يجب فتح حوار مع الفاعلين في الحراك وحلّ الأزمة سياسيا
ترى الخبيرة الدولية لدى المنظمات الدولية و المختصة في التنمية السياسية سلاف قسوم أن حل الأزمة في الجزائر، يمرّ عبر وضع ورقة طريق تمهد  لانتقال ديموقراطي حقيقي،  تكون مبنية على الحوار مع ممثلي الحراك مع البحث عن شخصيات توافقية ذات مصداقية بالنسبة للشعب والجيش، وتعتبر المتحدثة في حوار خصت به النصر أن  الجيش يجب أن يكون طرفا في حل سلمي، مسجلة عدم وجود سياسة واضحة لتسيير الأزمة.
حاورتها  : نرجس كرميش
سلاف قسوم التي عملت بدول مرت بظروف مشابهة تعتبر الحالة الجزائرية قريبة من المصرية،  لكنها ترى أن النموذج التونسي في التعاطي مع الأزمة هو الأنسب، الخبيرة تعتبر أن الوسائط الاجتماعية خلقت فضاء عاما جديدا يقع في نقطة وسطى بين الحقيقي والافتراضي، متوقعة ظهور  شخصيات سياسية جديدة شابة على الساحة كون النضال على الانترنت في تصورها سوف يتحول إلى نضال حقيقي.   
و الحراك خرج عن نمط الزعيم الأوحد
 النصر : تم منذ أيام تنصيب عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا  للبلاد لمدة 90 يوما على أن تنظم انتخابات رئاسية يوم 4 جويلية ، ما يعني تطبيق المادة 102،  في خطوة لم تنه حراك الشارع ، برأيك هل يعد هذا دخولا  في مرحلة انتقالية ؟
سلاف قسوم : لا تزال الجزائر في أزمه سياسية و هي لم تدخل بعد مرحلة انتقال ديموقراطي.
 تطبيق المادة 102 لا يتيح فرصة تغيير النظام الذي يطالب به الشعب و الشباب بشكل خاص ، من خلال مرحلة انتقالية تمهد لتنظيم انتخابات حرة و نزيهة وفقا لمطالب الشعب و للمعايير الدولية للانتخابات. بالنظر إلى شكل الإدارة الانتخابية الجزائرية الحالية الذي ينتمي لنوع الإدارة الانتخابية الحكومية ، و بناء على تجربتي الدولية في مجال الانتخابات فانه لا يمكن تنظيم انتخابات حرة في غضون 3 أشهر تتسم بالاستقلالية ، أي دون الخضوع لتأثير سلطة تنفيذية أو أحزاب سياسية أو غيرها،  و بالنزاهة  أيضا، أي أن تتمتع الإدارة الانتخابية بالاستقلالية العملية  مع احترامها للشفافية.
 لذلك فالمضي قدما  في تطبيق المادة 102 لن يساهم في تهدئة الوضع و سيقابل حتما بأشكال متنوعة من المقاومة، لاسيما من طرف الشباب.
• كنت ممن اقترحوا ورقة طريق أساسها مرحلة انتقالية شاملة مدتها سنة تتقاطع إلى حد بعيد مع ما طرحته المعارضة  وبعض الأصوات  ضمن الحراك، هل لك أن تفصلي في طرحك؟ وكيف السبيل للخروج من الأزمة بسلاسة ؟
اقتراحي جاء بغرض الرد على تساولات الشباب على  شبكات التواصل الاجتماعي حول الحلول الممكنة و المساهمة في إثراء النقاش الدائر. و جاء بناء  على تجربتي المهنية في عديد الدول التي عرفت انتقالا ديموقراطيا .
أعتقد أن فتح الحوار مع الفاعلين في الحراك الشعبي، من ممثلي الطلبة و الجامعات و  النقابات  و المنظمات المهنية، يمكن أن يساهم في الخروج بورقة طريق تمهد لانتقال ديموقراطي سلمي و تحقق الاجماع المطلوب.
الجيش يجب أن يكون جزء من حل سلمي
الحلول و خرائط الطريق موجودة،  و من السهل جدا رسم المراحل و الموارد البشرية للأزمة و الإطار الزمني. لكن الغائب الأكبر اليوم يظل الحوار و الارادة الفعلية للتغيير  و التعامل مع الأزمة بشكل واضح و منسجم من طرف السلطة.
 لكن الكثير من الأصوات عبرت عن تخوفها من مرحلة انتقالية خارج إطار  الدستور على اعتبار أنها قد تجر إلى انزلاقات خطيرة.  
 العديد من الدول التي عاشت انتقالا ديموقراطيا مثل تونس، علقت العمل بالدستور، فالدستور التونسي علق بمرسوم قانون صدر يوم 23 مارس والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العامة والمعد من قبل الهيئة العليا برئاسة يزاد بن عاشور في ذلك الوقت ، وقد اعتمد  من طرف رئيس الدولة للمرحلة الانتقالية ، ثم تم إلغاء الدستور بموجب قانون 16 ديسمبر 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العمومية الذي اعتمدته الجمعية التأسيسية المنتخبة.
الجوانب القانونية والدستورية  في هكذا حالات تسوى غالبا  من خلال  اجتماعات سياسية ذات العلاقة بورقة طريق المرحلة الانتقالية.
 و يبقى الحل سياسيًا وليس دستوريًا. وذلك بالحوار وخارطة  طريق  ناتجة عن هذا الحوار والتوافق الذي يتم التوصل إليه بين مختلف الجهات الفاعلة.
• تتعامل المؤسسة العسكرية مع الوضع  وفق متطلبات حراك الشارع،  ما جعل تحركها  يكون تدريجيا ، لذلك نجد من يطالبها بالتدخل بشكل  أكـثـر حسما ، فيما عبرت أصوات أخرى عن تخوفها من اقحام الجيش في هذه المرحلة، هل يمكن الاستغناء عن الجيش في هذه المرحلة الحساسة؟
تجربة وخبرة الجيش هي الحماية  الأمنية ،  إن التدخل المباشر وغير المباشر لدول أجنبية خاصة تلك التي لها مصالح جيوسياسية واقتصادية ومالية  هو حقيقة واقعة ، وقد لاحظنا جيدا إلى أي مدى هذا التدخل يمكن أن يكون ضارا في العديد من البلدان و  العربية خاصة ، وجيشنا يلعب دوره ضمن هذا السياق من خلال مختلف مصالحه.
هناك فشل في تسيير الأزمة من الجانب الاتصالي
الحل يبقى سياسيا كما سبق وأن ذكرت  ، والجيش له الخيار  في أن يكون جزء من حل سلمي ممكن ، أو أن يكون جزء من انسداد وتأزم الوضع.
 في الوقت الحالي ولتجنب التأزم أكثر  ،  يمكن اتخاذ قرار بشأن شخصيات ذات مصداقية بالنسبة للجيش والشعب في نفس الوقت ، حتى يمكن الخروج من الأزمة. الشعب على إطلاع جيد بما حدث في مصر و قد  عبر  من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضه لما يسمى بـ « السيناريو المصري».
من المهم أن تفهم الدوافع المشروعة لهذه الانتفاضة الوطنية وأن تكون هناك قدرة على  الاستجابة الصحيحة لها.
الفشل في تسيير الأزمة في الجانب الاتصالي  وغياب تصور واضح عقدا الوضع أكثر ، ومن الضروري اليوم تبني استراتيجية لإدارة الأزمة تستجيب لتطلعات الشعب.
 لقد ولد اليوم في الجزائر جيل جديد  فرض نفسه بشجاعته ، وإرادته وقوة حلمه بالحرية والعدالة الاجتماعية، ومن الصعب اليوم قمعه لعدة أسباب.
• الحراك الشعبي ورغم أنه كان السبب في تخلي الرئيس السابق عن خوض عهدة خامسة ثم تراجعه عن التمديد ، يبدو وكأنه لا يستند الى ورقة طريق واضحة ، حيث توصف مطالبه بالمتناقضة وغير المنطقية أحيانا، وبأنها غير قانونية في نقاط معينة؟  كيف ترين ما هو مطروح منذ 22 فيفري إلى اليوم وهل هناك تطور؟
العالم كله وليس الجزائر فقط يشهد اليوم ظهور أشكال جديدة من الثورة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. تداول المعلومة عبر هذه الوسائط وما يصاحبه من استعمال  مكثف للنقال  أتبث أنه وسيلة قوية لتوسيع وتكثيف الحراك  الاجتماعي، وهذا  ساهم  في ظهور فضاء عام  يقع  في  منتصف الطريق ما بين الواقعي و الافتراضي ، لأن  أشكاله التعبيرية تظهر على  شبكة الانترنت  وفي الأماكن العامة  أيضا.
وهذا ما يولد قوة  تمنح بعض الأحداث حجما أكبر ، وتحمل طاقة لا حصر لها من التغيير،  ويخلق التعبئة اللازمة للعمل السياسي والتغيير.
هذا الشكل من التعبئة جديد ولم يتم دراسته بشكل كافٍ في هذه الأبعاد المتعددة وخاصة في التلاعبات ومحاولات التوجيه المتعددة من قبل القوى الداخلية والخارجية.
الجزائريون يرفضون العنف والتدخل الخارجي
إن الحراك الشعبي   ببلادنا و لأنه يتم بواسطة الشبكات الاجتماعية بشكل أساسي ، يخرج عن النمط الكلاسيكي للزعيم الأوحد أو الرؤية الفريدة للمشروع الذي يحمله. على الرغم من الاختلافات في بعض جوانب المطالب  .. يجب الاعتراف بوجود وضوح واتساق في ما يتعلق بالهدف والمطالب  الأساسية لهذه الانتفاضة و هي «تغيير النظام».
يرفض شباب الحراك محاولات المعارضة وبعض الوجوه الانصهار فيه،  في تقديرك هل يمكن أن نتجاوز الأحزاب عند التأسيس لمرحلة جديدة ، وهل يجب تشكيل طبقة سياسية جديدة  تعلن القطيعة مع كل  ما سبق الحراك؟
نظرًا لأن  الحراك تعبير جديد وشجاع وعميق عن الشباب  ، فإن الانتقال سيسمح بظهور شخصيات سياسية شابة جديدة. سيسمح الانتقال أيضًا بإنشاء أحزاب وجمعيات سياسية جديدة ، وسينخرط عدد كبير من الجزائريين والجزائريات في العمل السياسي والمدني، لأنهم سيكونون متحمسين للمشاركة في التغيير المنشود  و بأشكال عديدة.
النضال عبر الإنترنت سوف يتحول  بسرعة إلى نضال حقيقي  ويستعيد شكله الكلاسيكي على أرض الواقع ، والهدف المشترك الذي يوحد الشعب وهو تغيير النظام، سوف يتحول أيضًا إلى منافسة بين المشاريع والتوجهات السياسية ، و سوف نرى جزائر متعددة و متنوعة ، وهو ما سيخيفنا أحيانًا ويجعلنا  نأسف أحيانًا أخرى ، لكننا سندرك أنه  مسار  طويل  جدًا  يتطلب صبرا.
الانتقال الديموقراطي سيسمح بظهور شخصيات سياسية شابة
ولكن لكي نعيش هذه الديناميكية الفريدة والمثيرة  ، يجب أن تكون لدينا فرصة حقيقية لعملية انتقال ديموقراطي تتطلب فتح المجال السياسي والنقابي وإنشاء إدارة انتخابية مستقلة تضمن مصداقية الانتخابات.
• هناك قراءات تشبه الحالة الجزائرية بالمصرية وأخرى تراها أقرب للسيناريو التونسي ، باعتبارك عملت على الملفين ضمن منظمات دولية، هل هناك نقاط تشابه؟ وهل يمكن اللجوء إلى نفس الحلول التي توصف اليوم بغير الناجعة، ثم ألا يعد عدم وجود  تمثيل للحراك نقطة ضعف ؟
ما زلت مرتبطًة إلى حد ما بالتجربة التونسية التي عملت بها من عام 2011 إلى عام 2013 ، والتي أعتبرها مهمة من الناحية السياسية ، ويجب أن أقول إن جزء كبيرا  من نجاح العملية التونسية كان أولا ،  بسبب مشاركة النخبة التونسية وإسهامها في بداية المرحلة الانتقالية، ومن ثم النهج التوافقي الذي تبنته الأحزاب السياسية الممثلة في الجمعية التأسيسية بعد ذلك.
إذا كان هناك مجال لإجراء مقارنات ، فإن حراكنا الشعبي  يشبه ذلك الذي شهدته  مصر   في جوانب معينة. الثورة في مصر جاءت والفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية وما تخللها من شائعات حول خلافة جمال مبارك لوالده حسني مبارك . دعنا نتذكر أن الحركة في مصر كانت في بداياتها سلمية و متنوعة و حتى فنية ، لكنها سرعان ما أجهضت لأن مؤسسة الجيش رفضت التغيير الحقيقي أو الانتقال الديموقراطي الحقيقي . خلال المراحل المختلفة للعملية ،  القوات المسلحة أبقت أيديها على مؤسسات الدولة وانتهى الأمر باحتكارها للسلطة وقمع المعارضة.
• كونك مختصة في التنمية السياسية، هل ترين أن الجزئر  تتوفر اليوم على عوامل بناء نظام جديد؟ وهل يتطلب الأمر بعض التضحيات مثلما يرى البعض، سيما وأن رفع سقف المطالب وحصرها في مفاهيم  وصفت بالفلسفية، اعتبر تعجيزيا ؟
الجزائريون يرفضون العنف وأي تدخل أجنبي  ، إنهم يريدون تغييرًا سلميًا من خلال انتقال ديموقراطي مع شخصيات ذات مصداقية وتوافق ، وهذه هي الثروة الكبيرة للحراك . هذا الشباب المتحمس والملتزم يدرك المخاطر والرهانات. تنظيف الشوارع بعد المظاهرات  هو رسالة قوية وواضحة تعبر عن رغبة الشباب في لعب دور بناء في  جزائر الغد  الديموقراطية.
النضال عبر الانترنت سوف يتحول إلى نضال حقيقي
هناك  العديد من الشخصيات من الوسط السياسي  والفكري تريد  الاستثمار في بناء دولة  قانون ومستعدون للتعبئة والإسهام  في ذلك  ، كما لدينا نخبة موهوبة للغاية خارج البلاد أعربت أيضًا عن استعدادها للاستثمار والالتزام ببناء دولة ديموقراطية قائمة على العدالة الاجتماعية والكفاءات. إن الانتقال الديموقراطي عملية طويلة ومعقدة ويكمن نجاحها في شمولها وانفتاحها على الحوار والاستماع إلى الشعب.
يجب أخذ الدروس من البلدان التي مرت بتحولات ديموقراطية. والدرس الأول هو الاستماع إلى مطالب الشعب والاستجابة لها في الوقت المناسب ،  بدل الاعتماد على  تلاشي التعبئة وانتظار تعفن الوضع.                               ن/ك

الرجوع إلى الأعلى