ظروف العمل في النوادي الجزائرية غير ملائمة ولم أختر الغربة !
ناصر ربيعي... أخصائي العلاج الطبيعي والفيزيائي، والمشرف الأول على الطاقم الطبي لفريق البحرين البحريني، اختار رغم قصر مدة عطلته بالجزائر وبالضبط في مدينة مسقط رأسه قسنطينة، أن تكون جريدة النصر، محطة أساسية في إجازته السنوية، حيث فضل زيارتها للبوح بأسرار تجربة بدأت قبل عقدين من الزمن، بدولة الإمارات،  قبل أن تتحوّل لقصة نجاح شاب وإطار جزائري، اختار الهجرة لتحسين ظروفه الاجتماعية، وقبل هذا لزيادة معارفه وتطوير مهاراته في مهنة الطب الرياضي.
حاوره: كريم كريد
•رغم أنك ابن مدينة قسنطينة وسبق لك العمل في قطبيها الشباب والمولودية، لكن الكثير يجهلون ناصر ربيعي أخصائي العلاج الطبيعي والفيزيائي والمشرف العام على عيادة البحرين البحريني، هل لك أن تعود بنا لبداياتك؟
هذا صحيح، كوني متواجد خارج الوطن منذ قرابة العقدين من الزمن، وبالعودة لبداياتي في عالم الطب الرياضي، فقد كانت قبل ولوج عالم الشغل، حين نلت شهادة البكالوريا واخترت دراسة تخصص العلاج الطبيعي الفيزيائي، حيث انتسبت للمعهد التكنولوجي للصحة العمومية في نهاية الثمانينات، قبل أن أنهي تكويني وأتخرج عام 1991، بعد حيازة شهادة دولة في العلاج الطبيعي والفيزيائي.
المنشطات آفة محاربتها تكون بالتوعية وتعيين أطقم طبية كفؤة
• وكيف دخلت عالم الرياضة وباشرت ممارسة تخصصك على مستوى الأندية الرياضية؟
بعد تسلمي وظيفيتي بالمستشفى، ومباشرة عملي في قسم إعادة التأهيل الوظيفي، انضممت لطاقم فريق سكك قسنطينة، أين أصبحت المشرف الطبي لفريق فرع كرة الطائرة، الذي كان ينشط آنذاك في القسم الأول، وعملت لسنتين، أشرفت خلالها على متابعة الحالة الصحية للاعبين الذين كانوا يشكلون تشكيلة ممتازة وقوية، ويحققون كما أذكر نتائج جد باهرة، أحسنها تنشيط الفريق لنهائي كأس الجمهورية في موسم 1992 – 1993.
• وكيف تحولت للعمل مع نوادي الرياضة الأكثـر شعبية؟
كان ذلك، مع قدوم محمد بوالحبيب لرئاسة شباب قسنطينة، حيث طلب مني العمل ضمن الطاقم الطبي للفريق وهو ما وافقت عليه سريعا، لانضم صيف 1993 لنادي السنافر، أين خضت أول تجربة في التكفل بالجانب الطبي للاعبين، الذي ضم في تلك الفترة عدة لاعبين نجوم على غرار ماتام وبن حمادي، قبل أن يحقق الصعود وتبدأ مسيرته التي كللت بعد ذلك بلقب البطولة الأول في تاريخه.
• أكيد أن تلك المحطة لا تزال راسخة في ذهنك، بعدما اكتشفت العمل مع نوادي الكرة المستديرة؟
بطبيعة الحال، راسخة ومحفورة في ذاكرتي، لأنها فتحت لي المجال في المقام الأول لممارسة تخصصي العلمي، في المجال الذي حلمت به، كما أنها سمحت لي بالاحتكاك بعدة نجوم ومدربين كبار، على غرار فيصل باجي ورضا ماتام كما أسلفت، إضافة إلى العمل مع بوعلام شارف الذي انتدبه بوالحبيب بعد تحقيق الصعود، دون أن ننسى المدرب القسنطيني عاشور نجار والفلسطيني حاج منصور، كما كانت تجربة مميزة بداية من سنة 1996 مع فريق مولودية قسنطينة، الذي كان في ذلك الوقت من أقوى الفرق الجزائرية، حيث عملت  مع المدربين حميد زوبا وعبد العالي إيريدير.
لاعبونا يتقاضون الكثير مقارنة بمحترفي دوري البحرين
• ويبقى الاسم الأخير (إيريدير)، كلمة السر في مشوارك المهني فيما بعد، أليس كذلك؟
نعم، لأنه وبعد المولى عزوجل، يبقى صاحب الفضل في تحولي للعمل مع الأندية الخليجية وكان ذلك صيف عام 1999، حيث بعد مغادرتي للموك، عدت لفريق سكك قسنطينة، أين عملت موسمين، قبل أن يقترح المدرب ايريدير اسمي على فريق دبا الحصن الإماراتي الذي تولى تدريبه، ليتم الاتصال بي وأتحول إلى الإمارات، أين عملت ضمن طاقمه وحتى بعد مغادرته، بقيت مع ذات النادي التابع لإمارة الشارقة لموسم آخر، لأنتقل بعدها لنادي إمارة الفجيرة، الذي كان يدربه ابن بلدي رفيق رواس، وعملت مع هذا النادي ثلاثة مواسم كاملة.
• في المجال الرياضي، كثيرا ما نسمع عن هجرة المدربين واحتراف اللاعبين، لكن قلما وقفنا على تجربة مماثلة لتلك التي عشتها، ما هي  الدوافع التي «أرغمتك» على خوض هذه المغامرة؟
لو قلت أن دافع هجرتي الأول، لم يكن الرغبة في تحسين حالتي الاجتماعية، فأنا غير صادق، لكن ومع هذا، فقد كانت تحدوني رغبة كبيرة في تطوير معارفي وزيادة التحصيل العلمي في هذا المجال والتخصص الواسع، واكتساب تجربة أكبر، وكما أسلفت فأنا جد ممتن للمدرسة الجزائرية التي سمحت لي بالحصول على تكوين جيد يضاهي ذلك الذي كانت معروفة به دول أوروبا الغربية، غير أن نقص الإمكانيات وعدم توفر مناخ عمل جيد، جعلني أقبل أول عرض والحمد لله وبعد قرابة العشرين سنة، أستطيع القول أنني أحسنت الاختيار، لأني حققت ما كنت أريد بلوغه.
• قبل التفصيل في أسرار باقي مشوارك، حدثنا عن كيفية انتقالك إلى البحرين؟
عدت إلى الجزائر بعد تجربة ناجحة بدولة الإمارات، أين مكثت سنتين بالجزائر، عرفت تغير حالتي الاجتماعية، بعد أن أسست لعائلتي الصغيرة، وبعد فترة قصيرة، وصلني عرض جيد من فريق البحرين البحريني، الناشط بالدرجة الأولى البحرينية، لأوافق وانتقل للعمل وكان ذلك عام 2007،  والآن أنا بصدد إتمام عامي الـ11 مع هذا النادي.
الجزائري يحظى بالتقدير في الخليج بعد نجاح الكثير منهم
• وكيف تقيّم تجربتك مع النوادي الخليجية وما استفدت بعيدا عن الجانب الاجتماعي؟
كانت ناجحة بامتياز، حيث تمكنت من فرض نفسي بتوفيق من الله في المقام الأول، بعد ذلك بكفاءتي، وهنا يجب أن لا أنسى فضل التكوين الذي حظيت به في بلدي، حيث مكنني كل الزاد الذي منح لنا من قبل الدكاترة الذين أشرفوا على دراستنا في المعهد بقسنطينة، من حجز مكانة مرموقة في النوادي التي عملت معهما، وكنت أحظى بمكانة واحترام كبيرين، حتى أنني توليت رغم نقص تجربتي وصغر سني آنذاك، مسؤولية المشرف الأول على الجهاز الطبي في دبا الحصن، وبرهنت على غرار ما فعله الكثير من أبناء بلدي، أن المدرسة الجزائرية بخير والإطار الجزائري لا يمكن وصفه سوى ب "الكفء"، ويذكرني في ذلك الحين، نجاحات المدرب ياسين بن طلعة الحارس الدولي السابق الذي كان يشرف على فريق الوصل وكذا اللاعب السابق بوريو، إضافة لبوشكريو في البحرين الذي قام بعمل جيد و أوصل منتخب هذا البلد لكرة اليد لبطولة كأس العالم، وأحمد الله كثيرا، بعد كل هذه السنوات والمشوار رغم البعد عن العائلة الكبيرة والأهل بقسنطينة.
 أما عن مكاسبي، فهي بالتأكيد عملية وعلمية، حيث سمحت باكتساب المزيد من الخبرات وتطوير معارفي كما أن عملي كمسؤول على الطاقم الطبي للفرق الثلاث، منحني فرصة المشاركة تقريبا في كل عام في مؤتمرات الفيفا التي تعني بالطب الرياضي ومكافحة المنشطات، وقد حصلت على عدة شهادات في هذا المجال سواء من قبل أكبر هيئة مسؤولة عن كرة القدم العالمية "الفيفا" أو تلك التي تٌمنح من قبل اللجنة العربية للطب الرياضي.
• بالحديث عن ملف مكافحة المنشطات والمخدرات في الوسط الرياضي، أكيد أنك تابعت تفجر قضية بلايلي، وبعدها تكشف عدة حالات للاعبين تورطوا في قضايا مماثلة؟
بالطبع، لقد وصل صداها بعيدا، ليس لأنها قضايا تتعلق بعالم الكرة الجزائرية، وإنما لتكشف عدة حالات وتورط عدة لاعبين في ظرف زمني وجيز، وهو ما جعل صداها يكون قويا نوعا ما.
تكوّنت جيدا ونجاحنا من قوة المدرسة الجزائرية في العقود الماضية

• وهل أثر ذلك على صورة الجزائري أو الكرة الجزائرية في الخليج؟
لا، إطلاقا، وكما قلت لك، فإن ما جعل القضية تلبس رداء الفضيحة، هو كشف عدد من الحالات في وقت قصير.
• كمختص في هذا المجال، ما هي الحلول التي تنصح بها لمجابهة الظاهرة؟
أولا يجب التأكيد على أن هذه الظاهرة دخيلة على عالم الكرة ببلادنا، وأنصح بالتوعية وأن تركز اللجان الطبية عملها في معالجة هذه السلوكات، على الوقاية وزيادة درجة وعي اللاعبين، كما أن الأندية مطالبة بالعناية في انتقاء المشرفين الطبيين، وعدم إهمال مبدأ الكفاءة في اختيار الإطارات.
كما يجب أن ننوه بنقطة مهمة، وهي أن الجيل الحالي للاعبين وحتى المدربين يختلف اختلافا كبيرا عن الأجيال السابقة.
• ماذا تقصد بالضبط؟
عقلية اللاعب وكاريزما والمدرب، تغيرت كثيرا في الوقت الحالي مقارنة بما عهدناه سابقا، حيث أن  أسلوب ونمط تفكير اللاعب الحالي مغاير للأجيال السابقة، فاللاعب الحالي لا يريد سوى الأجرة المرتفعة ولا يلتفت البتة لما يقدمه، والنتيجة انحدار كبير في المستوى.
• قضيت 11 عاما في البحرين، أكيد أنك ألفت العيش بهذا البلد وتأقلمت جيدا، ما هي العوامل التي ساعدتك على الاستقرار؟
قد أفاجئك، حين أقول لك أن عدد الجالية الجزائرية بالبحرين قليل جدا، وهو ما صعب بدايتي، لكن بالعودة لسؤالك، فأعتقد أن المناخ الجيد وإطار العمل المناسب، أهم أسباب قضائي كل هذا الوقت، كما أن التقدير والاحترام الذي يحظى به الإطار في هذا البلد كان عاملا مساعدا، وصدقني عندما تجد إمكانات العمل والاحترام والتقدير لعملك، فإن ذلك يجعلك تتغلب على حنين العودة الذي يراودك بين الفينة والأخرى.
• لماذا لا نجد لاعبين جزائريين يحترفون الكرة بالبحرين وهل سبق وأن طلب منك تحويل لاعبين جزائريين أو حتى اقتراح أسماء؟
في البحرين، اللاعب والكرة الجزائرية عموما، تحظى باحترام كبير، خاصة بعد نتائج الخضر في السنوات الماضية والتأهل لمونديالي جنوب إفريقيا والبرازيل، وسبق وأن طلب مني اقتراح لاعبين، غير أن ردي كان دائما يكون بأن اللاعب الجزائري، لا يستطيع قبول أي عرض من نادي بحريني، ببساطة لأن ما يتقاضاه في الجزائر أكبر بكثير، مما تعولون على منحه.
هاجرت قبل عقدين والمدرب إيريدير من طلب خبرتي في الشارقة
• نفهم من كلامك أن النوادي البحرينية لا تمنح أجورا مرتفعة؟
نعم هذا ما أقصد، وصدقني الأندية الجزائرية، ترصد ميزانيات كبيرة مقارنة بما يصرف في البحرين، وهذا ما يعزز كلام المختصين، عندما يؤكدون أن مرض الكرة الجزائرية ليس بسبب غياب المال الكافي، ولكن لأن طريقة التسيير سيئة وعشوائية، وغياب الضمير المهني لدى كثير المسؤولين، وصدقني لن يتغير حالنا مادام هذه العقليات ومحيط العمل متعفن والاحترافية غائبة، لأن مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، هو أساس كل نجاح.
• تحدثت ضمنيا عن الخضر واحترام الخليجيين للمنتخب الوطني، ماذا عن رياض محرز لاعب السيتي الجديد؟
في البحرين يحبون كثيرا محرز وتابعوا صفقة انتقاله للسيتي أولا بأول، حتى أن أصدقائي البحرينيين، باركوا لي كثيرا بعد تحوله لتشكيلة غوارديولا ويلقبونه بفخر العرب؟
•في ختام حديثنا ما تريد أن تضيف؟
أشكركم على هذه الاستضافة وأتمنى المزيد من النجاحات لجريدة النصر، وانتهز الفرصة لأبارك لفريق القلب شباب قسنطينة على لقب الموسم المنصرم، حتى وإن كان الأمر متأخرا، وأقول أن من حضر  لحظات التتويج في تلك السهرة الرمضانية، أكيد أنه كان محظوظا جدا، وتمنيت لو كنت بقسنطينة في تلك السهرة.
ك/ك

الرجوع إلى الأعلى