مارست الصحافة الأمنية في زمن الإرهاب و تعرضت لإصابة جسدية
تؤكد كريمة عباد ، أنها صحفية قبل كل شيء، حتى بعد حصولها على شهادة الدكتوراه في تخصص الإعلام، و أصبحت أستاذة جامعية تعتبر أطروحتها مرجعا بحثيا هاما للعديد من الطلبة داخل وخارج الوطن، و حتى بالنسبة لرواد مدارس الشرطة الجزائريين، تحدثنا سيدة التحقيقات و الروبوروتاجات الأمنية في هذا الحوار الذي خصت به النصر، عن تجربتها، كما تتطرق للحديث عن التلفزيون الجزائري و عن واقع الانفتاح الأمني الذي تقول بأنه ظلم الكفاءات و صنع للبعض نجومية زائفة.
حاورتها: هدى طابي
. النصر: هل اخترت مهنة الصحافة أم هي التي اختارتك حدثينا عن تجربتك مع التلفزيون؟
 ـ كريمة عباد: أنا اخترت الصحافة و برعت في دراستها، في سنة 1992 تحصلت على منحة للتدرج في الخارج، وتحديدا في فرنسا، بعد تفوقي في الليسانس، لكنني رفضتها وفضلت البقاء بقرب عائلتي، و واصلت دراسة الماجستير مباشرة، طبعا لم  أخضع للمسابقة بوصفي الأولى على دفعتي، لكن الظروف  اضطرتني للتوقف عقب وفاة  والدي سنة 1996، قبل أن أعود لأنهي الدراسة و أحصل على الشهادة سنة2005، و أتحصل بعدها على الدكتوراه سنة 2017.
المجال الأمني أصبح مستهلكا إعلاميا لدرجة السطحية
تجربتي في الصحافة تزيد عن 26سنة، منذ تاريخ التحاقي بالتلفزيون الجزائري، كمتربصة سنة 1993، أذكر كيف آمن بي عبد القادر دعماش و دعمني، طلب مني إعداد تقرير عن أفغانستان و أنا لا أزال قيد التربص، و قام ببثه خلال نشرة أخبار الظهيرة التي كانت تقدمها آنذاك صورية بوعمامة، تلك المحطة تؤرخ لبداياتي.     
ـ لماذا الإعلام الأمني تحديدا؟
ـ عملت من قبل في إعداد الروبورتاجات  الاقتصادية و حتى الاجتماعية، بعضها بث في حصة « رحالة» ، وقد فرضت نفسي عن جدارة في هذا المجال، الأمر الذي دفع حفيظ دراجي « مدير الأخبار آنذاك» إلى اختياري لإعداد روبورتاج خاص بعيد الشرطة سنة 1999، كنت جديدة في هذا المجال، لكنه أصر لثقته بكفاءتي، منحني عشرة أيام فقط لإعداده، وتطلب مني إنهاءه العمل ليلا و نهارا ، لكن النتيجة كانت ممتازة، أذكر أنني عنونته « عيون لا تنام»، ففي ذلك الوقت كنت مسؤولة عن إعداد حصة « عيون»، وهي برنامج شهري يعنى بكل ما هو مثير وخارج عن المالوف.
كنت أول صحفية ترافق الشرطة في مداهمات
بعد ذلك تحول العمل مع المديرية العامة للأمن الوطني خلال عيد الشرطة إلى تقليد سنوي، لدرجة أن هناك من المواطنين من  كانوا يعتقدون أنني شرطية.
ـ أعمالك كانت تباع في أقراص مضغوطة في الأسواق الشعبية، ما سر هذا النجاح؟
ـ هي المهنية و الاحترافية، و الأمر ليس سهلا، فإيجاد  زوايا مختلفة للعمل أمر صعب، و كثيرا ما كنت أنام وأنا أفكر في مقاربات جديدة.
اقتحمت المجال الأمني عندما كان الرجال يهابونه
يمكن القول أيضا أنني أول صحفية ترافق الأمن في مداهمات ليلية لأوكار الجريمة، كما عالجت طابوهات اجتماعية في مرحلة أمنية جد حساسة، وضعت كاميرا خفية و دخلت أماكن خطيرة مع الشرطة، وهذا النوع من الروبورتاجات لم يكن شائعا، عملي ببساطة أشبع جوع المشاهد لمثل هذه المواد الإعلامية القوية. و لذلك فإن الطلب على تحقيقاتي كان قويا، و لا تزال أعمالي تباع إلى   يومنا هذا، على أقراص مضغوطة في الأسواق الشعبية في باب الواد و أحياء أخرى.
من جهة ثانية، فإن عملي مع الأمن، كسر الصورة النمطية التي كان المجتمع يرسمها للشرطي، فقد ساهمت في تحسين صورة رجل الأمن في ذهن المواطن، بفضل تصويري لطبيعة عمل الشرطة و مرافقتي لهم في المداهمات و إبرازي للمخاطر والتهديدات التي يتضمنها عملهم، حتى أن هنالك من رجال الأمن من يصر على أنني بت أنتمي إلى الجهاز بعد قرابة 20سنة من العمل المشترك.
ـ اقتحمت عالم الجريمة و ارتبط اسمك بجهاز الشرطة في زمن الإرهاب ألا تعتبرينها مخاطرة كبرى؟
ـ بالفعل هي نوع ما مخاطرة،  لكن حبي الجنوني للعمل الذي أقوم به بسط الأمر في ذهني، أنا كنت أول من ارتدت ملابس الشرطة كان ذلك خلال حصة « على خطى الشرطة»، سنة2006 ، مارست الإعلام الأمني في زمن الإرهاب عندما كان الرجال يتجنبون هذا العمل ولم تكن هناك مفاهيم مبسطة كالشرطة المجتمعية و الجوارية، لأنني كنت مقتنعة بأهمية ما أقوم به، لم أخف يوما، كما لم أحظ أيضا بمرافقة أمنية إلى منزلي. مواطنون كثر كانوا يطرحون علي سؤال « ألا تخافين؟» وكان ذلك يزيدني عزيمة، أذكر يوم سألني أحد الجيران عن أحد تحقيقاتي، و إذا كنت قد توغلت فعلا لتلك الدرجة في البحث، فأجبته بنعم، حينها ترحم على روح والدي و شجعني، يومها بكيت و سالت دموع السعادة و الفخر من عيني.

رفضت منحة للدراسة في الخارج لكي ألازم عائلتي
ـ كسرت طابوهات اجتماعية و رافقت الشرطة في مداهمات ليلية، كيف انعكس ذلك على محيطك الأسري
و الاجتماعي؟
ـ بالفعل تناولت قضايا المخدرات و الدعارة و الشذوذ الجنسي، صورت ليلا ،و كثيرا ما عدت إلى المنزل في حدود الخامسة صباحا، كان والدي ينتظرني في الخارج، و اضطرتني الضرورة المهنية لدخول ملاهي ليلية للتحقيق، وكلها أمور كانت طابوهات في مجتمع جزائري جد محافظ.
 في السنوات الأولى كان  الأمر شاقا نوعا ما، حتى أن زميلا لي في التلفزيون وجد صعوبة في تقبل ذلك، لكن سمعتي المهنية و مستوى  أعمالي كان دائما جوابا كافيا و مكمما للأفواه، عائلتي تقبلت طبيعة عملي و تفهمته و كذلك محيطي القريب، لأنني لم أخدش يوما حياء العائلة الجزائرية.
هذا التميز في أعمالي جعل مغني الراب لطفي دوبل كانون، يقتبس مقدمة روبورتاجي حول الملاهي و حياة الليل، و يدرجها ضمن إحدى أغانيه، وقد اكتشفت ذلك بالصدفة عن طريق ابن شقيقتي، طبعا التقيت لطفي لاحقا و استفسرت منه عن الأمر، فاعتذر لأنه لم يستأذنني، لكنه اعترف بأنه أحب العمل كثيرا، واتفقنا في النهاية.
قصة طريفة جمعتني بلطفي دوبل كانون
ـ  هل تعرضت لتهديدات أو اعتداءات بسبب تحقيقاتك الأمنية؟
ـ  أجل تعرضت لضغط كبير بسبب تحقيقات معينة، رغم أنني كنت دائما ألتزم بأخلاقيات العمل ومحصنة قانونيا، هناك أيضا من كانوا يتنقلون إلى مقر التلفزيون للبحث عني . ولعل أخطر حادثة وقعت لي سنة2008، في وهران، كنت أصور مقدمة أحد الروبورتاجات في الشارع، و إذا بأحدهم يقذفني بقرص مضغوط « سي دي» كان حادا و أصابني في وجهي، تسبب لي في جروح عميقة، نقلت على إثرها إلى المستشفى و عانيت الأمرين، حتى أنني قصدت جراح تجميل للتخلص من آثار الجرح البارزة في وجهي، ولولا رحمة الله لكنت قد أصبت بتشوه، أما الطريف في الأمر فهو أنني لم أسجل الحادثة على أنها حادث مهني.
ـ لماذا تحوّل الإعلام الأمني في رأيك إلى موضة؟
ـ لأن المواضيع الحساسة كالجريمة تصنع الشهرة، أو بتعبير أدق تعجلها، فضلا عن أن هناك من يبحث عن تكوين علاقات شخصية عن طريق الاحتكاك بالأجهزة الأمنية، طبعا هناك أيضا من يمارسونه عن حب و باحترافية.
ـ كيف تقيمين الإنتاج الإعلامي الحالي في هذا المجال؟
ـ  أقول أن الطموح أمر مشروع، و الصحافة الأمنية ليست حكرا على كريمة عباد، لكن يجب أن يلتزم ممارسها بالمهنية و يحترم الأخلاقيات، يؤسفني أن يعتمد البعض على الإثارة المجانية، لا أنكر أيضا أن هناك غيابا للبصمة الخاصة، فكثير مما يقدم حاليا هو استنساخ لما قدمته أنا سابقا، الفرق أنني  لم أكن أصور مشاهد تمثيلية وأعرضها على أنها حقيقة، و لم أقدم قضايا لم تفصل فيها المحاكم، لأن في ذلك إخلالا بالعمل الأمني.   هذا المجال أصبح مستهلكا بشكل كبير، لدرجة السطحية أحيانا، وهو ما أفرغه من محتواه، لأن بعض ما يقدم لا يخدم هدف التوعية.

التلفزيون العمومي لم يفقد احترافيته بل الصحافة هي التي تغيرت
ـ تراجع إنتاج التلفزيون العمومي ألم يفرض الرداءة كبديل؟ و هل يتم الاعتماد على خبرتكم في تكوين الجيل الجديد من الصحفيين؟
ـ صحيح أن الجيل تغير، لكن التلفزيون لم يتراجع، فهو لا يزال عنوانا للاحترافية، المشكلة تكمن في أن المهنة تغيرت لأن واقع ممارستها عموما في الجزائر هو الذي اختلف، والإنتاج  التلفزيوني يحتكم لهذه المتغيرات. أما الرداءة ففرضتها الفوضى التي طوقت الانفتاح الإعلامي في بلادنا، صحيح أنه انفتاح له حسناته، حيث أسهم في تنوع المادة الإعلامية و فتح مجال التوظيف لخريجي معاهد الإعلام، وهنا أفتح قوسا لأقول أن أولوية التوظيف يجب أن تكون لهم، لكنه أيضا انفتاح غير مضبوط و قد ظلمت بسببه كفاءات كثيرة.
هناك أيضا قضية التوريث في الصحافة، البعض يجبرون أبناءهم على دراسة الصحافة و ممارستها حتى وإن كانوا يفتقرون للموهبة.
ـ لماذا اخترت موضوع الإعلام الأمني لأطروحة الدكتوراه الخاصة بك  مع أنه مجال بحثي غير رائج؟
ـ اخترت موضوعا يتماشى مع خبرتي في العمل الميداني التي تناهز 20سنة، وقد تعاملت بكل حيادية و موضوعية مع العينات البحثية خلال مناقشة الرسالة، أردتها أن تكون تتويجا لمساري المهني و الأكاديمي. هذا التخصص جد شحيح كمادة بحثية في العالم العربي و الجزائر تحديدا، ما عدا بعض المحاولات السعودية التي يتم ربطها عموما بقضايا الفقه و الدين، لذا ارتأيت أن أقدم إضافة نوعية، خصوصا وأنني شخصيا عانيت من شح المراجع، لكنني جد سعيدة بالنتائج ، ففي سنة 2017 فتحت مدرسة الشرطة بالعاصمة ماستر مهني في تخصص الإعلام الأمني وقد تمت الاستعانة بي لتدريس المقياس، كوني أجمع بين الخبرة المهنية و الأكاديمية، وهناك طلبة من الخارج أيضا اعتمدوا على أطروحتي كمرجع بحثي، لإعداد رسائل تخرجهم.
ساهمت في تحسين صورة رجل الأمن
ـ كيف تقيمين صورة الصحفيين الجزائريين على مواقع التواصل وهل ما يقدمونه يخدم المجتمع؟
ـ لا نزال بعيدين عن مستوى الخدمة الإعلامية، ربما لأننا لا نتعامل مع هذه المواقع بجدية، شخصيا كان كريم بوسالم هو من شجعني على ولوج فايسبوك، الذي لم أجد فيه ما يستحق المتابعة، ولولا تميز حساب الأستاذ عبد العزيز بوباكير، وروعة ما ينشره من معلومات هادفة و مفيدة، لكنت أغلقت حسابي منذ مدة .
هـ.ط

الرجوع إلى الأعلى