المصالحـــة الـوطنيـــة حقّقــت أهـدافـهــــــا
أكد الرئيس السابق لخلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، المحامي مروان عزي، أن المصالحة الوطنية في الجزائر قد حققت أهدافها ومكنت الجزائريين من التصالح والتعايش بالرغم من خلافاتهم الإيديولوجية، مبرزا بأن ما تعيشه البلاد من استقرار في مختلف المجالات هو من  ثمار تطبيق قانون السلم والمصالحة الوطنية في أرض الواقع، وقال ‘’ لقد حقق هذا المسعى نجاحا باهرا لأنه أدى في النهاية إلى بسط الأمن والهدوء والاستقرار الذي نعيشه حاليا، وعودة الأمل لكل الجزائريين وانطلاق عجلة التنمية’’.
أجرى الحوار: عبد الحكيم أسابع
وثمن الأستاذ عزي في حوار خص به النصر، بالمناسبة أهم قرارين اتخذهما رئيس الجمهورية سنة 2014 واللذين يتعلقان بقرار تعويض النساء المغتصبات وكذا رفع الحظر على خروج بعض الأشخاص من التراب الوطني والتنقل بكل حرية.
النصر: بعد مرور 13 سنة من تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ما هي أهم الأهداف التي حققها هذا القانون؟
الأستاذ عزي: المصالحة الوطنية، مشروع استراتيجي كبير ونموذجي قد جاء بعد سنوات من العنف والدماء، بحلول متدرجة، حيث بدأنا بمرحلة الوئام المدني الذي كان عبارة عن قانون تقني عالج ملف الأشخاص الذين كانوا يرغبون في تسليم أنفسهم، فيما جاءت المصالحة الوطنية بتدابير وأحكام قانونية سمحت للإرهابيين الذين لم يستغلوا فرصة قانوني الرحمة والوئام المدني من الاستفادة من العفو مجددا، والنزول من الجبال والاندماج من جديد في الحياة الاجتماعية، ما مكن من الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى مؤسسات الدولة، واستعادة السلم والاستقرار والشروع في إعادة بناء البلاد.
النصر: ماذا يميز المصالحة الوطنية عن قانون الوئام المدني؟
الأستاذ عزي: الملاحظ أن آلية الوئام المدني لم تكن لتكفي لمعالجة المأساة الوطنية وغلق الملف، فكان لابد من الاتجاه إلى مشروع أكبر يعالج المأساة الوطنية في شقين: وهما،  فسح المجال للأشخاص لتسليم أنفسهم في إطار يد الدولة الممدودة لأبنائها المغرر بهم، من جهة  ومعالجة تداعيات المأساة الوطنية التي يتوجب معالجتها من جهة أخرى.
وقد حققت  المصالحة الوطنية ثلاثة نجاحات بحيث أن تطبيقها قد أدى إلى لم الشمل ووقف نزيف الدم، والعيش معا  فبالوئام والمصالحة استفاد آلاف الأشخاص ( 15 ألف تائب إلى غاية 2015 فقط 6000 في إطار تطبيق تدابير الوئام المدني و 8000 في إطار تطبيق تدابير المصالحة الوطنية )، وكلهم عادوا إلى المجتمع ووضعوا أسلحتهم.
النصر: تريدون التأكيد هنا بأن المصالحة الوطنية قد كانت عبارة عن نموذج عملي للعيش معا بسلام؟
الأستاذ عزي: بالفعل لقد فتحت تزكية الميثاق صفحة جديدة في تاريخ الجزائر، ما سمح باستعادة الأمن والسلم، وتحقيق الانسجام الاجتماعي وتوجيه القوى والجهد نحو البناء والتشييد، واستدراك ما فات خلال مرحلة المأساة الوطنية التي تميزت أيضا بتخريب كبير وفظيع للاقتصاد الوطني والبنية التحتية الوطنية، وما مكن من تحقيق هذه النتائج أنه على الرغم من العدد الضخم للذين استفادوا من المصالحة وضحايا الإرهاب لم نر وقوع حساسيات أو تصفية حسابات بين أطراف المصالحة الوطنية ما يؤكد أن المصالحة نجحت في أن تكون نموذجا وطنيا غير مسبوق، في تحقيق العيش معا في سلام لأبناء الوطن الواحد، وهي تجربة ونموذج، يحتذى به من طرف مختلف بلدان العالم سيما البلدان العربية التي شهدت صراعات داخلية بسبب الأجندات الأجنبية على غرار العراق وسوريا وليبيا وتونس واليمن  إلى جانب مالي.
النصر: واجه تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في البداية  انتقادات من طرف بعض المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان وبعض الأطراف الأخرى، بدعوى المساواة بين الضحية والجلاد، فكيف كان ردكم آنذاك؟
الأستاذ عزي: مهما كانت الانتقادات التي وجهت لميثاق السلم والمصالحة الوطنية والنقائص التي اعترته في بداية تطبيقه، حسب بعض منظمات حقوق الإنسان ومن سار في فلكها، فإنه يشكل مرحلة مفصلية في تاريخ الجزائر المعاصرة، و حدا فاصلا بين عشرية الدماء والدموع التي ميزت سنوات التسعينيات، وبين المرحلة التي تلته والتي اتسمت بالعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية على كل المستويات، وقد ظهر ذلك على وجه الخصوص في استتباب الأمن شيئا فشيئا ومن عام لآخر، وعودة السلم والاستقرار، وعودة التنمية إلى قطاعات الدولة، سيما وأن التكفل بضحايا المأساة الوطنية المتضمن في ميثاق السلم و المصالحة الوطنية، قد سمح باحتواء مخاطر التطرف و الحفاظ على تماسك المجتمع و وحدته، و تعزيز انسجام مكونات المجتمع الجزائري.
النصر: وماذا عن ملف المفقودين الذي ظل لعدة سنوات يثير الجدل؟
الأستاذ عزي: فيما يتعلق بملف المفقودين، فقد سنت الدولة تدابير سمحت بالإحصاء الرسمي لـ  7144 عائلة فقدت أحد أو العديد من أفرادها بحيث استفادت 7100 عائلة من  تعويضات، وجاء قرار الدولة بناء على التحقيقات التي تم إجراؤها والمعلومات المتوفرة بتقديم تعويضات لفائدة 11224 من  عائلات الإرهابيين المحتاجة.
النصر: كنتم في مرحلة معينة من تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية قد دعوتم إلى اتخاذ تدابير إضافية لمعالجة بعض الحالات العالقة، فهل تحقق ذلك؟
الأستاذ عزي:  بعد تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ظهرت فئات أخرى لم تكن مدرجة في مشروعه، لذلك فبموجب المادة 49 التي تنص على أن رئيس الجمهورية مخول باتخاذ أي تدبير يراه مناسبا من أجل السير الحسن لهذا الميثاق، فقد طلبنا أكثر من مرة باتخاذ إجراءات وتدابير تكميلية، وحقيقة فأثناء سريان هذا الميثاق، اتخذ رئيس الجمهورية، في 2014 أهم قرارين لفائدة بعض الفئات التي كانت مستثناة في البداية، بداية بإجراءات خاصة لفائدة النساء المغتصبات، إذ لأول مرة تم تصنيفهن واعتبارهن آنذاك من ضحايا الإرهاب، أما الملف الآخر فيتعلق بالأشخاص الممنوعين من مغادرة التراب الوطني الذين كانت جوازات سفرهم محجوزة، إذ تم اتخاذ قرار في جوان 2014 لفائدة هذه الفئة وبقيت بعض الفئات التي لم تتخذ بشأنها تدابير قانونية ونحن بمناسبة التقرير النهائي الذي رفعناه إلى السيد رئيس الجمهورية في 15 سبتمبر 2015 تكلمنا عن بعض هذه الفئات التي لم تتخذ بشأنها تدابير قانونية.     
ع.أ

الرجوع إلى الأعلى