق تجسيد أعمال عديدة تهدف إلى إحياء التراث الجزائري و تسويقه محليا و في الخارج بصورة عصرية جميلة.
 وقال المخرج بأن خصوصية هذه القصة تكمن في كونها تعتبر نموذجا محليا عن قصة الحب الشهيرة روميو و جولييت، التي اشتهرت في العالم بأسره بفضل الركح الذي فتح لها أبوابه على مصراعيها وهو ما يتم العمل عليه بالنسبة لقصة   حيزية التي أكد بأنه يعتزم عرضها على العديد من مسارح الوطن وحتى في الخارج وذلك بالتنسيق مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام.
أما بخصوص استعانته بشاشة عملاقة لتصوير البادية و نمط الحياة فيها عوضا عن إفراد مساحة أكبر للديكور، فأشار المتحدث إلى أن الأوبيريت حسبه لا تخضع لقواعد المسرح و بالتالي فإنه حاول عصرنه العمل أكثر من خلال عرض صور واقعية حقيقة للمنطقة الصحراوية، موضحا بأنه اعتمد هذا الأسلوب ليروج سياحيا للمنطقة على اعتبار أن العرض الشرفي الأول للأوبيريت كان قد تم خلال مهرجان المسرح العربي بوهران، الذي عرف حضور جمهور من جنسيات مختلفة.
 وبخصوص توليفة الأغاني التي أداها أبطال العمل و التي امتزجت فيها مختلف الطبوع بما في الإيقاعات الوهرانية والقليل من المالوف، فقال بأن الهدف من هذا المزج هو التأكيد على أن حيزية هي ملك لكل الجزائريين وجزء من تراث وطن وليس فقط منطقة.

الفنان محمد عجايمي
حيزية أعادتني للركح بعدما غيّبتني عنه الدراما
بدوره تحدث الفنان القدير محمد عجايمي عن تجربته في الأوبيريت، التي قال بأنه سبق له وأن أدى دورا فيها خلال طبعتها الأولى سنة 1997، عندما حقق العمل نجاح باهرا محليا و في الخارج، وهو سعيد بالعودة إليه مجددا من خلال بوابة المخرج الشاب فوزي بن براهم.
الفنان قال بأنه ورغم حبه للدراما و تفرغه لها لسنوات إلا أنه لم يفقد يوما شغفه للركح، الذي تشرف بالعودة إليه بفضل قصة حيزية التي لعب حسبه، دورا كبيرا  في تلقين فريق انجازها للهجة أهل البادية، وذلك بفضل أصوله فهو كما أشار ابن منطقة سيدي خالد ببسكرة أين وقعت الأحداث.
وأضاف الفنان بأنه تشرف بالعمل مع فريق شاب أعطى للأوبيرات لمسة عصرية ستسهم في إيصالها بصورة أقرب إلى الجمهور الجزائري ولما لا الأجنبي في حال تم عرض العمل في الخارج، وهو ما من شانه أن يعيد لحيزية لقبها كسفيرة للتراث الجزائري بعدما قدمت الطبعة السابقة للاوبيرات حسبه، صورة مشرفة عن ثقافتنا في مهرجانات عديدة على غرار مهرجان جرش.
من جهته عبر الفنان الشاب ناصر عطوي الذي لعب دور البطولة وأدى شخصية سعيد ابن عم حيزية، عن سعادته بالمشاركة في العمل وعن تخوفه من ثقل المسؤولية، مؤكدا بأن الأوبيريت ستكون بوابته لدخول عالم التمثيل وكذلك أكدت الفنانة لمياء بعطوش.
نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى