فرص نجاح الأطباء الجزائريين في بريطانيا كبيرة  
* ظروف العمل في مستشفياتنا أفرغت القطاع من الكفاءات
 كرمت مؤخرا شرطة مدينة كنت، الإنجليزية، الطبيبة الجزائرية ليليا حبية، نظير جهودها و أدائها المهني المميز بمستشفى « كينغس كوليج يونيفرسيتي هوسبيتل»، لتثبت بذلك الدكتورة حبية، بأن الكفاءات الجزائرية لا تقل أهمية عن نظيرتها في الخارج، كما أكدت في حوارها مع النصر، متحدثة عن إمكانيات النجاح في إنجلترا وعن العراقيل البيروقراطية في الجزائر، كما تطرقت خلال الحوار إلى واقع التكوين و التخصص في كليات الطب المحلية، و عرجت للحديث عن أهمية اللغة الإنجليزية و التكوين الذاتي في مسار كل طبيب و دورهما في رسم آفاقه المستقبلية.  
حاورتها : هدى طابي
بيروقراطية الإدارة أخرت التحاقي بالعمل ثلاث سنوات
*  النصر: تناقلت مواقع التواصل مؤخرا، صورك بعد تكريمك في بريطانيا، نظير أدائك المهني و كفاءتك ، هل لنا أن نعرف أكثـر عنك و عن طبيعة هذا التكريم؟
ـ ليليا حبية: أنا طبيبة جزائرية مقيمة ببريطانيا، تخرجت من كلية الطب بسطيف سنة 2005، و اجتزت امتحان التخصص في العاصمة، نجحت و تخصصت لمدة خمس سنوات في جراحة الفك و الوجه بمستشفى بني مسوس، و في سنة 2013 ارتبطت بزوجي وهو صحفي بشبكة «بي بي سي» الإخبارية، فانتقلت للعيش معه  في المملكة المتحدة، بعدما كنت قد أنهيت اختصاصي،  و كان الانتقال صعبا جدا، بسبب الإجراءات الإدارية الجزائرية، حيث تطلبت عملية معادلة الشهادة وحدها 3 سنوات كاملة، ما اضطرني للاستعانة بمحام لإتمامها، بعدها اجتزت امتحان المعادلة و تفوقت فيه و أثبتت أنني مستعدة للعمل في قطاع الصحة في بريطانيا، فحصلت مباشرة على رخصة ممارسة العمل في مستشفى « كينغس كوليج يونيفرسيتي هوسبيتل».
أما بخصوص التكريم، فقد كان من  قبل شرطة مدينة «كنت» في الضاحية اللندنية، نظير الجهود التي قمنا بها كطاقم عمل، لإسعاف سيدة تعرضت للضرب على يد زوجها، حيث أثنى القضاء على عملنا و أوصى شرطة المدينة بتكريمنا، عرفانا بالجهد الذي قمنا به و نوعية الخدمة التي قدمناها.
التعليم بالانجليزية يختصر الوقت و الجهد

*  هل كان الانتقال من المستشفيات الجزائرية إلى البريطانية سهلا، أم أن حاجز اللغة طرح كعائق أمامك؟
 ـ  قضية اللغة أخذت مني وقتا، ففي البداية واجهت صعوبة في التواصل و التسوق و ممارسة حياتي بشكل طبيعي، لذلك التحقت بدروس مكثفة لتعلم الإنجليزية،  وكنت أدرس اللغة و أستمع باستمرار للراديو. اجتهدت كثيرا إلى أن تمكنت من تعلمها وهكذا استطعت أن أبرهن على كفاءتي المهنية بعد التحاقي بأحد مستشفيات الضواحي، فاحترم الجميع مؤهلاتي و شجعوني كثيرا.
* بالحديث عن الإنجليزية هل ترين أن قرار تعميم التدريس الجامعي بها في الجزائر متأخر نوعا ما؟
ـ  لا، التعليم بكل اللغات جيد، بما في ذلك الفرنسية التي تعد تأشيرة الأطباء الجزائريين نحو مستشفيات باريس، مع ذلك لا أحد ينكر أن الإنجليزية أصبحت ضرورية، لأنها تفتح الأبواب حتى في البلدان الناطقة بغيرها، بمعنى أن الدراسة بها تختصر الوقت و الجهد، ففي فرنسا مثلا، يتلقى الأطباء دروس الدعم في الإنجليزية، لأنها لغة البحث العلمي.
مستوى تكوين الأطباء في الجزائر لا يقل عن الخارج
* من خلال تجربتك في مستشفيات الخارج، هل لاحظت تراجعا فعليا في مستوى تكوين الطبيب الجزائري؟ و أين يكمن الخلل تحديدا؟
ـ  صراحة المشكل لا يكمن في التكوين الجامعي، بل في الإمكانيات داخل المستشفيات، أو بالأحرى ظروف ممارسة طبيب جزائري متمكن في مجاله، لأنه يتعلم الكثير ميدانيا، كما أنه يملك الحماس للعمل، ولذلك يحظى بالترحيب في الخارج، الخلل يكمن في ضعف التكوين الذاتي المتواصل، أي ما بعد التخصص، لأن الانشغال بالعمل في ظل الظروف التي تعرفها مستشفياتنا، يجعل الكثيرين يغفلون عن شق مواكبة البحث  العلمي، وهو تحديدا ما تسبب في تأخرنا من ناحية التقنيات الجديدة التي يمكن القول بأنها تجاوزتنا بحوالي 30 سنة.
التكوين الذاتي هو نقطة ضعف الطبيب الجزائري
* معادلة شهادتك المهنية هل أثر على تصنيفك كأخصائية، وهل استدعى التباين في نظام التكوين بين البلدين تخفيض رتبتك؟
ـ  حاليا أمارس مهنتي برتبة تعادل طبيب مقيم في الجزائر، ليس بسبب مستوى التكوين، بل بالنظر إلى اختلاف التخصصات بين النظامين الصحيين للبلدين، فأنا أخصائية في  جراحة الوجه والفك، وهو تخصص غير موجود في بريطانيا، عكس فرنسا، فهو هنا يعد كجزء من التكوين في جراحة الأسنان، ولكي أمارس تخصصي بنفس التصنيف السابق، يتوجب علي مواصلة الدراسة في هذا المجال، وهو أمر تعذر علي بسبب التزاماتي العائلية كأم، لذلك فقد تم توجيهي مباشرة إلى مستشفى الاستعجالات و الصدمات، أين أعمل كطبيبة عامة و أجري جراحة الثدي، وهي وظيفة عينت فيها، بعدما أثبتت كفاءتي المهنية خلال 18 شهرا فقط.
أما بخصوص مستوى الأداء، فيمكنني القول بأن زملائي و المشرفين علي، لطالما أثنوا على تكويني و تفوقي الميداني التي اكتسبته بفضل خبرتي في المستشفيات الجزائرية، أين يواجه الطبيب المريض مباشرة، حتى وهو في فترة التربص و الإقامة، وهنا أريد أن أذكر فضل الوزير البروفيسور بن بوزيد علي، فقد كنت تلميذته.
* يروج بأن الأطباء الجزائريين يشكلون نسبة 40 بالمئة من ممارسي الصحة في فرنسا، ما هي أسباب هجرة الكفاءات الجزائرية نحو الخارج؟

ـ  من خلال احتكاكي بزملائي يمكنني أن اختصر الأسباب في ظروف الممارسة المهنية، و نقص الإمكانيات، ولعل شقيقتي وهي طبيبة أطفال بفرنسا، تعد خير دليل أستشهد به، مع ذلك  فالأمر مختلف بالنسبة إلي، فلولا الزواج، ما كنت لأفكر بالهجرة، نظرا لارتباطي العاطفي ببلدي.
* ما هي التخصصات الأكثـر طلبا في بريطانيا و لماذا يفضل الجزائريون فرنسا على المملكة المتحدة ؟
 ـ كل التخصصات مطلوبة تقريبا ، لأن الطب لا يعد من أولويات البريطانيين، نظرا لمدة و تكاليف دراسته، ناهيك عن ميل أبناء المجتمع للتخصصات المالية، كالاقتصاد و التسيير و التكنولوجيا كالذكاء الاصطناعي، وهو ما جعل الطلب على الأطباء الأجانب يزيد لسد العجز، حتى وإن كان هناك ميل إلى استقطاب الممارسين من المستعمرات الإنجليزية السابقة، بسبب تقارب نظم التكوين، وعليه، فإن ظروف الأطباء هنا جيدة ، و إمكانية التحاق الجزائريين بهذا القطاع و النجاح فيه جد كبيرة.
أما بالنسبة لتفضيل فرنسا كوجهة أولى للهجرة، فالسبب معروف و يتعلق أساسا بتشابه نظامي التعليم و التكوين في ذات التخصص، ناهيك عن عامل اللغة.
لندن وجهة الجزائريين الأولى و البركسيت أثر على الجميع
* أين ترتكز الجالية الجزائرية في بريطانيا و كيف تأثرت ظروف عيشكم هناك بسبب البركسيت؟
ـ هنا أغلبية الأشخاص يفضلون لندن، بما في ذلك الجزائريين، لأن  كل ظروف العيش فيها أفضل، ففرص العمل أكبر، و الإسلاموفوبيا ضعيفة، و المجتمع متفتح ومعيار التقييم  الأول هو الكفاءة، ناهيك عن أن معظم الجزائريين الذين يقصدون بريطانيا، يأتونها من فرنسا لذلك يفضلون العاصمة.
بخصوص، البركسيت، هناك بوادر أعتبرها شخصيا مظهرا من مظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية، حتى وإن كان هناك من يميلون إلى القول بأنها تبعات التوجه نحو البركسيت، الذي يمكنني القول بأنه فكرة جد مرفوضة في المجتمع المحلي البريطاني، كونه سيؤثر سلبا على ظروف العمل و فرص التوظيف و مستوى المعيشة ككل.        
هـ/ ط

الرجوع إلى الأعلى