جمَع بين الغناء و التأليف و التلحين، فأصبح فنانا متكاملا استطاع تحقيق شهرة تخطت حدود العالم العربي، رغم ألبوماته القليلة التي حملت بكلماتها و ألحانها الراقية، صرخات الإنسان المظلوم  و الحالم.. هو النجم المصري حمزة نمرة الذي فاق نجاح ألبومه الأخير كل التوقعات، فتحوّلت أغنية “داري يا قلبي” إلى ترنيمة يرددها كل شاب عربي. النصر حاورت عازف الجيتار المُغترب، الذي يتحدث لأول مرة عن تجربته في تأدية التراث الجزائري و يتطرق إلى المتاعب التي تواجهه كفنان مستقل، يقول إن الأغاني الشبابية الرائجة حاليا لا تشبهه.
أجرت الحوار: ياسمين بوالجدري
حصدت أغنيتك الأخيرة “داري يا قلبي” أزيد من 64 مليون مشاهدة بعد أقل من 3 أشهر عن طرحها على موقع “يوتيوب”، بينما كان معدل المشاهدة في باقي الأغاني 2 مليون، هل توقعت كل هذا النجاح؟
في الحقيقة لم أتوقع أبدا كل هذا النجاح خاصة لأغنية «داري يا قلبي»، إذ لم يكن حتى مُخططا لها أن تنزل قبل الألبوم بحوالي شهر، لكن عندما غنيت مقطعا منها في لقاء متلفز مع الإعلامي المصري يسري فودة، حصل انتشار كبير لها فوجدت نفسي مجبرا على تنزيل الأغنية قبل موعد الألبوم.. لم أتخيل النجاح لأني أديتها على أساس أنها أغنية حزينة سيحبها أشخاص و لا يفعل آخرون، عكس الرائج حاليا من الأغاني المبهجة و ذات الريتم الراقص.
«داري يا قلبي” عبّرت عن الشباب العربي و لم أكن أتوقع نجاحها
لهذا السبب هناك من يقول إن “داري يا قلبي” كانت سوداوية و مُحبطة، لكن  ما سر نجاحها برأيك و ما هي الرسالة التي أردت أن توصلها بالتحديد؟
لا يمكنني أن أحجر على آراء الآخرين، فلهم الحرية المطلقة و آراؤهم تمثل تفاعلا يبقى جزءا من الإنتاج الفني.. بالفعل «داري يا قلبي” أغنية حزينة تنقل أحاسيس معينة نشعر بها جميعا، بدليل أنها نجحت و وصلت إلى أشخاص كثر، لكن لو كانت كئيبة و تبعث على التشاؤم، لما نجحت، فالإنسان لا يحب التشاؤم بطبعه، و الحقيقة أن الأغنية حملت نوعا من السلوى أو «الطبطة»، فعندما يستمع أحد منا إلى ما يخاطب وجدانه و ما يحس به، يتأثر به حتى لو كان حزينا، و بعد انتهاء الأغنية يشعر أنه ارتاح و أفرغ طاقة معينة.. أعتقد أن طاقة الحزن وجدت مجرى لها في “داري يا قلبي”.
إذا الأغنية كانت بمثابة تفريغ لهموم الشباب العربي بملامسة واقعهم؟
بالضبط، فاليوم لا يوجد من يتكلم باسم الشباب العربي.. لا يوجد من يهتم بأحاسيسنا و رأينا و قد انكسرنا كثيرا في السنوات الماضية.. الأغنية عبرت عنا و لذلك حققت هذا النجاح.
هناك اتفاق على أن أغانيك ملتزمة و تحمل رسائل إنسانية، لماذا اخترت هذا الطابع و لم تنساق وراء الأغاني الشبابية الرائجة حاليا؟
لقد وجدت نفسي أكثر في هذا الطابع الذي أحسه و أؤمن به و أؤديه بإحساس و ليس باصطناع، فهو يعبر بكل بساطة عن شخصيتي و طبيعتي، لكن لا أمانع في تأدية أغان عاطفية شرط أن تكون ضمن سياق ذي قيمة وجدانية، و ليس مجرد سلعة مثل الرائج حاليا و الذي أشعر أنه لا يشبهني.
أعمالي مرآة لشخصيتي و الرائج حاليا لا يشبهني
مؤكد أنك تابعت النكت التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حول أغنية «داري يا قلبي»، كيف كانت ردة فعلك عند قراءتها؟
طبعا تضحكني، فكلها نكت «دمها خفيف»، و بالعكس أنا أحبها و هي دليل على أن الأغاني وصلت لكل الناس.. لقد كنت سعيدا جدا بها بقدر سعادتي بمتابعين رأوا أن أصواتهم جميلة و أعادوا غناء “داري يا قلبي” و قاموا بتنزيلها على موقع “يوتيوب”، و هذا أمر يحصل معي لأول مرة منذ سنوات طويلة.
«هطير من تاني” عبارة تحمل معان إيجابية تبعث على التفاؤل، لماذا اخترتها كعنوان للألبوم؟
مثلما ذكرتِ، اخترته لأنه عنوان متفائل و يحمل نوعا من التحدي، كما أنه معبر عني، إذ لم أطرح ألبومات في السوق منذ فترة طويلة، فقد كنت مُقلا في الانتاج بسبب بعض المشاكل الإنتاجية، فأحسست أن “هطير من تاني” تعبر عني و عن الكثير من الشباب.
بعد النجاح الذي حققته تجربتك بتأدية التراث الجزائري في برنامج “ريميكس” على غرار “يا بحر الطوفان” و “إناس إناس”، انتظر الكثيرون أن يتضمن ألبومك الجديد أغان جزائرية و هو ما لم يحصل، لماذا؟
لقد تركت هذا النوع من أغاني الفولكلور لبرنامج «ريميكس»، حيث أحضّر حاليا لموسمه الثاني الذي سوف يعرض بعد شهر رمضان، ليتضمّن أكثر من أغنية جزائرية أتمنى أن تلقى نجاحا و نقدم بها عملا محترما، فأنا محب جدا للفن الجزائري لأنه متنوع و به أفكار كثيرة، و 3 أغاني لا تكفي كل طبوعه الموسيقية.
الفن الجزائري متنوع و سأؤدي أغان من تراثه بعد رمضان
هل وجدت صعوبات في نطق اللهجة الجزائرية؟
ليس كثيرا، لأني أسمع أغاني الراي الجزائرية منذ سنوات طويلة، لكن نطق اللهجة الجزائرية يحتاج تدريبا و تمرينا و أن أفهم معنى الكلمة لكي أتمكن من نطقها بطريقة صحيحة، فمثلا في أغنية يا «بحر الطوفان» هناك عبارة تقول «يا بحر الغامق ماذا اديت رجال و نسوان»، و كلمة «اديت» تعني هنا «أخذت»، و هو معنى معاكس تماما لما نقصده في اللهجة المصرية و هو «أعطيت».
إذا استعنت بجزائريين لتعلم اللهجة؟
أكيد، فقد قابلت محمد الباجي و المرحوم بوجمعة العنقيس و استمعت إليه و هو يؤدي أغنيته، حيث أحفظها مباشرة مع تكرار الغناء لأكثر من مرة، و هذا ما سهل علي الأداء بشكل كبير.
كيف كانت ردة فعل الفنانين الجزائريين الذين أديت أغانيهم؟
أعتقد أن التفاعل كان إيجابيا خاصة مع أغنية «يا بحر الطوفان» التي أحببتها كثيرا، حيث فضلت تأديتها بريتم بطيء و حزين بعض الشيء عوض ريتمها السريع الأصلي، لأن موضوعها حزين، و قد أعجب الفنانون الجزائريون كثيرا بهذه الأغنية و كان بيننا عدة اتصالات، بينهم رشد طه الذي قد أؤدي أغنية له في برنامجي، كما اتصل بي الملحن و الشاعر الجزائري الذي لحن لسميرة سعيد و غيرها من الفنانين. سأؤدي أيضا «ديو» في الموسم الثاني من «ريميكس»، مع إحدى الفرق الجزائرية المعروفة، و هي فرقة شابة أحب الاستماع إلى أغانيها و أفضل ألا أقول اسمها..  سأترك الأمر مفاجأة و أتمنى أن تنال إعجاب الجمهور الجزائري.
قابلت محمد الباجي و بوجمعة العنقيس قبل تأدية “يا بحر الطوفان”
من هو المغني الجزائري الذي تتمنى أن يجمعك معه عمل فني؟
هناك مغنون جزائريون كثر، لكن بصفتي محبا للراي عموما، فكل مغنيي الراي بالجزائر أحب الغناء معهم، سواء الشاب خالد أو رشيد طه أو الشاب مامي.
مع حملة التشويه التي تطال الإسلام في السنوات الأخيرة، ما الذي قدمته كنجم عربي مسلم لتصحيح صورة الشاب المسلم بالغرب، خاصة أنك تعيش في لندن؟
أنا و كأي إنسان مسلم و عربي، اهتم بعملي و تعاملي مع الآخرين بشكل محترم في إطار القانون، و أعتقد أنها أحسن واجهة توضح صورة الفنانين المصريين و العرب بشكل حقيقي، و لدينا مثال عن لاعبي كرة القدم كمحمد صلاح الذي يقوم بعمله كما يجب و يجتهد، فالأمر لا يحتاج إلى افتعال أغنية أو القيام بأمر ما تحت الإجبار، لذلك يجب أن يجتهد كل منا في مجاله و يعمل في إطار إنساني طبيعي، كما يجب أن يكون عددنا كبيرا و في كل المجالات كالطب و الرياضة و الفن، لكي يعلم الغرب أن عدد من يقومون بأمور سيئة قليلون مقارنة بأولئك الناجحين.
سأفاجئ الجمهور بـ “ديو” مع فرقة جزائرية شابة
بالحديث عن محمد صلاح، هناك حالة من الإجماع غير المسبوق في مصر، على أنه المحبوب رقم 1، ما رأيك؟
صحيح، و هناك لاعبون آخرون قبله، مثل أبو تريكة الذي أسعد ملايين المصريين و يجتهد في عمله، أدعو الله أن يوفق محمد صلاح، فأنا لم أقابله قبل ذلك، لكننا تواصلنا عبر الأنترنت و أتمنى أن تكون لي فرصة لمقابلته..لا أعلم إن كان الوقت سيسعفني للسفر إلى روسيا لتشجيع الفريق المصري في كأس العالم، و حتى إذا لم أستطع سأتابعه من بعيد.
رغم نفيك المستمر، هناك من لا يزال يربطك بتيارات سياسية في مصر و يقول بأن هناك آلة دينية تموّل حمزة نمرة، كيف ترد؟
لقد نفيتُ هذا الكلام كثيرا.. من يصدق أمرا ما سيظل يصدقه و بالنسبة لي سأستمر في العمل و لن أشغل بالي بعد ذلك بهذه الإشاعات. أنا من أمول نفسي بنفسي و قد مولت ألبومي الأخير من شركتي الخاصة، و لو كنت ممولا فعلا من أحدهم لكان الأمر أوسع من هذا بكثير، فأنا فنان مستقل يحافظ على استقلاليته قدر الاستطاعة و يقوم بما يراه صحيحا.
محمد صلاح مثال للشباب الناجح و أتمنى مقابلته
نعم في وقت من الأوقات قلت رأيي السياسي الذي كنت أراه الأصح، إذ يكفله لي الدستور و لم أخرج بذلك عن القانون.. أحترم الآراء التي اختلفت معي، لكن الفترة الماضية شهدت مع الأسف استقطابا كبيرا و هناك أشخاص كثر دفعوا ثمن التعبير عن آرائهم.
يرى متابعون أن ألبومك الأخير تضمّن رسائل سياسية، هل توافقهم الرأي؟
لا يمكن أن أقول هذا، ففي الأخير أنا أقدم فنا و الجمهور هو الذي يستطيع تأويله بشكل اجتماعي أو عاطفي أو سياسي، و هذه هي ميزة و حلاوة الفن، كما لا أستطيع أن أحجر على رأي الناس، فكل شخص يرى الأغنية بالطريقة التي تعجبه و هذا ما أحب أن أفعله بتقديم أعمال تبقى لسنوات، فسيّد درويش ما يزال يُسمَع لليوم و كأنه يعيش بيننا، لأنه أدى أغان تُفهَم بأكثر من معنى و فكرة و تأويل من عصر إلى آخر، و أنا أحاول أن أمشي على درب هذه المدرسة.
ما قيل عن تمويلي من جهات معينة مجرد إشاعات
ذكرت أنك تحرص على استقلاليتك كفنان، لكن المغني الملتزم يعيش اليوم واقعا صعبا، فاستمراريته صارت مرهونة بمداخيل الحفلات أمام تراجع سوق السيديهات و توجّه الجمهور إلى التحميل المجاني للأغاني؟ كيف تتعامل مع هذا الوضع؟
هذا تحدّ كبير جدا لمسناه جميعا، لكن كل فنان يطبق الخلطة التي تتوافق معه و مع مبادئه، فهناك من يتوقف عن الإنتاج لفترة حتى التمكن من إصدار إنتاج من تمويله، وهناك من يريد القيام بإنتاجات كثيرة فيضطر إلى التنازل قليلا عن استقلاليه لصالح من سيُموّله، و أنا لا أستطيع أن ألومهم على ذلك، فكلا الأمران صحيح من وجهة نظر كل طرف.. نعم في ظل القرصنة التي تحدث على شبكة الأنترنت، و انحسار سوق السيديهات إلى حد كبير، لم يتبق أمامنا سوى بعض الحفلات و منصات الديجيتال مثل موقع «اليوتيوب» و تطبيق «أنغامي»، و التي تدفع الحقوق المالية لإذاعة الأغاني، و إذا سارت الأمور بطريقة قانونية فإننا نستطيع تغطية التكاليف بواسطة الديجيتال فقط.. أمام هذا الوضع يجب علينا أن نتحمل و إلا سنضطر إلى امتهان عمل آخر.
لهذه الأسباب اتبعت مدرسة محمد درويش
هل تحضّر لأغنية خاصة برمضان؟
للأسف لا، لكن أغنية «مدد» التي أصدرتها في ألبوم “هطير من تاني”، اعتبرتها أغنية خاصة برمضان، كما أني سأكون مشغولا خلال هذا الشهر و بعده في تصوير برنامج “ريميكس” و سيكون من الصعب إصدار إنتاج جديد، لكن بعد رمضان سيكون هناك أغان ضمن برنامجي و أغنية منفردة أعمل عليها حاليا.
متى ستحيي حفلا في الجزائر؟
هناك بعض العروض لكننا ما نزال بصدد ترتيب الأمور، و أعتقد في القريب جدا سأحيي حفلة في الجزائر و ذلك بعد شهر رمضان.
استمراريتنا صارت مرتبطة بعائدات الديجيتال و الحفلات
في الأخير، هل لديك كلمة تودّ توجيهها لجمهورك بالجزائر؟
أتمنى أن أكون دائما عند حسن ظنهم و أن أقابل الجمهور الجزائري قريبا جدا في حفل كبير، كما أتمنى أن تنال الأغاني الجزائرية في برنامج «ريميكس» إعجابهم و تحقق نجاحا.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى