يرى الباحث الجزائري  في مجال الطاقات البديلة و تطوير بطاريات الليثيوم، كريم زغيب، المتوج مؤخرا بجائزة ليونيل بوليت لعام 2019، « أرفع جائزة تمنحها حكومة مقاطعة كيبيك الكندية في مجال البحوث الصناعية و التطوير»، بأنه يتعين على جامعاتنا تغيير سياساتها و التركيز على الجوانب التطبيقية  بدل النظرية، و تفعيل آليات ميدانية لضمان التكوين المباشر للطلبة في المجالات التي تتماشى مع الحاجة الاقتصادية لتعزيز تواجد هذه المؤسسة كعصب محرك للقطاع، و لتتمكن فعلا من امتصاص البطالة و توفير مناصب الشغل لخريجيها، مؤكدا للنصر، استعداده، رفقة العديد من العلماء و الباحثين الجزائريين في المهجر،  للعودة لخدمة الوطن و تطوير البحث العلمي، شريطة توفر المناخين العملي و السياسي المناسبين.
حاورته: هدى طابي
و يعد كريم زغيب من  رواد البحث العلمي في مجال تطوير بطاريات الليثيوم ايون، و يرتبط اسمه بأكثر من 550  براءة اختراع، وما يزيد على 420 مقالة علمية، كما شارك في تأليف 22 كتابا.
أزمة صحية دفعتني للبحث في محاربة التلوث
يصنف «مؤشر هيرش» أهمية منشوراته في الدرجة  65، و ذلك من خلال العودة إلى معدل الاستشهاد بها،  مما يعني بأن تأثير العالم في مجاله كبير جدا.
يرأس منذ عام 2017 مركز «هيدرو كيبيك» للتميز في كهربة النقل وتخزين الطاقة.
سنة 2015 أدرج ضمن في قائمة «كلاريفيت أناليتكس» (طومسن رويتر سابقا) لأهم العقول العلمية المؤثرة في العالم لثلاث سنوات متتالية.
كما حصد أكثر من عشر جوائز عالمية و تكريمات أخرى، هو أستاذ زائر بجامعة ماك جيل، حاصل على زمالة الأكاديمية الكندية للهندسة عام 2017، والجائزة الدولية لتكنولوجيا البطاريات (2017) وزمالة الجمعية الكهروكيميائية (2011) والعديد من الجوائز العلمية الأخرى.
النصر: جزائريون كثـر تداولوا مؤخرا اسمك بعد تتويجك بجائزة ليونيل بلويه بكندا، لكن القليلين فقط يفهمون مجال تخصصك حدثنا أكثـر عنه ؟
ـ كريم زغيب : تستخدم بطاريات الليثيوم​ على نطاق واسع في الهواتف النقالة والحواسيب المحمولة، و السيارات الكهربائية بأنواعها الثلاثة، كما توظف في مجال تخزين الطاقة، و هي بطاريات تتكون من ثلاثة أجزاء يوجد فيها عنصر الليثيوم بقوة و تعد مصدرا طاقويا بديلا، حيث أنها تنتج طاقة نظيفة صديقة للبيئة.
مجال استغلال وتخزين الطاقة في الجزائر جد واعد
 . من الجزائر إلى فرنسا ثم اليابان و كندا ، كيف كان هذا الانتقال؟
ـ سنة 1992  بعد تسويق أول بطارية ليثيوم أيون في العالم من  طرف شركة «سوني» لاستخدامها في أجهزة التصوير والهواتف الجوالة،  دعتني وزارة التجارة الدولية والصناعة اليابانية إلى  الانضمام إلى برنامج أبحاث أيونات الليثيوم في إطار مشروع «نيو صن شاين» (أحد أكبر المشاريع الرائدة في مجال تطوير تكنولوجيا الطاقات المتجددة)، أمضيت ثلاث سنوات (1992-1995) في معهد أوساكا الوطني للأبحاث، في تطوير تقنيات  بطاريات الليثيوم أيون لتطبيقات الأجهزة المحمولة و السيارات الكهربائية. لقد كانت واحدة من أفضل الفترات في مسيرتي العلمية، والتي سمحت لي بإقامة العديد من أوجه التعاون مع شركات مثل سوني و سانيو وميتسوبيشي وغيرها.
بعدها قامت شركة «هيدروكيبيك» الكندية بتوظيفي مباشرة في اليابان عام 1995 لتأسيس نواة بحث وتطوير تقنيات بطاريات الليثيوم أيون، حيث ما زالت أعمل إلى اليوم، لتمتين الحلقة المعرفية الرابطة بين الكيمياء الكهربائية وفيزياء الحالة الصلبة، عدت إلى جامعة باريس السادسة لإعداد شهادة التأهيل لقيادة البحث في الفيزياء، علوم الخيار للمواد، أعلى شهادة في النظام الفرنسي، والتي حصلت عليها في عام 2002.
ـ كيف وقع اختيارك على مجال طاقوي بديل وأنت ابن بلد بترولي يعتمد اقتصاده على المحروقات؟
ـ دوافع الاختيار كانت بيئية، فقد عانيت منذ الصغر من مشكل الحساسية الشديدة التي كثيرا ما تطورت لما يشبه الربو، وذلك بسبب الدخان و البنزين و الغازات المحترقة المنبعثة من السيارات، لذلك كنت دائم المرض وأكره ركوب السيارات و الحافلات ، كان يصعب علي التنقل بها دون تغطية أنفي و فمي بمنشفة مبللة، وفي سن 17 تقريبا تعرضت لأزمة حادة، أقعدتني الفراش بعدما استنشقت الكثير من الغازات في ازدحام مروري سببه حادث مرور، قررت حينها أنني سوف أسعى لإحداث تغيير بيئي والقضاء على التلوث، بعدها أذكر أنني سنة 1983، عندما كنت أتابع مرحلة الدراسات العليا المتخصصة في الكيمياء الكهربائية في جامعة سطيف (الجزائر) قدم أستاذ فرنسي من معهد البوليتكنيك في غرونوبل (في إطار التعاون بين المؤسستين) محاضرة عن البطاريات كان لها وقع   كبير  على نفسي. التحقت بعد ذلك بفرنسا لمواصلة دراستي في الكيمياء الكهربائية. وبعد أن حصلت على شهادة الدراسات المعمقة ثم على الدكتوراه في الكيمياء الكهربائية في معهد التقنيات المتعدد (البوليتكنيك) بغرونوبل، بدأت في عام 1990 فترة تدريب لما بعد الدكتوراه على بطاريات الليثيوم أيون.

الجامعة الجزائرية كانت رائدة وأصبحت اليوم غير مقنعة
ـ نوبل للكيمياء منحت هذا العام، لباحثين في تطوير بطاريات الليثيوم، فيما تكمن أهميتها تحديدا، وهل سبق لك وأن تعاملت مع أحد المتوجين ؟
ـ يمكنني القول بأن سوق هذه البطاريات جد واعد، فمثلا تقدر قيمة سوق الهواتف الذكية بـ 10 مليار دولار سنويا، مقابل 20 مليار دولار سنويا، لمجال تخزين الطاقة الشمسية و الريحية، و 200مليار دولار سنويا في مجال السيارات، ذلك لأن السيارات الكهربائية تعد مستقبل قطاع النقل، بالنظر إلى توجهات كبريات شركات تصنيع السيارات في العالم ككل، فمثلا تؤكد «فولس فاغن» بأنها لن تعتمد على البنزين أو غيره في حدود سنوات  2030إلى 2040، ناهيك عن أن هنالك عوامل عززت أهمية الطاقة البديلة، كالتلوث و انخفاض احتياطي المحروقات في العالم مع معرفتنا بأن تجدد مخزون النفط في الأرض يتطلب على الأقل 300إلى ألف سنة.
 بالنسبة لجائزة نوبل، أجل أنا في تواصل دائم و عمل تنسيقي مستمر مع أحد المتوجين بها، وهو البروفيسور جون غودنوث،   وقد شاركته في كتابة العديد من المنشورات البحثية العلمية،  كما نظمت على شرفه سنة 2010، في مونتريال، المؤتمر العالمي حول بطاريات الليثيوم، فقضية البطاريات أصبحت تندرج في إطار الأمن العالمي بالنسبة لعديد الدول في ظل التوجه نحو الاعتماد أكثر على الطاقات البديلة في مجالات السيارات و الهواتف و حتى المنازل الذكية.
ـ هل يعني ذلك أن جائزة نوبل قد تكون جزائرية يوما؟
ـ هدفي الأساسي هو التركيز على تطوير عملي و خدمة العلم و الإنسانية، لكن إن منحت لي يوما فلن أرفضها طبعا.
النهوض بالتعليم العالي لا يكون بإحصاء المباني وحجمها
ـ كيف يمكن لبلادنا أن تستفيد من هذا المجال، خصوصا في ظل الحديث عن انحصار احتياطي المحروقات وإمكانية نضوب البترول في غصون 20سنة قادمة؟
ـ جغرافية الجزائر ممتازة، فضلا عن أن نظامها البيئي جد ملائم و ثروتها المنجمية هائلة، و التفكير يجب أن ينصب حاليا على التخطيط لما بعد البترول و الغاز، و بناء على هذه المعطيات فإن المستقبل يرتكز على التحويل الأول و الثاني للموارد الطبيعية من حديد و ليثيوم و سيليسيون، و غيرها قصد تصديرها كمركبات أولية تدخل في صناعة بطاريات الطاقة، وهو مسعى لن يتأتى إلا إن اعتمدنا على مخططات عمل و ضبطنا خارطة طريق جادة و توفرت الإرادة السياسية اللازمة للعمل بنزاهة بالاعتماد على شريك أجنبي منتج كاليابان مثلا.
 أضف إلى ذلك فإن مجال تخزين و استغلال الطاقة الشمسية و الريحية جد واعد في الجزائر بالنظر إلى مساحة الصحراء الشاسعة، خصوصا و أن هذه التكنولوجيا غير مكلفة و حظائر الطاقة الشمسة يمكن أن تعمر لأزيد من عشرين سنة كاملة، وهي مشاريع قاعدية يمكن أن تنطلق بتكلفة لا تتعدى 100 مليون دولار إن توفرت النزاهة.
ـ لنعد للحديث عن جائزة ليونيل بوليت 2019، هل تواصلت معك جامعات الجزائر قبل و بعد التتويج و ما تقييمك لمستوى البحث العلمي هنا؟
ـ  فعليا لا لم يكن هنالك أي تواصل قبل التتويج و حتى بعده من اتصلوا بي قليلون جدا، عكس الجامعات المغربية التي كنت دائما ومنذ سنوات على تواصل معها، مشكلة الجامعة الجزائرية هي أن كل كفاءاتها العلمية هاجرت لسبب أو لآخر، بعدما كانت مؤسسة رائدة سنوات السبعينات و الثمانينات ، أما الآن فوضعيتها غير مقنعة بدليل مراتبها ضمن تصنيف شنغهاي.

علماء مستعدون للعودة  إلى الجزائر
اعتقد أن النهوض بهذه الجامعة لا يكون ببناء الهكتارات و الإحصاء الرقمي لعدد المباني و حجمها، بل بنوعية التكوين و سياسات التدريس و مستوى الإنتاج البحثي، فزمن الاقتصاد الربحي أثر كثيرا على الاقتصاد الوطني و دور الجامعة الآن يكمن في إيجاد مخارج اقتصادية أخرى تعتمد على الكفاءات الطلابية و الطاقات المبدعة ، قضية تدريس اللغات الأجنبية مثلا لا تعد أولوية وليست معيارا للتقدم، بل الحل يكمن في  التخطيط الجاد و ضبط برامج وطنية تستند إلى مفهوم الحوكمة في التسيير ،  مع إسناد القرار للجان عملية و تنظيمية جادة تركز على البحث القاعدي والتطبيقي ،  لخلق مناصب الشغل من خلال دراسة الاحتياجات الملحة للسوق الوطنية، وهو أمر يمكن تحقيقه، و تجربة الصين خير دليل، إذ أنها كانت غائبة في مجال البحث قبل 20 سنة، لكنها اليوم رائدة.
ـ كباحثين جزائريين في المهجر ماذا تقترحون لبناء جزائر جديدة؟  
ـ نحن مستعدون لخدمة بلدنا و العودة للتنسيق مع جامعاتنا في حال توفر المناخين العلمي و البحثي المناسبين من مخابر بحث و  إمكانيات لوجيسيكية، وهو موقف أتشارك فيه مع العديد من العلماء و الباحثين في مجالات الطاقة و الذكاء الاصطناعي  و الموارد الطبيعية، إذ نقترح إنشاء لجنة  تخطيط و تشاور مكونة من باحثين من المهجر و باحثين من داخل الوطن، تضع خارطة طريق مستقبلية و تحدد أهدافا بحثية بعيدة و قصيرة المدى لخدمة التنمية الحقيقية.
ـ   بعيدا عن العلوم ما موقفك من الأحداث التي تشهدها البلاد في الآونة الأخيرة و هل تتابع أخبارها؟
ـ كأي جزائري غيور على وطنه، أتابع الأحداث و أتمنى فعلا أن ننتقل إلى مرحلة جديدة أحسن بكثير مما عشناه، شخصيا أزور الجزائر كل سنة، فقد ولدت في قسنطينة و عشت في سطيف مدينتي الأم، أحب الرياضة و أقترح أن يمنح لأبناء المهاجرين حق تولي المناصب السياسية في البلاد، تماما كما سمح للرياضيين واللاعبين بالانضمام للفريق الوطني، لأن النتائج ستكون مبهرة فللجزائر الحق في الاستفادة من خبرات أبنائها، ككل و قرار منع مزدوجي الجنسية من اعتلاء المناصب اعتبره مجحفا في حقهم و في حق الوطن أيضا.
أقترح أن يمنح لأبناء المهاجرين حق تقلد المناصب السياسية
ـ ما هي الصورة التي يروج لها الجزائري عن بلده في كندا؟  ولماذا أصبحت الهجرة إليها حلم كل شاب؟
ـ صورة جيدة فجزائريو كندا نخبة حقيقية، كلهم باحثون و مهندسون و دكاترة و طلبة و الكثير من الصيادلة، هي جالية جد مرموقة، وذلك بالنظر إلى أن معايير الهجرة نحو هذا البلد صارمة و فئوية.
 أما عن حلم الهجرة إليها، فلأنها ببساطة بلد الفرص، ففي كندا تنال على قدر اجتهادك و عملك و إنتاجك، البلد عرف وزراء من الهند و جنسيات أخرى، بمعنى أنه منفتح و يعترف بالكفاءات وفقط.
هـ-ط

الرجوع إلى الأعلى