التيار المتعصب سبب تراجع الأغنية الاندلسية
ترى الفنانة ليلى بورصالي، بأن الأغنية الأندلسية  تعيش حالة من الركود و تتطلب تضافر الجهود لإعادة بعثها من جديد، وذلك عبر فتح باب التجديد في  الألحان و الكلمات التي لابد وأن تتماشى حسبها، مع معطيات زمننا المعاصر  و لا تقتصر فقط على إعادة أداء التراث القديم، وهو طرح لا يتعارض كما قالت في هذا الحوار، مع أهمية الحفاظ على الإرث الفني الأندلسي الضارب في عمق التاريخ، لأن تكريسه و ضمان استمراريته يستوجب عصرنته و تطويره من خلال إدراج تعليم الموسيقى الأندلسية في المدارس و الجامعات و الانفتاح على الأفكار الجديدة و دعم الكتاب والملحنين الشباب الراغبين في الإسهام و ضخ جرعة أكسجين جديدة تنعش روح هذا الطابع الأصيل.
حاورتها: هيبة عزيون
ـ النصر: كيف تصفين واقع الأغنية الأندلسية في زمن الروبوتيك و الإيقاعات السريعة؟
ـ ليلى بورصالي:  الحديث عن واقع المدرسة الأندلسية اليوم، يجرنا للحديث عن جانبين أولهما هو شق التكوين، حيث أصبح تعليم و تلقين أساسيات الغناء الأندلسي  من مهام المجتمع و أقصد بذلك الجمعيات الثقافية، و هي عبارة عن مبادرات فردية و شخصية، فإرادة الدولة غائبة تماما في ما يتعلق بدعم هذا الطابع  الغنائي، بدليل افتقارنا لمدارس متخصصة، لذلك لا يزال التعليم تقليديا بحيث انتقل مع الشيوخ أو أصحاب الصنعة إلى الجمعيات الموسيقية ذات الطابع العائلي أو المستقل وهو حسب رأيي أمر غير كاف تماما، و لذا لا يزال  مستوى التكوين محدودا لأن القائمين على الجمعيات لا يزيدون عما تعلموه من الشيوخ، أي أن الموسيقى لا تتجدد في هذه الحالة و لا تواكب تطورات العصر و الأذواق و هو ما فرض عليها حالة الركود التي تعيشها.
حان الوقت لإدراج الموسيقى في المناهج التربوية
وأمام هذا الوضع، أرى بأنه يتوجب علينا أن نولي أهمية أكبر لمساهمة العازفين و  الأكاديميين و الباحثين في مجال الموسيقى الأندلسية، و أشير بل و أشدد  هنا على أن الوقت قد حان لإعادة النظر في ضرورة إدراج مادة الموسيقى ضمن المنهاج التعليمي و حتى الجامعي.
بالنسبة للشق الثاني من الموضوع، أود أن استهل الحديث عنه بالاعتراف بأنني  من مشجعي فكرة تجديد القاموس الشعري الأندلسي، و  كل طبوعه سواء تعلق الأمر بالنوبة أو الزجل أو الموشح أو  العروبي و غيرها، و ذلك بهدف إعطاء نفس جديد للأغنية الأندلسية التي  لا تزال تعتمد على أشعار القرون القديمة رغم أنها لا تحاكي بتاتا واقعنا المعيش.
بالعودة إلى تاريخ الأغنية الأندلسية نلمس بوضوح  الوفرة في القصائد و النصوص، إلا أن هذا العطاء بدأ يتراجع تدريجيا مع مطلع القرن العشرين، لتشح بعد ذلك الكتابات بسبب ظهور التيار المتعصب للقديم و الرافض للتجديد بحجة الحفاظ على التراث، وهو فكر أرى بأنه لم يخدم الأغنية الأندلسية التي بدأت تتراجع بعد أن فقدت جزءا من جمهورها لأنها ببساطة جميلة، لكن بعيدة عن واقع الشباب بعكس ما حدث مع طابعي الراي و الشعبي، اللذان تطورا و استمرا رغم محدودية تاريخهما مقارنة بالموسيقى الأندلسية.
أشجع فكرة تجديد القاموس الشعري الأندلسي
ـ   بادرت إلى التجديد في آخر ألبوم في مواجهة صريحة للتيار المحافظ حدثينا عن هذه التجربة؟
ـ أستطيع القول بأن تجربتي هي الأولى من نوعها، فلم يسبقني إليها أحد لأن الكل اكتفوا بغناء التراث القديم، و أعتقد أن ما قمت به شكل منعرجا حقيقيا و جاء من منطلق رغبتي  الكبيرة في إحداث التغيير و التجديد، و لعل تجربتي الشخصية و وفاة زوجي و ما عشته رفقة ابنتي عقب ذلك، منحني القوة للمبادرة و القدرة على  التعبير بواسطة الموسيقى و هو ما تجسد في ألبوم حسن السليم .
نفتقد لمدارس متخصصة والجمعيات لا تكفي للتكوين
ـ  كيف كانت ردود الأفعال اتجاه هذا العمل؟
ـ تباينت الآراء حول حسن السليم، فمثلا بعض المختصين لم يرفضوه و لكن في نفس الوقت لم يثنوا عليه و لم يخصوه بالنقد من الأساس، هناك بالمقابل، من أبدوا إعجابهم بالعمل و  الإحساس المرهف و عمق الكلمات التي قد تكون حسبهم ترجمة لما يعيشه الكثير من الناس في زمننا، ففي الأخير الموت تجربة صعبة نتقاسمها جميعا كبشر.
ـ الغناء عن الحياة الخاصة في مجتمعنا المحافظ ألا يتطلب كثيرا من الجرأة؟
ـ  لا على العكس من ذلك، أنا كنت سعيدة جدا بهذه التجربة  لأن  الموسيقى في الأخير هي لغة تعبير سامية و أنا كنت بحاجة ماسة للتعبير عن ألمي من خلال الغناء.
الطابع يعتمد على أشعار قديمة لا تحاكي العصر
ـ لنتحدث قليلا عن تعاونك مع فنانين من مدرستي العاصمة و قسنطينة كيف كان ذلك و  ما الذي أضافه لك ؟
ـ كانت لي فرصة للاجتماع مع بهجة رحال بإحدى الحفلات و غنينا سويا في تمازج جميل، كما غنيت مع  الفنان عباس ريغي من قسنطينة خلال تظاهرتي تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية و كذا قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، أدينا حينها توليفة بين نوبة رأس الذيل و السيكا و رغم الصعوبات التي واجهتنا بسبب اختلاف الطبقات الصوتية، إلا أنها كانت محطة مميزة ساهم في إنجاحها عازفون و موسيقيون يتمتعون بكثير من الخبرة، و قد لاقت الفكرة حينها إعجاب الجمهور و كان الهدف منها هو مد جسر التواصل بين كبريات المدارس الغنائية في الجزائر و الترويج أكثر للطابع الأندلسي بالاعتماد على اختلاف أذواق جمهور كل فنان من بيننا.
ـ  من الغناء إلى شاشة التلفزيون هل أنت راضية عن تجربتك في التمثيل ؟
ـ  لا أخفيكم أن حلم التمثيل راودني دوما، و قد حصلت على أكثر من فرصة كانت أولها مع  الجزء الأول  من مسلسل «الخاوة»، لكن حينها رفضت العرض بسبب ارتباطات مهنية، بعدها بمدة خضت  تجربة مقتضبة في فيلم قصير مع بلقاسم حجاج خلال تصويري لكليب « للأمل» الذي دارت حوله قصة العمل عموما، ثم عرضت علي فكرة التمثيل مجددا، في مسلسل «الجريح» و كان ظهوري محتشما لكن حقيقة أقر بصعوبة الأمر.
لست راضية عن تجربتي في التمثيل
أديت في العمل دور الأم و رغم أني بذلت جهدا كبيرا للتمثيل بالشكل المطلوب مع مساعدة الطاقم العامل معي، إلا أنني لم أكن راضية  عن نفسي بالشكل الكافي  و حاليا لو عرضت علي الفكرة مجددا،  لن أرفضها لكنني سأتروى قبل الموافقة.
ـ  هل هناك دور  معين ترغبين في أداءه؟
ـ  لن أمتهن التمثيل فأنا مغنية في الأخير، لكن أرغب في أداء دور مغنية و لما لا تمثيل قصة حياة إحدى المطربات .
ـ  هل تشجعين طفلتيك على دخول عالم الفن ؟
ـ  أحترم كثيرا رغبة بناتي و لا أمارس سلطتي كأم لتحديد اختياراتهما أو إجبارهما على دخول عالم الفن من عدمه ، لكن حقيقة كلتاهما تملكان ميولات فنية بعيدة عن مجال الغناء، إذ تفضلان الكتابة السينمائية و التمثيل المسرحي.
أرفض العمل في ظل الظروف التي تعيشها الجزائر
ـ أنت مهندسة فهل تفكرين في العودة يوما إلى ورشة العمل؟
ـ  درست هذا التخصص عن حب و قناعة في فرنسا، لكن بعد ذلك بدأت ميولاتي للغناء تظهر بعد التحاقي بجمعية أنغام الأندلس، عندما عدت إلى أرض الوطن قمت بإصدار الألبوم الأول و كان مجرد تجربة ، بعدها أصدرت الألبوم الثاني و الثالث و بدعم كبير من زوجي وجدت نفسي أتفرغ تلقائيا للغناء و اخترته كمهنة دون سواه، أما تخصص الديكور و الهندسة فيبقى مجرد شهادة تحصلت عليها و انتهى الأمر .
فرضت قصائد غير تراثية لأفتح باب التجديد
ـ  ما جديدك الفني؟
ـ هناك الكثير من الأفكار و المشاريع لكنها مؤجلة و لا يمكنني الحديث عنها حاليا، و نشاطي الفني في الوقت الحالي شبه مجمد فأنا أرفض العمل في ظل الظروف التي تعيشها الجزائر ، باستثناء مواصلتي لمشروع تسجيل  القطعة الفنية  « كان يا مكان في غرناطة» التي أديتها على الركح خلال عدة مناسبات داخل و خارج الوطن، و هي مزيج بين سرد قصص خيالية و أداء قطع غنائية مع ذلك فلم أحدد بعد ما إذا كنت سأقوم بتسجيل العمل صوتيا فقط أو سأعمد إلى تصويره على شكل فيديو كليب كذلك.
عبرت عن ألمي من خلال الغناء
في النهاية أشكر جريدة النصر على هذه الفرصة التي ستسمح لي بالتقرب أكثر من جمهوري.
هـ. ع

الرجوع إلى الأعلى